السيدة سالمة .. قصة حب في وقت عصيب
تاريخ النشر: 17th, March 2025 GMT
من المفارقات العجيبة أنّ فكري كان مشغولًا برجل شغل العالم بقوته وحنكته وتسامحه، هو السيد سعيد بن سلطان، فإذا دليلنا يُخرجني من شرودي إلى وضع آخر مختلف عنه تمام الاختلاف؛ عندما سألنا: هل تعرفون هذين المبنيين؟! قبل أن يضيف: «هذا هو بيت السيدة سالمة بنت سعيد، والبيتُ المقابل هو بيت الرجل الألماني الذي هربت معه وتزوجته فـيما بعد».
نَظرَةٌ.. فَابتِسامَةٌ.. فَسَلامٌ.. فَكَلامٌ فَمَوعِدٌ فَلِقاءُ فَفِراقٌ يَكونُ فـيهِ دَواءٌ أَو فِراقٌ يَكونُ مِنهُ الداءُ لكن الذي حصل بينهما لم يكن فراقا فـيه دواء، وإنما كان لقاء منه الداء.
من خلال قراءة «مذكرات أميرة عربية» للسيدة سالمة، يتضح أنها كانت فـي ذلك العُمر المبكر من حياتها فـي وضع نفسي صعب وتعاني من فراغ قاتل؛ فبعد وفاة أبيها لحقت به أمُّها، ووجدت نفسَها يتيمة الأبوين، وشاركت مشاركة فعالة فـي معارك التنافس على كرسي الحكم بين أخَويْها ماجد وبرغش، إذ وقفت فـي البداية فـي صف برغش ضد ماجد مدفوعة بأختها خولة ذات النفوذ، لكن السلطان ماجد استطاع أن يستميلها لصالحه، فإذا خولة تعاديها، وكذلك ابتعدت عنها نساء العائلة. وفـي هذا الوقت بالذات، ظهر فـي حياتها زوجُها المستقبليّ فكان ما كان؛ وهي نفسُها وصفت هذا الوقت بأنه «مشؤوم، حيث ساد الجفاء والانقسام فـي عائلتنا، وشعرتُ بالسعادة من خلال حبِّي لشاب ألماني كان يقيم فـي زنجبار كممثل لشركة تجارية من هامبورج، والذي أصبح زوجي لاحقًا». المهم أني التقطتُ صورة تذكارية للبيتين، وواصلنا مسيرنا إلى شارع «هروموزي»؛ فإذا السيدة سالمة تفرض نفسها علينا من جديد كما سيأتي.
لصديقي سيف أسلوبه الخاص فـي التعامل مع الناس؛ فهو يأخذ معه فـي تنقلاته حقيبة ظهر، بها بعض المبالغ التي يوزعها؛ إما للمحتاجين، أو لمن يقدّمون له خدمة تستحق الشكر، وفـي الحقيبة أنواع متعددة من حلويات الأطفال يوزّعها عليهم أينما صادفهم. وفـي هذا الشارع وزع الحلويات على مجموعة منهم فتناولونها فرحين، إلا أنّ مرافقنا قال: «الشيخ سيف.. لا تعطِ الأطفال شيئًا؛ فالحكومة تمنع توزيع الحلاوة للأطفال»، وقبل أن نفـيق من دهشتنا من هذا القرار الغريب أضاف: «لأنّ بعضهم وزعوا حلويات بها مخدرات»، وبينما كنا ننظر إلى بعضنا البعض متخيلين ما يمكن أن يجلبه لنا كرم سيف الحاتمي من متاعب شاهدنا محلًا تتصدره لافتة استطاعت أن تحوّلنا إلى وجهة تفكير أخرى.
المحل هو «متحف السيدة سالمة» الذي تتصدر واجهته أيضًا لوحةٌ ذهبية اللون معلقة عند الباب بها التوقيع العربي للسيدة سالمة. هذا المتحف عبارة عن دكان فـي سوق كان مغلقًا، فاتصل مرافقنا محمد بشخص أتى بعد قليل وفتح لنا المحل. عرّفنا الرجلُ بنفسه - وهو يمسح العرق - أنه سعيد بن ناصر الغيثي، وأنه فتح هذا المتحف بجهوده الذاتية ويحتوي على بعض المقتنيات الأصلية للسيدة سالمة مثل مصحفها وثوبها الذي كانت ترتديه وهي فـي الشام وبعض الصور والمراسلات وغيرها من الأشياء. وتتفاوت رسوم المتحف بين سائح وآخر، فالسائح الذي يكتفـي بإلقاء نظرة على المعرض دون شرح يدفع سعرًا أقل من ذلك الذي يطلب شرحًا لما يشاهده من مقتنيات أو صور، وقد استمعنا إلى شرح وافٍ عن تاريخ السيدة سالمة خاصة أنّ الأستاذ سعيد على تواصل مع أحفادها، وأخذ تلك المقتنيات منهم، وله صورٌ معهم وهم يزورون ذلك المتحف أيضًا.
