فوضى المستشفيات الأهلية في العراق.. انهيار المعايير الصحية واستغلال المرضى دون رقيب- عاجل
تاريخ النشر: 18th, March 2025 GMT
بغداد اليوم - بغداد
تحوّلت المستشفيات الأهلية في العراق من خيار بديل لدعم القطاع الصحي إلى مشكلة متفاقمة تهدد حياة المواطنين، وسط غياب واضح للرقابة من قبل وزارة الصحة. في ظل الفوضى التي تجتاح هذه المستشفيات، أصبح المرضى في مواجهة مباشرة مع تجاوزات كارثية، بدءًا من الخدمات الطبية الرديئة، مرورًا بالتشخيصات الخاطئة، وانتهاءً بالاستغلال المالي الفاضح.
قطاع بلا رقابة.. كيف تحوّلت المستشفيات الأهلية إلى تجارة رابحة على حساب المرضى؟
على مدى السنوات الأخيرة، أظهرت التقارير الميدانية والشكاوى المتزايدة من المواطنين أن العديد من المستشفيات الأهلية باتت تعمل خارج أي إطار قانوني واضح، حيث لا تلتزم بالبروتوكولات الصحية المعتمدة، ولا تخضع لمعايير السلامة الطبية. هذا التجاوز انعكس بشكل مباشر على صحة المرضى الذين أصبحوا فريسة لعمليات طبية غير دقيقة، وأدوية غير مطابقة للمواصفات، ناهيك عن رفع أسعار الخدمات الصحية بشكل جنوني، وكأن هذه المستشفيات تُدار وفق منطق "التربح لا العلاج".
وتشير مصادر طبية، تحدثت لـ"بغداد اليوم"، إلى أن "وزارة الصحة لم تعد تفرض رقابة فعلية على أداء المستشفيات الأهلية، ما سمح لهذه المؤسسات بالعمل دون محاسبة أو مساءلة، مستغلة حاجة المرضى للعلاج وسط التدهور الحاد في المستشفيات الحكومية".
خريجون بلا خبرة وأطباء وافدون.. كيف تدير المستشفيات الأهلية ملف التوظيف؟
لا تقتصر التجاوزات في المستشفيات الأهلية على جودة الخدمات الطبية فقط، بل تمتد إلى ملف التوظيف، حيث يتم تعيين خريجين حديثين أو كوادر طبية وافدة، خصوصًا من سوريا، دون التأكد من كفاءتهم أو حصولهم على التراخيص المطلوبة.
المصادر الطبية أكدت أن "العديد من هذه المستشفيات تعتمد على توظيف كادر طبي غير مدرب بشكل كافٍ، بل يتم استغلالهم ماديًا ومهنيًا، في وقت يتم فيه إقصاء الكفاءات الوطنية لصالح عمالة أقل كلفة". هذه السياسة لا تؤدي فقط إلى تراجع مستوى الرعاية الصحية، بل تضع حياة المرضى في خطر حقيقي نتيجة الأخطاء الطبية والتشخيصات العشوائية.
عمالة أجنبية تحت غطاء "عمال خدمة"
لم تقف هذه التجاوزات عند حد التعيينات العشوائية، بل تجاوزت ذلك إلى استقدام كوادر طبية بطرق غير قانونية. فقد كشفت تقارير سابقة أن بعض المستشفيات الأهلية تستقدم ممرضين وأطباء أجانب، خاصة من بعض الدول العربية، تحت غطاء "العمالة الأجنبية" وليس ككوادر طبية، أي أنهم يدخلون البلاد بتأشيرات عمال خدمة، وليس كأطباء أو ممرضين.
ويؤكد مراقبون أن هذا الأسلوب يسمح لهذه المستشفيات بتوظيف عمالة رخيصة دون الحاجة إلى التدقيق في شهاداتهم أو خبراتهم الطبية، مما يشكل تهديدًا مباشرًا لصحة المرضى. فهؤلاء العاملون يُزَجّ بهم في غرف العمليات وأقسام الطوارئ دون أي رقابة على مدى كفاءتهم، ما يزيد من الأخطاء الطبية والمخاطر الصحية داخل هذه المستشفيات.
