عربي21:
2025-03-18@17:46:22 GMT

كاتب يهودي: لا ترتكبوا مذابح بحق الفلسطينيين باسمنا

تاريخ النشر: 18th, March 2025 GMT

كاتب يهودي: لا ترتكبوا مذابح بحق الفلسطينيين باسمنا

قال الكاتب اليهودي، بيتر بينارت، إنه في الوقت الذي نستعد فيه للاحتلال بعيد البوريم "المساخر"، عبر ارتداء اليهود أزياء سخيفة، وأكل المعجنات المثلثة، والاستماع لحكاية قديمة عن ارتكاب إبادة جماعية، نرتكب إبادة جماعية باسمنا في قطاع غزة.

واستعرض الكاتب في مقال بصحيفة الغارديان، ترجمته "عربي21" قصة توراتية، عن محاولة لإبادة جماعية كان سيرتكبها ملك بحق اليهود، وكيف قامت فتاة عبر حيلة بإنقاذهم، مشيرا إلى أن "الدولة اليهودية تمارس سلطان الموت والحياة على ملايين الفلسطينيين".



وفيما يلي النص الكامل للمقال:

في وقت لاحق من هذا الشهر، في عطلة البوريم، سوف يرتدي اليهود أزياء سخيفة، ويأكلون المعجنات المثلثة، ويستمعون إلى حكاية قديمة حول محاولة ارتكاب إبادة جماعية. ما نلاحظه وما لا نلاحظه بشأن تلك الحكاية يقول الكثير عما نلاحظه وما لا نلاحظه في إسرائيل وفلسطين.

مصدر الحكاية هو سفر أستير (في العهد القديم أو التوراة). تبدأ الحكاية بملك فارسي إباحي متهتك ينظم حفل عشاء، يشرب فيه حتى الثمل، ثم يأمر ملكته باستعراض جمالها أمام الحضور، وعندما ترفض ذلك يتخذ قراراً بإقصائها عن العرش. ثم يختار بديلاً لها أستير، وهي فتاة شابة جميلة، ولكنها، وهو ما لم يكن يعرفه، يهودية. ثم يتخذ قراراً شخصياً مشؤوماً باختيار هامان، شديد الكراهية لليهود، ليكون ذراعه الأيمن. وبذلك يصبح المشهد معداً لصدام ملحمي.

يقنع هامان الملك بالتوقيع على مرسوم يقضي بإبادة اليهود. يسمع بالخبر عم أستير، واسمه موردخاي، فيرسل لها قائلاً إن عليها أن تنقذ شعبها. على الرغم من أن الاحتجاج يعرض حياتها للخطر، إلا أن أستير تناشد الملك، ومن خلال سلسلة من المناورات الجريئة، تحرضه فينقلب ضد هامان، فيشنقه، ليحل محله موردخاي، وبذلك ينتصر الخير على الشر.

عندما يروي اليهود الحكاية في عيد بوريم اليوم، كثيرون منا يتوقفون عند ذاك. ولكن هذا ليس صواباً على الإطلاق. إذ أن سفر أستير لا ينتهي بموت هامان، بل يستمر إلى ما بعد ذلك، لأنه بالرغم من أن هامان لم يعد موجوداً، إلا أن مرسومه بقتل اليهود يبقى ساري المفعول، ولا يتمكن الملك من التراجع عنه. إلا أن ما يستطيع فعله هو تمكين موردخاي وأبناء عشيرته من تولي زمام الأمور وإطلاق أيديهم. وهو ما يفعلونه. يعلن سفر أستير أن "اليهود انهالوا على أعدائهم بالسيوف ذبحاً وتدميراً، وصبوا جام غضبهم على أعدائهم." في اليوم الثالث عشر من آذار، يقتل اليهود 75 ألف إنسان، ثم يعلنون الرابع عشر "يوماً للاحتفال والتعبير عن الفرح." يقوم اليهود، ولما تجف دماء خصومهم بعد، بالاحتفال والابتهاج. وذلك هو أصل عيد البوريم.

لا يتعلق عيد البوريم فقط بالخطر الذي يشكله الأغيار علينا، وإنما أيضاً بالخطر الذي نشكله نحن عليهم.