وأرانا كتابًا قال: إنه بالألمانية ولم يُترجم بعد إلى اللغة العربية أو السواحلية، هو عبارة عن رسائل كتبتها السيدة سالمة لصديقة مجهولة، وإنها قد تكون ليست رسائل حقيقية، إنما هو مجرد بوح فـي أسلوب أدبي. قلتُ له: إنّ هذه الرسائل صدرت باللغة العربية بترجمة زاهر الهنائي عن الألمانية مباشرة، ونُشرت تحت عنوان «رسائل إلى الوطن ــ الجزء الثاني من مذكرات أميرة عربية». ومما ذكره لنا أن السيدة سالمة كسرت التقاليد المتعلقة بتعليم المرأة، فعلمت نفسها الكتابة، ويُنظر إليها باعتبارها أول امرأة من شرق إفريقيا تكتب سيرة ذاتية، كما أنها كانت تتحدّث عدة لغات هي السواحلية والعربية والتركية والألمانية. وأضاف أنّ «قصة حبِّها فجّرت زلزالًا فـي العائلة المالكة فـي زنجبار وفـي الشركة الأجنبية للتجارة هناك، إذ اعتقد التجار الأجانب أنّ رودولف رويته بخطوته تلك يُعرِّض حياة الأوروبيين الذين يحظون بثقة السلطان للخطر، وأنّ الألمان على نحو خاص اعتبروا أنه تصرّف بطريقة غير مسؤولة، كما اعتبر أهالي زنجبار أنّ لرودولف تأثيرًا مفسدًا على الأميرة». وعند الحديث عن تجارة الرق، قال لنا سعيد: «ستسمعون كلامًا مغلوطًا ومبالغات كثيرة عن العُمانيين، ولكن الذي أود قوله: إنّ الرق كان منتشرًا فـي العالم حتى فـي آسيا الحالية؛ والدليل أنّ من ضمن سراري (جواري) السلاطين شركسيات وآشوريات وغيرها من أجناس آسيا، فمن كان يبيع هؤلاء، هل هم عُمانيون؟!».
تركنا المكان وملابسُنا مبللة بالعرق، وبدأ النشاط الثاني فـي هذا اليوم بالرحلة البحرية لجزيرتين، وهي الرحلة التي سبق وأن تحدثتُ عنها سابقًا.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
الأوقاف: ملتقى مسجد السيدة زينب يستعرض القدرات الإبداعية لذوي الهمم
شهد مسجد السيدة زينب انعقاد الملتقى الثقافي لذوي القدرات الخاصة تحت عنوان: "القدرات الإبداعية لذوي الهمم والكيفية المُثلى لاستثمارها". جاء ذلك تحت رعاية الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف ورئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وبإشراف الدكتور محمد عبد الرحيم البيومي، الأمين العام للمجلس، ضمن جهود الوزارة لتعزيز الفكر الوسطي خلال شهر رمضان المبارك.
استُهلّ الملتقى بتلاوة قرآنية للشيخ منتصر الأكرت، تلاها جلسة فكرية قدّمتها الدكتورة هادية صابر السيد، رئيس مجلس إدارة جمعية "البلد اليوم" والمنسق العام لمسابقة المواهب الذهنية لذوي الهمم، وأدارتها الإعلامية جيهان طلعت، مدير عام متابعة البرامج والتنفيذ بالشبكات الإذاعية.
في كلمتها، أكدت الدكتورة هادية صابر على الدور المحوري للأمهات في دعم أبنائهن من ذوي الهمم، مشددةً على ضرورة تحقيق المساواة لضمان اندماجهم في المجتمع والاستفادة من مواهبهم الفريدة. كما نوّهت بأهمية الأسرة في اكتشاف قدرات الأطفال، يليها دور المؤسسات التأهيلية في تنميتها، مشيدةً بجهود الملتقى في هذا الإطار.
وأشارت إلى أن الإبداع هو منحة إلهية، مستشهدةً بقوله تعالى: "ولقد كرّمنا بني آدم". كما أكدت أن معيار التفاضل بين البشر هو التقوى، استنادًا إلى قوله تعالى: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم". وأوضحت أن تغيير نظرة المجتمع لذوي الهمم ضرورة ملحّة، لإدراك إمكاناتهم الفريدة والاستفادة منها.
كما تم تسليط الضوء على المسابقة الذهبية للقدرات الإبداعية، التي شهدت مشاركة واسعة من الموهوبين في مختلف المجالات، بالإضافة إلى الإشادة بجهود الرئيس عبد الفتاح السيسي في دعم ذوي الهمم، لا سيما عبر قانون رقم 10 لعام 2018، الذي يكفل حقوقهم ويعزز دورهم المجتمعي.
شهد الملتقى عروضًا فنية متنوّعة، حيث قدّم الطفل عمر حمادة صابر ابتهالًا مميزًا، وألقى الشقيقان التوأم محمد وكريم عبد العزيز قصيدة شعرية، فيما أبدعت الموهبة الشابة سلوان محمد، من مدرسة الإنشاد الديني للشيخ محمود التهامي، في تقديم ابتهال نال استحسان الحاضرين.
وفي ختام الملتقى، عبّرت الدكتورة هادية صابر عن تقديرها لجهود الأستاذ الدكتور أسامة الأزهري في نشر الفكر الإسلامي الوسطي، ووجّهت الشكر للأستاذ الدكتور محمد عبد الرحيم البيومي على حسن تنظيم الفعالية.
واختُتم اللقاء بفقرة إنشادية قدّمها الشيخ أحمد عبد الهادي، إمام وخطيب مسجد السيدة زينب، بمشاركة الطفل عمر حمادة، وسط أجواء روحانية وتفاعل كبير من الحضور.