موقع 24:
2025-03-18@11:54:14 GMT

مئة يوم على سقوط الأسد: مستقبل سوريا أشد غموضاً

تاريخ النشر: 18th, March 2025 GMT

مئة يوم على سقوط الأسد: مستقبل سوريا أشد غموضاً

بين تاريخ 8 ديسمبر (كانون الأول) وتاريخ 18 مارس (آذار)، مئة يوم انقضت على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا. بعد مئة يوم، الفرج الذي انتظره السوريون لم يأتِ، والبشائر التي لاحت في الأفق في الأيام الأولى بدأت تبهت، والمتشائمون اليوم أكثر عدداً من المتفائلين.

المتفائلون ليس لديهم ما يدعم تفاؤلهم سوى الأمل والرغبة في رؤية سوريا أفضل، أما المتشائمون فيستندون إلى مجموعة من الحقائق والشواهد على أرض الواقع.


وبصفتي واحدا من المتفائلين، أقر وأعترف، بعد مئة يوم من التفاؤل وتمنية النفس، أن ليس لدي ما يدعم تفاؤلي سوى قناعتي بأن السوريين عانوا ما يكفي من الاضطهاد.
كنت أتمنى لو استطعت أن أقف في ساحة المرجة وسط دمشق، أو ساحة الشيخ ضاهر وسط مدينة اللاذقية، مرددا صرخة المواطن التونسي أحمد الحفناوي، صارخا بأعلى صوتي “هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية.” صرخة أطلقها خلال أحداث الثورة التونسية التي اندلعت في ديسمبر 2010، وبلغت ذروتها في 14 يناير 2011. لتصبح رمزا للثورة التونسية و”الربيع العربي.”

اللحظة التاريخية التي انتظرها 22 مليون سوري، باستثناء “فلول النظام”، لم تأتِ بعد مئة يوم من الانتظار. كل يوم يمضي يحمل معه مبررات جديدة وخوفا من ألا تطرح اللحظة التاريخية أكلها، بل أن تتجلى عن نبتة عقيمة.
لقد أجهضت أحلامي مرتين؛ مرة برحيل صديقي الكاتب والمخرج المسرحي التونسي حكيم مرزوقي، الذي أمضى جل حياته في سوريا، وخبرها كما لم يخبرها أحد من قبل، اضطر إلى مغادرتها برفقة زوجته السورية وطفليه بعد أحداث عام 2011، كنت آمل يوما أن أعود بصحبته إلى سوريا لنسير على دروب سرنا عليها معا في أحاديثنا اليومية وعلى الورق، لكن الموت خطف حكيم.
سقوط الأسد أحيا الحلم من جديد، والتطورات اللاحقة أجهضته مرة أخرى. هناك اليوم مخاوف حقيقية من احتمال تكرار السيناريوهات التي حدثت في العراق وليبيا، خاصة مع وجود عوامل مشابهة، مثل الانقسامات الطائفية، التدخلات الخارجية، والصراع على السلطة.
سرعان ما استفاق السوريون من نشوة الفرح على قسوة الواقع وبرودته، لتنتصب التحديات في وجوههم من جديد. سوريا التي عُرفت سابقا بالتجارة والزراعة والصناعة أصبحت خاوية على عروشها. لا طاقة، ولا زراعة، ولا صناعة.. لا كهرباء، ولا ماء. المنتج الوحيد الآن هو صناعة الكبتاغون.
منذ يومين فقط، ورغم الجهود المبذولة للسيطرة على تهريب المخدرات، أوقفت السلطات العراقية ما يقارب طنا ونصف الطن من مادة الكبتاغون كانت مهربة من الأراضي السورية باتجاه الأراضي السعودية.
الاحتياطات النفطية، على محدوديتها، تقع تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في الشمال الشرقي للبلاد. والعقوبات الاقتصادية المفروضة حالت دون استعادة العلاقات التجارية وجذب الاستثمارات، وارتفاع معدلات التضخم والبطالة أضعف القدرة الشرائية للمواطنين وقلل من استقرار السوق.

