بابكر إسماعيل يكتب: مصباح وسراج منير
تاريخ النشر: 18th, March 2025 GMT
شاب نحيف شفيف .. حول عنقه كوفية فلسطينية تغطي جروحاً بعنقه لا تبرأ
ويرتدي كذلك نظارة طبية .. فالمصباح مريض بداء السكري من النوع الأول ويتعاطى إبر الإنسولين وهذا عذر كاف ليقعد عن القتال بسسب المرض .. ولكنه لم يكتف بالمشاركة في العمليات بل تصدّى لقيادة المجاهدين
كان قبل الحرب تاجراً يبيع الأواني المنزلية .
إنه نموذج حديث للقادة الشباب ..
لا تنتفخ أوداجه بالكلام المقعّر ..
فهو هاديء كماء نيلنا الأبيض ينساب في سهولة ويسر ..
واسع الخطى تراه في صحابته فلا تدري أيهم مصباحهم المنير ..
لا تميزه إلا بعصاة يحملها دوماً في يمناه وجهاز اتصال في يسراه ..
إذا مشى أسرع وإذا تحدّث أبان وأسمع في غير تقعّر ولا تكلف ..
وإذا ضربت مسيراته أوجع ..
ذاك هو قائد البرائيين المصباح أبو زيد بن طلحة بن إبراهيم ..
وهو مثل أخيه .. البراء بن مالك (شقيق أنس بن مالك ملازم الرسول وخادمه) وقد قال عمر بن الخطّاب في البراء بن مالك لا تستعملوا البراء بن مالك على جيش من جيوش المسلمين فهو مهلكة من المهالك ..
أما براؤنا السوداني ومصباحنا المنير فهو وإخوانه البراؤون هم مهلكة للجنجويد ورحمة لأهل السودان .. يقاتلون بيد ويعمرون السودان باليد الأخرى فقد رأيناهم يتولون تسيير مستشفى الحصاحيصا .. والحصاحيصا الجريحة وما حولها من القرى استباحتهم عصابات عربان الشتات من قجة وجلحة وبراشمها وشفشافوها فقد تلقّت المدينة ضربات موجعات من مغول العصر ولصوص العطاوة العابرين للحدود ..
ونزفت أرياف الحصاحيصا في الفريجاب وأبو نورة وغيرها من ريف الجزيرة المعطاء ..
في يوم اليمامة (حرب مسيلمة الكذاب وحميدتي عصره) خطب البراء بن مالك يا أهل المدينة لا مدينة لكم اليوم ..إنما هو الله وحده والجنة .. وحمل على جنجويد ذلك العصر المرتدين بقيادة مسيلمة بن دقلو الكذاب .. فجُرح جسمه أربعة وثمانين جرحاً ..
وكذا حمل المصباح والبراؤن في معارك المدرعات والمهندسين وقالو لعساكر المدرعات والمهندسين لا مدرعات ولا مهندسين لكن إنما الله والجنة فتحقق النصر في كليهما بشجاعة فرسان البرائين وجنود جيشنا البواسل .. وجرح المصباح بن مالك في اليمامة كل تلك الجروح .. وكان خالد بن الوليد وهو القائد العام لجيوش المسلمين آنذاك يطبب جروح البراء بن مالك بنفسه لمدة شهر كما زار عبد الفتاح بن البرهان القائد العام للقوات المسلحة السودانية المصباح أبا زيد في مستشفى عطبرة عندما كانت تطبب جراحه بها واطمأن على قائد صحة البرائين .. وسلامته وأنه عائد إلى المعارك يقوده الإيمان وهو نعم الشاهد ومعه القذيفة والمسيّرة والكتاب الخالد ..
بايع البراء بن مالك رسول الله صلي الله عليه وسلم في بيعة الرضوان تحت الشجرة كما بايع المصباح قيادة الحركة الإسلامية على النصر والشهادة
“ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها” …
وقد اشتهر عن البراء بن مالك أنه قتل في مبارزاته مائة من فرسان أعدائه،
وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كم ضعيف متضعف ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره، منهم البراء بن مالك” أخرجه الحاكم، وصححه ..
فصاحبنا ابن أبي زيد بن طلحة ضعيف متضعف ونحسب أنه لو أقسم على الله في دخول القصر الجمهوري في هذه الليلةَ لأبرّه ..
ولكن قبل ذلك نرجو أن يحدثنا سراج البرائين المنير ومصباحهم الدريّ كم قتلت كتيبة البراء من عتاة الجنجويد بالمسيرات وكم قتلوا بالعمل الخاص؟
ومن إخوة البراء بن مالك أخوه أبو عمير بن طلحة الأنصاري وأخوه عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري وأخوهم في صدق القتال بلا هوادة المصباح بن طلحة السوداني الجعلى ..
كما حارب البراء بن مالك المرتدين الذين تمردوا على دولة المدينة فقد حارب المصباح بن طلحة متمردي آل دقلو الذين تمرّدوا على جيش السودان .. مسنودين بيهود بني قريظة المستعربة ..
