معالم في طريق استقرار الحكم في السودان
تاريخ النشر: 17th, March 2025 GMT
أ / محمد علي طه الملك
خبير قانوني وقاض سابق بالمحاكم السودانية
سلسلة مقالات من ( 1 إلى 10 )
(7)
التوزيع الجغرافي الإقليمي والولائي للدولة
الأقاليم الجغرافية
يعرض المقترح أن تؤسس الدولة على خمس أقاليم متحدة ، تضم عددا من الولايات والمحليات والقرى والأحياء والفرقان.
لماذا خمسة أقاليم ؟
أولا : بعد أن يصبح لكل إقليم حاكم ومجلس تشريعي منتخب ، وجهاز حكومي ودستور واستقلال كامل في حكم وإدارة الإقليم وتنمية موارده ، حتما سوف ينتقل مركز التدافع السياسي نحو الحكم من المركز إلى الآقاليم ، بحسبانها صاحبة السلطة التنفيذية والتشريعية على أرض الواقع ، وتصبح الحكومة الاتحادية مجرد رمز لسيادة الدولة وصياغة استراتيجيات الحكم وبرامجه على المستوى الاتحادي وفق الدستور ، وبما ان لكل إقليم ممثل في عضوية مجلس الحكم الاتحادي ، فإن تقليل عدد الآقاليم يجعل من الحكومة الاتحادية حكومة رشيقة ، من خمسة أشخاص يمثلون مشاركة الاقليم في السلطة الاتحادية السيادية في الدولة.
ثانيا : الرقم الفردي خمسة يوفر معادلة جيدة لحساب الآغلبية عند التصويت على إجازة برامج وقرارات مجلس الحكم الاتحادي . .
ثالثا : الاكتفاء بخمس أقاليم يوفر مساحة جغرافية جيدة لكل إقليم ، مع ما يدل عليه ذلك من تنوع في فرص الاستثمار ، وزيادة في القوة البشرية تؤدي لتقليل العبء الضريبي على مواطني الاقليم.
رابعا : خمسة أقاليم بتوزيعها الجغرافي ، يفتح أبواب التمازج والاندماج بين سكان الإقليم ويضعف الروح القبلية ، كما هو الحال في أقاليم الوسط والشمال ، حيث ذابت الاثنيات مع مرور الزمن في الجسم الجغرافي ، واحتفظت برمزيتها الشكلية الاجتماعية في المحليات فكلما كبرت مساحة الإقليم ، توسعت فرص الاندماج التلقائي بين مكوناته ، مع هذا فالآمر متروك لما يتفق عليه بين الناس.
كما يدعو المقترح لإعادة النظر في الخارطة الجغرافية للأقاليم الغربية والاقليم الشمالي ، الاقليم الشمالي :
يرى المقترح أن هنالك ضرورات أصبح معا مهما النظر في مد حدود الاقليم الشمالي حتى مدينة بحرى وذلك:
أولا : لمعالجة موضوع الفقر السكاني في الاقليم بسبب الهجرات للإقاليم الآخرى والخارج
ومن المعلوم أن للقوة البشرية مفعول هام في تنمية الاقليم من ناحية واسكات اصوات من نادوا بتهجير مواطنين من دولة مجاورة.
ثانيا : عاصمة الاقليم سواء كانت مروي او الدامر حسبما كان في الماضي اصبح الوصول اليهما من سكان الجزء ما بين عبري والدبة في غاية الصعوبة بعد الغاء النقل النهري الذي كان يربط هذا الجزء بكريمة ثم السكة حديد ، وما نشأت فكرة شريان الشمال الا لفك اختناق هذا الجزء وربطة بالعاصمة ، لذلك عندما يتم توسيع الاقليم حتى بحري يمكن اختيارها عاصمة للإقليم ، لسهولة الوصول اليها من الجزء المختنق عن طريق شارع شريان الشمال و من حلفا وكريمة وعطبرة وبقية نهر النيل بالقطار أو شارع التحدي.
