#ازدواجية #المعايير_الأمريكية: قمع الأصوات الحرة دعماً لإسرائيل
بقلم : ا د محمد تركي بني سلامة

تتجلى ازدواجية المعايير الأمريكية في أبشع صورها مع تصاعد الحملة القمعية ضد الأصوات المناصرة للقضية الفلسطينية داخل الولايات المتحدة، حيث تتعرض شخصيات أكاديمية وإعلامية وناشطون لاضطهاد غير مسبوق لمجرد تعبيرهم عن دعمهم لحقوق الفلسطينيين في وجه آلة القتل الإسرائيلية.

هذا القمع الممنهج يكشف عن الوجه الحقيقي لواشنطن، التي تزعم الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، لكنها لا تتردد في سحق أي صوت يعارض سياساتها المنحازة لإسرائيل.

لطالما قدمت الولايات المتحدة نفسها على أنها منارة الديمقراطية، لكن ممارساتها تكشف عن نظام لا يقبل بأي رأي يخالف مصالحه الاستراتيجية. فبينما تتشدق واشنطن بحرية التعبير، نجدها اليوم تمارس أقصى درجات التضييق على الصحفيين والأكاديميين وحتى الطلاب الذين ينددون بالإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة.

وقد شهدت الجامعات الأمريكية موجة غير مسبوقة من القمع، حيث فصل أساتذة وطُرد طلاب، وواجه آخرون تهديدات مباشرة من مؤسساتهم التعليمية وأرباب العمل لمجرد مشاركتهم في احتجاجات أو نشرهم آراء تنتقد الاحتلال الإسرائيلي. في المقابل، تُترك الجماعات الصهيونية المتطرفة تمارس خطاب الكراهية والتحريض دون أي عواقب، ما يعكس بوضوح طبيعة الانحياز الأيديولوجي الذي يحكم القرار الأمريكي.

مقالات ذات صلة كيف تبدو سيناريوهات المواجهة بين أميركا والحوثيين؟ 2025/03/17

لم يقتصر القمع على المؤسسات الأكاديمية، بل امتد إلى الإعلام، حيث تعرض صحفيون للتهديد بالفصل لمجرد محاولتهم تقديم تغطية متوازنة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. مواقع التواصل الاجتماعي باتت ميدانًا آخر لهذا القمع، حيث تُحذف الحسابات المناصرة لفلسطين أو تُقيّد دون أي تبرير، بينما يُسمح للمحتوى الإسرائيلي بالبقاء حتى لو كان يتضمن تحريضًا مباشرًا على العنف.

هذه السياسات ليست مجرد قرارات عشوائية، بل تعكس ارتباطًا عميقًا بين واشنطن وتل أبيب، حيث تعمل الإدارات الأمريكية المتعاقبة على حماية صورة إسرائيل عالميًا، حتى لو تطلب ذلك سحق المبادئ التي تدعي الدفاع عنها.

لا تقتصر هذه الازدواجية على القضية الفلسطينية فحسب، بل تمتد إلى ملفات أخرى في الشرق الأوسط. ففي حين تدعم واشنطن إسرائيل بلا قيد أو شرط، نجدها تُدين مقاومة الفلسطينيين وتصفها بالإرهاب، متجاهلة الجرائم الإسرائيلية التي ترقى إلى جرائم حرب.

أما في اليمن، حيث ارتُكبت فظائع بحق المدنيين على مدار سنوات من العدوان، لم تحرك الإدارة الأمريكية ساكنًا، بل كانت المشارك الرئيسي في التحالف الذي قصف المدارس والمستشفيات.

وفي سوريا ولبنان، حيث يواجه البلدان اعتداءات إسرائيلية متكررة، تغض واشنطن الطرف عن الانتهاكات الصهيونية، لكنها تفرض عقوبات خانقة على الشعوب التي ترفض الهيمنة الأمريكية. هذه المعايير المزدوجة ترسّخ حقيقة أن الولايات المتحدة ليست راعية للسلام، بل طرف مباشر في إدامة الصراعات لحماية نفوذها ومصالح حلفائها.

ورغم هذه الحملة الشرسة، تزداد الأصوات الداعمة لفلسطين في الداخل الأمريكي، حيث بدأت شرائح واسعة من المجتمع تدرك زيف الرواية الرسمية، وخرجت احتجاجات ضخمة في الجامعات والمدن الكبرى رفضًا للتمويل العسكري الأمريكي لإسرائيل.

لقد بات واضحًا أن الزمن الذي كانت تتحكم فيه واشنطن في الخطاب العالمي قد ولى، وأن محاولاتها لإسكات الحقيقة لن تفلح. فالقضية الفلسطينية اليوم ليست مجرد شأن عربي أو إسلامي، بل أصبحت محور نضال عالمي ضد الاحتلال والتمييز العنصري، ولن تتمكن أي قوة، مهما بلغت سطوتها، من إخماد هذا الصوت المتنامي.

ما يجري اليوم ليس مجرد انحياز لإسرائيل، بل كشف فاضح لزيف الادعاءات الأمريكية حول الديمقراطية وحقوق الإنسان. فواشنطن التي تتغنى بالحريات، لم تتردد في قمع الأصوات الداعمة للعدالة، ما يؤكد أن دعمها لإسرائيل لا يقوم على مصالح سياسية فقط، بل على منظومة أيديولوجية تبرر الاحتلال والقمع.