طوال الجزء الأكبر من تاريخنا، عندما لم تكن لدى اليهود القدرة على فرض إرادتهم بحد السيف، كانت خلاصة سفر أستير خيالاً لا يضر، بل وأمراً يمكن تفهمه. فمن يملك لوم قوم على أن يحلموا بعالم مقلوب رأساً على عقب؟ إلا أن النهاية تبدو مختلفة عندما تمارس دولة يهودية سلطان الحياة والموت على ملايين الفلسطينيين الذين لا يملكون حتى جواز سفر. ينبغي أن تقلقنا اليوم تلك الآيات المغموسة بالدماء. عندما نتلوها بصوت مرتفع في المعابد، ينبغي أن نستخدم اللحن الموجوع والحزين الذي ننشد به سفر المراثي، والذي يصف تدمير معابدنا القديمة.

بدلاً من ذلك، يختار معظمنا تجاهل العنف الذي ينتهي إليه سفر أستير، بل ينزع بعض اليهود المعاصرين إلى تبريره باعتباره دفاعاً عن النفس. وهناك في اليمين المتطرف من يحتفي به. إلا أن هؤلاء هم الاستثناء، لأن ما جرت عليه العادة هو أن نشيح عنه بوجوهنا، ونركز على ذلك الذي حاولوا هم فعله بنا. ثمة دعابة بأن كل عيد يهودية ينتهي إلى نفس المآل: "حاولوا قتلنا، ولكننا نجونا، فهيا بنا نأكل." تلك هي الطريقة التي يروي بها كثير من اليهود ليس فقط بوريم، بل وكذلك كثيراً من أعيادنا الأخرى المحببة إلينا. فعيد الفصح يذكرنا بتحريرنا من العبودية في مصر، وحانوكا (عيد الأنوار) يحتفي بالمكابيين الذين حررونا من قهر اليونانيين السوريين.

كل الاحتفالات التي لا نتمكن من إقحامها في مثل هذا النص الروائي فهي في الأغلب ليست مما يستحوذ على ذاكرتنا الجمعية. فلماذا شفوعوت (عيد العنصرة) أقل شهرة في أوساط اليهود المعاصرين من بوريم وحنوكا، رغم أنها أعياد أقل أهمية من الناحية الدينية؟ هناك أسباب متنوعة، إلا أن أحدها هو الآتي: لم يعد شفوعوت يتناسب مع الحكاية التي نرويها عن أنفسنا. ففي الحداثة، صار اليهود أكثر علمانية. وفيما عدا قلة قليلة من الملتزمين دينياً، لم نعد نصف أنفسنا بأننا قوم اختارهم الله حتى يتّبعوا الأحكام التي نُقشت في سيناء. بدلاً من ذلك نصف أنفسنا بأننا شعب كتب عليه التاريخ إلى الأبد مواجهة الإبادة ولكننا في نهاية المطاف ننجو بأعجوبة.

ومع هذه العلمنة جاء التفلت الأخلاقي. عند تفسير المعاناة اليهودية، يكاد التقليد الحاخامي يكون مسكوناً بمطالبة اليهود بالنظر في الذات والاعتبار بما جنيناه من خطايا. يلوم التلمود اليهود على صعود هامان لأنهم شاركوا في حفلة السكر والمجون التي دعا إليها الملك. بل يرى تفسير توراتي لنشيد الإنشاد أن الإسرائيليين الذين استعبدوا في مصر لم يكونوا يستحقون الحرية لأنهم عبدوا الأصنام. بل يخصص التلمود رسالة تلمودية بأسرها لتعليمنا كيف ينبغي على اليهود التعامل مع القحط. والجواب هو: علينا أن نصوم ونتوب من سيئات أعمالنا.

يصعب تحمل هذه العقيدة، ولا أدل على ذلك من أنها حينما تطبق على الفواجع المعاصرة مثل الهولوكوست (المحرقة)، يعتبر معظم اليهود، محقين، أن أي مقترح بأن علينا أن نلوم أنفسنا إنما هو مقترح بغيض للغاية. ولكن في غياب الإيمان بالثواب والعقاب الإلهي، توقفنا إلى حد كبير عن الصراع مع ما تقوله نصوصنا المقدسة حول المسؤولية الأخلاقية اليهودية، وحولناها إلى حكايات حول البراءة اليهودية.