لم تعد الأخطاء الطبية في المستشفيات الأهلية مجرد حوادث فردية، بل أصبحت ظاهرة متكررة تُنذر بعواقب وخيمة على صحة العراقيين. تقارير طبية كشفت عن عدة حالات أصيب فيها المرضى بمضاعفات خطيرة نتيجة لتشخيصات غير دقيقة، أو بسبب استخدام أدوية غير مطابقة للمواصفات الطبية المعتمدة.
ويقول أحد الأطباء العاملين في مستشفى أهلي ببغداد، رفض الكشف عن اسمه، إن "بعض المستشفيات الأهلية لا تلتزم بمعايير التعقيم واستخدام المستلزمات الطبية ذات الجودة المطلوبة، ما يؤدي إلى تفشي الالتهابات بين المرضى، خاصة في أقسام الجراحة". كما أشار إلى أن "هناك حالات يتم فيها إجراء عمليات دون مبرر طبي واضح، فقط لدوافع مادية بحتة، وهو أمر كارثي يستدعي تدخلاً فورياً من الجهات المختصة".
ورغم أن وزارة الصحة العراقية تمتلك السلطة القانونية للإشراف على المستشفيات الأهلية، إلا أن الواقع يكشف عن غياب شبه تام لأي إجراءات رقابية صارمة. فحتى عندما تصدر الوزارة قرارات بإغلاق مستشفيات مخالفة، غالبًا ما يتم التحايل على هذه القرارات عبر تدخلات سياسية، أو عبر إعادة فتح المنشآت الطبية تحت أسماء جديدة.
وبحسب مصادر طبية، فإن "بعض المستشفيات تحصل على تراخيصها بطرق غير قانونية، مستفيدة من علاقات مالكيها بنفوذ سياسي أو مالي، ما يجعل مساءلتها أمرًا بالغ الصعوبة".
في ظل هذه الفوضى، تصاعدت الدعوات من جهات رقابية ومنظمات مجتمع مدني تطالب الحكومة العراقية باتخاذ إجراءات عاجلة لضبط عمل المستشفيات الأهلية. وأكدت هذه الجهات ضرورة إعادة النظر في آليات منح التراخيص، وتفعيل الرقابة المستمرة على أداء هذه المستشفيات، مع فرض عقوبات صارمة بحق المؤسسات الصحية التي يثبت تورطها في تجاوزات تضر بالمرضى.
كما شددت التوصيات على أهمية إطلاق استراتيجية وطنية لإصلاح القطاع الصحي، تتضمن وضع معايير واضحة لجودة الخدمات الطبية، وتعزيز الشفافية في إدارة المستشفيات الأهلية، إضافة إلى تحسين أوضاع الأطباء والكادر الطبي العامل فيها.
إن استمرار الفوضى في المستشفيات الأهلية العراقية لا يهدد فقط صحة المواطنين، بل يضع مستقبل القطاع الصحي برمته في خطر. ومع تصاعد الشكاوى من سوء الخدمات وغياب الرقابة، بات من الضروري التحرك العاجل لإنقاذ المرضى من هذا الاستغلال الممنهج. إن القطاع الصحي ليس مجرد سوق للربح، بل هو شريان الحياة لأي دولة، وإذا لم تتدخل الحكومة لضبط التجاوزات في هذا المجال، فإن الكارثة الصحية المقبلة ستكون أكبر من أن يتم احتواؤها.
