جبريل براهو يا وجدي وود الفكي..!!
تاريخ النشر: 18th, March 2025 GMT
تأمُلات
كمال الهِدَي
. استمعت لجزء كبير من الحوار الذي رُوج له على أنه يحمل الجديد المثير حول عمل لجنة تفكيك التمكين.
. وكما يدرك أي متابع لهذه الزاوية فقد كنت أنتقد بعض ما قامت به اللجنة وقتذاك مع تأكيدي الدائم حينها بأن من يشكك في نزاهة بعض اعضائها، خاصة ود الفكي ووجدي مجرد واهم أو شخص مريض.
. ولم أكن أكتب ذلك لمعرفة بالرجلين، لكن الخالق جل شأنه منحنا القدرة على القراءة الجيدة ومعرفة الصالح من الطالح، وإلا لما تجاسرنا بالكتابة في الشأن العام.
. لكن لم يمنعني إحترامي لعضوي اللجنة وجدي وود الفكي بالطبع من انتقاد ما كنت أراه خطأً وقتها.
. أعدتكم لتلك الفترة بهذه المقدمة لكي أدلف للجزئية المهمة في حديثهما الأخير بأن (اللص) جبريل لم يكن مؤمناً بالثورة، وأنه وصل لمنصبه بسبب الإتفاقية وليس لمساهمته في الثورة أو إيمانه بها، وبالطبع ما بين القوسين من عندي ولم يذكر المفردة وجدي وود الفكي.
. وهنا أود أن أذكرهما بأن من سمحت لهم (مؤآمرة) جوبا بتخريب ثورة الشباب وإعادة أسيادهم الكيزان للمشهد كثر جداً ولم يكن جبريل بمفرده.
. وهذا يطرح السؤال الملح الذي كتبت حوله عشرات المقالات التي بدأتها منذ اليوم الثالث أو الرابع لمفاوضات سلام جوبا المزعوم.
. السؤال هو: لماذا سمحت قحت ورئيس وزراء حكومة الثورة بإكتمال تلك المؤآمرة.
. علماَ بأن د. حمدوك قال في أول خطاب له أن السلام يمثل لهم أولوية.
. فكيف إذاً تترك حكومة الثورة أولويتها للكباشي وحميدتي والتعايشي لينتهي الأمر بتوقيع اتفاق بدا منذ وهلته الأولى أنه مؤآمرة ستؤدي لا محال لمثل ما نحن فيه اليوم.
. فلولا تلك المؤآمرة لما توفرت للبرهان حاضنة لإنقلابه من بعض أرزقية وعطالى الجبهة الثورية مثل هجو والجاكومي وجبريل ومناوي وغيرهم، ولربما كان من الممكن تجنب الحرب الحالية لو أن رئيس حكومة الثورة إمتلك شجاعة العودة لقواعده وخاطب شباب الثورة بأن ما يجري في جوبا لن يصب في مصلحة ثورتهم ولا في مصلحة الوطن.
.فهل فات ذلك على قادة سياسيين وتصرفوا مثل رجل الشارع العادي الذي كان يعقب على ما كنا نكتب حينذاك " السلام سمح يا أستاذ ودعوا الأمر يكتمل وسوف نرى ثمراته"، أم كان هناك بعض التقاعس و(التطنيش) لأسباب يعلمها من (طنشوا)!!
. لهذا ظللت أردد دائماً أننا ساهمنا جميعاً كسودانيين في المآسي التي نعيشها حالياً.
.بالطبع تقع المسئولية الأكبر على الكيزان المقاطيع الذين عاثوا في البلد فساداً على مدى عقود طويلة.
إلا أن ذلك لا يعفينا كثوار ولا يعفي حكومة الثورة وقحت من جزء كبير من المسئولية.
. فلو فكر الثوار وقتذاك بعمق وقرأوا ما كان يجري بشكل جيد، أو أعانهم قادة الحراك لتمكنوا بزخمهم ومدهم الثوري الرهيب من وقف تلك المؤآمرة.
. قال ود الفكي في حديثه الأخير أيضاً كلاماً عن شباب الثورة وحراستهم للمخابز والدقيق وأن هناك من حاولوا تثبيط همتهم حتى لا يحرسوا ثورتهم، وبوصفي واحداً ممن كانوا يرفضون فكرة إشغال شباب الثورة بحراسة المخابز وشاحنات الوقود رأيت أن أعلق على هذه الجزئية.
. فحين رفضت الفكرة في كتاباتي وقتها كان رأيي أن الثورة تُحرس بالعمل السياسي ولو أن حكومة الثورة التزمت بتشكيل المجلس التشريعي لعرف الشباب كيف يحرسون ثورتهم.
. أما حراسة المخابز والدقيق وشاحنات الوقود فهي مهام قوات الشرطة التي كان يتوجب على رئيس حكومة الثورة أن يعرف كيف يلزمها بعملها ويحاسبها على التقصير فيه، لكن المشكلة أنهم تركوا تلك الشئون الهامة للعسكر فتلاعبوا بنا كما أرادوا.
