بقلم: تاج السر عثمان

فارق دنيانا البروفيسور حسن أحمد إبراهيم والذي كانت له إسهامات مميزة في ميدان تخصصه في التاريخ الحديث والمعاصر، ولفت نظري مساهمته المتميزة التي اطلعت عليها عن فترة الحكم التركي - المصري في السودان أثناء بحث كنت أعده عن " التاريخ الاجتماعي لفترة الحكم التركي - المصري في السودان"، الذي نشر في كتاب فيما بعد عن مركز محمد عمر بشير ٢٠٠٦.


كانت مساهمة البروف المرحوم حسن أحمد إبراهيم بعنوان"محمَّد علي في السُّودان: دراسة لأهداف الفتح التُّركيِّ- المصريَّ"، والتي صدرت في كتاب عن دار النشر بجامعة الخرطوم (دون تاريخ)، له الرحمة والمغفرة.
نعيد نشر هذه المقال عن طبيعة ووظائف دولة الحكم التركي - المصري في السودان (١٨٢١ - ١٨٨٥).

اولا - شكلت دولة الحكم التركي تطورا جديد في مسار الدولة السودانية : دولة كرمة ، نبتة ، مروى، النوبة المسيحية، الفونج والفور. وتلك الدول كانت مستقلة وكانت نتائج تطور باطني. ولكن الجديد أن السودان خلال فترة الحكم التركي (1821م-1885م)عرف دولة تابعة خاضعة للاحتلال الأجنبي ضمت رقعة واسعة في البلاد،بعد ضم دارفور والمديريات الجنوبية الاستوائية، أعالي النيل ، بحر الغزال.
وكانت تلك الدولة مفرطة في المركزية وما جاءت نتاجا لتطور باطني، بل تم زرعها من الخارج وعلى نمط الدولة في الإمبراطورية العثمانية التي كانت بقيادة الأتراك والألبان المتحالفين مع كبار الملوك المحليين والعلماء والفقهاء المرتبطين بجهاز الدولة وكبار العسكريين من المماليك أو قادة الجيوش من المرتزقة وكانت دولة مدنية رغم إنها كانت استبدادية وتقوم على القهر.
ثانيا - كانت دولة الحكم التركي في السودان تمثل تحالف الحكام العسكريين والمدنيين (أتراك ، مصريين، أوربيين) وزعماء العشائر وكبار الملاك والتجار وكبار العلماء والفقهاء المرتبطين بجهاز الدولة وبعض القيادات والزعامات الدينية، وهذه الدولة في مضمونها كانت طبقية، بمعنى أنها كانت تعبر عن مصالح هذا التحالف الطبقي الحاكم.
وكان من مهام هذه الدولة نهب واعتصار واستنزاف الفقراء من الرعاة والمزارعين وصغار الملاك لاستخلاص اكبر قدر ممكن من الضرائب منهم، بينما كان كبار الملاك في ذلك التحالف الحاكم أما معفياً من الضرائب أو يتهرب منها بالرشوة وكانت وظيفة هذه الدولة أيضا قمع الانتفاضات والثورات ضد النظام، كما كانت وظيفتها أيضا هي تنظيم تصدير الفائض الاقتصادي إلى الخارج أو تنظيم كل القدرات الاقتصادية والبشرية وتوظيفها في خدمة مصالح الطبقات الحاكمة في مصر.
وكانت دولة الحكم التركي، بمعنى آخر، امتداداً أو ذراعاً حاكماً للتحالف الطبقي الحاكم في القاهرة الذي كان بدوره يقهر ويقمع الشعب المصري ويمتد هذا القهر ليشمل شعوب ومستعمرات إمبراطورية محمد علي باشا واعتصارها بهدف تحقيق التراكم اللازم لتحقيق أهداف محمد علي الاقتصادية والعسكرية .
ثالثا - باحتلال محمد علي للسودان عرف السودان لأول مرة نمطاً جديدا من الدولة هو نمط الدولة المدنية العصرية والتي عرف فيها السودانيون بذور التعليم المدني الحديث والقضاء المدني ، وبذور نمط الإنتاج الرأسمالي ، واتساع دائرة العمل المأجور والتعامل بالنقد ، واقتلاع المزارعين من أراضيهم والقذف بهم أو الهجرة إلي مناطق أخري من السودان اوخارج السودان ، إضافة لاتساع السوق الداخلية بعد اتساع رقعة السودان خاصة بعد ضم سواكن ودار فور والمديريات الجنوبية ألي بقية أنحاء السودان مما أدى إلى اتساع التجارة الخارجية والداخلية وارتباط السودان بالسوق العالمي ، وبالتالي عرف السودانيون كامتداد أوسع للتحولات التي بدأت تحدث أيام الفونج المدن التجارية وبداية تفكك وتحلل النظام القبلي ، وظهرت طرق صوفية أوسع واكبر من الطرق التي كانت سائدة أيام الفونج مثل الختمية التي ضمت اتباعاً من شمال وشرق السودان وكردفان وبعبارة أخرى بدأ يشهد السودان بداية بذور تكوين القومية السودانية أو الدولة القومية السودانية.