تتغلغل البراءة الزائفة في النقاش اليهودي داخل التيار السائد حول إسرائيل. ولهذا السبب، حينما يُطرح تأسيس إسرائيل للنقاش، يلوم زعماء اليهود الأمريكيين الفلسطينيين ويحملونهم المسؤولية عما حصل لهم من طرد جماعي. فها هي رابطة مناهضة التشويه (إيه دي إل)، أشهر المنظمات الأمريكية في مجال مكافحة معاداة السامية، تفسر ذلك قائلة: "تعود قضية اللاجئين الفلسطينيين إلى الحرب العربية الإسرائيلية في عام 1948، عندما قامت خمس جيوش عربية بغزو دولة إسرائيل بعد ساعات فقط من تأسيسها." تتجلى هنا أخلاقية الترتيب الزمني للأحداث: لقد غادر الفلسطينيون ديارهم لأن الدول العربية بدأت الحرب. صحيح أن الفلسطينيين عانوا، ولكن الضحية الحقيقية هنا كانت إسرائيل.

تكمن المشكلة في هذا التوصيف في أن ما بين ثلث إلى نصف الفلسطينيين غادروا فعلياً قبل الرابع عشر من مايو (أيار) من عام 1948، اليوم الذي أعلنت فيه إسرائيل استقلالها وأعلنت الحكومات العربية الحرب عليها. عندما هاجمت الجيوش العربية كانت القوات الصهيونية قد أجلت سكان يافا وحيفا، أكبر مدينتين فلسطينيتين. كما أن أبشع المذابح التي ارتكبت بحق الفلسطينيين في الحرب، والتي قتلت فيها المليشيات الصهيونية أكثر من مائة رجل وامرأة وطفل في قرية دير ياسين، وقعت في شهر إبريل (نيسان). عندما يزعم زعماء اليهود أن الغزو العربي هو الذي حمل الفلسطينيين على المغادرة، فإنهم يعكسون السبب والمسبب. وهذا ما خلص إليه المؤرخ وليد الخالدي بعد الرجوع إلى كم هائل من وثائق الحكومات العربية والتقارير الصحفية، حيث يقول: "لم يكن دخول الجيوش العربية هو الذي سبب الهجرة الجماعية، وإنما كانت الهجرة الجماعية هي السبب في دخول الجيوش العربية."

والطريقة الأخرى التي يلجأ إليها زعماء اليهود لتبرئة إسرائيل من التطهير العرقي الجماعي الذي ارتكبته في عام 1948 هو الزعم بأن الفلسطينيين إنما غادروا لأن الزعماء العرب طلبوا منهم ذلك. في كتابه الأضخم بعنوان "مكان بين الأمم" يقول بنيامين نتنياهو أنه في كثير من الحالات "رجا اليهود جيرانهم العرب الفلسطينيين أن يبقوا. وكان هذا على العكس تماماً من التوجيهات التي تلقاها العرب الفلسطينيون من الحكومات العربية، والتي حثتهم على المغادرة من أجل تمهيد الطريق أمام الجيوش الغازية." وهذا الزعم أيضاً أقرب إلى الخرافة منه إلى الحقيقة. ففي تقرير صدر في عام 1948 خلص جهاز المخابرات الإسرائيلي نفسه إلى أن الهجمات الصهيونية نجمت عن إجلاء ما يقرب من سبعين بالمائة من الفلسطينيين بينما كان نصيب القوات العربية خمسة بالمائة تقريباً.

لا يكتفي الزعماء اليهود بالتهرب من المسؤولية الأخلاقية اليهودية فحسب عندما يستعرضون ماضي إسرائيل، بل ويفعلون ذلك عندما يناقشون حاضر إسرائيل كذلك. لا ريب في أن معظم اليهود كانوا قد أصيبوا بالغثيان والامتعاض الشديد من المذبحة التي ارتكبتها حماس يوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023. ولكن عندما ردت إسرائيل على تلك المذبحة بشن هجوم ضار على قطاع غزة، كان رد الفعل الأولى لكثير من المسؤولين الإسرائيليين والزعماء اليهود في الولايات المتحدة هو التشكيك فيما إذا كان عدد ضخم من الفلسطينيين قد قتلوا. حينها، في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) أعلنت إيباك، وهي أكبر جماعات للوبي المناصر لإسرائيل نفوذاً في الولايات المتحدة، بأن "وزارة الصحة في غزة، أو وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، تتحكم بها حماس، ولا يمكن الوثوق بالمعلومات التي تصدر عنها." وأضاف سفير إسرائيل السابق لدى الولايات المتحدة مايكل أورين إن أرقام الوفيات الواردة من غزة "بكل بساطة ليست صحيحة."

