لجريدة عمان:
2025-04-22@07:19:34 GMT

«لحظات كوداك» والاستباقية في الابتكار

تاريخ النشر: 18th, March 2025 GMT

في عام (2012م)، تقدمت شركة (كوداك) رسميا بطلب الحماية من الإفلاس، وتُعدُّ هذه الخطوة بمثابة الفصل الأخير من سلسلة تراجع هيمنة هذه الشركة على صناعة التصوير الفوتوغرافي لأكثر من قرن من الزمن، وهذا ما جعل من قصتها مادة ثرية للبحث والقراءة الاستراتيجية العميقة، وكأنها قصة تحذيرية لشركات التكنولوجيا، والسؤال: ما الدروس المستفادة من الأخطاء المصيرية التي أزاحت ابتكارات كوداك عن المشهد التنافسي في صناعة التصوير الفوتوغرافي؟

في البدء لا بد من الإشارة إلى أنه ومع توالي الثورات العلمية والتكنولوجية، لم يعد الابتكار خيارًا، بل ضرورة حتمية للبقاء في محيط الأعمال، والابتكارات التي تفشل في تبني التقنيات الجديدة، ومواكبة متطلبات التغيير، وإعادة ابتكار نفسها باستمرار تكون الأكثر عرضةً للزوال، حيث أن الوتيرة المتسارعة للتطورات التقنية تفرض على المبتكرين وشركات الابتكار ضرورة مراقبة المشهد التنافسي، والوقوف على التقنيات والاتجاهات الناشئة التي قد تُحدث تغييرًا جذريًا في الصناعة، ثم تحليل أدوات ومسارات التكييف معها بشكل مستدام، وذلك مع الانفتاح على التغيير، وهي جميعها مهارات حاسمة تتطلب الحس الاستراتيجي والتكتيكي معا.

فإذا قرأنا تاريخ شركة (كوداك)، سنجد بأن فكرة الابتكار قد ظهرت في عام (1888م) عندما أحدث رائد الأعمال (جورج إيستمان) ثورة في صناعة التصوير الفوتوغرافي، وكان ذلك مع طرح أول كاميرا فيلمية ناجحة تجاريًا، والذي أسماه (كوداك براوني). كان الدافع الحقيقي وراء هذا الابتكار التحويلي آنذاك هو شغف المؤسسين بوجوب تعميم التصوير الفوتوغرافي، وإتاحته لأكبر شريحة ممكنة من المستهلكين، وكان الداعم الأساسي الذي دفع هذا الابتكار الرائد إلى الصعود؛ هو تفوق (إيستمان) في وضع استراتيجيات تسويقية ثاقبة، ومن بينها حملة «لحظات كوداك» الشهيرة، التي استثمرت في الرابط العاطفي الذي يجمع الناس بذكرياتهم عبر التصوير الفوتوغرافي، ولاقت صدىً عميقًا لدى المستهلكين، ما ساهم في تعزيز انتشار الابتكار، وصعود الشركة إلى الصدارة في صناعة التصوير الفوتوغرافي.

واصلت الشركة نجاحاتها في منتصف سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ولكن أدت ابتكارات التصوير الرقمي في أواخر التسعينيات إلى نشوء حقبة تحولية في هذه الصناعة، حيث بدأت وحدات البحث والتطوير في الاستثمار في مختلف الأفكار الابتكارية ذات الصلة بالتصوير الرقمي، وظهرت الكثير من المقالات العلمية التي تستشرف مستقبل التصوير، ما شكّل فرصةً سانحة لدخول العديد من المنافسين إلى عالم الصناعة التي كانت لعقود طويلة تحت هيمنة (كوداك). ومع كل هذا الحراك، تباطأت شركة (كوداك) في إدراك إمكانات التقنية الناشئة، بل تمسكت بمنتجاتها التقليدية القائمة على التصوير بالأفلام، وأحجمت عن الاستثمار في الابتكار الرقمي، وعوَّلت على إسهامها التاريخي في ابتكار التصوير الفوتوغرافي الحديث، وتوثيق الأحداث والمناسبات والذكريات، وكان ذلك هو الخطأ الاستراتيجي الأول الذي كلفها موقعها في صدارة الصناعة.