رابعا - شهدت دولة الحكم التركي توسعا في زيادة مساحة الأراضي الصالحة للزراعة ، مما أدى إلي زيادة المحاصيل الزراعية في الأسواق ، فنجد أن الحكومة في هذه الفترة تجلب عدداً من خوليه الزراعة ، وتعمل على تطوير زراعة القطن وتشق القنوات للتوسع في زراعة الأحواض وتشجيع تعمير السواقي وترسل الطلاب إلى مصر للتعليم والتدريب الزراعي وتجلب المحاريث لحراثة الأرض وتعمل على بناء المخازن في المراكز الرئيسية على طول الطريق إلى مصر لتوفير مياه الشرب لتسهيل الحركة التجارية وتصدير المواشي بشكل خاص كما اهتمت الحكومة بإدخال محاصيل نقدية جديدة مثل الصمغ، السنامكي ،والنيلة . الخ. واهتمت بالثروة الحيوانية وجلبت الفلاحين والعمال المهرة في الزراعة واهتمت بالتقاوي المحسنة والأشجار المثمرة واهتمت بمكافحة الآفات مثل الجراد .
ولكن رغم تلك التحسينات التي أدخلتها الحكومة بهدف تطوير القوى المنتجة في الزراعة والإنتاج الحيواني الا أن الضرائب الباهظة التي كانت الحكومة تفرضها على المزارعين والرعاة أدت إلى هزيمة هذا الهدف، فقد هجرالاف المزارعين سواقيهم في الشمالية ، كما هرب الاف الرعاة بمواشيهم إلى تخوم البلاد ، هكذا نجد أن سياسة الحكومة التي كانت تعتمد على القهر والضرائب الباهظة أدت إلى انخفاض الإنتاج الزراعي والحيواني، وبالتالي أدي ألي تدهور الأحوال المعيشية وأدي ذلك ألي المجاعات والأمراض والخراب الاقتصادي وغير ذلك مما شهده السودان في السنوات الأخيرة للحكم التركي- المصري.
خامسا - شهدت تلك الفترة قيام صناعات جديدة مثل صناعة البارود وصناعة النيلة وصناعة حلج القطن و صناعة الذخيرة كما تطور قطاع الخدمات حيث تطورت المواصلات (بواخر نهرية) إدخال التلغراف ، كما تم تحسين ميناء سواكن وتم توصيل خط السكة الحديد إلى مدينة وادي حلفا (الشلال).
سادسا - عرفت دولة الحكم التركي التفاوت الطبقي وكان التركيب الطبقي للدولة يتكون من : الحكام وكبار موظفي الدولة الأجانب والمحليين ،زعماء ومشايخ الطرق الصوفية، الجنود، المزارعون، العمال والموظفين المأجورين، الرقيق.
سابعا - حول سمات وخصائص التشكيلة الاقتصادية- الاجتماعية لدولة الحكم التركي نلاحظ الآتي:-
(أ) كانت تشكيلة تابعة، ولم تكن مستقلة على نمط التشكيلات السابقة الرأسمالية في السودان لممالك السودان القديم وفي العصور الوسطى.والمقصود بتشكيلة تابعة : أن كل النشاط الاقتصادي والاجتماعي في تلك الفترة كان موظفاً لخدمة أهداف دولة محمد علي باشا في مصر، وبالتالي تم إفقار السودان وتدمير قواه المنتجة (المادية والبشرية) وكان ذلك جذراً أساسياً من جذور تخلف السودان الحديث.كما اتسعت تجارة الرقيق.
(ب) أرتبط السودان بالسوق الرأسمالي العالمي عن طريق تصدير سلع مثل : الصمغ العربي ، العاج ، والقطن. الخ.
كما شهد السودان خلال تلك الفترة غرس بذور نمط الإنتاج الرأسمالي في السودان على الأقل في سمتين أساسيتين من سمات نمط الإنتاج الرأسمالي هما :
*اتساع عمليات التعامل بالنقد والعمل المأجور بعد اقتلاع المزارعين من سواقيهم وأراضيهم.
*الارتباط بالتجارة العالمية.
(ج) التحولات التي أحدثها نظام الحكم التركي محدودة (الاقتصاد ، التعليم ، الصحة، المواصلات. الخ).وظل الجزء الأكبر من النشاط الاقتصادي في السودان خلال تلك الفترة حبيس القطاع المعيشي ( التقليدي) وظلت قوي الإنتاج وعلائق الإنتاج بدائية ومتخلفة.
ويمكن القول أن السودان في تلك الفترة شهد تدمير أو خسارة للتشكيلة الاجتماعية القديمة دون كسب تشكيلة اجتماعية أرقى، وهذه العملية شبيهة إلى حد ما بتدمير الاستعماريين البريطانيين لنمط الحياة القبلي القديم في الهند والتي وصفها ماركس بقوله " أن سكان الهند خسروا عالمهم القديم دون كسب لعالم جديد " .
ثامنا - شهدت تلك الفترة تراكمات كمية من الانتفاضات والثورات ضد النظام ما أن تندلع انتفاضة ويتم إخمادها حتى تندلع أخري من جديد، وأدت تلك التراكمات الكمية من الانتفاضات إلى تحول كيفي في الثورة المهدية.
هكذا نجد جذور الثورة السودانية الحديثة التي ترجع إلى فترة الحكم التركي وبداية قانونها الأساسي الذي يبدأ بمقاومة النظم الاستبدادية بأشكال وصيغ مختلفة ويتم تتويجها بالانتفاضة الشاملة التي تطيح بالنظام ، على ان عنف ووحشية دولة الحكم التركي هي التي ولدت الانتفاضة الشعبية المسلحة في الثورة المهدية.
تاسعا - كما شهدت هذه الفترة غرس بذور الثقافة الحديثة، التعليم المدني الحديث ، القضاء المدني، الطباعة ، الصحافة ،بدايات المسرح، وبدايات استقلال فن الشعر الغنائي عن الدين وعن نمط الغناء التقليدي (الدلوكه) الذي كان سائداً أيام الفونج.