الأقاليم الغربية :
يرى المقترح أعادة تخطيطها أفقيا بدلا من التخطيط الرأسي القائم الآن ، الفكرة قائمة على ثلاث محاور ضرورية ، ليس منها المحور القبلي ، ذلك لآن تأثيرات المحور القبلي يمكن مراعاتها في حيز جغرافية الإدارات الولائية والمحلية وليس الإقليمية ، لذا ركز المقترح على ثلاثة عوامل هي الطبيعة / البيئة الثقافية الغالبة / ووسائل كسب العيش ، وتأثيراتها على الديموغرافية السكانية في الإقليم ، على سبيل المثال: فإن مجتمعات رعاة الإبل ، متقاربة من حيث وسائل الكسب ، والثقافة البدوية المشتركة وأعرافها ، مما يجعل مؤشر التعايش السلمي بينهم عاليا ، من هنا نبعت فكرة الجمع بينهم في إقليم واحد ، وهي فكرة لها جوانب إيجابية عديدة ، أقلها تركيز الاهتمام بالقطاع الغالب حسب سبل كسب العيش بحيث تكون حكومة الإقليم مجبرة على الاهتمام بهذا القطاع ، ومن ثم تسخير جل جهودها التخطيطية والمادية والفنية ، نحو تنميته وتطويره والعمل على استقراره ، بانتهاج أساليب ونظم حديثة في تربية الحيوان وتطوير المراعي ، وبطبيعة الحال فإن ما ينطبق على رعاة الإبل ، سوف ينطبق على القطاعات الآخرى زراعية أو تجارية أو صناعية فالاستقرار والتعايش السلمي ، هما العاملان الرئيسان لدفع ونجاح برامج التنمية والتطوير.
يجدر التنويه في هذا القسم الذي يعنى بالتخطيط الجغرافي للأقاليم على أساس البيئة المتحكمة في معاش الناس، الوضع في الاعتبار طبيعة التشكيلات الاجتماعية، باحترام هياكلها الآهلية والعمل على تطويرها وتطوير اعرافها وتقنينها بحيث تستوعب مستجدات العصر ولا تتعارض مع مفهوم الدمج الاجتماعي لخلق بيئة مستقرة تساعد على انفاذ خطط وبرامج التنمية المطلوبة.
من خلال الهيكلة الجغرافية الإقليمية للدولة ، يفرد المقترح هيكل مستقل للعاصمة الاتحادية يتشابه في توزيعات سلطته بالآقاليم الآخرى ، وله تمثيل في مجلس الرقابة الاتحادية.
التوزيع الجغرافي الولائي
ـ تقسم كل ولاية لعدد من المحليات تحوز على مساحات من الأراضي المعمورة وغير المعمورة ذات حدود جغرافية تفصل بينها .
ـ وتتكون كل محلية من عدد من المدن والقرى والفرقان متفرعة إلى أحياء.
* العاصمة الاتحادية
ما بين النيلين هي عاصمة جمهوريات السودان المتحدة أو الأقاليم السودانية المتحدة ، المعروفة بالخرطوم.
ـ حدودها الجغرافية :
تسمى المقاطعة الجغرافية التي تضم محليات الخرطوم وشرق النيل وامدرمان بمقاطعة الخرطوم ، ولها استقلال إداري وتشريعي كامل ، وتتكون حكومتها من : .
(1) مجلس الحكم ويتكون من :
ـ مدير الولاية : ينتخبه سكان الولاية بالاقتراع الحر .
ـ م / المدير للشئون الإدارية والتخطيط العمراني
ـ م / المدير لشئون التعليم وتنمية المجتمع .
ـ م/ المدير للصحة والبيئة .
ـ م / المدير للشئون المالية والخدمة العامة والتدريب .
ـ م / المدير لشئون الأمن.
ـ م/ المدير للزراعة والاستثمار وتنمية الموارد .
م / المدير للشئون القانونية .
(2) مجلس تشريعي مقاطعة الخرطوم
يحدد القانون عدد عضويته المنتخبة من المحليات ومخصصات عضويته
مهامه : اصدار التشريعات والقوانين السارية في حدود المقاطعة.