كل هذا كان بالإمكان تجاوزه. والدليل عند الجارة لبنان، التي شاركت سوريا كل مآسيها. ما إن بانت ملامح سقوط حزب الله وتم تشكيل حكومة جديدة، حتى سارعت الجهات العربية والدولية، بما فيها صندوق النقد، لعرض المساعدات. السبب ببساطة شديدة هو أن الحكومة اللبنانية الجديدة مدنية تمثل كل الطوائف والأقليات.
نظريا، هذا ما وعد به الرئيس السوري في الحكومة الانتقالية، أحمد الشرع، وهي وعود استبشر بها السوريون. لكن، على أرض الواقع، جرت الأمور بشكل مغاير تمامًا.
بدلا من العدالة الانتقالية التي شُكلت من أجلها هيئة وطنية لمعالجة الانتهاكات وضمان المحاسبة، اندلعت في مدن الساحل وحمص أعمال انتقامية قامت بها فصائل مسلحة، من ضمنها عناصر أجنبية، ضد أبناء الطائفة العلوية. أدت هذه الأعمال إلى مقتل المئات ونزوح الآلاف إلى لبنان، والاحتماء بالقاعدة العسكرية الروسية في مطار حميميم قرب مدينة اللاذقية.
تعالت إثر هذه الأحداث الأصوات المطالبة بتقسيم سوريا. وأمكن تجاوزها بالإعلان عن توقيع اتفاق بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد). اعتُبر هذا الاتفاق خطوة تاريخية نحو توحيد الجهود وإعادة بناء الدولة السورية.
من أبرز بنود الاتفاق دمج المؤسسات المدنية والعسكرية ضمن مؤسسات الدولة السورية، بما في ذلك المعابر الحدودية والمطارات وحقول النفط والغاز، وضمان حقوق المجتمع الكردي كمكوّن أصيل في الدولة السورية، مع ضمان حقوقه الدستورية والمواطنة، ورفض التقسيم وخطاب الكراهية. وتعهدت قسد بدعم الدولة السورية في مواجهة التهديدات الأمنية، بما في ذلك فلول النظام السابق.
ساهم التوقيع على الاتفاق في رفع الروح المعنوية للشارع السوري، بعد الانتكاسة التي تعرض لها نتيجة لأحداث الساحل المأساوية، وبعد ثلاثة أيام (13 مارس 2025) تم الاتفاق على إعلان دستوري مؤقت جرى التأكيد فيه على الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وضمان حرية الرأي والتعبير وحقوق المرأة والمساواة بين المواطنين، والاتفاق على مرحلة انتقالية حُددت مدتها بخمس سنوات، يتم خلالها إعداد دستور دائم وإجراء انتخابات حرة ونزيهة.
◄ اللحظة التاريخية التي انتظرها 22 مليون سوري، باستثناء "فلول النظام"، لم تأتِ بعد مئة يوم من الانتظار. كل يوم يمضي يحمل معه مبررات جديدة وخوفا من ألا تطرح اللحظة التاريخية أكلها
ونص الإعلان الدستوري أيضا على إعادة تنظيم القضاء مع إنشاء محاكم خاصة لمحاكمة رموز النظام السابق والمتورطين في الإرهاب. والاعتراف بالتنوع الثقافي واللغوي في سوريا.
هذا في الجانب الإيجابي من الإعلان الدستوري، في الجانب السلبي أقر الإعلان الدستوري أن الفقه الإسلامي هو مصدر التشريع، وأن اسم الدولة هو الجمهورية العربية السورية، مجددا بذلك مخاوف الأقليات.
الجميع في سوريا كان ينتظر بعد عقود من الاستبداد القومي والاضطهاد العرقي أن لا يتضمن اسم سوريا التي تحوي قوميات متعددة كلمة “عربية” والاكتفاء بكلمة واحدة هي “سوريا”.
وجاءت الإشارة إلى أن “الفقه هو مصدر التشريع”، لتفتح الباب للمزيد من الهواجس والمخاوف، خاصة أن الناس لم ينسوا بعد أصول أحمد الشرع وهيئة تحرير الشام، والخشية من أن يعودوا بالبلاد إلى نظام أصولي متشدد.
يحاول البعض، وأنا من بينهم، تجاهل هاتين النقطتين مقنعا نفسه بأنها مرحلة انتقالية. ويرى آخرون أن التساهل في هاتين النقطتين الآن سيفتح الباب أمام التشدد العنصري والأصولي. وهي مخاوف يشاركهم فيها المجتمع الدولي.
ما يعقد العلاقات بين أطياف المجتمع السوري، وبين سوريا والمجتمع الدولي، عبارتان: الأولى هي “الفقه الإسلامي هو المصدر الأساسي للتشريع”، والثانية اسم الدولة “الجمهورية العربية السورية”.
ماذا لو غضّ الإعلان الدستوري الطرف عن مصدر التشريع وتركه مفتوحا على تجارب الإنسانية جمعاء، وماذا لو اكتفى بكلمة واحدة هي “سوريا” اسما للبلاد.. ألن يكون هذا شيئا رائعا.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: وقف الأب رمضان 2025 عام المجتمع اتفاق غزة إيران وإسرائيل يوم زايد للعمل الإنساني غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية سوريا الحرب في سوريا اللحظة التاریخیة الإعلان الدستوری الدولة السوریة بعد مئة یوم فی سوریا

