زنقة20| علي التومي
شهدت المحكمة الإبتدائية بالعيون اليوم الثلاثاء مراسم تنصيب عدد من القضاة الجدد، وذلك بحضور والي جهة العيون الساقية الحمراء،عبد السلام بكرات، إلى جانب عدد من الشخصيات الأمنية والقضائية والمنتخبة.
وجرت مراسم التنصيب في جلسة علنية ترأستها هيئة قضائية، حيث تم تلاوة سندات التعيين وفقًا للتقاليد المعمول بها، إذ وشمل التنصيب القضاة الجدد.
ويتعلق الأمر بكل من، خليهنّا سعود و سفيان الصدقي، ووعبد الكريم بوعزاوي.
وخلال هذه المناسبة، شددت الأستاذة بهيجة الإسماعيلي، رئيسة الجلسة على أهمية الالتزام بالمسؤوليات القضائية الملقاة على عاتق القضاة الجدد، مؤكدة على ضرورة الحكم بالعدل بين الناس، والحرص على تطبيق القانون بروح النزاهة والشفافية، ضمانًا لحسن سير العدالة.
ويأتي هذا التنصيب في سياق الدينامية الملموسة التي تشهدها محاكم العيون، حيث يتم تعزيز الموارد البشرية وتأهيل المرافق القضائية، بهدف تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين وضمان نجاعة العدالة وتسريع وتيرة البت في القضايا.
المصدر: زنقة 20
إقرأ أيضاً:
من المنابر إلى التيك توك.. الإسلاميون الجدد يلهثون وراء الترند بخطب ومواعظ قديمة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
لم تعد المنابر التقليدية والمساجد وحدها هي المنصات الحصرية التي تمكّن التيارات الإسلامية من التأثير في الجمهور. فمع الانفجار الرقمي وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، انتقل الخطاب الإسلامي إلى فضاءات جديدة، تتسم بالسرعة، والتفاعلية، والقدرة على الوصول الفوري إلى جمهور واسع، لا سيما من فئة الشباب. وقد فتح هذا الواقع الباب أمام أنماط جديدة من المؤثرين الذين لا يمتلكون بالضرورة خلفية دينية عميقة أو انتماءً تنظيميًا صريحًا.
في هذا السياق، ظهروا مَنْ يمكن تسميتهم بـ"الدعاة الجدد"، الذين يستخدمون منصات مثل تيك توك ويوتيوب وإنستجرام لبث رسائل دينية ونصائح اجتماعية، وأحيانًا تلميحات سياسية، في قالب بسيط وسريع الاستهلاك. هؤلاء يتحدثون بلغة معاصرة قريبة من وجدان الشباب، ويعتمدون على أدوات مرئية وجمالية تجذب الانتباه، مثل الإخراج السريع، والتأثيرات الصوتية، والمونتاج الجاذب.
رغم أن هؤلاء المؤثرين لا يعلنون بالضرورة عن انتماءاتهم التنظيمية أو الأيديولوجية، فإن الخطاب الذي يقدمونه لا يخلو من مفردات وأفكار تستحضر خطاب التيارات الإسلامية الكلاسيكية، مثل الحديث عن الهوية الإسلامية، نقد الواقع السياسي والاجتماعي، والتأكيد على فكرة "الأمة" و"المظلومية". وهنا يثور السؤال: هل نحن أمام موجة جديدة من التبشير بنفس الأفكار ولكن بلغة مختلفة؟
«الذئاب المنفردة» مسارات جديدة لانتشار العمليات الإرهابية في العالم
هذا التحول يفرض على الباحثين والمهتمين بالشأن الديني والسياسي إعادة التفكير في أدوات التحليل التقليدية. فالداعية المؤثر على تيك توك أو إنستجرام قد يكون أكثر تأثيرًا من شيخ منبر تقليدي، لأنه يمتلك أدوات الوصول والتأثير في الفضاء الرقمي، الذي أصبح هو الساحة الجديدة للصراع على العقول والقلوب.
