يترقب العالم اليوم نتائج مكالمة هاتفية من المنتظر أن يجريها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين بشأن إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية أو تجميدها على أقل تقدير، لكن هذا التفاؤل الكبير الذي يحيط بهذه المكالمة يصطدم بسؤال مهم: هل يمكن لاتصال هاتفي بين زعيمين، حتى وإن كانا كبيرين، أن يُحدث اختراقا في حرب أرهقت أوروبا، واستنزفت أوكرانيا، وفرضت عزلة غير مسبوقة على روسيا؟

الواقع أنَّ الحرب الروسية الأوكرانية لم تكن منذ رصاصتها الأولى حربا بين دولتين ولكنها بدأت منذ لحظتها الأولى ساحة مواجهة جيوسياسية تمتد تداعياتها عبر الأطلسي.

فمنذ بدء الحرب في فبراير 2022، دفعت واشنطن وحلفاؤها في الناتو مليارات الدولارات لدعم كييف، في محاولة لمنع سقوطها أمام المد الروسي. لكن بعد ثلاث سنوات من الدمار والعقوبات والتعبئة العسكرية، بدأت الحقائق على الأرض تتغير، التقدم الروسي الأخير في الجبهة الشرقية، والضغوط الاقتصادية المتزايدة على أوروبا، وتوجهات الرئيس ترامب لوقف أي دعم لأوكرانيا، كلها عوامل تعيد تشكيل قواعد اللعبة.

أمام كل هذا يبرز سؤال مهم آخر هو: هل نحن أمام اتفاق سلام حقيقي أو مجرد هدنة تكتيكية؟

دفعت أمريكا بمقترح وقف إطلاق النار لمدة 30 يوما، وهو ما وافقت عليه كييف، على مضض، بشرط التزام موسكو به. في المقابل، بوتين أبدى استعداده لمناقشة المبادرة لكنه وضع شروطا بدت غامضة بعض الشيء، مطالبا بمزيد من التشاور. هذا الأسلوب في التفاوض ليس جديدًا؛ فموسكو تدرك أنَّ أي وقف للقتال يجب أن يكون بشروط تخدم أهدافها الاستراتيجية، وأوكرانيا من جهتها ترفض أي اتفاق يمنح روسيا مكاسب عسكرية طويلة الأمد.

لكن حتى لو تم التوصل إلى وقف إطلاق نار، فإن الشكوك ستبقى قائمة. ففي ظل ديناميات الحرب، لن يكون هذا الاتفاق أكثر من هدنة مؤقتة تمنح الجانبين فرصة لإعادة التسلح وإعادة تموضع القوات، بدلا من أن تكون خطوة نحو سلام دائم.

وبالنسبة لأوروبا، باتت هذه الحرب عبئا ثقيلا لا يمكن تحمله إلى الأبد. التدفقات الضخمة للاجئين، ارتفاع أسعار الطاقة، والتحديات الاقتصادية المتزايدة كلها عوامل تجعل القارة تبحث عن مخرج. صحيح أن العواصم الأوروبية تتحدث عن دعم أوكرانيا حتى النهاية، لكن وراء الأبواب المغلقة هناك إدراك بأن استمرار الحرب لن يكون في مصلحة أحد.

وكان رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر واضحا حين قال إن «الكرة في ملعب روسيا»، مشددا على أن موسكو عاجلا أم آجلا ستضطر إلى الجلوس على طاولة المفاوضات. لكن السؤال الأهم هنا: هل ستفاوض روسيا من موقع المنتصر أو المُحاصر؟

أما في كييف، فإن المزاج العام منقسم. الرئيس فولوديمير زيلينسكي يدرك أن أوكرانيا لا تستطيع تحمل حرب استنزاف طويلة، لكنه أيضا غير مستعد للقبول بتسوية تُفضي إلى مكاسب روسية على الأرض. الجيش الأوكراني، رغم الدعم الغربي، يعاني من تراجع ميداني، خاصة بعد انسحاب قواته من بعض المناطق الاستراتيجية في الشرق. ومع التوجهات الجديدة لدى القيادة العسكرية الأوكرانية، يبدو أن كييف تحاول إعادة ضبط استراتيجيتها بما يتلاءم مع الواقع الجديد. وبالنظر إلى طبيعة العلاقة بين ترامب وبوتين، هناك من يرى أن الرئيس الأمريكي قد يكون أكثر قدرة من سابقه على التوصل إلى تفاهم مع موسكو. وقد أبدى ترامب مرارا ميلا لتخفيف الضغط على روسيا وهو يريد أن يحصل على لقب بطل السلام أو ربما جائزة نوبل للسلام لإنهائه هذه الحرب المدمرة. لكن أي اتفاق سيحتاج إلى أكثر من مجرد مكالمة هاتفية. المطلوب هو ضمانات حقيقية، سواء لأوكرانيا التي لا تريد أن تصبح دولة منزوعة السيادة، أو لروسيا التي تريد الاعتراف بمكاسبها الميدانية. هذا هو المأزق الذي يواجه العالم اليوم: كيف يمكن إنهاء الحرب دون مكافأة روسيا أو التضحية بأوكرانيا؟