عاشرا - عرف السودانيون خلال فترة الحكم التركي المصري الملكية الخاصة للأرض وبيع الأراضي ورهنها وتوريثها حسب الشريعة الإسلامية والأعراف، وكان ذلك من التطورات التي شهدها السودان في ملكية الأراضي وتعبيراً عن ارتباط السودان بالنظام الرأسمالي العالمي .
كما عرفت التشكيلة الاجتماعية انماطاً مختلفة من الإنتاج التي كانت سائدة في التشكيلات الاجتماعية السابقة مثل : نمط الإنتاج البدائي، و نمط الإنتاج العبودي ونمط الإنتاج الإقطاعي، ولكن الجديد هنا كما أشرنا سابقاً أن السودان عرف البذور الأولى لنمط الإنتاج الرأسمالي والذي نشأ مع اتساع التعامل بالنقد والارتباط بالتجارة العالمية وتحول قوة العمل إلى بضاعة، واقتلاع آلاف الفلاحين من أراضيهم نتيجة للقهر والضرائب الباهظة .

أهم المراجع:-
1/.بشير كوكو حميدة: ملامح من تاريخ السودان في عهد الخديوي إسماعيل (مطبوعات كلية الدراسات العليا بحث رقم "10"1983م).
2/ تاج السر عثمان الحاج : التاريخ الاجتماعي لفترة الحكم التركي ، مركز محمد عمر بشير 2006م.
3/ حسن أحمد إبراهيم : محمد علي في السودان ، دار جامعة الخرطوم للنشر، بدون تاريخ ، رسالة ماجستير.

alsirbabo@yahoo.co.uk  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی السودان السودان فی تلک الفترة التی کانت محمد علی

إقرأ أيضاً:

صراع القوة يهدد مستقبل دولة جنوب السودان

لم تنتهِ الحرب التي مهّدت لولادة دولة جنوب السودان عام 2011 إلا ونشبت حرب أخرى بين رفقاء السلاح عام 2013، أي بعد عامين من الاستقلال، انتهت باتفاق سلام هش عام 2018 لم يكن كافياً لوقف دوامات العنف المتكررة التي كان آخرها ما حدث نهاية فبراير/شباط الماضي.