أولًا: من هم دعاة تيك توك؟
في السنوات الأخيرة، ظهرت على منصات مثل تيك توك ويوتيوب وإنستجرام فئة جديدة من المؤثرين الذين يقدمون أنفسهم بصفتهم دعاة أو مرشدين دينيين، ولكن بطريقة تختلف جذريًا عن النماذج التقليدية للدعوة. هؤلاء المؤثرون هم في الغالب من الشباب، تتراوح أعمارهم بين ١٨ و٣٥ عامًا، ولا يرتدون بالضرورة الزي الديني المعروف، بل قد يظهرون بملابس كاجوال أو بزي شعبي بسيط، ما يجعلهم أكثر قربًا لجمهورهم من أبناء جيلهم.
يعتمد هؤلاء على مقاطع قصيرة لا تتجاوز الدقيقة أو الدقيقتين، يوجهون فيها رسائل دينية، أخلاقية، أو اجتماعية، مستخدمين لغة بسيطة ومباشرة، وأحيانًا محمّلة بالعاطفة أو الطرافة. ويستثمرون أدوات التواصل البصري الحديثة مثل المونتاج السريع، الموسيقى الخلفية، وتعبيرات الوجه والصوت لجذب الانتباه، مما يمنحهم تأثيرًا كبيرًا رغم قصر مدة ظهورهم.
بعض هؤلاء يلتزمون في محتواهم بالتذكير الديني التقليدي، كالتنبيه على الصلاة أو الحجاب أو بر الوالدين، بينما يتوسّع آخرون إلى الحديث في قضايا تتجاوز الدين، كالهوية الإسلامية، أو انتقاد الأنظمة السياسية والاجتماعية، أو الحديث عن قضايا الأمة الإسلامية، ما يخلق مزيجًا من الموعظة والتعبئة الأيديولوجية.
وفي أحيان كثيرة، يبدو أن الخطاب الذي يقدّمه هؤلاء الدعاة الجدد يستعير من خطاب الحركات الإسلامية التقليدية، ولكنه يُقدّم بلغة عصرية سهلة، ومفردات شعبية قريبة من الشباب. وهذا ما يجعل من الصعب تصنيفهم بوضوح: فهم ليسوا علماء دين، ولا منتمين بشكل معلن لأي تنظيم، لكنهم يلعبون أدوارًا دينية وتأثيرية لم تعد حكرًا على المؤسسات الرسمية أو الجماعات القديمة.
كيف يوظف داعش معاناة الشعوب لخدمة أجندته؟
ثانيًا: لغة جديدة، ومضمون قديم؟
رغم الشكل العصري الذي يظهر فيه دعاة تيك توك، فإن الكثير من محتواهم يعيد إنتاج خطاب تقليدي ارتبط لعقود طويلة بالجماعات الإسلامية، مثل جماعة الإخوان المسلمين أو التيارات السلفية الجهادية. الفارق هنا أن هذا الخطاب بات يُقدّم بلغة ملساء وشعبية، تخاطب العاطفة بدل العقل، وتستهدف الإحساس بالهوية والانتماء بدلًا من الحوار أو الإقناع العقلي.
يُستبدل في هذه المقاطع المصطلحات الفكرية أو العقائدية الثقيلة بتعابير دارجة وسهلة، ويُستخدم فيها خطاب وجداني، مبني على التهويل أو الاستثارة العاطفية، ما يجعل الرسائل تمرّ بسلاسة دون أن تُواجه بأسئلة نقدية. وهكذا يتحول المحتوى من حوار فكري إلى شحنة نفسية، تعزّز الانتماء لجماعة متخيلة، أو إحساس دائم بالتميّز عن المجتمع.
يعتمد هؤلاء أيضًا على أدوات تكنولوجية لجعل خطابهم أكثر قبولًا: موسيقى درامية، مونتاج سريع، تأثيرات بصرية، ومقاطع قصيرة لا تسمح بالتفكير العميق. لكن في قلب هذا الشكل الجذّاب، نجد رسائل مألوفة: الغرب عدو، الدولة فاسدة، المجتمع منحرف، والحل دائمًا هو "العودة للدين" كما يُقدّمونه، أي إلى فهم ضيّق وشكلي لا يترك مساحة للاجتهاد أو الاختلاف.
وهذا الدمج بين الشكل الجديد والمضمون القديم يجعل من الصعب على المتلقي أن يُميز بين التسلية والمعلومة، بين الدين والتعبئة، بين الموعظة والخطاب السياسي المبطّن. وهنا تكمن خطورة هذه الظاهرة: فهي لا تُقدّم خطابًا تقليديًا بشكل مباشر، بل تُعيد تدويره في قوالب تجعله يبدو بريئًا ومحببًا، بينما يحمل داخله مضامين تقليدية قد تكون خطيرة أو إقصائية.