الكرة الآن في ملعب وزارة الصحة.. فهل تتحرك قبل فوات الأوان؟
المصدر: قسم الرصد والتحليل في بغداد اليوم
المصدر: وكالة بغداد اليوم
كلمات دلالية: المستشفیات الأهلیة هذه المستشفیات فی المستشفیات القطاع الصحی وزارة الصحة
إقرأ أيضاً:
مؤشرات خطيرة في سوريا تنذر بتكرار فوضى العراق بعد صدام
قارنت الباحثة السياسية سالي مايكل بين التداعيات المستمرة لسقوط الرئيس السوري بشار الأسد في سوريا والفوضى التي أعقبت الإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين في العراق.
مستقبل سوريا يعتمد على قدرة قيادتها الجديدة على إدارة مرحلة ما بعد الأسد بحكمة
وقالت الكاتبة المتخصصة في الصراعات والإرهاب في جامعة أوكلاند، نيوزيلندا، في مقالها بموقع "ذا هيل" الأمريكي، إن سوريا قد تعيد أخطاء العراق الكارثية، ولا سيما تصاعد العنف الطائفي وإخفاق العدالة الانتقالية وتنفيذ إصلاحات غير مدروسة.وشددت الكاتبة على الحاجة الملحّة إلى تجنب القيادة السورية الجديدة سياسات مماثلة لاجتثاث حزب البعث، وأن تركز بدلاً من ذلك على الحكم الشامل الذي يضمن تمثيل جميع الفئات، لمنع انزلاق البلاد إلى مزيد من الفوضى وعدم الاستقرار. اجتثاث البعث في العراق: تحذير لسوريا
وأشارت الكاتبة إلى العواقب الكارثية التي نتجت عن سياسة اجتثاث البعث في العراق بعد سقوط صدام حسين، فقد أدى تفكيك مؤسسات الدولة وإقالة أكثر من 100 ألف من الكوادر المهنية المرتبطة بحزب البعث، إضافة إلى حل الجيش وإعادة هيكلة الحكومة تحت قيادة شيعية، إلى تهميش فئة كبيرة من المجتمع، خصوصاً السنة، مما تسبب بخلق بيئة مواتية لظهور التمرد المسلح وصعود الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم داعش.
The post-Assad era started with high hopes and relative calm but as Syria remains deeply fractured, many feared that an explosion of tensions was almost inevitable. The recent violence is the most serious challenge to interim President Sharaa yet.https://t.co/kvzbuptZqz
— Hugo Bachega (@hugobachega) March 11, 2025وأوضحت الكاتبة أن هذه الخطوات، التي نُفذت دون خطة واضحة للانتقال السياسي، فاقمت الانقسامات الطائفية وأدت إلى سنوات من العنف وعدم الاستقرار.
وأكدت أنه يتعين على سوريا أن تتعلم من هذا الدرس، وتتفادى تكرار السياسات الانتقامية التي قد تستهدف العلويين، وهم الأقلية التي ارتبطت بنظام الأسد لعقود.
ورأت الكاتبة أن أي محاولات لإقصاء العلويين من مؤسسات الدولة أو تحميلهم جميعاً مسؤولية تجاوزات النظام قد تؤدي إلى ردود فعل عنيفة وخلق أرضية خصبة للتمرد، تماماً كما حدث في العراق.
وسلطت الكاتبة الضوء على أحمد الشرع، الرئيس السوري الجديد، الذي وعد بإجراء إصلاحات واسعة النطاق تهدف إلى حماية حقوق الأقليات وتحديث البلاد.
غير أن الأوضاع الأمنية تشير إلى عكس ذلك، إذ شهدت سوريا تصاعداً حاداً في العنف الطائفي، حيث وقعت اشتباكات عنيفة بين القوات السورية والمجتمعات العلوية، أسفرت عن مقتل أكثر من 1000 شخص في غضون يومين فقط. وتثير هذه الحوادث مخاوف جدية بشأن قدرة الحكومة على تحقيق الاستقرار في البلاد.