والحقيقة هي أن أرقام وزارة الصحة في غزة كانت بالفعل خطأ، ولكن في الاتجاه المعاكس تماماً لما ذهب إليه الزعماء اليهود، لقد كانت أقل بكثير من الواقع. فقد قدّرت دراسة صدرت في يناير (كانون الثاني) 2025 عن خبراء الصحة العامة من جامعة ييل ومن كلية الصحة والطب الاستوائي في لندن بأن إجمالي عدد الوفيات في غزة كان يزيد أربعين بالمائة عن تقديرات وزارة الصحة في غزة. كان متوقعاً أن تكون الحسبة متدنية. وذلك لأن وزارة الصحة خلال الشهور الأولى من الحرب كانت تحسب فقط الجثث التي وصلت إلى المشرحة، مع أن كثيراً من الناس الذين قتلوا في غزة لم تصل جثثهم إلى أي مستشفى. ولكن بالنسبة للمسؤولين الإسرائيليين والزعماء اليهود في أمريكا هذه التفاصيل ليست ذات أهمية، وإنما المهم هو تبرئة إسرائيل من كل ذنب، تجنباً لمواجهة إمكانية أن تكون دولة يهودية قد ارتكبت أي خطأ.

وعندما أقر مسؤولو المؤسسة اليهودية بأن الفلسطينيين كانوا بالفعل يموتون بأعداد كبيرة، لاموا حماس على ذلك. وهذا ما أعلنت عنه إيباك يوم الرابع عشر من أكتوبر (تشرين الأول) حين قالت: "حماس مسؤولة عن التسبب في قتل المدنيين الفلسطينيين." والسبب: أنها تستخدمهم "دروعاً بشرية".

يراكم ادعاء الدروع البشرية المغالطات بعضها فوق بعض. من المؤكد أن حماس تنشط داخل المناطق المدنية، ولكن هذا هو ما تفعله المجموعات الثائرة. لا يوجد قوة فدائية ترتدي الزي العسكري بألوانه البراقة، أو تمشي في الحقول المفتوحة، أو تقاتل جيشاً تقليدياً يفوقها بمراحل قوة وعدة وعدداً. وعن ذلك يقول أستاذ القانون الدولي المولود في إسرائيل نيف غوردون: "من الثورة الأمريكية إلى الثورة الإيطالية إلى النضالات المناهضة للاستعمار في الملايو والهند وسريلانكا وفيتنام وكذلك في الجزائر وأنغولا وفلسطين، يختبئ المسلحون وسط المدنيين. وحماس من هذه الناحية ليست خارجة عن النسق."

في الحقيقة حتى الجيوش التقليدية كثيراً ما تعمل قريباً من المدنيين. فها هو المقر الرئيسي للجيش الإسرائيلي يقع في المركز من مدينة تل أبيب. هناك أربع وعشرون مدرسة ضمن مسافة كيلومتر واحد من مبنى الأركان العامة للجيش، والذي يشتمل على مكاتب كبار قادة الجيش. ونظراً لأن مثل هذا التداخل بات شائعاً، فإن القانون الدولي واضح، إذ ينض على أنه لا يجوز تحويل المدنيين إلى صيد مباح لمجرد وجود المقاتلين في الجوار. وحسبما ينص عليه البروتوكول الإضافي في معاهدة جنيف الرابعة، فإن تواجد المقاتلين في منطقة ما "لا يُعفي أطراف الصراع من مسؤولياتهم القانونية تجاه السكان المدنيين." وأحد الالتزامات القانونية هو التناسب. وبحسب البروتوكول الإضافي فإن "الخسارة في أرواح المدنيين" بسبب هجوم ما لا يجوز "أن يفرط في تجاوز ما ينتظر أن يسفر عنه ذلك الهجوم من ميزة عسكرية ملموسة ومباشرة."