من التمكين إلى الثبات.. داعش بين التراجع الميداني وإعادة إنتاج الخطاب الجهادي
ثالثًا: هل هذه الظاهرة تلقائية أم مُدارة؟
يصعب الجزم بطبيعة هذه الظاهرة بشكل قاطع، لكن كثيرًا من الباحثين والمراقبين يرون أنها في جزء كبير منها انعكاس لحالة فراغ روحي وفكري يعاني منها قطاع واسع من الشباب العربي، خاصة في ظل تراجع الخطاب الديني التقليدي، الذي لم ينجح في مخاطبة قضاياهم بلغة قريبة منهم أو بمضامين تمس واقعهم المعقد. هؤلاء الشباب، الذين يشعرون غالبًا بالضياع أو التهميش، يجدون في المحتوى الديني على تيك توك وإنستجرام نوعًا من الطمأنينة أو التوجيه، حتى لو كان سطحيًا أو مشحونًا بخطاب غير نقدي. مثلًا، حسابات على تيك توك مثل "الداعية الشاب" الذي يقدّم نصائح عن كيفية "التغلب على الفتن" أو "التوبة"، رغم أنها تتسم بالبساطة والوعظ دون تقديم حلول حقيقية لمشاكل الشباب، إلا أنها تلقى رواجًا كبيرًا بين متابعيه، حيث يشعرون أن هذه الرسائل تشبع حاجتهم الروحية.
في المقابل، هناك إشارات لا يمكن تجاهلها إلى أن بعض هذه الحسابات لا تتحرك في فراغ. فبعض المؤثرين الجدد يحملون نَفَسًا أيديولوجيًا قريبًا من خطاب الإخوان المسلمين أو التيارات السلفية، وإن حاولوا تغليفه بمظهر مستقل أو محايد. على سبيل المثال، مؤثر ديني شاب يُعرف باسم "الشيخ أحمد" على يوتيوب، الذي يُظهر في مقاطع الفيديو الخاصة به دعوات للمقاومة ضد "الظلم الاجتماعي" و"التعسف السياسي"، وهي مفردات قريبة من الخطاب الإخواني، رغم أنه لا يعلن بشكل صريح عن انتمائه لأي تنظيم. بل إن بعض مقاطع الفيديو الخاصة به تتناول فكرة "الجهاد الفكري" ضد "الحكومات المستبدة"، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى تأثير هذا الخطاب في المتابعين.
وتُطرح هنا فرضية مهمة: هل تحولت الجماعات الإسلامية القديمة إلى العمل غير المباشر، مستخدمة هؤلاء المؤثرين كـ"وكلاء تأثير" عوضًا عن الدعاة الرسميين؟ هذا التكتيك قد يتيح لها استثمار منصات جديدة دون أن تتحمل المسؤولية المباشرة، كما يمنحها جمهورًا شابًا متفاعلًا يصعب الوصول إليه بالطرق الكلاسيكية. في هذا السياق، قد نجد أمثلة على ذلك في النشاط الكبير لبعض الحسابات التي تناقش قضايا المظالم والمطالبات بتطبيق الشريعة، رغم أن أصحابها لا يعلنون عن أي صلة مباشرة بجماعة معينة. أحد هذه الحسابات الشهيرة هو حساب "الإسلام اليوم" على إنستجرام، الذي يعرض منشورات تدعو إلى العودة لما يسميه "الهوية الإسلامية الصحيحة" و"التمسك بالعقيدة السليمة"، وهي رسائل تظهر في وقت حساس سياسيًا، مما يعزز من فرضية وجود توجيه أو تنسيق ضمني مع التيارات الإسلامية التقليدية.
كما أن بعض المؤشرات، مثل التمويل الغامض لبعض الحسابات، أو انتشار مضامين معينة في توقيتات سياسية حساسة، تدعم الشكوك بوجود تنسيق خلف الستار. في الواقع، تقول إحدى الدراسات الحديثة التي أُجريت حول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في الشباب المسلم في منطقة الشرق الأوسط، أن بعض الحسابات التي تبدو مستقلة في الظاهر تتلقى تمويلًا من جمعيات إسلامية متطرفة أو غير معلنة، ما يزيد من الجدل حول وجود توجيه أيديولوجي لهذه الحسابات. لكن في النهاية، لا يمكن تعميم هذه الفرضية على كل الحالات، فثمة من تحركه النية الصادقة أو الرغبة في التأثير الإيجابي، وإن كان يفتقر للوعي النقدي أو يتأثر، دون وعي، بخطاب أيديولوجي قديم يتسلل في قالب عصري جديد.