فقد اندلعت أعمال عنف في منطقة أعالي النيل في مدينة ناصر، بين "الجيش الأبيض" الموالي لـرياك مشار نائب الرئيس، وبين "الجيش الشعبي" الموالي للرئيس سلفاكير ميارديت.

وفي هذا التقرير نستعرض السياقات، وأبرز مسببات التوتر والعوامل المؤثرة ودور الجوار والمؤسسات الإقليمية المعنية بالأزمة.

سلفاكير رئيس جنوب السودان (يمين) ونائبه مشار (أسوشيتد برس) حرب أهلية واتفاقات سلام هشة

اندلعت الحرب الأهلية في جنوب السودان عام 2013، نتيجة خلافات سياسية تفاقمت على خلفيات عرقية بين سلفاكير ومشار، بعد أن اتهم الرئيس نائبه بمحاولة انقلاب ضده.

ويمثل سلفاكير عرقية الدينكا، بينما ينتمي مشار إلى عرقية النوير، وهما أكبر مجموعتين عرقيتين في البلاد.

وقد استمر الصراع لمدة عامين حتى تم توقيع اتفاق سلام عام 2015، لكنه سرعان ما انهار العام التالي، ثم تدخلت وساطات عديدة ليتم التوصل إلى اتفاق سلام جديد عام 2018 نجح في تهدئة الأوضاع نسبياً.

إعلان

وعام 2020، تم تشكيل حكومة وحدة وطنية جمعت بين قيادتي سلفاكير ومشار، حيث احتفظ كل منهما بمنصبه. ومع ذلك، ظل غياب الثقة بين الطرفين يشكل عائقاً أمام تنفيذ بنود الاتفاقية، كما أن غياب آليات فعالة لضمان التزام الطرفين جعل العديد من بنود الاتفاق حبراً على ورق، مما ساهم في استمرار حالة الهشاشة السياسية والأمنية في البلاد.

وبعد توتر آخر عام 2022، توسط السودان وتم الاتفاق على تمديد الاتفاقية لمدة عامين إضافيين من أجل استكمال تنفيذ بنودها بالذات تلك التي تتعلق بدمج المجموعات العسكرية تحت إمرة قيادة واحدة، على أن يتقاسم الطرفان المناصب القيادية بنسبة 60% لجبهة سلفاكير وما نسبته 40% لجبهة مشار.

اشتباكات الناصر وعودة العنف

نهاية فبراير/شباط الماضي، اندلعت اشتباكات عنيفة في ولايتي غرب الاستوائية وأعالي النيل -خاصة مدينة ناصر- بين الجيش الرسمي المعروف باسم "قوات الدفاع الشعبي لجنوب السودان" وبين الجيش الأبيض، وهي عبارة عن مجموعات مسلحة تنتمي لعرقية النوير التي يتزعمها مشار، استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة والمدافع مما أدى إلى سقوط عدد كبير الضحايا كما نزح الآلاف جراء المواجهات.

وكانت نتيجة المواجهات بين الطرفين في 4 مارس/آذار الجاري استيلاء الجيش الأبيض الموالي لمشار على القاعدة العسكرية في الناصر، وتتميز المنطقة بوقوعها في موقع إستراتيجي قريبا من حدود الدولة.

وما زاد الأمر حدة أن الجيش الأبيض أسقط طائرة تابعة للأمم المتحدة كانت تحاول إجلاء عدد من المسؤولين العسكريين من قاعدة الناصر أيام 5 و6 و7 من مارس/آذار الجاري أثناء الاشتباكات، مما أسفر عن مقتل 27 شخصا من بينهم عسكري كبير وهو اللواء ماجور داك وهو من قادة الدينكا.

رد الرئيس سلفاكير حملة اعتقالات

في 5 مارس/آذار الجاري، شنت الاستخبارات العسكرية لحكومة سلفاكير حملة اعتقالات واسعة استهدفت قادة بارزين في الحركة الشعبية بقيادة مشار، وكان من بين المعتقلين رئيس هيئة الأركان بالجيش الشعبي غابرييل دوب لام، إلى جانب وزير النفط وبناء السلام، كما طالت الاعتقالات عائلات المعتقلين وحراسهم الشخصيين. ولم تصدر أي تصريحات رسمية توضح أسباب هذه الخطوة.

إعلان محاصرة منزل نائب الرئيس

بالتوازي مع حملة الاعتقالات، عمدت القوات الأمنية إلى محاصرة منزل نائب الريس بالعاصمة جوبا، دون تقديم أي تفسيرات من قبل الأجهزة المختصة، كما تفيد بعض التقارير بأنه قيد الإقامة الجبرية إلى حين هدوء الأحوال.