أصبح هجوم إسرائيل على غزة مفرطاً يوم التاسع من أكتوبر عندما قطعت الطعام والكهرباء عن كل سكان القطاع. في اليوم التالي، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي أنه "أزال جميع القيود" على كيفية خوض إسرائيل للقتال، وأعلن الناطق العسكري الإسرائيلي أن "المعول عليه هو الضرر الحاصل وليس مدى الدقة." كشف تحقيق قامت به مجلة +972 وجميعة "المكالمة المحلية" أنه خلال الأيام الخمسة الأولى فقط من القتال، قصفت إسرائيل أكثر من ألف من "أهداف القوة" – والتي اشتملت على أبراج سكنية وبنوك وجامعات ومكاتب حكومية – والتي ضربتها ليس بسبب قيمتها العسكرية وإنما لمجرد الأثر النفسي المترتب على ذلك. كان المسؤولون الإسرائيليون يرجون أن يصدم الدمار سكان غزة فيثيرهم ضد حماس. إن تبرير ذلك من خلال التذرع بالدروع البشرية يقوض المبادئ الأساسية للقانون الدولي. ولكن من الضروري إثبات أن إسرائيل دائماً بريئة. وحتى عندما تُسقط دولة يهودية القنابل التي تقتل عشرات الآلاف من الناس، فهي ليست المسؤول الحقيقي عن التسبب بهذا الموت الجماعي.

والآن، بدلاً من المضي قدماً نحو الجولة الثانية من وقف إطلاق النار، والتي تطالبها بسحب قواتها من غزة، عادت إسرائيل وشنت الحرب من جديد بضراوة أشد. فقد منعت جميع المساعدات الإنسانية من الوصول إلى الناس في غزة. جاء رد فعل إيباك على النحو التالي: إسرائيل ليست مسؤولة عن سياسة التجويع هذه لأن حماس ترفض إعادة صياغة صفقة وقف إطلاق النار بما يعفي إسرائيل من التزاماتها.

وبهذه الطريقة، يسعى خطاب المؤسسة اليهودية إلى تبييض السلوك الإسرائيلي بنفس الشكل الذي يبيض به كثير من اليهود سفر أستير. حكايتنا الجماعية – والتي يرويها زعماء اليهود من القدس إلى نيويورك – ليست خاطئة لأنها تتحدث عن الشرور التي يعاني منها اليهود، بما في ذلك الشرور التي ارتكبتها حماس يوم السابع من أكتوبر، ومازالت ترتكبها من خلال احتفاظها بالإسرائيليين كرهائن. وإنما يكمن الخطأ في هذه الحكاية في أنها تنكر الشرور التي يرتكبها اليهود. إن رفضنا للتعامل مع الجانب المظلم من بوريم يعكس رفضنا للتعامل مع الجانب المظلم فينا، أن نقر ببشريتنا الكاملة، والتي تجعلنا قادرين على أن نكون ليس فقط ضحايا وإنما معتدين كذلك.

رجائي في هذا البوريم هو أن تقشعر أبداننا عندما يأتي اليهود على المذبحة التي ينتهي إليها سفر أستير. وأن يتولد من هذا الاشمئزاز التزام جديد بإنهاء المذبحة التي ترتكب حالياً باسمنا في قطاع غزة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة إسرائيلية اليهودي إبادة جماعية غزة الفلسطينيين فلسطين غزة إبادة جماعية اليهود صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة وزارة الصحة من أکتوبر على ذلک فی غزة إلا أن عام 1948

إقرأ أيضاً:

فشرتوا

بقلم : فالح حسون الدراجي ..

يتذكر الأخوة القراء الذين تشرفت بمتابعتهم لمقالاتي سواء في جريدة الحقيقة أو في مواقع التواصل الإجتماعي، أني كتبت عشرات المقالات ضد نظام الأسد بعهديه ( الأب والابن)، وانتقدت بها مرات كثيرة تصرفات المسؤولين الأمنيين في سوريا آنذاك، خصوصاً العلويين الذين كانوا مستقوين برئيس الدولة ( العلوي) !

كما كان لي أكثر من مقال حاد ضد جريمة قوات سرايا الدفاع التي كان يقودها رفعت الأسد ضد المواطنين ( السنّة ) في مدينتَي حمص وحماه .. رغم أن هجمات قوات سرايا الدفاع لم تكن بعنوان طائفي، إنما كانت تتم بعنوان سياسي صرف بمعنى أنها تحصل تحت عنوان سلطة تابعة لحزب البعث ضد معارضة تابعة لأحزاب سلفية تسعى لإسقاط هذه السلطة .. ولكن في كل الأحوال، كانت عملية القصف عملية عدوانية فاشية ضد مدن آمنة، قتل فيها عدد غير قليل من الأبرياء.

والموقف نفسه وثقته بمقالاتي ضد نظام بشار الأسد عندما كان يلقي البراميل المتفجرة من الطائرات على رؤوس معارضيه في المدن السورية الآمنة، رغم أن معارضيه كانوا يرفعون السلاح ضد الجيش !!

