صباح محمد الحسن
أكثر مايجعل هذه البلاد تضيق بأهلها هو تقديم الفكرة السياسية على المصلحة الوطنية ، في كل عمل سياسي أو وطني، ففي السِلم عندما رُفعت شعارات السلام والتغيير، أعدت لها عناصر الفلول الأسلحة الثقيلة والخفيفة لتهزم هذا المشروع الذي ترى أنه يأتي لينفي وجودها، ولم تضع هذه الجماعات السياسية والدينية مصلحة الوطن في المقدمة بالرغم من أنها أتيحت لها فرصة الحكم لثلاثين عاماً وكان يجب عليها أن تفسح المجال لغيرها لأن ليس هناك حكم أبدي ولكن الطمع وحب السلطة وشهوة الفساد وسرقة موارد البلاد افسدت التنافس السياسي الشريف وغيرت أساليبه وأدواته للحد الذي جعل البعض يفضل الحرب والدمار وحرق البلاد بدلاً من أن تحكمه فئة أخرى.
فالاسلاميون مثلا حدثوا مناصريهم منذ بداية مشروعهم واوهموهم أنهم (لن يسلموها إلا المسيح الدجال).
ذات الفهم العقيم الذي تسبب في الحرب يسيطر الآن لهزيمة كل مشروع وطني لوقف إطلاق النار فبدلاً من أن يصب الإهتمام في وقف الحرب ويأتي الوطن أولا ، تبدأ عمليات الهجوم والنقد على كل مبادرة تتبنى خط وقف إطلاق النار.
لذلك تجد أن ثمة لبس كبير يتسبب في عملية عسر الهضم لهذه المبادرات ويقف حاجزا منيعا لرفض كل خطوة وطنية حتى من أنصار التغيير لأن الناس تخلط بين المبادرات السياسية والمبادرات السياسية الوطنية
فمن أهم النقاط التي يجب أن لا يغفلها المواطن هو أن ليس كل مبادرة تخرج الي الناس بعشرات التوقيعات للعمل من أجل وقف إطلاق النار وإحلال السلام تعني أن الموقعين عليها هم الذين سيحكمون البلاد ما بعد إيقاف الحرب !!
هذا قطار آخر (للتجهيل) تحاول الفلول أن تجعل رحلته بعد رحلة قطار الحرب بإسم الجيش، وتدعو الناس للسفر به الي وجهة زائفة لهزيمة مشروع التغيير.
مايهم الآن كيف يتكاتف الشعب جميعا بكل أطيافه من أجل وقف هذه الحرب اللعينة لذلك أن كل جبهة مدنية وطنية يجب أن تكون بوابة العبور للوصول الهدف الواحد، وهو أن كيف لنا أن ننقذ هذا الوطن الذي يستغيث.
والأهم من ذلك أن خارطة الطريق السياسية التي وضعها منبر جدة التفاوضي أسست بنيانها على حكم مدني وقيام دولة مؤسسات يحكمها الدستور والبرلمان بجانب حكومة كفاءات برئيس وزراء بكامل الصلاحيات هذا هو الأساس أي أنه خط مختلف لاعلاقة له بكل المبادرات التي تضم كل الأجسام والأحزاب السياسية فكل حكومة مدنية قادمة تحتاج لقاعدة سياسية عريضة تدعمها وترحب بها لا تعمل ضدها حتى لاتكرر الأخطاء السابقة.
لذلك لطالما أن حكومة مابعد الحرب هي حكومة كفاءات غير حزبية، ستحقق أهداف الثورة كاملة ولا تتيح فرصة المشاركة للعسكريين والفلول وآل دقلو فماذا يضيرها إن مهد لها الطريق حزب الميرغني أو مبارك أردول!!
طيف أخير:
مشروع وطني قادم سيبرز فيه دور القوى الثورية بطريقة أقوى وأكبر، ستباغت الثورة خصومها من حيث لايحتسبوا .. مخطئ من ظن أن الأشياء هي الأشياء .