الإخوان وثقافة الفقر.. استراتيجيات الاستغلال والتجنيد
رابعًا: بين القدوة التقليدية و"الترند"
الفرق بين الشخصيات التقليدية مثل حسن البنا وعبد الحميد كشك، وبين المؤثرين اليوم الذين يظهرون في مقاطع قصيرة على منصات مثل تيك توك ويوتيوب، لا يكمن فقط في الشكل أو الوسيلة، بل أيضًا في جوهر الخطاب. ففي حين كانت رموز مثل البنا وكشك تدعو إلى العودة إلى "الهوية الإسلامية" مع التركيز على ضرورة استعادة الخلافة والتمسك بأصول الدين، فإن الخطاب الذي كانوا يروجونه كان يعتمد على مفاهيم مثل العودة إلى حياة القبيلة، وتطبيق الشريعة بشكل متشدد، وتصعيد الصراع ضد الأنظمة الحاكمة والمجتمعات الحديثة. هذا الخطاب كان يعبر عن رؤية ماضوية تسعى إلى إحياء عصور سابقة كانت تحكمها أنظمة متشددة ومفاهيم اجتماعية متزمتة، والتي كانوا يعتبرونها "الحق" الذي يجب على الأمة الإسلامية العودة إليه. هؤلاء الرموز، رغم اختلاف زمنهم، كانوا يدعون إلى التطرف والأصولية بطريقة تتضمن هدم المجتمعات الحديثة ورفض العيش تحت الأنظمة المعاصرة.
أما اليوم، فالمؤثرون على منصات السوشيال ميديا يعتمدون على أسلوب يتماشى مع لغة الشباب ومتطلباتهم، ولكن جوهر خطابهم لا يختلف كثيرًا عن خطاب الأسلاف. فمصطفى حسني، مثلًا، قد لا يبدو في الظاهر داعية متطرفا، لكنه يروج لفكرة العودة إلى حياة تقليدية ماضوية، ويشدد على قضايا لا تتناسب وروح العصر الذي نعيش فيه مثل الحجاب والتزام الفتاة بأخلاقيات دينية محددة، وهي أفكار يمكن أن تكون في جوهرها محافظة إذا ما تم النظر إليها بعين النقد. هذا التوجه لا يختلف في النهاية عن ما كان يروج له عبد الحميد كشك، الذي كان يخاطب جمهورًا واسعًا بنفس الخطاب، لكن بأسلوب حماسي أكثر، مؤكدًا على ضرورة العودة للأصول ورفض المجتمع العصري بكل عيوبه.
المفارقة هنا هي أن الاختلاف بين الغزالي وحسني أو بين البنا وأبو إسلام ليس في الجوهر، بل في طريقة توصيل الرسالة. فبينما كان البنا يدعو للثورة على الأنظمة الحاكمة وإقامة دولة إسلامية وفقًا لفهمه الخاص، فإن مصطفى حسني اليوم لا يختلف عن ذلك كثيرًا، بل ربما يطور الخطاب بتوجيهه إلى القيم الدينية بطريقة أكثر ليونة وأقل حدة. لكنه في النهاية يظل يسير في نفس المسار الذي يروج لفكرة العودة إلى الماضي: ماضٍ عاشت فيه الأمة الإسلامية وفقًا لأسس اجتماعية متشددة، وهي مرجعية ماضوية لا يمكن الهروب منها. وعليه، فإن هذا التحول ليس إلا اختلافًا في درجة الخطاب، وليس في نوعه، حيث إن المرجعية الدينية ما زالت تتمحور حول فهم متزمت ومقيد للنصوص الدينية.