وكما انتصر البراء بن مالك بن النضر فسوف تنتصر كتيبة البراء .. وسيدخل لواء البراء بن مالك القصر الجمهوري كما أقسم حامل اللواء .. المصباح بن مالك ..
وكما دخل البراء بن مالك حصن تستر .. ففي حصار تستر سنة 20 هـ،(في بلاد الفرس) استدل المسلمون بعد أن طال الحصار على سرب يصل إلى وسط المدينة، فدعى أبو موسى الأشعري أمير الجيش البراء بن مالك، ليجمع جماعة يدخلون معه السرب لفتح الحصن من الداخل. استعان البراء بمجزأة بن ثور وعدد من الرجال، فاستطاعوا الخلوص إلى جوف المدينة، وفتح باب الحصن، إلا أن البراء ومُجزأة قتلا يومها، قتلهما الهرمزان قائد الفرس.
ألا رحم الله البراء .. والبرائبن الذين فاضت أرواحهم الطاهرة وسالت دماؤهم الزاكية فداءاً لوطن العزة والكرامة والإيمان وثلة الآخرين ..
بابكر إسماعيل
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: البراء بن مالک المصباح بن بن طلحة
إقرأ أيضاً:
كريم خالد عبد العزيز يكتب: رسالة تقوية وتشجيع: ذكريات خالدة وحب متجدد
نتذكر ونذكر ما مضى من أقوالنا وأفعالنا ومشاعرنا والأماكن التي ترددنا عليها في لحظات تأملنا، وما رحلوا عن عالمنا ممن نحب. عندما نتذكر أو نذكر كل هذه الأشياء، نكون قد صنعنا ذكريات.... الأهم من صناعة أجمل الذكريات هو الحرص على تخليدها، والأهم من تخليدها معرفة كيفية إحيائها عبر السنين لتكون مؤثرة وعميقة فينا وفي غيرنا ممن نشاركهم ذكرياتنا.
الإنسان المؤمن والمبدع هو من يحول حزنه إلى فرح، وما يحزنه من ذكريات مؤلمة إلى تذكار خالد يسعده أو على الأقل يضمد جرح قلبه.... كم يؤلمنا فراق من رحلوا عن عالمنا ممن نحب، وكم يؤلمنا شعورنا بالعجز عن إعادتهم وإستعادة لقائنا بهم.... بالإيمان نقوى وندعو لهم بالرحمة ونؤمن أن صلواتنا تصل إليهم وأننا سنلتقي بهم يوما ما.... وبالإبداع نظهر ونبرز أجمل ما كان بيننا من ذكريات ونحكي عنها للجميع ونفتخر بها لتكون ذكريات خالدة ومتجددة.
كما ندرك أننا إمتداد لهم وإستمرارنا في الحياة هو إستمرار لدورهم وحصاد لما زرعوه فينا ومعنا. يستطيع الإنسان أن يخلد بروحه وبما ترك من أثر طيب في قلوب الناس رغم رحيله بالجسد، بينما هناك أشخاص أحياء بالجسد لكنهم أموات بالروح لا يتفاعلون ولا يؤثرون في غيرهم.... الإبداع والفن والقدرة على التعبير والتأثير، المحركات الرئيسية لترك أثر وبصمة خالدة.
جميعنا كبشر رسل لغيرنا مستعملين من الله، خلقنا لرسالة محددة، حتى الشخص السيء والفاسد له دور في الحياة ورسالة، دوره ورسالته تكمن في حرص الصالحين الإبتعاد عنه كونه نموذج لا يحتذى به. الحكمة هي قمة الفهم العميق للأمور، الحكمة تجعلنا أذكياء ولدينا فلسفة خاصة في فهم الأشياء والحياة حولنا.... لا يمكن أن نعلم أو نتعلم الحكمة وإنما هي فطرة يوجدها الله في بعض البشر وينميها الإنسان بالتأمل والتحليل والتثقيف والإيمان.... ومن الحكمة أن نعرف كيف نبدع في صناعة ذكرياتنا مع من نحب، وفي تخليد تلك الذكريات وإحيائها بين الناس.
نعمة الحياة نعمة عظيمة لا تقدر بثمن علينا أن نشكر الله عليها وأن نقضي أوقات جميلة مع من نحب، مع منح العائلة الوقت الأكبر.... علينا أن نستفيد من وجود من نحب وهم لا يزالون على قيد الحياة، ونستغل الجوانب الإيجابية للتكنولوجيا من التقاط الصور ومقاطع الفيديو لأنها أدوات تسهل الاحتفاظ بذكرياتنا الجميلة لم تكن تلك الأدوات موجودة في الماضي.
رسالتي رسالة تقوية وتشجيع لكل من فقد شخص عزيز عليه، لكي يخلد ذكراه ويحييها ويتحدث عنها بفخر وإعتزاز.... ولكل من لا يزال يتمتع بوجود من يحب، لكي يصنع معهم أجمل الذكريات ليستطيع تخليدها وإحيائها فيما بعد وبعد عمر طويل.