جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-15@01:10:08 GMT

النداء الأخير!

تاريخ النشر: 17th, March 2025 GMT

النداء الأخير!

 

 

جابر حسين العُماني **

jaber.alomani14@gmail.com

 

في مُعظم رحلات الحياة التي يُخطط لها الإنسان، لا بُد أن تُصادفه لحظة أخيرة يُعلَن فيها النداء الأخير قبل إغلاق كل شيء، عندها يستجيب البعض لذلك النداء دون تردد أو تأخير أو تسويف، حتى لا تفوتهم الرحلة، بينما يتكاسل آخرون ويماطلون ويتأخرون، فيخسرون الرحلة بكل ما تحمله من مزايا جميلة.

هكذا هي رحلة الإنسان وانتقاله من عالم الدنيا إلى عالم الآخرة، رحلةٌ يسيطر فيها ملك الموت، الذي سخّره الله تعالى لقبض أرواح البشر، فهو لا يكتفي بالنداء الأخير، بل يستل الأرواح من أجسادها، فتتكرر حالات الوفاة أمامنا في كل حين، حاملة رسائل واضحة لا لبس فيها، تنبه الإنسان بأنَّ الحساب آت لا محالة. فما الذي قدمته لآخرتك؟

يهلّ علينا شهر رمضان المبارك كل عام بالمغفرة والرحمة والضيافة الإلهية، ويأتي معه النداء الإلهي، قال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: 60].

يُوجه هذا النداء كذلك إلى من أهمل الشهر الكريم وعبادة الله تعالى فيه، وهي رسالة واضحة مفادها تذكير الإنسان بما فرّط فيه من عمره في غير طاعة تعالى، وكأن النداء يقول: "يا ابن آدم، إنَّ الفرصة لا تدوم، فاغتنمها قبل فواتها."

والمطلوب من الإنسان استغلال الفرص المتاحة قبل حلول النداء الأخير، وما أجمل تلك الفرص عندما تستغل في شهر الطاعات والرحمات، الشهر الذي دعانا الله تعالى لضيافته. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما خطب في الناس مذكرا لهم بأهمية شهر رمضان المبارك واستغلال أوقاته بما ينفعهم: "أَيُّهَا اَلنَّاسُ؛ إِنَّهُ قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ شَهْرُ اَللَّهِ بِالْبَرَكَةِ وَاَلرَّحْمَةِ وَاَلْمَغْفِرَةِ، شَهْرٌ هُوَ عِنْدَ اَللَّهِ أَفْضَلُ اَلشُّهُورِ، وَأَيَّامُهُ أَفْضَلُ اَلْأَيَّامِ، وَلَيَالِيهِ أَفْضَلُ اَللَّيَالِي، وَسَاعَاتُهُ أَفْضَلُ اَلسَّاعَاتِ، هُوَ شَهْرٌ دُعِيتُمْ فِيهِ إِلَى ضِيَافَةِ اَللَّهِ".

فعلى الإنسان أن يعلم أن شهر رمضان لم يجعله الله تعالى شهرًا للإسراف أو التبذير في الطعام أو الشراب أو اللعب والملهيات، كما هو متعارف عليه في زماننا عند البعض، بل هو فرصة ثمينة لمحاسبة النفس، ومراجعة العمل، والعودة إلى الله تعالى. لذا ينبغي على الإنسان ألّا يفوّت الفرصة فيه، وأن يعتبره النداء الأخير لكل من تهاون في أداء صلاته، أو ابتعد عن القرآن الكريم، أو أثقلته الذنوب والمعاصي والموبقات، أو أحاطت به الغفلة والملذات. وهو نداء يدعونا إلى العودة الفورية إلى الله تعالى حتى نستطيع أن نحظى بمغفرته ورضوانه وضيافته الكريمة.