بذلك، يصبح من الواضح أن المرجعية التي يعتمد عليها هؤلاء المؤثرون، رغم مظهرهم العصري، هي مرجعية ماضوية، لا تعكس تقدمًا فكريًا أو دينيًا بقدر ما هي محاولة لاستعادة واقع ديني قديم. وهذا التحول في الشكل لا يعني بالضرورة تحررًا فكريًا، بل يعني فقط أن هؤلاء المؤثرين يحاولون توظيف الأدوات الحديثة لإعادة تقديم نفس الأفكار التقليدية التي تدعو إلى العزلة الفكرية وإعادة فرض السيطرة على المجتمع وفقًا لمفاهيم قديمة.
جماعة الإخوان ونظرية القطيع.. مقاربة سوسيولوجية
خامسًا: خطورة الرسائل المختلطة
يُلاحظ أن الكثير من مقاطع الفيديو التي يُنتجها دعاة السوشيال ميديا اليوم، وخاصة على منصات مثل تيك توك وإنستجرام، تتسم بمزج غير تقليدي بين الطرافة والموعظة. يظهر هؤلاء المؤثرون وهم يقدمون محتوى يبدو في الظاهر مسليًا أو خفيفًا، لكن في جوهره يحمل رسائل دينية أو اجتماعية ذات طابع جاد. هذه الطريقة في تقديم الخطاب، التي تستخدم الفكاهة والضحك أحيانًا، تخلق نوعًا من التبسيط المفرط للقضايا الدينية، مما قد يؤدي إلى تطبيع بعض الأفكار المتطرفة أو التمييزية في أذهان المتابعين. فالمزج بين الطرافة والموعظة لا يمنح مساحة كافية للتفكير العميق في الرسالة التي تُطرح، بل يجعلها أكثر قبولًا لدى جمهور لا يعي تمامًا الأبعاد الفكرية أو الدينية لهذه الرسائل.
هذا المزج بين الدين واللايت كوميدي يُعتبر أحد أساليب الجذب الحديثة، حيث يسعى الدعاة المؤثرون إلى جذب أكبر عدد من المتابعين عبر تقديم رسائل دينية بلغة قريبة إلى القلب وتناسب الفئات العمرية الشابة. لكن المشكلة تكمن في أن هذا النوع من الخطاب لا يقتصر على نشر الرسائل الدينية فحسب، بل يتسلل إلى خطاب الكراهية والتمييز الاجتماعي. فبعض المؤثرين يعمدون إلى تحريف بعض المفاهيم الدينية لخلق مساحة لانتقاد الآخر، سواء كان آخرًا دينيًا، اجتماعيًا، أو حتى سياسيًا. وبذلك، قد تُستخدم الفكاهة كغطاء لرسائل تحمل في طياتها كراهية موجهة ضد فئات معينة من المجتمع، سواء كانوا من غير المسلمين أو من أصحاب الآراء المخالفة.
إن الجمع بين الفكاهة والكراهية يشكل خطرًا كبيرًا في تشكيل الوعي الاجتماعي، حيث يمكن أن يقود المتابعين إلى تبني أفكار متطرفة دون أن يدركوا ذلك. الجمهور، خصوصًا الشاب، الذي يتابع هذه الفيديوهات، قد يظن أنه يستهلك محتوى ترفيهيًا أو مسليًا، لكن الرسائل التي يتم تمريرها تؤثر على الطريقة التي ينظرون بها إلى الآخرين، بل وقد تنمي لديهم مشاعر الرفض أو العداء تجاه مجتمعات أخرى. هذا النوع من الخطاب لا يخلق فرصة للنقد البناء أو الفهم العميق، بل يُسهم في تعميق الفجوة بين الجماعات الاجتماعية والدينية المختلفة، مع تعزيز حالة من اللامبالاة تجاه القيم الإنسانية.
المشكلة الكبرى تكمن في أن هذا النوع من الخطاب يجعل التلقي غير واعٍ، حيث يتعامل الجمهور مع الرسائل باعتبارها مجرد محتوى ترفيهي أو "ترند" عابر، دون إدراك الأبعاد الخطيرة التي قد تحمله هذه الرسائل على المدى الطويل. فالشباب الذين يتابعون مثل هذه المقاطع قد لا يدركون أن ما يُطرح عليهم من أفكار قد يكون له تأثير عميق على تشكيل هويتهم الاجتماعية والدينية. وبذلك، يتضح أن هذا النوع من الخطاب يشكل تهديدًا حقيقيًا لعملية الوعي الديني والاجتماعي، حيث يصبح من الصعب التمييز بين ما هو ترفيهي وما هو مؤثر فكريًا أو دينيًا.