(3) محليات المقاطعة
يرأس كل منها معتمد منتخب من سكان المحلية تتكون إدارته من :
. ـ إدارة المعتمدية تشمل كافة القيادات المهنية للإدارات العاملة بالمحلية
ـ مجلس الحكم المحلي:
وهو مجلس منتخب من سكان المحلية يحدد قانون الحكم المحلي عدد عضويته ومخصصاتهم ومهام مجلسهم
ـ مجالس القرى والفرقان والمدن التابعة للمحلية :
يحدد قانون الحكم المحلي عدد عضويته ومهامه الوظيفية.
ـ معاونو الأحياء : يتم اختيارهم من سكان الحي ويحدد قانون الحكم المحلي مهامهم الوظيفية .
ـ تشارك مقاطعة الخرطوم بثلاثة من عضوية مجلسها التشريعي في مجلس الرقابة الاتحادية.
يتبع >>>>>>> 8
medali51@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحکم المحلی مجلس الحکم من سکان
إقرأ أيضاً:
على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية (12 – 20)
لن يستطيعَ أحدٌ أنْ يركبَ على ظهرِك، ما لمْ تَكُنْ منحنياً”
مارتن لوثر كينج
النور حمد
وجدت مصر ضالتها في البرهانمنذ الغزو المصري الخديوي للسودان في الربع الأول من القرن التاسع عشر، لم تجد مصر حاكمًا سودانيًا أتاح لها نهب موارد السودان كما فعل الفريق عبد الفتاح البرهان. وسنأتي لاحقًا إلى ذكر ذلك بشيء من التفصيل. وعمومًا، إن نهب موارد السودان ظل منذ العصور الغابرة هو الهم الأكبر المسيطر على العقلية المصرية. وقد سبق أن ذكرت كيف أن للجغرافيا وفقر مصر من الموارد دورٌ في هذا الهوس المصري بالسودان وبموارده؛ من أراضٍ خصبةٍ شاسعةٍ، ومن مواردَ طبيعيةٍ ثرةٍ؛ نباتيةٍ وحيوانيةٍ ومعدنية. يُضاف إلى ما تقدَّم، أن السودان يمثل خطرًا على حصة مصر من مياه النيل، الأمر الذي يفرض على مصر التحكُّم في نموِّه بمختلف الطرق. وكما سلف القول، فإن الفريق البرهان منذ أن اعتلى قمة السلطة، رئيسًا لمجلس السيادة للفترة الانتقالية، كانت خطته ألا تكمل الفترة الانتفالية مدتها. وألا تجري انتخابات تقود إلى أن يتولى المدنيون زمام الحكم، وفقًا لنهج التبادل الديمقراطي السلمي للسلطة. وبالفعل، أطاح الفريق البرهان بالوثيقة الدستورية وبحكومة الفترة الانتقالية، بالانقلاب الذي نفذه في 25 أكتوبر 2021، التي ترأس وزارتها الدكتور عبد الله حمدوك. وقد انقلب الفريق البرهان على حكومة حمدوك، بعد أن وضع في سبيلها كل العراقيل الممكنة، كما سبق أن ذكرنا. خطة البرهان، وقد أثبتتها الأحداث التي ظلت تجري منذ وصوله إلى قمة هرم السلطة وإلى اليوم، هي أن يحكم منفردا. وهذا يجعله في مواجهة قوتين هما: قوى الثورة، من جهة، والإسلامويون من الجهة الأخرى.