أما الخطأ الثاني - الذي قد يقع فيه أي مبتكر أو شركة ابتكارية - فهو البحث عن مسارات بديلة وسريعة، حيث قررت شركة (كوداك) بأن الحل الأسرع لتآكل حصتها السوقية سيكون عن طريق تنويع أعمالها لتشمل قطاعات إنتاجية أخرى، مثل صناعة الكيماويات، وتقديم خدمات الرعاية الصحية، ولكن في الواقع، لم يكن هذا القرار صائبا استراتيجيا، بل كان تشتيتا مكلفا من الناحية التمويلية، وكذلك على مستوى السمعة الخارجية للشركة، إذ حوّل هذا القرار الموارد الأساسية من التركيز على خط الإنتاج، وعملياته الأساسية إلى خطوط أخرى جديدة، ومزدحمة بالمنافسين الذي لا يحتاجون في الأصل للميزة التنافسية، كما هو الحال في صناعة التصوير الفوتوغرافي.

ويأتي ملف إدارة الملكية الفكرية الذي فشلت فيه إدارة شركة (كوداك)، حيث لم تتمكن الشركة من إدارة محفظة ملكيتها الفكرية بفعالية، ففي الوقت الذي كانت فيه بحاجة إلى اتخاذ قرارات حاسمة بشأن ترخيص تقنياتها الحاصلة على براءات اختراع؛ لم تتخذ الشركة قرارات واضحة، وكانت هذه الجزئية مهمة ومصيرية، ولو أنها قد وفقت في هذا الشأن لكان بالإمكان تدارك قيمتها السوقية ولو بشكل جزئي، ولكن التردد الطويل في حسم ترخيص براءات الاختراع أعاق قدرتها على التكيف مع مشهد السوق المتغير، وأدى في نهاية المطاف إلى اكتساب المنافسين ميزة تنافسية مكنتهم من الاستحواذ على نصيبها الصناعي، وكان ذلك هو الخطأ الاستراتيجي الثالث والحاسم.

وعلى الرغم من تراجعها، إلا أن إرث شركة (كوداك) لا يخلو من الدروس والمزايا. فإذا نظرنا إلى ابتكارها الأول، سنجد بأن الشركة التي كانت رائدة في مجال التصوير الفوتوغرافي لم يقتصر أثرها على تخليد الذكريات أو اللحظات، ولكنها شكلت بطريقة ابتكارية تجارب المستهلكين في التقاط اللحظات التي تخلد ذكرياتها، ومع غياب شركة (كوداك) عن المشهد التنافسي الراهن؛ إلا أن مساهماتها في مجال التصوير الفوتوغرافي لا تزال بالغة الأهمية، وهي محل دراسة الباحثين والمهتمين. والدرس الأكبر من صعود وانهيار ابتكارات (كوداك) هو أن البقاء داخل النجاح الأول هو أكثر خطرا على الابتكار من المنافسين الخارجيين، وأن الوصول إلى مرحلة الرضا بالذات هو أولى خطوات التراجع، ويستوجب على المبتكرين وشركات الابتكار الناشئة الإدراك الواعي بهذه المخاطر الساكنة، فتراجع شركة (كوداك) لم يكن بسبب فشلها في مواكبة الثورة الرقمية وحسب، ولكن في سلسلة الأخطاء الاستراتيجية التي رافقت عملية اتخاذ القرارات في المرحلة التي بدأت فيها الشركة باستشعار صعود المنافسين.

