المستشار الألماني المقبل: زيادة الإنفاق الدفاعي ضروري لمواجهة حرب بوتين ضد أوروبا
تاريخ النشر: 18th, March 2025 GMT
برلين "وكالات": أكد المستشار الألماني المقبل فريدريش ميرتس اليوم الثلاثاء أن مقترحه لزيادة الإنفاق الدفاعي بشكل كبير ضروري نظرا إلى "الحرب العدوانية" التي يشنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "ضد أوروبا".
وقال ميرتس للبرلمان الألماني قبيل التصويت على الخطة لتي تشمل أيضا تمويلا ضخما للبنى التحتية "إنها حرب ضد أوروبا وليست مجرّد حرب ضد سلامة الأراضي الأوكرانية".
وأفاد ميرتس بأن العدوان الروسي شمل هجمات إلكترونية وعمليات تجسس وحرائق وجرائم قتل مأجورة فضلا عن حملات التضليل "التي تحاول تقسيم الاتحاد الأوروبي وتهميشه".
وقال ميرتس الذي فاز تحالفه (الاتحاد المسيحي الديموقراطي/الاتحاد الاجتماعي المسيحي) في انتخابات الشهر الماضي العامة إن أوروبا اليوم تواجه "روسيا عدوانية" إلى جانب "ولايات متحدة أميركية لا يمكن توقع" خطواتها التالية.
تتمثل خطط ميرتس باستثناء الإنفاق الدفاعي من قواعد الدين المشددة للبلاد لدى تجاوزه واحد في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وإنشاء صندوق بقيمة 500 مليار يورو (545 مليار دولار) من أجل استثمارات في البنى التحتية على مدى 12 عاما.
تأمل كتلته بتمرير الخطة في البرلمان في وقت أحدثت مساعي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتقارب مع روسيا وعدائيته تجاه أوكرانيا صدمة في أوروبا وأثارت الشكوك حيال متانة العلاقات بين جانبي الأطلسي في المستقبل.
وقال ميرتس "أرغب بتوضيح ذلك: أؤيد قيامنا بكل ما في وسعنا للمحافظة على التعاون عبر الأطلسي". وأضاف "أعتبر أنه لا غنى عن ذلك، لكن علينا الآن القيام بواجبنا داخل أوروبا".
وتابع "علينا أن نصبح أكثر قوة. علينا ضمان أمننا. هذه مسؤوليتنا. لألمانيا دور رائد يتعين عليها القيام به في هذا السياق، وأرى أنه ينبغي علينا أن نكون على استعداد لتولي هذه المسؤولية القيادية".
وأفاد ميرتس بأن زيادة الإنفاق المقرر للقوات المسلحة والذي يتوقع أن يصل إلى مئات مليارات اليورو في السنوات المقبلة "ليس إلا خطوة رئيسية أولى باتجاه مجتمع دفاع أوروبي جديد".
ولفت إلى أن المجموعة ستشمل "دولا ليست منضوية في الاتحاد الأوروبي لكنها مهتمة إلى حد كبير في بناء هذا الدفاع الأوروبي المشترك معنا مثل.. بريطانيا والنروج".
وأكد أنه يتعين منح أي عقود دفاعية جديدة إلى المصنّعين الأوروبيين "متى أمكن".
وتابع "علينا إعادة بناء إمكانياتنا الدفاعية" مضيفا أن ذلك يجب أن يتم عبر "أنظمة آلية مع مراقبة أوروبية مستقلة، عبر الأقمار الصناعية وعبر مسيرات مسلحة والعديد من الأنظمة الدفاعية الحديثة" التي يتم طلبها من شركات في القارة.
من جانبه، من جانبه، أكد وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس ضرورة تخفيف قيود الاستدانة من أجل زيادة الإنفاق الدفاعي.
وقال الوزير المنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي في جلسة طارئة للبرلمان الاتحادي (بوندستاج) اليوم الثلاثاء: "من يتردد اليوم، أو يفتقر إلى الشجاعة اليوم، أو يعتقد أننا قادرون على تحمل هذا النقاش لأشهر قادمة، ينكر الواقع"، مضيفا أن أمن البلاد ومستقبلها يعتمدان على ذلك.
وذكر بيستوريوس أن التسوية التي تم التوصل إليها بين التحالف المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي مع حزب الخضر تتجاوز بكثير نقطة التحول السابقة التي أعلن عنها المستشار أولاف شولتس، موضحا أن هذا المشروع يهدف إلى تعزيز القدرات الدفاعية للبلاد دون المساس بالتضافر الاجتماعي.