إقرأ أيضاً:

تقسيم سوريا.. بين المُؤامرة والواقع (2- 2)

 

 

جمال بن ماجد الكندي

ظلَّ هذا الوضع ما يُقارب سبع سنوات في ظل مُساكنة عسكرية بين الدويلات الثلاث- إن صح التعبير- مع وجود الموارد الطبيعية السورية تحت سيطرة دويلة الأكراد مع الحليف الأمريكي، وهذا بدوره خلق أزمة اقتصادية للحكومة السورية السابقة مع قانون قيصر الأمريكي.

جاء يوم التغيير الكبير قبل ثلاثة أشهر أو أكثر بقليل، وفي غضون عشرة أيام، ورثت حكومة إدلب بقيادة هيئة تحرير الشام حكومة دمشق، وعندما أقول "ورثت" أقصد أن الموضوع صار بأمر سياسي، وانتهى حكم بشار الأسد دون مواجهة عسكرية حقيقية. أما أسرار سقوط الحكومة السورية السابقة ربما ستكشف يومًا ما؛ فالأيام دُوَلٌ.

يهمُنا هنا أن هيئة تحرير الشام بدَّلت علم الدولة الرسمي المُمثل في المحافل الدولية بعلمها الخاص، وتغيَّر كل شيء؛ فهيئة تحرير الشام سيطرت على ما كانت تسيطر عليه حكومة بشار الأسد السابقة، ما عدا ما تُسيطر عليه "قسد" وحكومتها في شمال شرق الفرات. هذه السيطرة الدراماتيكية لمسلحي إدلب، بتنوعاتهم الأصولية المختلفة، لم يستوعبها حتى الذين سيطروا على ما كانت تسيطر عليه حكومة بشار الأسد السابقة بهذه السرعة.

ومن جانب آخر، الشعب السوري تعِبَ من القتال، وأصبح مُنهكًا من الحصار الاقتصادي، وأراد من هذا التغيير أن يُفك الحصار الاقتصادي على سوريا بعد الإطاحة بحكم بشار الأسد، لأنَّ الغرب وأمريكا كانوا يحاصرون حكومة بشار الأسد بسبب البعد الإيراني والروسي. ولكن بعد سقوط الأسد بثلاثة أشهر، ما زال الحصار الاقتصادي قائمًا، لأنَّ أمريكا تُريد تنازلات أكثر من الحكومة الحالية، وعلى رأسها التنازل رسميًا عن الجولان.

من هنا، سندخل في مسألة الأقليات في سوريا، والتي هي بوابة التقسيم المفضلة لدى القوى الاستعمارية في المنطقة ولدى إسرائيل. فحكومة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة ببشار الأسد، تقع تحت سيادتها مناطق الأقليات المذهبية والطائفية في سوريا، ما عدا الأكراد في شمال شرق الفرات، وأقصد الدروز في محافظة السويداء، والعلويين في محافظتي اللاذقية وطرطوس، وبعض مناطق تواجد العلويين في سوريا، إضافة إلى الطائفة الشيعية.

قبل سقوط النظام السوري السابق، كان هناك تعايش سلمي بين هذه المكونات والحكومة، وبما أن رأس الحكومة السورية السابقة كان من هذه الأقليات، فقد كانت الحكومة السابقة مُشكَّلة تقريبًا من جميع ألوان الطيف السوري، وتحكمها المظلة الوطنية، كما أن قوات الجيش والأمن كانت من هذا النسيج المتنوع في سوريا.

مشكلة حكام سوريا الجُدد أنهم من لونٍ واحدٍ، راديكاليّ التوجه، حتى مع إخوتهم السُنَّة في دمشق وحلب وغيرها. كما أنهم يحملون عداءً دمويًا تجاه الأقليات الإثنية والمذهبية في سوريا، وهذا كان واضحًا إبان المعارك مع الحكومة السورية السابقة خلال عشرية النار السورية. وعند استلامهم الحكم في سوريا، بدأ الصدام مع الدروز في السويداء، ورُفِعت رايات الجهاد التي تعودنا سماعها ضد إخوة الوطن من قبل هذه الجماعات المسلحة، بينما تُرك جهاد المحتل الإسرائيلي، الذي يحتل أجزاءً من 3 محافظات جنوبية في سوريا.