وبذلك فإن متطلبات البقاء في عالم الأعمال تتجاوز مسألة النجاح الأول في الابتكار والوصول للقيمة السوقية، ما يستوجب على المبتكرين وشركات الابتكار الناشئة تطوير مهارات عديدة أخرى، وفي مقدمتها مهارات صناعة واتخاذ القرار، وكذلك مهارات الاستجابة الذكية للمتغيرات، فالطبيعة الديناميكية للابتكارات العلمية لا تدع مجالا للتردد والتريث أو انتظار الأحداث، بل يجب الوصول إلى درجة عالية من الاستعداد لتكييف الاستراتيجيات، والعمليات للاستجابة للعوامل الخارجية المتغيرة، وهذا بدوره يتطلب ثقافة الاستعداد لتجربة أفكار جديدة، والتعامل مع التغيير بمنظور إيجابي وتطويري، وتعزيز ثقافة الاقتناع بأهمية الحفاظ على الاستباقية في السعي نحو الابتكار.

د. جميلة الهنائية باحثة فـي سياسات العلوم والتكنولوجيا والابتكار

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الإمارات مهد الابتكار والإبداع.. ووصفة العالم لطالبيهما

محمد ياسين

تحتفي دولة الإمارات بـ «اليوم العالمي للابتكار والإبداع»، الذي أقرته منظمة الأمم المتحدة في 21 إبريل، للارتقاء بدور الإبداع والابتكار في جميع المجالات، لتكون بحق مهديهما. والإمارات نموذج عالمي في الابتكار، واستطاعت بجهودها المتنوعة، استقطاب المبتكرين والمبدعين، وتحقيق قفزات ملموسة وريادية، حتى أصبحت من أوائل دول المنطقة والعالم في مؤشر التنافسية.
أكدت هالة بدري، مدير عام هيئة الثقافة والفنون في دبي أن الإبداع والابتكار يشكلان أساساً لتطور المجتمعات، ويجسدان جوهر دبي وهويتها المتفردة، ويعبران عن تطلعاتها بأن تكون في صدارة المدن الذكية عالمياً، لافتةً إلى أن اليوم العالمي للإبداع والابتكار يمثل فرصة للاحتفاء بما حققته الإمارة من إنجازات بارزة جعلت منها ملتقى دولياً للمبدعين والمبتكرين.
وقالت: «أصبح الإبداع والابتكار جزءاً من هوية دبي وتكوينها، فهما محركان أساسيان لبناء مستقبل مستدام، وما تشهده الإمارة من حراك فاعل في مختلف القطاعات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، يعكس تفرد نهج قيادتنا الرشيدة التي تؤمن بأهمية الاستثمار في الإنسان، وضرورة دعم الأفكار الإبداعية والحلول المبتكرة في كافة المجالات»، مشيرة في الوقت نفسه إلى حرص الهيئة على تبني الابتكار كمحور رئيسي في خارطتها الاستراتيجية، وتعمل على تطوير حلول استباقية قادرة على دعم نمو القطاع الثقافي والإبداعي في الإمارة، حيث تسعى عبر برامجها ومبادراتها المتنوعة إلى تعزيز روح الابتكار لدى أعضاء المجتمع الإبداعي، وتحفيزهم الى إطلاق مشاريع نوعية تساهم في ترسيخ مكانة دبي مركزاً عالمياً للثقافة، حاضنة للإبداع، ملتقى للمواهب.
رؤيةمن جانبه، قال جمال بن حويرب، المدير التنفيذي لمؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة: «في هذا اليوم الذي يحتفي فيه العالم بالإبداع والابتكار، نستحضر رؤية قيادتنا الرشيدة التي جعلت من الاستثمار في الإنسان، حجر الأساس لصناعة مستقبل قائم على المعرفة، وقادر على المنافسة في عالم سريع التحول. ومن هذا المنطلق، نؤمن بأن الابتكار ليس خياراً، بل ضرورة استراتيجية تُسهم في بناء مجتمعات مرنة، مزدهرة، ومتصالحة مع تحديات الغد.
