لجريدة عمان:
2025-03-18@16:42:29 GMT

احتكار «جوجل».. تهديد للإبداع الرقمي!

تاريخ النشر: 18th, March 2025 GMT

منذ سنوات تتربع «جوجل» على عرش العالم الرقمي، إذ أنها من يحدد لملايين البشر في العالم المحتوى الذي يصلون عليه ويستهلكونه على شبكة الويب. اليوم، ومع اندماج تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي في أدوات البحث، يتعزز احتكار «جوجل»، ليشمل ليس فقط بوابات الوصول إلى المعلومات، بل أيضًا صناعة المحتوى نفسه، إذ يشعر صناع المحتوى المستقلون، والناشرون والمنصات الإعلامية وحتى المؤسسات الإعلامية العريقة، بالقلق من المستقبل الغامض الذي ينتظرهم.

كانت «جوجل» ومازالت تمثل بوابة العالم إلى الإنترنت. بنقرة واحدة على محركها، يحصل المستخدم على قائمة بروابط تقوده إلى مصادر ، بما يضمن تنوعًا وفرصا للناشرين لاستقطاب الزوار وتحقيق الإيرادات، سواء عبر الإعلانات أو الاشتراكات. غير أن إدخال تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، ضمن محرك البحث غيّر هذه المعادلة جذريًا.

لم تعد «جوجل» تقتصر على توجيه المستخدمين نحو مواقع الويب، بل باتت تقدم لهم إجابات مباشرة، مولدة بالذكاء الاصطناعي، دون الحاجة إلى مغادرة محرك البحث. وبذلك، تقلصت فرص المواقع الإلكترونية في جذب الزوار، ما يعني انخفاضًا محتملا في الإيرادات. وتشير التقديرات إلى أن حركة المرور على الإنترنت سوف تنخفض بنسبة 25% بحلول عام 2026 نتيجة لهذا التغير، وذلك بسبب اكتفاء غالبية المستخدمين بإجابات الذكاء الاصطناعي التي تظهر مباشرة على صفحة نتائج البحث، دون الحاجة إلى زيارة المواقع الإلكترونية التي أنتجت هذا المحتوى. ووفقًا لتقرير شركة الأبحاث والاستشارات التقنية الشهيرة «غارتنر»، فإن الناشرين الرقميين والمبدعين المستقلين الذين يعتمدون على محركات البحث لجذب الزوار وتحقيق الأرباح سوف يتضررون كثيرا من هذا التحول، كما أن نظام شبكة الويب، الذي كان يعتمد على علاقة متبادلة بين محركات البحث ومقدمي المحتوى، أصبح مهددًا بسبب تحول محركات البحث إلى مصادر معرفية مستقلة عبر الذكاء الاصطناعي التوليدي.

يدعم الذكاء الاصطناعي التوليدي قدرات «جوجل» الجديدة، حيث يقوم بقراءة وتحليل المحتوى من مختلف المواقع الإلكترونية، ثم يقدم إجابات متكاملة للمستخدمين. بمعنى آخر، تقوم «جوجل» بإعادة صياغة المعلومات، مستفيدة من جهود آلاف الكتّاب والصحفيين والخبراء، دون تقديم تعويض عادل لهم. هنا يبرز الخطر الأكبر المتمثل في تحول المحتوى على الشبكة إلى محتوى يسيطر عليه عدد صغير من شركات التكنولوجيا العملاقة، بينما يفقد المنتجون الصغار والناشرون المستقلون حوافزهم للاستمرار في تقديم محتوى عالي الجودة. فبدون زيارات لمواقعهم ولا إيرادات من الإعلانات، لن تكون هناك دوافع وراء الكتابة أو إنتاج محتوى جيد.هيمنة «جوجل» المتزايدة على الفضاء الإلكتروني أثارت موجة من الدعاوى القضائية والانتقادات، لم تعد تقتصر على الناشرين والمبدعين المستقلين، بل وصل إلى عمالقة التعليم الرقمي مثل شركة «شيج»، التي تأسست عام 2005، ويقوم نموذج عملها الرقمي على الاعتماد على حركة المرور القادمة من بحث «جوجل»، ووجدت نفسها بعد إدماج «جوجل» للذكاء الاصطناعي في محرك البحث، في صراع قانوني مع «جوجل». وأقامت دعوى قضائية تتهم «جوجل» بإساءة استخدام احتكارها لمحركات البحث من خلال تقديم ملخصات لمحتواها عبر الذكاء الاصطناعي، ما ألحق بها خسائر فادحة، بعد أن أصبح المستخدمون يحصلون على إجابات مباشرة من «جوجل» دون الحاجة إلى زيارة موقعها، وهو ما يمثل تهديدا وجوديا لها.