مشروع التقسيم القديم بقيادة فرنسا ظهر اليوم لدروز السويداء من البوابة الإسرائيلية، وأصبح التهديد بالتدخل لحماية الدروز معلنًا من قبل الإسرائيليين. ولكن وطنية رجال سلطان باشا الأطرش تُجهض كل مساعي الكيان الصهيوني لضم محافظة السويداء أو جعلها دويلة مستقلة تحت حمايته.

الأحداث الأخيرة الدامية في اللاذقية وطرطوس، وهي مناطق الأقلية العلوية في سوريا، تعيد مشهد الحرب الطائفية في هذا البلد، والحكومة السورية الجديدة، ومسلحوها الذين أصبحوا من رجال الأمن والجيش السوري الرسمي، للأسف، يرفعون ذات الشعارات الطائفية، لأن مكون هذا الجيش مبني على هذه الأيديولوجية المذهبية المقيتة.

ولا عجب في ذلك، لأن هذا المكون ليس سوريًا خالصًا، ففي بنية الجيش والأمن للحكومة السورية الجديدة يوجد الشيشاني، والتركماني، والقوقازي، وحتى العربي، ومقاطع الفيديو منتشرة لجرائمهم ضد المدنيين ومُوثَّقة حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. ومن المفارقات أن ذات المرصد كان نفسه يوثق تجاوزات الحكومة السورية السابقة.

مؤامرة تقسيم سوريا من قبل الفرنسيين في بداية القرن الماضي، كانت حجر عثرة أمام الوحدة الوطنية السورية، فتمت محاربة فرنسا بهذه الوحدة من قبل جميع السوريين، بكافة طوائفهم المختلفة، فكان حلمًا استعماريًا بدده الواقع السوري في ذلك الوقت.

 

 

اليوم، مؤامرة التقسيم تدخل سوريا من بوابات مختلفة: أمريكية، وتركية، وإسرائيلية، والوضع أخطر بكثير من السابق. ولكن يوجد بصيص من الأمل باتخاذ عدو مشترك، وهو الإسرائيلي، وانطلاق الوحدة الوطنية من هذه البوابة. والحكومة السورية الجديدة، إذا أرادت البقاء، فلا بُد أن تُغيِّر من عقيدتها القتالية ونظرتها الراديكالية الأصولية تجاه المُكوِّن المُختلف عنها، وتجعل الجامع هو الوطن والمواطنة.

ويجب أن تكون هناك مشاركة واسعة وحقيقية في الحكومة والجيش والقوى الأمنية لكل مكونات الشعب السوري دون إقصاء أو تهميش، لكي تقضي على كل دعوات التقسيم، خاصة تلك التي تصدر عن الكيان الصهيوني.

إنَّ وحدة سوريا ليست مجرد شعار؛ بل هي الضمان الحقيقي لاستقلالها وسيادتها، وهي السد المنيع أمام مشاريع التفتيت التي فشلت سابقًا وستفشل اليوم إذا وعى السوريون خطورة المرحلة؛ فلا يمكن بناء مستقبل آمن ومُستقر إلّا بتجاوز رواسب الحرب، والانطلاق نحو مُصالحة وطنية شاملة تضع مصلحة الوطن فوق أي اعتبارات أخرى؛ فالتاريخ يُكتَب اليوم، والخيار للسوريين: إما دولة تنهض من تحت الركام، أو دويلات مُتناحرة تبتلعها مشاريع الهيمنة الخارجية.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • نائب الرئيس التركي: 873 ألف سوري عادوا إلى بلادهم منذ سقوط الأسد
  • عدد السوريين العائدين من تركيا بعد 3 أشهر من سقوط الأسد
  • أبرز محطات الثورة السورية من الانطلاقة حتى التحرير (إنفوغراف)
  • رئيس شؤون الضباط في وزارة الدفاع العميد محمد منصور: الجيش العربي السوري كان وسيبقى عماد السيادة الوطنية، واستعادة الكفاءات والخبرات العسكرية التي انشقت وانحازت للشعب في مواجهة نظام الأسد البائد والتي خاضت معارك الدفاع عن الوطن أمرٌ ضروري لتعزيز قدرات جيشن
  • احتفالات في سوريا بالذكرى الـ14 للثورة ضد حكم الأسد
  • للمرة الأولى بعد سقوط الأسد.. احتفالات في أنحاء سوريا بالذكرى الـ14 لانطلاق "الثورة السورية"
  • في ذكراها الـ14.. هذه محطات الثورة السورية من الشرارة الأولى إلى دخول دمشق
  • تداعيات سقوط سوريا
  • تقسيم سوريا.. بين المُؤامرة والواقع (2- 2)