وتابع:«نغتنم هذه المناسبة لتجديد التزامنا في مؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة بتهيئة بيئة معرفية محفزة تحتضن الأفكار الخلّاقة، وتدفع العقول نحو التميز، وتحوّل الإمكانات إلى إنجازات نوعية تُسهم في تحقيق التنمية المستدامة، وتعزز الريادة الوطنية في كافة المجالات. إذ تبنّت المؤسَّسة منذ انطلاقتها نهجاً متكاملاً يعزز ثقافة الابتكار، ويجعل من المعرفة محركاً للتغيير الإيجابي، من خلال مبادرات استراتيجية رائدة، نذكر منها على سبيل المثال: «برنامج دبي الدولي للكتابة»، الذي يُعد منصة نوعية لاكتشاف المواهب الشابة وتمكينها من التعبير عن رؤاها بأساليب مبتكرة، تسهم في إثراء المشهد المعرفي العربي، وكذلك مبادرة «مهارات المستقبل للجميع»، التي تواكب التحولات الرقمية عبر تأهيل الكوادر بالمهارات اللازمة لعصر الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة، بما يعزز من تنافسيتهم في سوق العمل المستقبلي».
محرك أساسيقال أحمد بن مسحار أمين عام اللجنة العليا للتشريعات إن الابتكار محرك أساسي في تطوير آليات العمل المؤسسي، وعامل رئيسي في تعزيز تنافسية دولة الإمارات العربية المتحدة وريادتها على الصعيدين الإقليمي والعالمي. ومن هذا المنطلق، تولي الدولة أهمية كبيرة لتوفير بيئة محفِّزة للإبداع والابتكار انطلاقاً من التزامها بتشجيع ثقافة التميُّز، وترسيخ مكانتها كمركز عالمي للابتكار.
وذكر بمناسبة اليوم العالمي للإبداع والابتكار: ترجمةً لتوجيهات القيادة الرشيدة، تمكنت دولة الإمارات العربية المتحدة من إرساء دعائم منظومةٍ مُثلى لتنمية الإبداع إيماناً بدورها المحوري في دفع عجلة التنمية المستدامة، وترسيخ أسس نموذج الاقتصاد القائم على المعرفة. وفي إطار هذا النهج، دأبت الدولة على دعم المبتكرين واعتماد التشريعات الكفيلة بصون حقوقهم، ورفدهم بالسُّبل والمُمَكِّناتْ التي تعزز إسهاماتهم في صياغة معالم المستقبل.
برامج ومبادرات
بدورها تستهدف، «جمعية الإمارات للإبداع»، بخططها وبرامجها ومبادراتها، تعزيز الإبداع والابتكار، وتشجيع المبدعين ودعمهم، والارتقاء بنشر هذه الثقافة مجتمعياً، انعكاساً لاستراتيجية حكومة دولة الإمارات، لتوفير بيئة جاذبة لهذه المواهب من الإماراتيين والمقيمين. وتهدف الجمعية التي أشهرتها وزارة تمكين المجتمع عام 2016، لتعزيز مسؤوليتها وتنفيذ رؤيتها.

مقالات مشابهة

  • الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون توقع عقداً مع الشركة القطرية ‏للأقمار ‏ الصناعية سهيل سات لبث قناة الإخبارية السورية بجودة عالية ‏
  • استخدام عبارات من فضلك وشكرًا في ChatGPT يكلف الشركة ملايين الدولارات
  • دبي تجمع قادة الابتكار في أسبوع الذكاء الاصطناعي
  • الإمارات مهد الابتكار والإبداع.. ووصفة العالم لطالبيهما
  • بعد 3 سنوات من الواقعة.. رهائن في متجر آبل يجسد لحظات رعب في أمستردام
  • "ليڤا للتأمين" تستعرض رؤية الشركة نحو مستقبل أكثر شمولية بمؤتمر "أوشرم"
  • بيان توضيحي صادر عن الشركة اليمنية لتكرير السكر
  • لحظات جنونية في مباراة برشلونة وسيلتا فيغو.. إليك أبرز ما حدث
  • الشركة العامة للصناعات الجلدية توسع إنتاجها باستثمار نصف مليون ريال
  • لحظات مؤلمة لأم فلسطينية تقبّل قدمي نجلها عقب استشهاده بغزة (شاهد)