تشكل الأسطورة أولى المخيلات الشعبية التي تقوم عليها المنظومة الاجتماعية، حيث إنها تعمل عمل المجيب عن الأسئلة التي لا إجابة منطقية لها عند المجتمع، ولذا فإنها محدد مهم يجب النظر إليه في حال الدراسة السوسيولوجية والتركيز على السلوكيات والمعتقدات الشعبية؛ لأنها تشكل جانبًا مهمًا لا يُمكن إغفاله وتركه دون محاولة فهم أو تقارب معه.
في إطار دراسة الأسطورة وتأثيرها على المجتمع وتأثره بها، أقام النادي الثقافي ندوة مهمة تتعلق بالطبيعة والميثولوجيا في عُمان، ناقش فيها الحضور وجود الأسطورة في المجتمع العماني ومواطن نشوئها سواءً في الجانب الأدبي أو الأثري (الأركيولوجي) أو غيره. ومثل هذه الندوات تساعد على تسريع عملية استغلال الأسطورة واستخدامها في الأعمال، وفي هذا المقال ثلاثة مجالات يُمكن أن تحضر الأسطورة فيها وتعمق من الفكرة الموجودة.
أما المجال الأول فهو استثمار الأسطورة في الأدب، ويُمكن القول إن الأدب قادر على حفظ الأساطير وإعادة تشكيلها بما يخدم النص الأدبي وسياقه، فنجد العمانيين قد استخدموها في شعرهم ونثرهم، فمن الأمثلة الشعرية التي حضرت فيها الأسطورة في الشعر الشعبي سرد لقصة النبي سليمان-عليه السلام- يقول فيها الشاعر سالم بن عبدالله السوطي:
يوم طاح عنه الخاتم من صبعه البهام/ ما قدر يسيّر عصفور بأمارته
نبي وتمنى سار بّه البساط وشام/ والمشتكي آزت قصيرة حيلته
وفي الشعر الفصيح، مما يتعلق بسكّان الوديان من أساطير، بيت للشاعر هلال بن سعيد بني عرابة يقول فيه:
مع أثلة الوادي صحبتُ خرائدًا/ عنقاء مع غثاء مع غيداءِ
وأما في الشعر الحديث فذكر الأساطير كثيرٌ بسبب اهتمام هذا النوع من الشعر بالرمز، فاستعملت الأسطورة رموزًا للمعنى المراد. كما أن كتب التاريخ تزخر كثيرًا بذكر القصص الشعبية الأسطورية، فليس يخفى ما يرد من أخبار عن مالك بن فهم مثلا والتي تبدو فيها الأسطورة -بسبب التناقل الشفهي قبل التدوين- واضحة حيّة.
وفي العصر الحديث، وظفت كثير من الروايات العمانية الأسطورة بين سطورها لخدمة المعنى، وليس الأمر بحاجة لسوق الأمثلة هنا، بل يُمكن الإشارة إلى مجمل عناوين الروايات، فقد استخدمتها -على سبيل المثال- هدى حمد في روايتها «لا يذكرون في مجاز»، والأمر ذاته مع زهران القاسمي في رواياته، وبشرى خلفان، وغيرهم.
إن ثراء المخيلة العمانية يُمكّن من استخدام الأسطورة التي أنتجتها في الأعمال الأدبية بشكل مستمر بما يخدم المعنى الأدبي المستخدم في النص، حيث إن الأساطير كثيرة ومتنوعة، أحيانا متشابهة، لتشابه الطبيعة الجغرافية، فعلى سبيل المثال، أسطورة الأشخاص (وعادة تكون أمًا وبناتها) الذين حولهم الله إلى صخور بسبب كفرهم بالنعمة، فهي متكررة في الداخلية وفي بعض أجزاء شمال الشرقية، وكذلك الأساطير المتعلقة بالبحر، وفي أحيان أخرى مختلفة بسبب خصوصية الجغرافيا والمجتمع والتفكير. وكلها قابلة للاستخدام الأدبي.
أما المجال الثاني، فهو المجال السينمائي، وقد استفادت العديد من الأعمال السينمائية من الأساطير لإقامة قصصها التي تروى على شكل أفلام أو مسلسلات، فاستخدام مصاصي الدماء والوحوش كثير في السينما الغربية، حتى أصبحت أساطير عالمية بسبب كثرة ورودها وتزايد المعجبين بها، بل إن هناك مسلسلات طويلة جدًّا مثل مسلسل (سوبرناتشرال) تم إنتاج القصة فيه على أساس الأسطورة مع الاستفادة من الأساطير المختلفة حول العالم، الغربية منها والشرقية. وفي الجانب العربي كذلك تم استخدام الأسطورة في المجال السينمائي، فعلى سبيل المثال، استخدمت الأساطير الشعبية حول الدجالين والعرافين في فيلم (البيضة والحجر) من بطولة أحمد زكي لبيان هيمنتها في المجتمع، وكذلك الأمر في مسلسل (الكنز)، ومسلسل (ما وراء الطبيعة) المستوحى من قصص أحمد خالد توفيق.