لكن التاريخ أثبت أن القمع لا يقتل القضية، بل يزيدها قوة وانتشارًا. ومع تزايد الوعي العالمي، تتجه أمريكا نحو عزلة أخلاقية غير مسبوقة، ستدفع ثمنها قريبًا في شكل تحولات جذرية في الرأي العام، سواء داخل حدودها أو على الساحة الدولية.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: المعايير الأمريكية

إقرأ أيضاً:

ازدواجية للمعايير وقرار مثير للجدل.. فرنسا تحظر جمعية مؤيدة لفلسطين

أعلن وزير الداخلية الفرنسي، برونو ريتايو، بدء إجراءات حل جمعية "إيرجونس فلسطين"، المعروفة بدعمها العلني للقضية الفلسطينية وتنظيمها تظاهرات احتجاجية واسعة منذ اندلاع الحرب الأخيرة على غزة.

وبرر الوزير قراره بالسعي إلى "ضرب الإسلاميين" ومنع "تشويه الإيمان"، مشددًا على ضرورة عدم ربط قضية الفلسطينيين العادلة بخطابات متطرفة – على حد وصفه. ومع ذلك، أثار التصريح جدلاً واسعاً، خاصة مع ربطه بالخطاب المتصاعد ضد الإسلام والمسلمين في فرنسا.

عمر السومي، المتحدث باسم "إيرجونس فلسطين"، أكد في تصريحات تليفزيونية أن القرار "ليس مفاجئًا، بل يعكس استمرار سياسة القمع الممنهج ضد كل صوت يتضامن مع فلسطين". واعتبر أن الحكومة الفرنسية "تستغل قوانين الأمن لقمع المعارضة السياسية ومصادرة الحق في التعبير والتنظيم".

وأضاف السومي أن الجمعية لم تتوانَ منذ تأسيسها في جمع الشتات الفلسطيني وتنظيم فعاليات سلمية جمعت أطيافًا متعددة من المجتمع الفرنسي – عربًا، ويهودًا، ومسيحيين، ومسلمين – في إطار تضامن إنساني.

أثار قرار حل الجمعية انتقادات حادة داخل الأوساط الحقوقية والسياسية، لا سيما من قبل اليسار الفرنسي وناشطين في مجال الدفاع عن الحريات. ووصفت ريما حسن، النائبة الفلسطينية في البرلمان الأوروبي، ما يجري بأنه تجسيد لـ"نزعة استبدادية وفاشية واضحة" في سياسات الرئيس إيمانويل ماكرون.

في المقابل، دافعت جهات داعمة لإسرائيل عن الخطوة، إذ رأت فيها تصديًا لما وصفته بـ"الخطاب المعادي للسامية"، واعتبرت "إيرجونس فلسطين" منظمة لا تخدم القضية بل تروّج لـ"دعم الإرهاب" – بحسب تعبير سارة أيزنمان، رئيسة جمعية "نعيش نحن".

جمعية التضامن مع فلسطين وفرنسا اعتبرت أن القرار صدر بضغط من جهات مؤيدة لإسرائيل داخل الحكومة الفرنسية، مشيرة إلى أنه "يساهم في تقويض حرية الرأي وتكوين الجمعيات في بلد يُفترض أن يقدّس الحريات".

وقالت الجمعية في بيان لها إن استهداف النشطاء والطلاب والباحثين – ومنهم الأكاديمي المعروف فرانسوا بورغا – أصبح سمة مقلقة تعكس استخدامًا مفرطًا لقوانين الأمن الداخلي ضد المعارضين للعدوان على غزة.

دومينيك كوشان، المحامية والناشطة الحقوقية، وصفت الإجراءات بأنها شكلية لا تتيح حقًا حقيقيًا في الدفاع أو النقاش القانوني، موضحة أن قرار الحل يُعد إجراءً إداريًا لا تُطبّق عليه ضمانات المحاكمة العادلة الواردة في الاتفاقيات الأوروبية.

كما تساءلت كوشان عن المعايير المزدوجة، مستشهدة بجمعيات أخرى كـ"رابطة الدفاع اليهودية" التي سبق اتهامها بأعمال عنف وتحريض عنصري، لكنها لم تُحلّ رغم تجاوزاتها الخطيرة.

رغم قرار الحل، أكدت جمعية "إيرجونس فلسطين" أنها ستلجأ إلى الوسائل القانونية كافة للطعن في القرار، مشيرة إلى أن فريقًا من المحامين سيتولى القضية، وسط حملة تضامن واسعة شملت أكثر من 4 آلاف توقيع خلال يوم واحد.

كما أعلنت الجمعية نيتها تنظيم مظاهرات وفعاليات تعبئة في المدن الفرنسية "للتنديد بالإبادة الجارية في غزة وكشف السياسات القمعية التي تسعى لإسكات أي صوت حر"، بحسب السومي.

طباعة شارك فرنسا فلسطين غزة

مقالات مشابهة

  • ازدواجية للمعايير وقرار مثير للجدل.. فرنسا تحظر جمعية مؤيدة لفلسطين
  • إيران تندد باستمرار العقوبات الأمريكية "غير القانونية" وتشكك بجدية واشنطن في المفاوضات
  • قنديل: خريج جامعة حلوان مؤهل بمهارات الوظيفة وفق المعايير العالمية
  • هل رفع العقوبات الأمريكية على سوريا مشروط بالتطبيع؟
  • أول تعليق من إيران على العقوبات الأمريكية الجديدة
  • الرواية اليمنية لسقوط الـ«F-18»… ضربة عسكرية ورسالة استراتيجية تعمّق الورطة الأمريكية
  • الخزانة الأمريكية: واشنطن جاهزة لتوقيع اتفاقية المعادن مع أوكرانيا اليوم
  • ازدواجية القلم بين الشعارات والممارسات
  • هل جامعتك ضمنها؟.. تعرف على الجامعات التي عطلت الدراسة اليوم بسبب العاصفة
  • “بريكس” ترفض ازدواجية المعايير في مكافحة الإرهاب