Syrian President Ahmed Al-Sharaa:
Regime remnants exploiting past atrocities – Former regime elements are stirring chaos by reviving past wounds, using the legacy of torture and oppression in prisons like Saydnaya reignite tensions and reverse the progress of the revolution.… pic.twitter.com/Aws4leSd7y
ورغم إعلان الشرع أنه لن يكون هناك "تطهير جماعي"، وأنه منح العفو لغالبية جنود النظام السابق، ما تزال الطائفة العلوية تشعر بالخوف على مستقبلها.
كما أن التقارير التي تفيد باستبدال كبار المسؤولين بشكل غير شرعي فضلاً عن خطط الحكومة الجديدة لتقليص عدد الوظائف في القطاع العام قد زادت من حالة التوتر داخل المجتمع السوري.
وعلى الرغم من تعهدات الحكومة الجديدة بحمايتهم، تفيد التقارير بأن العلويين المدنيين قد تعرضوا لهجمات انتقامية، بما في ذلك عمليات إعدام، فضلاً عن اشتباكات مسلحة عنيفة في المناطق ذات الأغلبية العلوية.
ورأت الكاتبة أن هذه التطورات قد تدفع العلويين إلى حمل السلاح دفاعاً عن أنفسهم، ما سيؤدي إلى تصعيد جديد في الصراع السوري. وإذا لم تتخذ الحكومة إجراءات حقيقية لحماية جميع مكونات المجتمع، فقد تجد سوريا نفسها في دوامة من العنف الطائفي المستمر، على غرار ما حدث في العراق بعد سقوط صدام حسين. إيران تحاول استعادة نفوذها وتناولت الكاتبة التداعيات الإقليمية لسقوط الأسد، خاصة على إيران، التي فقدت حليفاً رئيساً وخسرت ممرات استراتيجية كانت تستخدمها لنقل الأسلحة إلى حلفائها مثل حزب الله.
ورأت الكاتبة أن طهران لن تتخلى بسهولة عن نفوذها في سوريا، بل من المحتمل أن تحاول استغلال الانقسامات الطائفية لفرض وجودها مجدداً.
وتفيد التقارير الواردة بأن جماعات مرتبطة بإيران بدأت بالفعل في تنفيذ هجمات داخل سوريا، مما يعكس محاولات طهران للتأثير في الوضع الأمني والسياسي. ويضيف هذا العامل مزيداً من التعقيد إلى المشهد السوري، خاصة مع احتمال تدخل قوى أخرى في الصراع، مثل تركيا وروسيا، التي لها مصالح استراتيجية في البلاد. الدستور الجديد: ضرورة تجنب أخطاء العراق وشددت الكاتبة على أهمية صياغة دستور جديد قادر على توحيد السوريين بدلاً من تقسيمهم. وحذرت من تكرار خطأ العراق، حيث تم اعتماد دستور متسرع وغامض زاد من الانقسامات الطائفية بدلاً من تهدئتها.
يقترح الشرع جدولاً زمنياً يمتد لثلاث أو أربع سنوات لصياغة الدستور الجديد وإجراء الانتخابات، لكن سالي مايكل تؤكد أن النجاح في هذه المهمة يتطلب مشاركة جميع الفئات، بما في ذلك الأكراد والدروز والمسيحيون.
ورأت الكاتبة أن تحقيق التوازن بين دور الدين في الدولة وضمان الحقوق الديمقراطية سيكون تحدياً كبيراً، خاصة في ظل النفوذ القوي للفصائل الإسلامية داخل الحكومة المؤقتة. هل يمكن لسوريا أن تتجنب مصير العراق؟ واختتمت الكاتبة مقالها بالتحذير من أن مستقبل سوريا يعتمد على قدرة قيادتها الجديدة على إدارة مرحلة ما بعد الأسد بحكمة، وتجنب السياسات الإقصائية، وخلق نظام سياسي يشمل جميع الأطياف السورية.
وأشارت إلى أن التجربة العراقية تظهر أن الأخطاء في العدالة الانتقالية والإصلاح السياسي يمكن أن تؤدي إلى عقود من العنف والانقسامات.