جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-17@14:11:28 GMT

على مائدة الفكر

تاريخ النشر: 17th, March 2025 GMT

على مائدة الفكر

 

 

سالم البادي (أبو معن)

 

 

كلّ ما حقّقه الإنسان من تقدّم في المجال العلمي والثقافي والصناعي والتكنولوجي وجميع المجالات، هو بفضل هذه القدرة العقلية (التفكير) التي منحها الله له.

وقد وصف الله تعالى من لا يستخدمون عقولهم بأنهم يفقدون ميزتهم الإنسانية، ويصبحون كالحيوانات التي تسيّرها الغرائز والرغبات، بل أسوأ حالًا منها؛ لأنّ الحيوانات لا تمتلك قدرة عقلية ترجع إليها، بينما يتمتع الإنسان بهذه القدرة العظيمة لكنه يتجاهلها، يقول تعالى: ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾.

(الأعراف: 179).

وللفكرة ثمنٌ عظيمٌ ولا تُقدَّر بثمنٍ، فبعض الأفكار طريقك نحو النجاح والتألق؛ بل وحتى الثراء، فالفكرة لها قيمة مادية ومعنوية وملكية فكرية، وهذه القيمة تبحث عنها الحكومات والشركات الكبرى.

خلال العام 2018 استثمرت شركة أمازون 22.6 مليار دولار في أنشطة البحث والتطوير بما يعادل 12.7% من إجمالي مبيعاتها خلال العام، أما شركة ميرك للأدوية فقد استثمرت 10.2 مليار دولار، وبما يعادل 25.4% من كامل مبيعاتها في نفس الحقل. وقد بلغ إجمالي ما صرفته أكبر عشرين شركة في مجال البحث والتطوير خلال عام 2018 هو 214.5 مليار دولار، ما يظهر أهمية البحث والتطوير في بقاء هذه الشركات في القمة ونموها المُستدام.

وأهم ما يجب توفره في هذا المجال هو الأشخاص المؤهلون المفكرون لأنهم المورد الأساسي للأفكار الجديدة والسبيل للابتكارات، كما أن الخبراء المؤهلون هم المسؤولون عن حل المشكلات التي يمكن أن تواجهها الحكومات والشركات في رحلة الابتكار والإنتاج والتسويق والترويج.

الفكرة لا تحتاج لذكاء خارق ولذلك يقول أينشتاين: "ليست الفكرة في أني فائق الذكاء؛ بل كل ما في الأمر أني أقضي وقتًا أطول في حل المشكلات".

ونسرد بعض النصائح التي يجب على كل مسؤول أن يتحلى بها؛ إذ على كل مسؤول أن يكون مستمعًا وقارئًا جيدًا، يسأل ويتعلّم، ولا يخجل من قلة معرفته، ويتحلى بسعة ورحابة صدر وتحمل وصبر وحلم. ويتعلّم من أخطائه، ويضعها خلفه ويمضي للأمام، ويفك قيود التبعية والأحكام العقيمة، يخطئ، ويتعلم ثم يمضي، يطلق العنان لحواسه الخمس، ليشتعل خياله، ويرى الأفق واسعًا، ويكون مُستعدًا للتفكير بآفاق جديدة ومستدامة في بيئة العمل، وأن يقبل على كل ما هو جديد، ويبحر في كل ما هو قديم ليأخذ منه كل مفيد، ويأخذ عقله في رحلة لاستكشاف الأسرار وكل ما هو سديد، ويتكامل ويتماهى مع ما حوله؛ فهو جزء من كل، واحد في جماعة، كائن في كوكب، وأن يربط أفكاره ببعضها، ويجعل لنفسه فكرًا جيدا ورؤية سديدة ثاقبه.