وعلى مستوى أوسع، رفعت وزارة العدل الأمريكية دعوى مكافحة احتكار ضد «جوجل»، تتهمها بالسيطرة غير القانونية على قطاع البحث، ما يضر بالمنافسة ويخنق الابتكار. ويعتقد خبراء القانون أن احتكار «جوجل» يجعلها هدفًا لمثل هذه الدعاوى، في حين أن شركات أخرى للذكاء الاصطناعي التوليدي لا تزال بمنأى عن هذا الخطر القانوني.

لم تكن المؤسسات الإعلامية الكبرى بمنأى عن هذا الصراع. وعلى سبيل المثال أقامت صحيفة «نيويورك تايمز»، دعوى ضد شركتي «أوبن أيه آى»، و«ميكروسوفت» بسبب استخدام محتواها المحمي بحقوق النشر في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي دون إذن أو تعويض. وفي ذات السياق، فرضت مئات المؤسسات الإعلامية قيودًا تقنية لمنع شركات التقنية من سحب محتواها، لكنها تواجه صعوبات في حماية أرشيفها السابق. وتسعى «جوجل» إلى تهدئة هذا الغضب الإعلامي من خلال توقيع اتفاقيات مع بعض الناشرين، كما فعلت مع بعض الصحف والمجلات ووكالات الأنباء العالمية، بهدف استخدام محتواها بشكل قانوني مقابل رسوم متفق عليها. غير أن هذا لا يعالج جوهر المشكلة، إذ تظل الأغلبية من صناع المحتوى خارج هذا النظام التعويضي.

وفي رد فعل مباشر على استنزاف محتواها، فرضت مئات المؤسسات الإعلامية حول العالم، من بينها صحيفة «نيويورك تايمز»، و«واشنطن بوست»، و«رويترز»، قيودًا تقنية صارمة لمنع شركات التقنية وشركات الذكاء الاصطناعي، بما فيها «جوجل»، من سحب محتواها دون إذن، بما في ذلك استخدام أدوات «حجب البيانات» على مواقعها الإلكترونية، بهدف منع الزحف الآلي الذي تستخدمه الشركات لتغذية أنظمة الذكاء الاصطناعي بالمحتوى. وتتضمن هذه القيود استخدام ملفات تمنع البرامج المملوكة لشركات الذكاء الاصطناعي من الوصول إلى أرشيفات المواقع الصحفية والإعلامية، واستخدام أنظمة التحقق الرقمي، لإيقاف الوصول التلقائي للموقع من البرمجيات غير المصرح به، بالإضافة إلى استخدام برمجيات التتبع، التي تكشف عمليات السحب غير القانوني للمحتوى.

في تقديري أن استمرار هذا التوجه من شركات التقنية العملاقة وشركات الذكاء الاصطناعي يهدد فكرة الإنترنت المفتوح الذي عرفناه لعقود، والذي كان يضمن، إلى حد كبير، تعدد مصادر المعلومات وتنافس المواقع على تقديم محتوى غني ومتنوع. بدلًا من ذلك، يتجه العالم إلى نظام إنترنت مغلق تهيمن عليه حفنة من الشركات الكبرى، التي تتحكم ليس فقط بالبحث، بل أيضًا بالمحتوى نفسه. إن خسائر الناشرين والمبدعين والتي قد تصل إلى ملياري دولار بسبب دمج «جوجل» بين البحث والذكاء الاصطناعي، قد يؤدي إلى انهيار المنظومة الاقتصادية التي يقوم عليها إنتاج المحتوى، حيث لم يعد هناك حافز كافٍ للإبداع والنشر في بيئة تسيطر عليها خوارزميات لا تمنح سوى جزء يسير من العائدات للمنتجين. ففي الوقت الذي تواصل فيه «جوجل» تحسين أدواتها القائمة على الذكاء الاصطناعي، تظل الأسئلة المطروحة حول عدالة هذا النظام وشفافيته قائمة وتحتاج إلى إجابات. إن الأسئلة المطروحة الآن لا يجب أن تقتصر فقط على مستقبل أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي وتأثيرها على الصحافة ووسائل الاعلام، ولكن أيضا ما إذا كانت «جوجل» كعملاق تقني خارج السيطرة قادرة على تحقيق التوازن بين مصلحة المستخدمين وحقوق الناشرين والمبدعين؟ وهل يمكن لقوانين مكافحة الاحتكار أو التشريعات الرقمية أن تحد من نفوذها الرقمي؟

إن الموقف الحالي يتطلب تقييمًا شاملًا لمستقبل الإنترنت يستند الى حوار عالمي حول نظام الإنترنت الذي نريده: هل نريد أن يبقى كما عرفناه مساحة مفتوحة للجميع، أم حقلًا خاصًا تديره حفنة من الشركات التكنولوجية العملاقة؟ إن رهان المستقبل يبقى معتمدا على وعي المستخدمين، وتحركات المبدعين، ودور الحكومات في الحفاظ على فضاء رقمي مفتوح وعادل.