تنظيم داعش| خطاب الدم والتقنية - داعش والذئاب المنفردة.. حرب بلا جبهات
تحولات
نحن اليوم أمام تحول جذري في شكل التأثير الديني والسياسي الذي لا يمكن قراءته باستخدام الأدوات التقليدية القديمة. المنابر الدينية التقليدية لم تعد هي الساحة الوحيدة التي يمكن من خلالها ملاحظة تطور الفكر الديني، بل أصبحت منصات السوشيال ميديا مثل تيك توك وإنستجرام ويوتيوب هي الحاضنة الجديدة لهذا التأثير. هؤلاء الدعاة الجدد، الذين يعبرون عن أنفسهم بطرق غير تقليدية وباستخدام تقنيات حديثة، هم نتاج لحظة ثقافية وتكنولوجية واجتماعية معقدة، حيث تتداخل العوامل التكنولوجية مع التغيرات الاجتماعية لتشكل خطابًا دينيًا جديدًا يتماشى مع متطلبات العصر. لكن في الوقت نفسه، لا يمكن إغفال أن البعض منهم قد يكونون مجرد ناقلين لخطاب الحركات الإسلامية القديمة ولكن بشكل أكثر نعومة، إذ إنهم يروجون لرسائل دينية وأيديولوجية قد تكون مشابهة لتلك التي حملتها جماعات مثل الإخوان المسلمين أو السلفيين الجهاديين، ولكن بأسلوب أقل تطرفًا وأكثر انتشارًا.
من هنا، يتضح أن هذا التحول في شكل الخطاب الديني يستدعي اهتمامًا بالغًا من الباحثين والمفكرين، إذ يجب أن تكون لدينا أدوات جديدة لتحليل هذه الظاهرة بشكل عميق. فبينما يبدو الخطاب الذي يقدمه هؤلاء الدعاة أكثر تقبلًا في المجتمعات الشابة، إلا أنه قد يتضمن رسائل ضمنية تحمل الكثير من الجوانب التي يمكن أن تعزز من التطرف أو التمييز الاجتماعي. ومن هنا تأتي أهمية متابعة هذا التحول، ليس فقط على مستوى الإعلام والمحتوى الرقمي، ولكن أيضًا في سياق فهم الأبعاد الاجتماعية والثقافية لهذه الظاهرة. لأن هذه الأدوات الجديدة تقدم لنا نافذة لفهم كيفية تطور الفكر الديني والسياسي في عصر وسائل التواصل الاجتماعي.
لا شك أن الجهات المسئولة عن مراقبة المحتوى الديني يجب أن تبادر إلى دراسة هذا التحول، والتحقق من مدي تأثيره على الشباب والمجتمعات. فالخطاب الذي يُقدمه هؤلاء الدعاة قد يكون أكثر سلاسة وسهولة في الوصول إلى الجمهور، ولكنه قد يحمل في طياته أفكارًا قد تكون بعيدة عن الفهم الصحيح للنصوص الدينية. إذا لم تتم مراقبته بشكل دقيق، قد يؤدي إلى انتشار مفاهيم متطرفة وغير متوافقة مع مبادئ الوسطية والاعتدال. لذا، لابد من وجود استراتيجية متكاملة لفهم هذا التحول، ومتابعة كيفية تأثيره على الوعي الجمعي للشباب في العالم العربي.
وفي نفس الوقت، لا يجب أن نقع في فخ تجاهل هذه الظاهرة أو شيطنتها بالكامل. فمن المهم الاعتراف بأن منصات السوشيال ميديا أصبحت جزءًا من الواقع الاجتماعي والديني الجديد، ولا يمكن تجاهل تأثيرها الواسع على الشباب. بدلًا من شيطنتها أو معارضتها بشكل مطلق، يجب أن يتم التعامل معها بحذر ووعي، والعمل على تشكيل خطاب ديني يتناسب مع هذا الواقع الجديد، بحيث يتعامل مع التحديات المعاصرة دون التفريط في القيم الدينية الأصيلة. الفهم العميق لهذه الظاهرة قد يكون الخطوة الأولى نحو تكييف الفكر الديني مع متطلبات العصر الرقمي، وضمان توجيه الرسائل الدينية بشكل يساهم في بناء مجتمع معتدل وأكثر تماسكًا.