يُمكن أن تشكل الأساطير العمانية ثراءً سينمائيًا وتلفزيونيًا كبيرًا بسبب كثرتها، فإن استخدامها في القصص قادرٌ على تعريف الآخرين بالمخيلة الشعبية العمانية، وقد صدر فيلم قصير مؤخرًا من طلبة جامعة السلطان قابوس في قسم الإعلام بعنوان (عودة) مبني على أسطورة «المغيّب/ المغصوب» في عمان، وعلى الرغم من الأدوات البسيطة التي يمتلكها الطلبة إلا أن استغلال الأسطورة في بناء حبكة الفيلم جعله قادرًا على الفوز بجائزة وعرضه في أمسية سينمائية، كذلك استخدمت أفلام قصيرة أخرى مثل هذه القصص لتعميق حبكاتها، إلا أن الأمر بحاجة لتطوير أكبر بحيث يُمكن أن تنتج أفلام طويلة مبنية على الأساطير، أو مسلسل كامل تكون السيناريوهات فيه منطلقة من وجود هذه الأساطير، فمن خلال المواد المرئية يُمكن أن تصل المخيلة الشعبية العمانية إلى الخارج والترويج لزيارة أماكن خلق هذه الأساطير.
وهذا يقود للجانب الثالث وهو المجال السياحي، فإن خلق الأسطورة يكون عادة مبنيًا على طبيعة المكان الجغرافية والاجتماعية، إذ إن هذا الإنتاج يكون من خلال ما يتناسب مع تلك الطبيعة ويتوافق معها، ولذلك تجد على سبيل المثال أساطير الجن المستخدمة في بعض الفنون الشعبية مثل الزار عادة ما تكون متوافقة مع الطبيعة الجغرافية للمكان الذي وُلدت فيه، ففي المناطق الجبلية تكون القصص متناسقة مع السياق الجبلي من حيث إن الجن يسكنون الجبل أو قيعان الوديان فيهبطون من الأول أو يتجولون في الثاني. وكذلك الأمر في المناطق الساحلية التي لها أساطيرها المختلفة عن المناطق الجبلية.
هذه الطبيعة الجغرافية التي وُلدت فيها الأسطورة تكون عادة محل جذب للزائر من الخارج، ولذا فإن تنوع الأساطير وأماكن الميلاد يُمكن أن تشكل محل جذب للآخرين، خاصة أولئك المهتمين بفهم المخيلة الشعبية وطبيعة تشكُّل السلوك البشري. من ضمن المواقع التي ارتبطت بالأساطير مثلا كهف جرنان في إزكي مع أسطورة العجل الذهبي، وكهف مجلس الجن في قريات، وكهف أبو هبان في دماء والطائيين، وفلج الدن وفلج معول في بهلا، ومسجد القبلتين والمسجد الأحمر في إبراء، وغيرها الكثير، حيث إن في كل ولاية في عمان تقريبا يوجد معلمٌ يرتبط بالأساطير ارتباطًا وثيقًا.
يُمكن استغلال هذه الأساطير للتسويق الثقافي، بحيث تكون محطات للسياح من الداخل أو الخارج، ففي السياحة الداخلية، يودّ كثير من العمانيين الذهاب إلى مثل هذه الأماكن من أجل التعرف عليها ومدى ارتباطها بالسلوكيات البشرية في تلك المجتمعات المختلفة -أحيانا- عن مجتمعاتهم العمانية التي نشأوا فيها، وأما السياح من الخارج فإن الأشخاص القادمين إلى عمان تجذبهم كثيرًا الأماكن التي ترتبط بالأساطير أو بالقصص الشعبية للتعرف على الطبيعة الاجتماعية والفكرية الشعبية العمانية عند زيارتهم لها.
وبسبب أنها حبيسة معرفة أهل المكان بها ولا يوجد ما يعرّف القادمين إلى هذه الأماكن بها، فإن المكان يفقد قدرًا كبيرًا من قصته وتشويقه؛ لأن القصة هي ما تصنع للأماكن معانٍ تكون محفِّزًا لشدّ الرحال إليها، فانظر مثلا إلى التشويق الذي يصنعه كهف جرنان في إزكي بسبب شهرة قصته، أو الخيال الصوري الذي تولّده قصة قبر ابن المقرب العيوني مما يجعل العارف بها متشوّقا لزيارة المكان.