نقلا عن صحيفة الجريدة
الوسومصباح محمد الحسنالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
إقرأ أيضاً:
الرياضة أخلاق أولا وأخيرا
بعد ختام الدورات الكروية الخليجية وبالتحديد كرة القدم يدور فـي البال سؤال محدد حول تطوير البطولة الرياضية واستدامتها، لتنسجم مع رسالتها وتحقيق أهداف البطولة، وكانت بطولة كأس الخليج تسير وفق خطوات ثابتة ومعقولة رغم كل العقبات والعراقيل. ودخول الرياضة فـي حلبة التسويق التجاري وشروط الاستهلاك، وما ترتب على ذلك من عمليات مصاحبة للبطولة كوجود منصات تحليلية للمباريات تبثها العديد من القنوات الرياضية الخليجية، التي ساهمت أحيانا فـي تمييع ثقافة كرة القدم التي تتجسد فـي عدة عمليات مرتبطة بالمباريات فعلي سبيل المثال لو نظرنا إلى التعليق على المباريات فإن صوت المعلق يرتفع بالصراخ والعويل والمدائح والهجاء، وإلقاء الحكم والأمثال، فـيشعر المشاهد بأنه فـي حلبة صراع وصدام وليس منافسة كروية، وهذا ما لا تجده فـي المباريات الدولية والاستماع إلى المعلق الأجنبي الذي يُحلل مجريات المباريات ويستعرض خطط المدربين، وينقل للمشاهد ثقافة وأصول كرة القدم، ويضيف متعة إلى متعة. هنا أيضا نطرح سؤال عن مكامن الخلل هل فـي الجماهير التي تنتظر من المعلق الإثارة والحماس، أم أن المعلق لا يفقه شيئا فـي عالم كرة القدم فـيعلي الصراخ للتعويض عن الثقافة الرياضية؟
إذا انتقلنا من التعليق إلى التحليل سنجد أن بعض الجلسات تبتعد كثيرا عن ثقافة التحليل لتنحو إلى إثارة المتابعين وتجييش مشاعر المشاهدين لحصد عدد أكثر من المشاهدات والمتابعات، لتستلم وسائل التواصل بعد ذلك مهمة نشر المقاطع وحشد صفوف المتابعين لتتحول إلى أخذ ورد بين الجماهير.
وبالانتقال إلى المقابلات الرياضية التي تجريها بعض وسائل الإعلام المرئية مع الجماهير، فإنها تبحث عن الإثارة أكثر من الرسالة، بمعني أن وسائل الإعلام لا تركز على رسالة الرياضات فـي التقريب بين الشعوب والثقافات علاوة على قيمة اللعبة فـي توفير الفرح والشغف وترسيخ الأخلاق الرياضية فـي تقبل معني الفوز والخسارة، والأمر فـي المقابلات التي يجريها بعض المنتسبين لقنوات التلفزة أنها تخرج أحيانا عن اللباقة وعن الميثاق الإعلامي الذي يفترض أن يلتزم به كل إعلامي. ومنذ يومين تقريبا نشر أحد الكتاب
الخليجيين على حسابه الشخصي فـي الفـيسبوك:
«ما هكذا يورد الفرح يا قناة الكأس:
فـي غمرة الطرب قد ينسى كثيرون الأدب، وهو ربما مشروع لعموم الناس لكن ليس لقناة إعلامية مرموقة ومحترمة.
شدت انتباهي أمس لقطة المواطن العماني وهو فـي رده على سؤال مقدم قناة الكأس يريد أن يتجاوز هزيمة منتخبه ويبلع جرحه بأن يغني لوحدة وفرح الخليجيين عامة بالدورة وهنا فاجأه المقدم بسؤاله عن لهجته وكلما قال العماني هذا ليس مهما كان المقدم مصرا على الاستفسار عن اللهجة ثم ختم المقدم تعليقه بإشارة بما معناه أن لهجتك ليست خليجية!!!!!!!
من أهم ما يجب تدريب الإعلامي عليه فـي قناة يشاهدها الملايين فـي هذه اللحظات الاستثنائية ألا يفقد تحكمه فـي لغته اللفظية والجسدية. والأهم أن يعيش لحظة الحدث فقط دون القفز إلى ما وراءها بأسئلة عن الماضي واللهجة والجنسية والأصل والعرق ولا القفز إلى المستقبل بأسئلة عن مصير المدرب أو مصير الفريق أو... الخ. عش لحظتك فقط مع الناس واستمتع بها بكل بساطة. ثانيا الخليج عموما إقليم يعج بعشرات اللهجات وعمان نفسها مليئة بلهجات عديدة فلم الاستغراب؟ أم ترى أن المقدم كان يعتقد أن لهجته هي اللهجة الخليجية الوحيدة؟ ثم لنفرض حتى مع أبعد احتمال أن يكون من تتحدث معه هو غير عماني أصلا بل تجنسا وليكن أصله إفريقيا أو بنجاليا أو بلجيكيا فهل أنت معني بالتحقيق والتدقيق فـي جنسيته وأصله ولهجته؟
أعتقد القناة عليها مراجعة هذه اللقطة والاعتذار إلى هذا المواطن العماني. لذلك نأمل ونترقب صدور تشريعات وقوانين إعلامية تحد من ظاهرة استعداء الشقيق والآخر أيا كان موقفه، فالرأي الفردي يعبر عن قائله، وإن كان الرأي حادا فـيتوجب على كافة وسائل الإعلام تجاهله كأنه لم يكن، نعم للإعلام رسائل ومهام وواجبات عليه أداؤها كما ينبغي، ولكن ليس لتأجيج المشاعر وصب الزيت على النار، فأي بطولة ستنتهي وتأتي أخرى، ونحن كجماهير وشعوب خليجية ننتظر الفرح ونترقب لقاء الأشقاء المتجدد.