وعليه أن يوظّف أفكاره كما يشاء؛ فأفكاره ملكه، وهي ثروة هائلة وثمينة، يجب أن يوظفها حسب إمكانياته، ولا يبخل على نفسه، ولا يكبح أفكاره، وان يستمتع بالتنوع العلمي الثقافي الاجتماعي السياسي ويتواصل مع جميع مكونات المجتمع، وينهل ويتغذى من قراءة الكتب والأبحاث وتجارب الآخرين بمختلف المجالات ليثري مخزونه الفكري المعرفي ويعزز قدراته على الابتكار والإبداع. وأن يجعل من التواصل مع الآخرين ومناقشة أفكاره معهم بوابة تفتح أمامه آفاقًا جديدة، ويحفز لديه التفكير الإبداعي، ويمتلك القدرة على الإنصات واحترام الآخرين في استقبال أفكارهم، وعليه أن يمنح نفسه وقتًا للراحة والتأمل لتجديد الأفكار وإحياء الإبداع. كما عليه أن يختار بيئة مناسبة وملهمه للعمل والتفكير لأنَّ تأثير البيئة المحيطة به يمكن أن يُؤثر على قدرته على الإبداع، وألَّا يُهمل في تدوين الأفكار الجيدة الجديدة لأنها ليس لها وقت محدد.

ونؤكد هنا أن التفكير من خارج الصندوق يعطي للأفكار آفاقًا أوسع وابتكارات متطورة وتبعده عن التقليد، لذا على المسؤول أن يكون جاهزًا للتغيير ومُواكبة التقدم والازدهار والحداثة؛ بما يتواءم ومتطلبات العصر والظروف والمتغيرات المتسارعة.

والإبداع هو عملية مستمرة تستلزم التحديات والصبر والاستمرارية، وبتطبيق هذه النصائح وتبني أفكار إبداعية بلا شك ستزيد قدرته على توليد أفكار جديدة ومبتكرة في مختلف المجالات.

كما إن التوازن بين الأفكار والفرص هو أساس النجاح وصولا للإبداع، فعندما يجد المسؤول الفكرة المبدعة ويمتلك القدرة على استغلال الفرصة المتاحة عبر الإمكانات المتوفرة فإنِّه يستطيع بناء مشروع ناجح وتحقيق أهدافه.

إنَّ الأفكار الجيدة جواهر ثمينة، ترفع صاحبها متى ما استغلت جيدا وبالطريقة المناسبة، فيجب الاهتمام بالأفكار وإعطائها حقها، وليس المهم أن تكون الفكرة كبيرة وتحتاج لموارد مالية عالية حتى تكون ناجحة وذات قيمة، فهناك العديد من الأفكار البسيطة التي كسب منها أصحابها الملايين، وبعضها كانت سببا في رفد خزينة الدولة.

يقول الشاعر:

إذا كنت ذا عقل صحيح // فلا يكن عشيرك إلّا كل من كان ذا عقل

فذو الجهل إن عاشرته أو صحبته // يضلك عن عقل ويغويك بالجهل

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

رئيس مركز الفكر الإسلامي والدراسات المعاصرة: على المسلم مجاهدة نفسه على طريق الحق

واستضافت حلقة 2025/3/14 من برنامج "الشريعة والحياة"، التي تبث على منصة "الجزيرة 360" رئيس مركز الفكر الإسلامي والدراسات المعاصرة فضيلة الدكتور عصام أحمد البشير، لمناقشة موضوع "منهاج حياة المسلم بين اتباع الشرع واتباع الهوى".

واستهل مقدم البرنامج الإعلامي محمود مراد الحلقة بالآية القرآنية الكريمة: "يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله".


وأوضح الدكتور البشير أن مصطلح "الهوى" ومشتقاته وردت في القرآن الكريم في 9 مواضع، وأن المدلول اللغوي والقرآني للكلمة يشير إلى السقوط والميل والانحدار، كما في قوله تعالى: "والنجم إذا هوى" أي سقط.

وفي المدلول الشرعي، يدل على مجانبة الصراط المستقيم والوقوع في براثن الشبهات والشهوات.

وشرح أن الشبهات ترد في باب التصورات والوعي، بينما الشهوات ترد في باب التصرفات والسعي، وقال: "فكأن الميل والانحراف والسقوط يقع في هاتين الدائرتين، ويكون جماعهما تعبيرا عن مجانبة الصراط المستقيم".