للنجاح في هذه اللعبة الخطرة المركبة، اهتم الفريق البرهان، أولاً، بالحرب على قوى الثورة. وأصبح عليه أن يلعب على التناقض بين حليفيه المتمثلين في الإسلامويين، والنظام. فمن جهةٍ، وافق فتون البرهان وجنونه بالسلطة ما يريده النظام المصري وهو وجود جنرال على قمة السلطة في السودان يكون خاضعًا بالمطلق لإرادة المصرية. ومن الجهة الأخرى يحتاج البرهان العون الدبلوماسي والعسكري المصري، لكي يبقى في السلطة. ولكي يجد العون الدبلوماسي والعسكري المصري عليه أن يقدم شيئًا في مقابل ذلك، وهو فتح الباب على مصراعيه للنظام المصري، ولمجموعات المصالح الخاصة المصرية الملتفة حول النظام المصري، لنهب موارد السودان؛ بلا قيد أو شرط، وبأقل الأسعار، بل وبلا مقابل أحيانا. وكذلك، الخضوع الكامل لمصر فيما يتعلق برؤيتها حول مياه النيل. وأيضًا، أن يصبح مخلب قطٍّ لمصر في تسبيب القلاقل والمتاعب لإثيوبيا، ولغيرها من دول حوض النيل. وقد قام البرهان بكل أولئك كما أُرادت منه مصر، منذ أن أصبح رئيسًا لمجلس السيادة.
في فترة سيطرة البرهان على السلطة في السودان، ظلَّت مصر تشتري مختلف موارد السودان بالعملة السودانية المحلية. ولم نعرف أبدًا أن دولةً ما في العالم رضيت أن تبيع لدولةٍ أخرى مواردها بالعملة المحلية للبلد البائع. بل تردَّد كثيرًا أن العملة التي يشتري بها المصريون الموارد السودانية عملةٌ مزيفةٌ تجري طباعتها في القاهرة. وقد وردت في شهادات سودانيين مقيمين في القاهرة أن هناك من عرض عليهم حزمًا كبيرةً من الأوراقٍ النقدية السودانية، نظير مبالغ زهيدةٍ للغاية بالجنيه المصري. خلاصة القول، إن شراء موارد السودان بعملته المحلية، المُبرِّئة للذمة والمزيَّفة، يعني أن موارد السودان تذهب إلى مصر مجانا. أما فيما يخص ملف مياه النيل وتسبيب القلاقل لإثيوبيا فقد اصطف البرهان وراء مصر اصطفافًا كاملاً، بل ومنح مصر قاعدةً مروي الجوية في شمال السودان لتصبح منصةً عسكرية متقدمةً لتهديد الجارة إثيوبيا.
يعرف البرهان أن نظام السيسي قد سحق حركة الإخوان المسلمين في مصر، ونكَّل بهم شر تنكيل. وهو يعرف أن نظام السيسي يقف ضد الإخوان المسلمين حيثما كانوا، ولكنه استثنى إخوان السودان لخدمة هدف تكتيكي مرحلي، هو مساعدة الفريق البرهان للبقاء في السلطة حتى تثبت فيها قدماه، ثم يجري التخلص منهم عقب ذلك. أيضًا، يعرف الفريق البرهان أن مصر تعرف أنه عمل ضابطًا في الجيش السوداني في خدمة الحركة الإسلامية السودانية، وذراعهاالمؤتمر الوطني لعقود طويلة. ولذلك، لكي يجعل الفريق البرهان نظام السيسي ينخرط في دعمه سياسيًّا وعسكريًا بالطريقة التي ظهرت في هذه الحرب، لابد أن يكون الفريق البرهان قد قدَّم للنظام المصري، في لقاءاته العديدة بالفريق عبد الفتاح السيسي وجهاز مخابراته، تطميناتٍ فيما يخص حلفه مع الإسلامويين. وغالبًا ما تكون هذه التطمينات أنَّ حلفه مع الإسلامويين حلفٌ تكتيكيٌّ قصيرٌ الأمد، من أجل خدمة مرحلةٍ بعينها. فحزب المؤتمر الوطني وما تسمى الحركة الإسلامية السودانية يتشاركان مع الفريق البرهان الحرص على هزيمة الثورة. لكنهما يختلفان معه في أنهما يريدان العودة إلى الحكم من جديد. ولذلك، هم يتعاملون مع الفريق البرهان بحذر وشكٍّ كبيرين لمعرفتهم برغبته في الحكم منفردًا وبعلاقته الوطيدة بمصر. وقد بان في مراتٍ عديدةٍ أن الفريق البرهان والإسلامويين يتربصان ببعضهما. فلكل واحدٍ منهما خطته الجاهزة للانقضاض على الآخر، عندما تصل الأمور نقطة مفترق الطرق.