وقال بيستوريوس: "أمننا لا ينبغي أن يتعرض للخطر بسبب حتميات الميزانية"، مؤكدا أن القروض لن تكون صكوكا على بياض، موضحا أنه سيجرى استخدام الأموال بشكل فعال وستظل خاضعة للرقابة البرلمانية.
وصوت نواب البوندستاج اليوم على حزمة إنفاق مثيرة للجدل بقيمة 500 مليار يورو، والتي تهدف إلى إنعاش البنية التحتية والمضي قدما في مبادرات المناخ وتعزيز الدفاع.
ويتضمن الاقتراح، الذي يحظى بدعم من الكتل البرلمانية للتحالف المسيحي المحافظ والحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر، رفع حدود الاقتراض لإنشاء صندوق خاص للبنية التحتية وحماية المناخ، مع إزالة قيود الديون المفروضة على الدفاع والحماية المدنية وأجهزة الاستخبارات والأمن السيبراني.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الإنفاق الدفاعی
إقرأ أيضاً:
ترامب يجعل أوروبا عظيمة مرة أخرى
ترجمة: قاسم مكي
لن يفوز دونالد ترامب بجائزة نوبل للسلام على الإطلاق. لكن ينبغي أن يكون منافسا قويا على جائزة شارلمان التي تمنح كل عام لشخص قدَّم أعظم مساهمة للوحدة الأوروبية.
الرئيس الأمريكي تودَّدَ لروسيا وقوَّض الإيمان بجدوى حلف الناتو وهدد الاتحاد الأوروبي بالرسوم الجمركية وعزز أقصى اليمين في أوروبا. كل هذا كان له أثر محفِّز للاتحاد الأوروبي. فالخطوات الجذرية نحو وحدة أوروبية أعظم والتي توقفت لعقود يتم اتخاذها الآن.
هنالك ثلاثة مجالات ينبغي الانتباه لها ورصد ما يحدث فيها. أولها الدفاع الأوروبي وثانيها الدَّين الأوروبي المشترك وثالثها إصلاح الخلل في العلاقات الودية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.
التحولات الدرامية في الرأي العام الأوروبي تعزز هذه التطورات. فقد أظهر استطلاع هذا الشهر أن 78%من البريطانيين يعتبرون ترامب مهددا لبريطانيا. ويرى ذلك أيضا 74% من الألمان و69% من الفرنسيين.
وفي استطلاع آخر اعتبر حوالي 85% من الألمان فرنسا شريكا موثوقا وحصلت بريطانيا على نسبة 78% كشريك موثوق. أما أمريكا فتراجعت نسبتها إلى 16%.
يتفق قادة أوروبيون عديدون على أن «أمريكا ترامب» هي الآن مهدد على الرغم من أن قليلين منهم فقط يقولون ذلك بصوت عالٍ لأسباب دبلوماسية.
وهم أيضا يدركون في قلق إلى أي حد جعلهم التحالف عبر الأطلسي الذي تأسس قبل ثمانين عاما شديدي الاعتماد على الدعم العسكري الأمريكي. وهو ليس مسألة مال فقط. فالاعتماد الخطر حقا على التقنية والأسلحة الأمريكية.
الأوروبيون يمكنهم أن يروا المتاعب التي تحيط بالأوكرانيين بعد قرار إدارة ترامب وقف تدفق المعلومات الاستخباراتية والأسلحة. لذلك يتَّبعون سياسة ذات مسارين.
فهم بحاجة إلى تأجيل وقف الدعم العسكري الأمريكي لأوروبا لأطول فترة ممكنة وفي الوقت ذاته يستعدون لتلك اللحظة (لحظة وقف الدعم) بأسرع ما يمكن.
كان ذلك هو المنطق وراء قرار السماح للمفوضية الأوروبية بجمع 150 بليون يورو لإنفاقها على الصناعة الدفاعية بالاتحاد الأوروبي. ومن المرجح أن يتم تركيز الإنفاق الجديد على المجالات التي تعتمد فيها البلدان الأوروبية بشكل خاص على أمريكا كالدفاع الجوي.
إلى ذلك، إصدار الدين الأوروبي المشترك ليس فقط طريقة لجمع المال من أجل تمويل الدفاع. فهو أيضا يتيح فرصة لتعزيز اليورو كعملة احتياط عالمية بديلة للدولار. ويعني التقلّب في مواقف إدارة ترامب أن هنالك رغبة عالمية قوية في بديل لسندات الخزانة الأمريكية كأصل استثماري آمن.