اتباع الشرع

وفي المقابل، أوضح الدكتور البشير أن اتباع الشرع يعني أن يرجع المسلم في كل شؤون حياته إلى المرجعية الهادية المتمثلة في الوحي في كتاب الله عز وجل وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

إعلان

وأضاف: "اتباع الشرع في كل المستويات، بدءا من العقيدة والإيمان، ثم شعائر التعبد، ثم القيم والأخلاق، ثم الشرائع التي تنتظم كل أحكام المعاملات، بدءا من الأحوال الشخصية والأحوال المدنية والبيع والشراء وكذلك التقاضي والأحكام المالية والأحكام الدستورية والعلاقات الدولية والجنايات".

كما تطرق الدكتور البشير إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات"، موضحا أن مغالبة النفس فيما تشتهي ليست بالأمر اليسير، وأنه يدخل في باب مدافعة الأقدار بالأقدار.

وأوضح الدكتور: "الله سبحانه وتعالى جعل من أعظم مراتب الجهاد مجاهدة النفس، "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا"، والنبي عليه الصلاة والسلام في تعريف الجهاد قال: والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله".

وتحدث البشير عن دوائر تصحح منهاج حياة المسلم، ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم وتتمثل في: "دائرة في علاقة الإنسان بربه، قال: اتق الله حيثما كنت، ودائرة علاقة الإنسان بنفسه، قال: وأتبع السيئة الحسنة تمحها".

انحراف العلماء

وشدد الدكتور البشير على خطورة انحراف العلماء واتباعهم للهوى، مستشهدا بالآية القرآنية: "واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين".

وأوضح أن انحراف العالم يقع عبر طريقين: "إما أن يستجيب لأهواء العوام وأهواء الجماهير، أو أن يستجيب لضغط الحكام".

وأشار إلى المقولة المشهورة: "إذا نصبوا للقول قالوا فأحسنوا، ولكن حسن القول خالفه الفعل، وذموا لنا الدنيا وهم يرضعونها".

وأكد الدكتور البشير أن "أسوأ الشيء عند العالم هو أن ينفصل علمه عن عمله وقدوته وحاله، وأن يكون أسيرا إما لضغط المجتمع وأهوائه، وإما لضغط الحكام وقمعهم".

ولفت الدكتور البشير إلى أهمية صحبة الأخيار في مقاومة الهوى، مستشهدا بقول الله تعالى: "واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا".

إعلان

وقال: "صحبة الأخيار الصالحين هي لقاح لهذه القلوب، استنارة لهذه البصائر، تجديد لهذه الهمم والعزائم". وذكر مثالا من التاريخ: "كان الناس إذا رأوا الحسن البصري ذكروا الله برؤيته، لأنهم يرون هذا الإشراق، هذا النور، هذا الضياء".

وختم الدكتور البشير حديثه بذكر مظاهر متعددة لاتخاذ بعض الناس الهوى إلها، منها التطرف والطغيان، والاكتفاء بالظاهر دون الباطن، وازدواجية المعايير في قضايا حقوق الإنسان.

الصادق البديري14/3/2025

مقالات مشابهة

  • شاهد كيف استعان ماسك بمستر بين للرد على تقليد زوركبيرغ أفكاره
  • "الشبهات المعاصرة حول السنة النبوية".. محور ملتقى الفكر الإسلامي بمسجد الحسين
  • رزق الفكرة
  • فقر الإبداع و الأفكار المستهلكة تنتقل من المسلسلات إلى سوق الإشهار بالمغرب
  • شركة التوفيق للإبداعات Eltawfiq.. حيث تتحول الأفكار إلى تصاميم إبداعية تخطف الأنظار
  • التأطير العقدي للعمل.. ضمان التوافق بين الفكر والسلوك في الإسلام
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: قاموس الأفكار
  • رئيس مركز الفكر الإسلامي والدراسات المعاصرة: على المسلم مجاهدة نفسه على طريق الحق
  • عميد الفكر النزواني