ولأني لم أكن أفرق في المظلومية بين سني وشيعي ودرزي ومسيحي.. كنت أصرخ بكل صوتي ضد أي عمل مسلح ينال مواطناً مدنياً مهما كانت هوية الفاعل، وهوية الضحية، فالظلم واحد والمظلومية لا تتجزأ قط ..

واليوم حين يأتي الجولاني للسلطة في سوريا، وتأتي قبله أخباره الإجرامية، لا سيما وأن الرجل يحمل بين يديه تاريخاً دموياً مرعباً، يبدأ من جرائمه عندما كان عضواً كبيراً في تنظيم القاعدة، مروراً بما ارتكبه حين كان قائداً بارزاً في تنظيم داعش، لاسيما جرائمه بحق الأبرياء في العراق.. وانتهاءً بما فعله من فظائع عندما أسس تنظيم النصرة الإرهابي.. ورغم كل هذا ( الارث) الدموي الرهيب، فإني لم أتعجل الحكم على الرجل، رغم وثوقي من فظاعة وبشاعة ودموية عقيدته الآيدلوجية المتطرفة، وقد ساعد في تأجيل حكمي عليه أنه استبدل ولو- شكلياً – كل ما كان عليه عندما كان إرهابياً !!

وإذا كان الجولاني قد ضحك على ذقون ساسة اوربا وأمريكا والبلدان العربية الذين صدقوا به، ووثقوا بكلامه الحلو عن العدالة، وبوعوده بتحقيق المساواة بين الطوائف، وأعجبوا بحلاقة ذقنه، وحسن مكياجه، و(بدلته الإنگليزية وربطة عنقه الفرنسية).. اقول إذا كان شياطين السياسة قد صدقوا به، فمن أنا كي لا امنحه مع المانحين فرصة لتفعيل وعوده وعهوده.. لذلك اوقفت الأفكار والنوايا التي حملتها وأعددتها لكتابة سلسلة من المقالات ضد الجولاني وعصابته ..!

لكن الجولاني لم ينتظر كما انتظرنا، إذ سرعان ما كشّر عن أنيابه الإرهابية، فراح بعض قطيعه المدججين بالآيداوجية الإرهابية، والأسلحة الفتاكة التي مولهم بها السلطان العثماني الحالم بثلث سوريا وثلث العراق، يجوبون الشوارع والأزقة والبيوت في المحافظات ( غير البيضاء ) بحثاً عن ( العلويين – أيّ علوي)، وليس مهماً أن يكون هذا العلوي بريئاً أو ملطخة يده بدماء الضحايا عندما كان متربعاً على كرسي المسؤولية إبان عهد الاسد.. فحدثت على يد ذئاب الجولاني المتعطشة للثأر، والمفتوحة شهيتها للدم، جرائم يندى لها الجبين، حتى أن عصابات الجولاني المختلفة عناوينها، قتلت من أبناء الساحل في ساعات معدودة أكثر من ألف مواطن مدني أعزل .. أما الحديث عن نوعية الحكومة المؤقتة، والإعلان الدستوري، وصلاحيات رئيس الجمهورية فهذه تحتاج إلى كتاب وليس إلى ثلاثة سطور في مقالة عابرة ..

إن الذين ظنوا أن سوريا ستصبح على يد ( الشرع) مثل إمارة موناكو، او مثل سنغافورة، وفتحوا له الخزائن والبنوگ والآمال الوردية، حتى انهم اليوم يحاولون بقوة شطب اسمه واسم منظمته من قوائم الإرهاب الأجنبي !!