قد يتساءل بعض الناس: ماذا يمكننا أن نفعل في شهر رمضان إلى جانب إقامة الصلاة، وحضور المساجد، وقراءة القرآن الكريم؟ والجواب أن هناك العديد من الأعمال العبادية التي تقرب الإنسان من رضا الله تعالى، وهي سهلة ويسيرة، ويمكن استغلالها في هذا الشهر الفضيل، ومنها:

أولًا: جدد توبتك مع الله تعالى، وحاول أن تكتب الذنوب والمعاصي التي اقترفتها في دفتر هاتفك بينك وبين نفسك، وعاهد الله أنك لن تعود إليها مهما حصل. ثانيًا: أكثر من السجود لله تعالى، واعلم أن أقرب ما يكون العبد من ربه هو عندما يكون ساجدًا خاضعًا لله وحده لا شريك له. ثالثًا: أكثر من قراءة الأذكار، ومن الجيد أن تكتبها في عدة أماكن داخل غرفة نومك لتتذكرها دائمًا وترددها باستمرار، مثل: "أَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ"، أو "اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ اَلْعٰالَمِينَ"، أو "اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ"، أو "لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ اَلْعَلِيِّ اَلْعَظِيمِ". رابعًا: عوّد نفسك على إخراج الصدقة في كل يوم للفقراء والمساكين، ولو بالقليل، فإن الصدقة تدفع البلاء المبرم كما ورد في الأحاديث النبوية الشريفة. خامسًا: أصلح نفسك وغيّر غيرك، واجعل من نفسك قدوة حسنة، فلا تنصح الناس بشيء وتفعل عكسه. كن مصلحًا للمتخاصمين، واعلم أن ذلك من أهم الأعمال التي ترضي الله تعالى، يَوْمَ لاٰ يَنْفَعُ مٰالٌ وَلاٰ بَنُونَ إِلاّٰ مَنْ أَتَى اَللّٰهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ. سادسًا: جاهد نفسك ما استطعت، وانتبه من الغيبة والنميمة والبهتان، واستغل الوقت في طاعة الله تعالى، واعلم أن أيام شهر رمضان معدودة، فينبغي استغلالها بشكل أفضل وأجمل.

وأخيرًا.. كُنْ على ثقة بالله تعالى، واعلم أن الله تعالى يقول: {وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}، ويقول: {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ}، اجعل ندائك الأخير في هذه الدنيا هو العمل الصالح لتحظى بذلك برضا الله تعالى.

** عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

دعاء الرسول عند الضيق.. ردده الله يشرح الله صدرك

دعاء الرسول عند الضيق ..  يتعرض الكثير من الناس لمشقة وصعوبات فى الحياء ، ولا يجدون ملجئ سوى التوجه إلى الله ليخلصهم من مخاوفهم ويشرح صدورهم ويطمئن قلوبهم.

لذلك سنذكر في السطور التالية دعاء الرسول عند الضيق لترددوه فيشرح الله صدوركم ويفرج همومكم.

دعاء لكشف الهم والغم.. مكتوب ومجربدعاء الفرج وتيسير الأمور.. ردده بيقين وسترى العجبدعاء فك السحر.. كيف تبطل الأذى وتحصن نفسك من شياطين الإنس والجندعاء التحصين .. أقوى كلمات للنبي ضد العين والحسد والسحردعاء الرسول عند الضيق

كان يدعو رسول الله عند الضيق والحزن بـ: "اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك، ماضِ في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي".

وعن ابن عباس رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند الكرب « لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم سبحان الله رب السموات السبع ورب العرش الكريم ».

اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا ارحم الراحمين أنت رب المستضعفين، وأنت ربى، إلي من تكلني، إلي غريب يتجهمني؟، أم إلي قريب ملكته أمري، إن لم يكن بك غضب عليا فلا أبالى، ولكن رحمتك هي أوسع لي”.


” اللهم فارج الهم وكاشف الغم مجيب دعوة المضطرين، رحمان الدنيا والأخرة ورحيمهما، أن ترحمني فارحمني رحمة تغني بها عن رحمة من سواك”

وأيضا "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، و العجز والكسل والبخل والجبن، وغلبة الدين وقهر الرجال".

وقول النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى الطائف «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحل عليّ سخطك، لك العُتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك».

معنى حديث اللهم إنى عبدك

معنى قوله صلى الله عليه وسلم "اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك، ماضِ في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي".

“اللَّهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك”: هذا اعتراف العبد بأنه مخلوق ومملوك لله تبارك وتعالى، هو وآباؤه وأمهاته، ابتداءً من أبويه المقربين، وانتهاء إلى آدم وحواء، فالكل عباد للَّه عز وجل، ولا غنى لهم عنه عز وجل طرفة عين، وليس لهم من يلجأون إليه ويعوذون به سواه.