أيضًا، ربما توصل النظام المصري عبر اختراقه للنخب العسكرية والأمنية والسياسية التي عملت مع نظام الرئيس المخلوع عمر البشير إلى قناعةٍ مفادها أن قادة ما تسمى “الحركة الإسلامية في السودان”، ليسوا قادةً مبدئيين بقدر ما هم حارسين لمصالح تخصهم. أي، أنهم ليسوا سوى مجموعة من الأوليغارك الغارقين في حب المال والسلطة حتى أذنيهم. وأنهم في حقيقة أمرهم براغماتيون، وليسوا مبدئيين. وأن ذلك يجعل اصطحابهم في خدمة مرحلة بعينها ثم رميهم جانبًا أو تطويعهم بصورةٍ دائمةٍ خيارًا ممكنا. لكن، في تقديري، أن هذا التصور، إن وُجد، فإنه تصورٌ خاطئ. فما تسمى الحركة الإسلامية في السودان ليست بمفردها وإنما مرتبطة بمنظومة إقليمية معقدة متضاربة الأجندة تشكل تركيا وإيران وقطر. ولذلك بقيت ما تسمى الحركة الإسلامية السودانية، تلعب على عدة حبالٍ. وقد عرفت عبر ما يزيد على الخمسة والثلاثين عامًا من التجربة، كيف تتلون وتخدع، وتنافق، وتلعب على عنصر الوقت وعلى متغيرات الأحداث وعلى تضارب أجندة دول الإقليم.
العلاقة الملتبسة بين البرهان والإسلامويينمن الشواهد على العلاقة الملتبسة بين الفريق البرهان ومجموعة الإسلامويين، ما نراه بين فترةٍ وأخرى من انتقال الأبواق الإعلامية الناطقة باسم الإسلامويين في السودان، بين الإسراف في تمجيد الفريق البرهان ووضعه في مكانة البطل القومي، وبين تحولها، في أحيانٍ أخرى، إلى الهجوم عليه، بل، ومُلصقةً به أسوأ التهم. فقد قال إمام مسجد جبرة في الخرطوم، المتطرف، عبد الحي يوسف، المقيم حاليًّا في تركيا: إن الإسلاميين لا يثقون في البرهان، وأن الفضل في الانتصارات الأخيرة للجيش، حسب زعمه، يعود إلى الإسلاميين وليس إلى الجيش. وأضاف واصفًا البرهان بأنه شخصٌ: “ليس له دين ويحمل النصيب الأوفر في التسبب في هذه الأزمة. فتقوية قوات الدعم السريع عدةً وعتادًا كانت تحت سمعه وبصره”. وأضاف أيضًا: أن “البرهان أعجز من أن يقضي على الإسلاميين، فهم موجودون حتي في مكتبه”. وينطوي هذا على أن لدى “الإسلاميين” شعورًا قويٍا وربما شواهد على أن البرهان يتربص بهم. وقد حذر عبد الحي يوسف الإسلامويين قائلاً إن البرهان في آخر زيارة له إلى أميركا قبل شهرين من حديثه هذا، التقى مسؤولين أميركيين ولم يصدر بيانٌ عن تفاصيل الاجتماع. وتنطوي هذه على تهمة للبرهان بأنه ربما يخطط مع الأمريكيين للغدر بهم. وعزا عبد الحي يوسف الانتصارات التي تحققت أخيرًا إلى المقاومة الشعبية وليس إلى الجيش، قائلاً: “إن الله ساق هذه الحرب من أجل أن يُعيد للحركة الإسلامية ألقها وقوتها”. (راجع: صحيفة سودان تربيون، على الرابط: https://shorturl.at/Em5aa).