يعلمنا التاريخ أن الحروب الكبرى لا تنتهي بمكالمة هاتفية. ما يحدث اليوم قد يكون مجرد جولة أخرى في لعبة شطرنج دولية طويلة الأمد. وإذا لم يتم التوصل إلى تسوية شاملة تأخذ في الاعتبار المصالح الحقيقية لكل الأطراف، فإن وقف إطلاق النار - إذا تحقق - لن يكون أكثر من استراحة محارب قبل جولة جديدة من القتال. لكنّ العالم سيترقب والرهانات تبدو عالية جدا لكن في النهاية، وحده الزمن سيحدد ما إذا كان هذا الاتصال بين ترامب وبوتين نقطة تحول نحو السلام، أم مجرد محطة أخرى في طريق حرب لا تزال طويلة.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

ترامب يبدي رغبته في أن يكون البابا القادم للفاتيكان

واشنطن-رويترز

قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مازحا إنه يرغب في أن يصبح البابا القادم للفاتيكان خلفا للبابا فرنسيس الذي توفي الأسبوع الماضي عن عمر ناهز 88 عاما.

وقال ترامب للصحفيين عندما سُئل عمن يود أن يصبح بابا الكنيسة الكاثوليكية المقبل "أود أن أصبح البابا. سيكون هذا خياري الأول".

وأشار ترامب إلى أنه ليس لديه تفضيلا معينا، مضيفا "يجب أن أقول إن لدينا كاردينالا من مكان يسمى نيويورك وهو جيد جدا، لذلك سنرى ما سيحدث".

ولا يعد الكاردينال تيموثي دولان، رئيس أساقفة نيويورك، من بين المرشحين المحتملين لتولي المنصب، إلا أن القائمة تضم أمريكيا آخر هو الكاردينال جوزيف توبين، رئيس أساقفة نيوارك في ولاية نيوجيرزي. ولم يسبق أن تولى أمريكي منصب البابا.

وسافر ترامب وزوجته ميلانيا إلى روما في مطلع الأسبوع لحضور جنازة أول بابا للفاتيكان من أمريكا اللاتينية.

وتبادل ترامب والبابا فرنسيس الانتقادات على مدى عقد من الزمان، وكانت أغلبها تتمحور حول مناشدة البابا للتعاطف مع المهاجرين، وهي الفئة التي سعى ترامب مرارا إلى ترحيلها.

وسيدخل حوالي 135 من الكرادلة الكاثوليك قريبا مجمعا سريا لاختيار البابا القادم، دون وجود أي مرشح واضح في الأفق.

مقالات مشابهة

  • بعد توقيع اتفاق المعادن مع كييف.. ماذا قال نائب ترامب عن نهاية الحرب في أوكرانيا؟
  • أخبار العالم| إسرائيل تقصف محيط القصر الجمهوري في سوريا.. أمريكا: لن نلعب دور الوسيط بين روسيا وأوكرانيا بعد الآن.. وهاريس: رؤية ترامب تخدم الأثرياء
  • ترامب يوافق على لوم روسيا ببدء الحرب في أوكرانيا في أتفاق المعادن
  • ترامب يشق طريقه نحو ثروات أوكرانيا الدفينة وبوتين يحتل بعضها.. نخبرك القصة كاملة
  • ترامب يشق طريقه نحو ثروات أوكرانيا الدفينة وبوتين يسيطر على البقية.. نخبرك القصة كاملة
  • تحول في موقف ترامب تجاه روسيا.. ضغوط داخلية وخطط لعقوبات جديدة
  • نيبينزيا: روسيا مستعدة لمفاوضات مباشرة مع كييف رغم مشاكل شرعية زيلينسكي
  • ترامب: «أوكرانيا ستُسحق قريباً» وبوتين أسهل في التعامل من زيلينسكي
  • ترامب : يبدي رغبته في أن يكون البابا القادم للفاتيكان
  • ترامب يبدي رغبته في أن يكون البابا القادم للفاتيكان