وهذا فيه كمال التذلّل والخضوع والاعتراف بالعبودية للَّه عز وجل.

“ناصيتي بيدك” أي مقدمة رأسي بيد اللَّه تعالى، يتصرف فيها كيف يشاء، ويحكم فيها بما يريد، لا معقب لحكمه، ولا رادّ لقضائه.

“ماض فيَّ حكمك” أي الحكم الديني الشرعي والقدري الكوني، فالحكم الكوني لا يمكن مخالفته، وأما الحكم الشرعي “الأوامر والمنهيات” فقد يخالفه العبد، ويكون متعرضا للعقوبة.

“عدلٌ فيَّ قضاؤك” هذا إقرار من العبد بأن جميع أقضيته الله عليه، من كل الوجوه “صحة وسقم، وغنى وفقر، ولذة وألم، وحياة وموت، وعقوبة وتجاوز، وغير ذلك” عدل لا ظلم فيه بأى وجه من الوجوه.

“أسألك بكل اسم هو لك” أي أتوسل إليك بكل اسم من أسمائك الحسنى، وهذا هو أعظم أنواع التوسّل إلى اللَّه تعالى بالدعاء.

“سمَّيت به نفسك أو أنزلته في كتابك”: أي اخترته لنفسك الذي يليق بكمالك وجلالك، أو أنزلته فى كتبك التى أنزلتها على رسلك.

“أو علمته أحداً من خلقك” من الأنبياء والملائكة، ومنهم محمّد صلى الله عليه وسلم.

“أو استأثرت به في علم الغيب عندك” أي خصصت به نفسك في علم الغيب، فلم يطّلع عليه أحد.

وهذا يدلّ على أن أسماء الله الحسنى تعالى الحسنى غير محصورة في عدد معين، فجعل أسماءه تعالى ثلاثة أقسام:

قسم سمَّى به نفسه، فأظهره لمن شاء من أنبيائه ورسوله، وملائكته أو غيرهم، ولم يُنزله في كتابه.

وقسم أنزله في كتابه، فتعرَّف به إلى عباده.

وقسم استأثر به في علم الغيب عنده لا يطّلع عليه أحد، فتضمّن هذا الدعاء المبارك التوسّل إليه تعالى بأسمائه الحسنى كلّها، ما علم العبد منها، وما لم يعلم.

“أن تجعل القرآن ربيع قلبي”: أي: فرح قلبي وسروره، وخُصَّ ((الربيع)) دون فصول السنة؛ لأن الإنسان يرتاح قلبه في الربيع من الزمان، ويميل إليه ويخرج من الهم والغم، ويحصل له النشاط والابتهاج.

“ونور صدري” أي يشرق في قلبي أنوار المعرفة، فأميّز الحق والباطل.

“وجلاء حزني، وذهاب همّي”: الجلاء هو: الانكشاف، أي انكشاف حزني وهمّي؛ لأن القرآن شفاء، كما قال تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾؛ لأنه كلام اللَّه تعالى الذي ليس كمثله شيء، وأي شيءٍ يقف أمام هذا الكلام العظيم، فالقرآن الذي هو أفضل الذكر، كاشف للحزن، ومُذهب للهمّ لمن يتلوه بالليل والنهار بتدبّر وتفكّر.

مقالات مشابهة

  • علي جمعة يكشف عن اسم الله الأعظم الذي إذا دعى به أجاب
  • دعاء الرسول عند الضيق.. ردده الله يشرح الله صدرك
  • مجمع البحوث الإسلامية: لا تقل هذه الكلم .. تطردك من رحمة الله
  • من ضاقت به الدنيا ماذا يفعل؟.. الإفتاء: هذا الذكر يفرِج كل ضيق
  • نور على نور
  • حكم القصاص في الإسلام وجزاء العفو.. دار الإفتاء توضح
  • دعاء فك السحر.. كيف تبطل الأذى وتحصن نفسك من شياطين الإنس والجن
  • لو نفسك تحج وممعكش فلوس.. ردد 10 كلمات هتكون من ضيوف الرحمن
  • كان الله في عون الوالدين
  • علي جمعة: التمكين الدنيوي للظالمين لا يعني رضا الله عنهم فلا تيأس وثق فى الله