في الخاتمة، يُمكن استغلال الأسطورة لأن تكون محلّا للبيع، حيث إن الأسطورة واحدة من المحددات الهوياتية للمجتمعات البشرية، وقد استحوذت الأساطير على أماكن مركزية في ثقافة كثير من المجتمعات إن لم تكن كلها، حتى وصلت إلى وضعها الحديث، فلا يُمكن عندئذٍ إغفال الأسطورة، بل استغلالها الاستغلال الجيد بحيث تكون مروّجة للمنطقة أو معمّقة لفكرة أدبية أو سينمائية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: على سبیل المثال الأسطورة فی ی مکن أن حیث إن
إقرأ أيضاً:
كيف تكون السماء في ليلة القدر؟ وما هي علاماتها؟
ليلة القدر هي ليلة عظيمة مشرّفة من ليالي شهر رمضان ، وسميت بليلة القدر لأنّ الله يقدّر ما سيكون في تلك السنة للعبد ، وقيل لأنّها ليلة قديرة ذات مكانة عالية عند الله تعالى ، وقيل لأنّها اللّيلة التي هي خير من ألف شهر وبها أنزل الله تعالى كتابه الكريم على سيّدنا محمد عليه الصلاة والسّلام ، وقيل لأنّها ليلة تنزل بها ملائكة يعظم قدرهم عند الله تعالى ، وقيل أيضاً أنّ العبادات والطّاعات في هذه اللّيلة من العباد لها قدر كبير عند الله تعالى ، وبالرّغم من معانيها المتعدّدة إلا أنّها ليلة عظيمة بقدرها .
لليلة القدر شأن عظيم عند الله تعالى وإنّ الأعمال والعبادات الصّالحة تكون فيها ذات قدر كبير وخير من العبادة في ألف شهر ، ومن اعتكف واجتهد وصام وقام اللّيل ومرّت عليه ليلة القدر نال أجراً وثواباً مضاعف لعبادته ونال شرف هذه اللّيلة وعظمتها .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه ) . رواه البخاري .
وفي هذه اللّيلة العظيمة تنزل الملائكة على سماء الدّنيا يسلّمون على كل عبد اعتكف وقام من أجل هذه اللّيلة وفيها تقدّر الأرزاق وتقسم فيها القضايا التي ستحدث خلال هذه السّنة على هذه الأمّة وأحب الدّعاء فيها كما ورد عن عائشة قالت ( قلت يا رسول الله إن علمت ليلة القدر ما أقول فيها ؟ قال : قولي : اللّهم إنّك عفو تحب العفو فاعف عني ) . ما هي اللّيلة التي يتوقّع أن تكون ليلة القدر؟
قيل أنّها ليلة السّابعة والعشرين ولكنّها قد تكون في أي ليلة من ليالي العشر الأواخر في رمضان ، فعلينا بالإجتهاد لننال أجر هذه اللّيلة العظيمة التي أخفاها الله على عباده لحكمته العظيمة ، وهي أن يعتكف كل شخص مؤمن قائماً صائماً داعياً طلباً لهذه اللّيلة ، فتزداد العبادات وتزداد الحسنات وننال شرف هذه اللّيلة العظيمة والأجر المضاعف من الله عز وجل.
علامات ليلة القدر:
- أن تكون السماء صافية منيرة .
- السّكون والهدوء والطمانينة وإنشراح صدر المؤمن لها .
- ان يجد المسلم القوّة والعزيمة في صلاته وقيامه .
- أن تكون الشمس عند شروقها ليس لها شعاع كما ورد في حديث أبي بن كعب رضي الله
- تكون الرّياح ساكنة .
عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها" خرجه مسلم.
وهذه العلامات وجدت ليتفائل ويفرح بها قلب المؤمن ، وهناك علامات ودلائل لا أصل لها من الصحّة ، كالأشجار تسجد على الأرض ثم تعود إلى مكانها، وأنّ المياه المالحة تصبح في ليلة القدر حلوة، وأنّ الكلاب لا تنبح فيها .
ليلة القدر
فضل العشر الأواخر من رمضان
© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)
انضمّتْ إلى فريق "بوابة الشرق الأوسط" عام 2013 كمُحررة قي قسم صحة وجمال بعدَ أن عَملت مُسبقًا كمحُررة في "شركة مكتوب - ياهو". وكان لطاقتها الإيجابية الأثر الأكبر في إثراء الموقع بمحتوى هادف يخدم أسلوب الحياة المتطورة في كل المجالات التي تخص العائلة بشكلٍ عام، والمرأة بشكل خاص، وتعكس مقالاتها نمطاً صحياً من نوع آخر وحياة أكثر إيجابية.
الأحدثترنداشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن
اقرأ ايضاًاشترك الآن