لم يقتصر الهجوم على الفريق عبد الفتاح البرهان على إمام مسجد جبرة، عبد الحي يوسف، وحده، وإنما شارك في الهجوم عليه، أيضًا، بل والسخرية منه، في بضع مراتٍ، كلٌّ من الإعلامي، الطاهر حسن التوم، ومهرِّج “السوشال ميديا” الملقب بـ “الانصرافي”. بل وتشير بعض حوادث المسيَّرات التي أسقطت قذائفها على بعض اللقاءات الجماهيرية التي حضرها الفريق البرهان، إلى أنها قد كانت رسائل تحذيرية له من دهاقنة ما تسمى “الحركة الإسلامية”، عبر جناحها الداعشي المتطرف المسمى “كتائب البراء”. وغرض تلك الرسائل التحذيرية هو ألا يجنح البرهان قط إلى أي حلٍّ تفاوضيٍّ لإيقاف الحرب، يمكن أن يقصي الحركة الإسلامية وحزبها المؤتمر الوطني من المشاركة في الحكم، وهو المطلب الرئيس لثوار ثورة ديسمبر. أو، أن يكتفي بمنحها دورًا هامشيًا في المرحلة المقبلة بناءً على ما يتوصل إليه التفاوض. فإرسال المُسيَّرات وإلقاءها قنابلها على اللقاءات الجماهيرية التي يحضرها البرهان تعني أن الحركة الإسلامية تستطيع أن تصل بهذه المُسيَّرات إلى عقر دار الفريق البرهان. فالحركة الإسلامية لا تريد حلاً تفاوضيًا تفرضه القوى الدولية أو الإقليمية. فهي أصلاً لم تشعل الحرب إلا لكي تقضي نهائيًا على قوات الدعم السريع، وهو السبيل الوحيد في نظرها الذي يمكنها من العودة إلى السلطة بمفردها. ولتتفرغ، من ثم لذبح الثوار المدنيين المطالبين بالتحول الديمقراطي. وهو، كما ذكرنا، السبب الرئيس الذي جعلها تقود الأمور عبر الفترة الانتقالية لتصل إلى نقطة إشعال الحرب الشاملة الجارية حاليا.
في 8 فبراير 2025 تحدث الفريق البرهان من عاصمة حكمه البديلة بورتسودان داعيًا المؤتمر الوطني المحلول للابتعاد عن المزايدات السياسية، مخاطبًا لهم بقوله: أنه لا فرصة لهم في الحكم، مرةً ثانية، على أشلاء السودانيين في هذه المرحلة، وإلا فلن يكون هناك فرق بينهم وبين تنسيقية “قحت”، أو “تقدم”، حسب قول البرهان. وقال إذا أراد المؤتمر الوطني أن يحكم، عليه أن يتنافس في المستقبل مع بقية القوى السياسية. فانبرى في الرد عليه وبسرعة حزب المؤتمر الوطني ببياناتٍ مقتضبةٍ جنحت إلى اللوم والعتاب. أما إعلاميو الإسلامويين والمؤتمر الوطني فقد انتقدوا ما ورد في الخطاب بلهجة بالغة الحدة. وأما قائد ميليشيا لواء البراء الذي يمثل الذراع العسكري المتطرف في المؤتمر الوطني فقد قال: لا ننتظر شكرًا أو تقييمًا من أي شخص، ونرجو من الله أن يتقبل الجهد والجهاد، وسنظل ندافع عن كل شبر في الوطن. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الفريق البرهان كان قد زار قائد لواء البراء المصباح أبوزيد طلحة، عقب هروبه مباشرة من مباني القيادة العامة للقوات المسلحة في الخرطوم التي كان محاصرًا فيها لأربعة أشهر عقب اندلاع الحرب. الشاهد، فيما يتعلق بمناقضة البرهان المتكررة لنفسه أنه رجع بعد يومين من خطابه الذي حذر فيه الإسلامويين وحزبهم المؤتمر الوطني بألا يفكروا في العودة إلى السلطة ليقول: الذين حاربوا إلى جانبنا سيكون لهم مكانٌ في السلطة. ومعلومٌ أن الذين حاربوا إلى جانبه هم الإسلامويون وكتائبهم الجهادية المتطرفة.