تقليديا الدين الأوروبي المشترك من المحرمات في ألمانيا المقترة في الإنفاق. انتهُك هذا «المحرَّم» جزئيا أثناء الجائحة. أما الآن ففي الغالب سيتم التخلي عنه تماما.
أيضا يتجه فريدريش ميرز الذي سيكون المستشار القادم لألمانيا إلى استثناء الإنفاق المالي القومي على الدفاع والبنية التحتية من القيود الدستورية على الانفاق بالعجز. وتعني الحصافة المالية السابقة لألمانيا أن لديها مساحة أكبر للاقتراض مما لدى بريطانيا أو فرنسا المثقلتين بالديون.
ومن الممكن أن ينعش نوعٌ من الكينزية العسكرية أكبر اقتصاد في أوروبا. (يقصد الكاتب بالكينزية العسكرية تطبيق سياسة مماثلة لتلك التي دعا لها الاقتصادي البريطاني جون مينارد كينز 1883-1946 بالتوسع في الإنفاق الحكومي لتنشيط الاقتصاد. والكينزية العسكرية تعني هنا استخدام الإنفاق الحكومي العسكري لتحفيز النمو الاقتصادي لألمانيا - المترجم.) وكما عبر لي عن ذلك أحد كبار رجال الأعمال الفرنسيين بقدر غير قليل من القلق «واضح جدا أن الألمان لا يمكنهم بيع سياراتهم.
لذلك سيصنعون دبابات».
الخدمة الأخيرة التي قدمها ترامب لأوروبا هي أنه عجَّل تقارب بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي مع الاتحاد الأوروبي. فالزعيمان البريطاني والفرنسي كير ستارمر وايمانويل ماكرون تعاونا على نحو وثيق حول أوكرانيا. ويمكن أن يشكلا سلطة ثلاثية قوية مع الألماني فريدريش ميرز.
إحدى آليات زيادة الإنفاق العسكري ستكون تكوين صندوق دفاع أوروبي جديد يمكن أن تشارك فيه بريطانيا. ولذلك ميزة إضافية. فهو سيقدِّم لبريطانيا والاتحاد الأوروبي شكلا جديدا للتعاون يتجنب إعادة فتح علبة باندورا خروج بريطانيا من الاتحاد. (بمعني إثارة الشرور أو المشاكل التي نجمت عن خروجها منه مرة أخرى- المترجم.»
احتمال إصلاح بعض الضرر الذي سببه هذا الخروج يؤكد أن هذه ليست فقط لحظة تهديد لأوروبا ولكنها أيضا فرصة. فأوروبا يمكنها الآن حقا تقديم بيئة أعمال أكثر استقرارا من «أمريكا ترامب.» وهذا ربما انعكس سلفا في الأداء النسبي لأسواق الأسهم في الولايات المتحدة وأوروبا.
ومع تشديد ترامب هجومه على الجامعات الأمريكية هنالك أيضا فرصة لاجتذاب كبار الباحثين إلى أوروبا. الفجوة في الرواتب ومخصصات الأبحاث بين أمريكا الشمالية وأوروبا كبيرة. لكن إجمالي المبالغ المالية اللازمة لهذا الغرض صغير عند مقارنته بالأموال المقترحة كمخصصات للدفاع.
ستكون هنالك اختلافات وانتكاسات كثيرة في الطريق نحو وحدة أوروبية أعظم. ففرنسا وألمانيا تصطدمان حول الكيفية التي ستنفق بها أموال صندوق الاتحاد الأوروبي الجديد للدفاع.
وسيغذي أي صدام من هذه الشاكلة شكوك أولئك الذين يقولون: إن أوروبا لن ترتب أمورها إطلاقا. وهنالك شكوك وانتكاسات شبيهة في الطريق غير الممهَّد في الغالب نحو تكوين الجماعة الأوروبية للفحم والصلب في خمسينيات القرن الماضي وأيضا العملة الموحدة في سنوات التسعينيات. لكن القادة الأوروبيين بلغوا مقصدهم في النهاية لأن الضرورة على الاتفاق كانت قاهرة.
كل القفزات العظيمة إلى الأمام في الطريق إلى الوحدة الأوروبية كانت أسبابها صدمات جيوسياسية. أول هذه الصدمات نهاية الحرب العالمية الثانية وثانيها نهاية الحرب الباردة. والآن بفضل ترامب نحن نشاهد نهاية التحالف عبر الأطلسي. لقد ردَّت أوروبا بقوة وحلول مبتكرة على التحديين الكبيرين الأخيرين. ويمكنها أن تفعل ذلك مرة أخرى.
جيديون راكمان كبير معلقي الشؤون الخارجية بصحيفة الفاينانشال تايمز.