. يكفي شباب الثورة ما قدموه من تضحيات ومن صورة بهية أيام الإعتصام، وليس منطقياً أن نتوقع تسيير العمل في دولاب الدولة بنهج العون الذاتي بعد أن تشكلت حكومة الثورة بوزرائها وكافة مسئوليها.
. الأمر الآخر الذي جذب انتباهي البارحة هو حديث التعايشي في حوار قصير لم استطع إكمال سماعه من شدة (القرف).
. فقد سمعت (لجلجة) التعايشي عن إتفاق جوبا ومحاصصته وكأنه مجرد مراقب أو متابع من على البعد، مع إن التعايشي لعب أقذر وأقبح الأدوار في تلك المؤآمرة برفقة حميدتي والكباشي.
. كان لابد من التعليق على هذه النقاط لأننا ما زلنا بالرغم من كل ما جري ويجري نستنسخ أخطاءنا وننسى كمستنيرين من تسببوا لنا في الأذى لدرجة أن يستضيف أحدهم شخصاً مثل التعايشي لكي ينظر لنا حول سلام جوبا!.
. وما لم ننتبه جميعاً لتقصيرنا واتكاليتنا فلن يتوقف النزيف إطلاقاً.
kamalalhidai@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: تلک المؤآمرة حکومة الثورة شباب الثورة
إقرأ أيضاً:
الثورة التكنولوجية: حتى لا تتحول مجتمعاتنا إلى متاحف تراثية منغلقة وجامدة
مرتضى بن حسن بن علي
الثورة التكنولوجية التي تكتسح العالم، هي بداية حقبة تاريخية غير مسبوقة في تاريخ البشرية وسوف تؤدي إلى إحداث تغييرات واسعة في أنماط الحياة والعادات والتقاليد وفرص العمل والإنتاج. وفي مجال فرص العمل فإنَّ عشرات الألوف من الوظائف الحالية سوف تختفي ووظائف كثيرة سوف تظهر.
وعلى الصعيد الزراعي- مثلًا- فإنه نتيجة للتقدم الكبير في مجال التكنولوجيا الحيوية، تم إنتاج سلالات جديدة أكثر تطورًا، وإنتاج أنواع جديدة من الأرز المُهجَّن، الذي يتمتع بقدرة أعلى على مقاومة الأمراض والحشرات وزرعه في المياه المالحة أو الأراضي غير الصالحة للزراعة. ولم يرتق المحصول من حيث النوع فحسب؛ بل إنه زاد من حيث الكم أيضا بين ضعفين إلى أربعة أضعاف من مستوى الإنتاج السابق.
وتُشكِّل البحوث العلمية في مجال السلالات الجديدة التي هيأتها مراكز البحوث الزراعية الدولية المتقدمة، مجالا راقيا في مجال البحوث والعلوم الزراعية التطبيقية. وتستطيع الإنجازات الحيوية العلمية الكبرى أن تقدم المساعدة لحل المشاكل المرتبطة بالجفاف وقلة المياه وتدني جودة التربة، إضافة إلى عدم كفاية الأراضي الصالحة للزراعة.
من الصعب معالجة الفقر الزراعي أو تحقيق الاكتفاء الذاتي في الغذاء، عن طريق الإصلاحات الفنية أو بالقرارات الإدارية فقط، ما لم يتم معالجة الجوانب الهيكلية والثقافية والعلمية من المشكلة الزراعية. وبينما أخفقت الحلول الأكثر تقليدية في حل المُعضلة، تَركَّزَ الاهتمام في السنوات الأخيرة على التكنولوجيا الحيوية، إحدى ثمار الثورة التكنولوجية. ويُقصد بالتكنولوجيا الحيوية أية طريقة تستخدم أعضاء حيَّة وتعمل معالجات معينة لإيجاد أو تعديل المنتجات أو تحسين سلالات من الحيوانات والنباتات أو لتطوير أعضاء حيَّة دقيقة بغية استخدامها في أغراض محددة، وغدا بإمكان مهندس الوراثة حقن جين جديد داخل الحمض النووي المعروف باسم "دي. إن. إيه DNA" الموجود في كل خلية، بهدف تحسين قوة العضو الحي أو زيادة حجمه أو تعزيز مقاومته للأمراض وتحسين الإنتاج من ناحيتي الكم والنوع أو إيجاد نباتات مهجنة جديدة تتمتع بصفات أحسن.
الثورة التكنولوجية تعتمد على الإلكترونيات الدقيقة والهندسة الحيوية، والذكاء الصناعي، وتوليد المعلومات حول كل شؤون الأفراد والمجتمعات والطبيعة، واختزانها واستردادها وتوصيلها بسرعة مُتناهية؛ بل آنية، وعلى الاستخدام الأمثل للمعلومات المتدفقة بوتيرة سريعة. وهي تعتمد أساساً على العقل البشري.