انكشاف خضوع البرهان للمتطرفينتناقلت عديد المواقع الإلكترونية تسريباتٍ نشرتها كاتبة العمود بصحيفة الجريدة، صباح محمد الحسن، ذكرت فيها أن إجتماعًا عاصفًا جمع الأمين العام لما تسمى “الحركة الإسلامية”، علي كرتي، وقائد الجيش، الفريق عبد الفتاح البرهان. تقول التسريبات أن علي كرتي هدد الفريق البرهان في ذلك الاجتماع بأنه، في حال انصياع الفريق البرهان للضغوط الدولية والإقليمية، سوف يكشف عن الكثير من الوثائق السرية المفصلية المتعلقة بالحرب الحالية وبإنقلاب أكتوبر 2021، وبعملية فض الإعتصام. وذكرت الصحفية أن مصادر سياسية خارجية رفيعة كشفت عن ورقةٍ جديدةٍ على طاولة الحل للأزمة السودانية. وأن تلك الورقة وضعها تحالفٌ دوليٌّ ضم دول الوساطة بالتعاون مع دولٍ إقليميةٍ، من بينها دولٌ حليفةٌ للمؤسسة العسكرية. وذكرت أن تلك الورقة تتضمن خطةً عاجلةً، قد لايتجاوز مدى وضعها موضع التنفيذ شهرًا. وتهدف الخطة للقضاء على ما أسمته “المد الإسلامي الإخواني بالسودان” وأقتلاعه من جذوره، عبر عدة آليات قالت أنها متاحة. وتقول الصحفية أن تلك المصادر رجَّحت أن قناعة تلك الدول جاءت لسببين: أولهما أن قائد الجيش السوداني أخلَّ بإتفاق سبقت موافقته عليه. وهو السيطرة على القيادة العامة التي كان من المقرر أن يؤكد الفريق البرهان عقب انسحاب قوات الدعم السريع منها، ذهابه إلى التفاوض. لكن، كما هو واضحٌ الآن، فقد مر أكثر من شهر من نشر تلك التسريبات، ولم يتغير شيءٌ في المشهد السوداني.
أيضًا، أضافت الصحفية قائلةً: إن تلك المصادر ذكرت أن البرهان كان في نيته تنفيذ الاتفاق. حيث لمَّح إلى ذلك في خطابه الأخير في مباني القيادة العامة، في حين صرح به بوضوح أكثر، نائبه مالك عقار. إلا أن القيادات الإسلامية حاصرت البرهان ومنعته من تنفيذ الخطوة. وبعد الإجتماع وعدول البرهان عن رأيه خرج قائد كتيبة البراء ليعلن ألا تفاوض مطلقًا مع قوات الدعم السريع. الأمر الذي كشف لتلك الدول أن قادة الكتائب الإسلامية هم الذين يقررون بدلاً عن الفريق البرهان، وأثبتوا عمليًا أنهم الطرف الأقوى. وتخلص الصحفية إلى القول إن إزاحة البرهان الذي أصبح عقبةً، ضرورةٌ ينبغي أن تسبق التفاوض المنتظر. وتقول الكاتبة: إن الذي دفع تلك الدول لقرار إقتلاع الإسلاميين، إضافةً إلى ما تقدم، ووفقًا لتك المصادر، هو الجرائم الأخيرة التي قامت بها كتائب البراء بن مالك ومليشيا درع السودان. وزعمت الكاتبة إن تلك الجرائم قد نسفت الدعم الدولي المؤسسة العسكرية السودانية، وباعدت بينها وبين الدول التي فضلت الوقوف إلى جانبها، بإعتبارها تمثل الجهة الرسمية بالبلاد. خاصةً أن الفريق البرهان والمؤسسة العسكرية وقفوا متفرجين وعاجزين. ولم يفعلوا شيئًا أمام الجرائم الوحشية التي إرتكبتها تلك الكتائب والمليشيات بإسم الجيش. (راجع: موقع أخبار السودان، على الرابط: https://shorturl.at/kSwME).
(يتواصل)
الوسومالنور حمد