أعرض لهؤلاء المتأملين الواهمين، ولغيرهم، مشهداً واحداً .. مشهداً رآه العالم كله من سوء حظ القتلة الإرهابيين ، بل وأبكى العالم من عربه إلى عجمه ومن افرنجه الى مكسيكه، وهذا المشهد يتمثل بالسيدة السورية العلوية العظيمة التي قتل الجولانيون ولديها سهيل وكنان مع حفيدها أمام عينيها، والمصيبة أنهم لم يكتفوا بهذا القتل البشع أمام أنظار أمّ مكلومة، إنما راحوا يشمتون بها تارة، ويهزؤون بقتلاها تارة أخرى، بل ويُسمعونها كلاماً فظيعاً، بينما هي تقف أمامهم بصلابة عجيبة، ورباط جأش فريد، كأنها أسد جريح، ولا أخفي عليكم، فقد تذكرت بمحنتها هذه، محنة أمي الصابرة التي أخبرها السفلة الصداميون بإعدام ولدها الشيوعي، مع وابل من كلماتهم التهديدية، وعباراتهم الشامتة، ولغتهم العفنة القذرة .. كما تذكرت معها جميع أمهاتنا المفجوعات اللائي تعرضن لمثل هذا الموقف الكربلائي الزينبي. إن أمَّ أيمن- وهذا اسمها- لم تقف مكسورة الجناح ولا دامعة العين، ولا خائفة أو مرعوبة من أسلحتهم أو من تهديدهم، إنما كانت ترد عليهم بكلمة واحدة، وهي: ( فَشرتوا فَشرتوا )، أي خسئتوا، ولها معنى سوري آخر ( كذبتوا )..!
ولعل الأعظم في الأمر أنها وقفت كالجبل لثلاثة أيام تحرس ولديها وحفيدها، كي لا تنهش جثثهم الكلاب، أو تعبث باجسادهم الذئاب الطائفية ..

والمضحك المبكي، أن جماعة الجولاني ادّعوا أن ابناء هذه السيدة من فلول الأسد، وأنهم نالوا عقابهم لأنهم قاوموا الثورة، لكن كذبتهم فُضحت، عندما ظهر أن أحد القتلى الثلاثة واسمه سهيل، كان من دعاة الثورة على الأسد، وانصار التغيير، وقد عثر على عشرات المنشورات في تويتر والفيس بوك يدعو فيها العلويين إلى دعم الحكومة الجديدة !!

والمضحك ايضاً، أن إعلام عصابة الجولاني وبعد أن فضح الناس كذبته عبر اعادة نشر تغريدات (سهيل ) وكتاباته، اضطر إلى تغيير ادعاءاته، فظهر بكذبة جديدة مفادها أن أبناء السيدة قُتلوا على يد جماعة من ( العمشات ) وجماعة من ( الحمزات ) وهما جماعتان مسلحتان متحالفتان مع هيئة تحرير الشام، وإن القوات الأمنية الجولانية بريئة من دمهم.

لكنّ السيدة لم تنثنِ عن تشخيصها وتأكيدها بأن قتلة ولديها وحفيدها هم افراد من القوات الامنية التابعة للجولاني وليس غيرهم .. !

إن تعاطف الشعوب مع هذه السيدة دفع الجولاني إلى ارسال أحد أزلامه – محافظ اللاذقية – إلى زيارة الأم المكلومة في بيتها وتقديم العزاء لها، لكنها لم توافق على قبول العزاء إلا بالاعتراف علناً والاعتذار أمام العالم بأن قوات ( الشرع) قتلت اولادها والكف عن اتهام الآخرين، فنفذ لها ما أرادت بعد أن اتصل بالجولاني وأخبره بما اشترطته عليه المفجوعة أم أيمن .. !!

لقد سقط المجرم صدام، وسقط المجرم بشار، وسقط قبلهما عشرات الطغاة في التاريخ، وسيسقط الجولاني ونظامه حتماً، لأن حق الشعوب، و (حوبة) دماء الأبرياء، ودموع الأمهات أقوى من كل الجيوش الحربية، وقوى الأمن والمخابرات والميلشيات، مهما كانت قوية وشرسة وعنيفة، حتى لو كانت بحجم عنف ( النصرة)..!

فالح حسون الدراجي

مقالات مشابهة

  • حابس الشروف: إسرائيل تسعى لإفشال المبادرة العربية وتهجير الفلسطينيين
  • تعرف على القيادات الحكومية التي اغتالتها إسرائيل بعد استئناف العدوان على غزة
  • رئيس الوزراء: الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة هي حرب على الإنسانية
  • أستاذ تاريخ: اليهود لا يعترفون بعيسى ويعتبرونه ابنًا غير شرعي .. فيديو
  • فشرتوا
  • كاتب صحفي: مصر تمكنت من مواجهة محاولات زعزعة استقرارها بفضل وعي المواطنين
  • كاتب يتهم “قلبي ومفتاحه” باقتباس غير معلن.. والمخرج يرد!
  • كاتب أميركي: ترامب يقوض الديمقراطية محليا ودوليا
  • وكالة السودان للأنباء تحذر كاتب بصحيفة اسرائيلية مقيم في الإمارات بسبب استخدام اسمها