من المؤكد أن صراع «جوجل» مع «نيويورك تايمز»، وغيرها من صناع المحتوى، والقيود التقنية التي فرضتها مئات المؤسسات الإعلامية، ليس سوى بداية معركة أكبر حول ملكية المعرفة الرقمية. هذه المواجهة سوف تحدد إلى حد كبير مستقبل الإنترنت: إما كفضاء حر وديمقراطي، أو كسوق مغلق يُدار بواسطة الخوارزميات ويحقق فقط مصالح الشركات الكبرى.

أ.د. حسني محمد نصر أكاديمي فـي قسم الإعلام بجامعة السلطان قابوس

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی التولیدی المؤسسات الإعلامیة

إقرأ أيضاً:

الذكاء الاصطناعي يساعد في تقيّيم الأدوية الجديدة

توصل معهد «غوستاف روسي» للسرطان إلى أن الذكاء الاصطناعي يسهّل عملية اختيار المشاركين في الدراسات التي تقيّم الأدوية الجديدة، إذ تسهم هذه التكنولوجيا في تحديد المريض المناسب في الوقت المناسب لإجراء أفضل تجربة سريرية.
يعد معهد «غوستاف روسي» للسرطان في باريس أحد مؤسسي شركة «كلينيو» الناشئة التي تشجع على الوصول إلى التجارب السريرية. 
ويقول «أرنو بايل»، أخصائي الأورام بالمعهد: إن «علاجات الأورام تتطور بسرعة كبيرة. المشاركة في تجربة سريرية تُمثل فرصة محتملة للاستفادة من علاج لن يكون متاحا في السوق قبل سنوات».
ونتيجة لنقص المرضى، يتباطأ تطوير الدواء المحتمل أو حتى يتوقف في بعض الأحيان إذا لم يكن من الممكن إجراء الدراسات.
وبحسب الجمعية الفرنسية لشركات الأدوية «ليم»، فإن 85% من التجارب السريرية تواجه تأخيرا مرتبطا بعوائق تحول من دون الاستعانة بالمرضى.
ولحل هذه المشكلة، بدأت شركات الأدوية الكبرى في الدخول في شراكات مع شركات ناشئة تستخدم الذكاء الاصطناعي لتوجيه المرضى إلى التجارب التي تناسبهم بشكل أفضل.
تعتمد الشركتان الفرنسيتان «كلينيو» و«باتلينك» على قواعد بيانات رسمية متنوعة تحصي مختلف التجارب السريرية.
وتعمل خوارزميات الذكاء الاصطناعي على تنظيف هذه البيانات المحدثة تلقائيا وتنظيمها ومراجعتها لتقديم تجارب للمرضى تتوافق مع احتياجاتهم.
بشكل عام، لا تتاح للمريض فرصة الانضمام إلى تجربة سريرية إلا إذا كانت مفتوحة في المركز الاستشفائي الذي يتابع حالته، وغالبا في المدن الكبيرة.
ويُنظر إلى الذكاء الاصطناعي باعتباره وسيلة لتعميم الوصول إلى التجارب السريرية، بغض النظر عن مكان الإقامة، ولكنه يساهم أيضا في تمثيل أفضل للتنوع في هذه التجارب.
بدلا من البدء بدراسة ثم البحث عن مريض، وهو ما يحدث عادة، «نبدأ بمريض ثم نجد بسهولة الدراسة التي تناسبه»، على ما توضح رئيسة شركة «باتلينك» إليز خالقي.
وتوضح إليز خالقي «إنها في الأساس أداة مطابقة» تعتمد على البيانات المتعلقة بوضع المريض الصحي وعمره وموقعه.
كما أضافت خالقي «يولّد الذكاء الاصطناعي أسئلة تلقائية استنادا إلى كل معايير الإدراج والاستبعاد للدراسات السريرية» في مختلف أنحاء العالم.
وأكدت خالقي أن «هذه التقنية تسهم أيضا في ترجمة النصوص العلمية، التي تُعد الإنجليزية هي لغتها المرجعية، وتجعلها «أكثر قابلية للفهم بالنسبة للمرضى».

أخبار ذات صلة المجلس الرمضاني العلمي يناقش «الذكاء الاصطناعي إلى أين؟» استطلاع جديد يكشف: الذكاء الاصطناعي العام بعيد المنال

مقالات مشابهة

  • الذكاء الاصطناعي يساعد في تقيّيم الأدوية الجديدة
  • وداعاً لمساعد جوجل.. جيميني يستعد للحلول مكانه هذا العام
  • سحر Gemini.. الذكاء الاصطناعي لجوجل يزيل العلامات المائية من الصور
  • الصدر يعلق على استخدام الذكاء الاصطناعي
  • الذكاء الاصطناعي يفك لغزاً علمياً استعصى على العلماء لعقد كامل
  • الصين تضع لوائح تنظم المحتوى المُنشَأ بالذكاء الاصطناعي
  • المحتوى الرقمي بين التهليل والتحليل
  • جامعة الأمير سلطان تحصل على براءة اختراع لحماية حقوق المحتوى الرقمي
  • «يضاهي ChatGPT».. جوجل تطرح أحدث برنامج ذكاء اصطناعي Gemma 3