ولأنَّ العقل البشري يُمثل طاقة متجددة لا تُنضب، فإنَّ هذه الثورة سوف لن تكون حكرا على المجتمعات الكبيرة المساحة والضخمة السكان أو الغنية بمواردها الأولية أو القوية بجيوشها التقليدية؛ بل إنِّها ثورة يُمكن لجميع شعوب العالم -بما في ذلك عُمان-أن تخوض غمارها -سواء أكانت كبيرة أم صغيرة- إذا ما أحسنت إعداد أبنائها تربويا وعلميا وتدريبيا واجتماعيا وفكريا لذلك. والدليل على ذلك ما حققته سنغافورة- مثلًا- وهي دولة صغيرة جدًا في المساحة وعديمة الموارد الطبيعية، لكنها استطاعت استثمار وتطويع مواردها البشرية المتاحة بشكل علمي صحيح، مما مكَّنها من أن تكون على قائمة الدول المتقدمة في العالم في ثورة المعلوماتية التكنولوجية مثلا.
وعكس ذلك، فإنَّ هذه الثورة سوف تنطوي على أذى كبير للدول النامية بما في ذلك عُمان، لأنها سوف تُحِيل مُعظم الأنشطة الاقتصادية والوظائف الحالية إلى مشروعات لا جدوى منها. وستكون التكنولوجيا الحديثة عِبئًا ثقيلًا على كواهلنا في حالة إخفاقنا باستيعابها، بينما في حالة استيعابها وتوطينها وتوظيفها، فإنَّها ستنطوي على منفعة كبيرة لنا. وكيفية إدارتنا لمواردنا البشرية والتكنولوجية سوف تلعب دورا كبيرا في تحديد قدراتنا على مواجهة التحولات العالمية الضخمة الحاصلة. والحكومة وأدواتها المختلفة يُمكن أن تؤدي دورًا محوريًا لإنجاحها، وعلى الجهات المسؤولة ضمان توفر مهارات التعلم والتدريب على الوظائف الجديدة، والانطلاق المعرفي المستمر، وضرورة قبول الأخطاء والاعتراف بها؛ وذلك لأنَّ المنهج التجريبي يقتضي الخطأ، والولوج من خلاله إلى النجاح بدلاً من حشو عقل الإنسان الصغير بمعلومات تجاوزها العلم والزمن.
وعلى المجتمع والأسرة أيضًا زرع قيم العمل والإنتاجية والصبر والمثابرة والأنَّاة في أبنائها؛ فالمستقبل لأولئك الذين عملوا ومنحوا لأنفسهم ولأبنائهم فرص الإبداع والابتكار والتجربة والصواب والخطأ.
لكن من جهة أخرى، يترتب على هذه الثورة التكنولوجية الكاسحة أو يصاحبها تداعيات كثيرة يكفي أن نذكر منها:
1- التغير الاجتماعي المُتسارع؛ إذ إنَّ القيم والمعايير والعادات والتقاليد والمؤسسات والعلاقات الاجتماعية ستكون عرضة للتغير والتحول والتبدل عدة مرات في حياة الفرد، لا بين جيل وجيل كما كان عهدنا في الماضي، ولكن في حياة نفس الجيل وبطريقة مستمرة. ولن يقتصر هذا التغير الاجتماعي المتسارع على من يشاركون أو يصنعون هذه الثورة، ولكنه سيشمل كل شعوب الأرض.
2- الانفتاح الإعلامي الثقافي الحضاري العالمي المتسارع؛ فوسائل الاتصال السريعة، بل والآنيّة تعبُر الحدود بلا حدود ولا شروط ولا قيود برسائلها ومضامينها وأفكارها من أي مجتمع لأي مجتمع آخر، وسوف تصبح وسائل الإعلام والرقابة التقليدية أدوات بدائية عديمة الكفاءة وقليلة الفاعلية في منع أو تحصين الفرد والمجتمع ضد استقبال محتويات الرسائل الإعلامية والثقافية والعادات الوافدة من مجتمعات وثقافات أخرى.
إنَّ التحصين الحقيقي في مواجهة هذا التدفق الإعلامي الثقافي الوافد، هو وعي الفرد والمجتمع وقدرتهما على الفرز النقدي، وفي قدرة وسائل الإعلام والتعليم والثقافة الوطنية والأنظمة الاجتماعية، على تقديم بدائل أكثر جدية ومصداقية وجاذبية. وهذه مهام تتجاوز قدرات أنظمة التعليم والإعلام والثقافة والاجتماع كما عرفناها في الماضي، أو كما نعرفها الآن في مجتمعاتنا، فهذه المهام تتطلب أجهزة خلَّاقة ومقتدرة إذا كان لها أن تحافظ على هويات مجتمعاتها الحضارية القومية الثقافية وتحفظها من المسخ والذوبان، وفي نفس الوقت الذي لا يتحول فيه المجتمع إلى متحف تاريخي تراثي منغلق وجامد.
رابط مختصر