إقالات وزراء

بعد أيام من اشتباكات الناصر، أقال الرئيس عددا من الوزراء، وعلى رأسهم وزير العدل والشؤون الدستورية روبن مادول أرول، ووزيرة التعليم العام والعالي أدوت دينق أكويل، ووزير التجارة والصناعة جوزيف موم ماجاك، ولم يذكر أي أسباب للإقالات في المرسوم، علماً بأن التعيينات والإقالات تخضع لاتفاقية السلام لعام 2018 ويقتضي الأمر التشاور مع الشركاء.

وبحسب مراقبين للأوضاع هناك، فإن عامل الثقة يلعب دورا كبيرا في حالة الاضطرابات المتكررة التي تشهدها الدولة الوليدة، فقد كانت الإقالات سببا في تفجير الحرب الأهلية الأولى عام 2013.

وفي عامي 2015 و2016، أُجريت عدة إقالات داخل صفوف القيادات العسكرية العليا، تبعتها موجة أخرى من الإقالات الفترة بين 2016 و2018، بعد تجدد القتال في جوبا. ومنذ ذلك الحين، لم يمر عام إلا وشهد عددا من الإقالات مما يضعف الالتزام بالاتفاقية التي لم تجد طريقها للتنفيذ.

أسباب التوترات الأخيرة

على الرغم من أن الأوضاع في جنوب السودان تتوافر على أسباب كثيرة لتندلع الاشتباكات أو تتجدد التوترات بين طرفي الصراع فيه، فإن جملة من العوامل تقف خلف الموجة الأخيرة:

الخلاف على استبدال الجنود:

ذكرت مصادر محلية لصيقة بأطراف الصراع أن أحد أبرز الأسباب وراء اندلاع الاشتباكات في "الناصر" كان بسبب الخلاف على استبدال الجنود الذين ظلوا في الخدمة فترة طويلة في قوات الدفاع الشعبي بمنطقة ناصر لأكثر من 10 سنوات، وهو ما قاومه الجيش الأبيض ورفض نشر قوات جديدة، على اعتبار أن المجوعة المراد نشرها غير مرتبطة بجيش الجنوب الموحد.

هجمات الجيش:

يتهم مشار الجيش التابع للرئيس بشن هجمات على قواته في مقاطعة أولانق في 25 فبراير/شباط الماضي، وهجومين آخرين في منطقتين أخريين غرب الدولة.

إعلان تأجيل الانتخابات:

أعلنت حكومة جنوب السودان تأجيل الانتخابات العامة إلى عام 2026، وكان من المقرر أن تجرى في ديسمبر/كانون الأول 2024، وبررت ذلك بحاجتها إلى مزيد من الوقت لاستكمال التعداد السكاني وصياغة دستور دائم وتسجيل الأحزاب السياسية، قبل الدخول في أي إجراءات.

وقال وزير شؤون مجلس الوزراء إن هذا التمديد جاء بناء على توصيات من المؤسسات الانتخابية وقطاع الأمن، وهو ما ينظر إليه من الطرف الآخر باعتباره قرارا لم يتم التشاور فيه مع الشركاء، وبالتالي لا يوافق عليه.

الأزمة الاقتصادية:

تواجه جنوب السودان أزمة اقتصادية حادة أدت إلى عجز الحكومة عن دفع رواتب العاملين لعام كامل، ويعود هذا التدهور المالي بشكل رئيسي إلى فقدان الدولة معظم إيراداتها النفطية بعد انفجار خط أنابيب تصدير النفط الأساسي قرب العاصمة السودانية عام 2024.

ولم تتمكن الجهات المعنية من إصلاحه بسبب استمرار الحرب، مما أدخل الحكومة في أزمة مالية حادة، حرمت الجهات المعنية والمجموعات الموالية والقريبة من الرئيس الاستفادة من الامتيازات التي كانت تتوفر لها، وأثار تبرم القطاعات المختلفة في الدولة.

نازحون من الحرب بدولة جنوب السودان في انتظار مساعدات من برنامج الغذاء العالمي (رويترز) صعوبات الانتقال وضعف الالتزام باتفاق سلام 2018:

يواجه هذا البلد صعوبات الانتقال من حالة الثورة إلى الدولة، واستمرار الصراعات القديمة، إضافة إلى عدم تنفيذ بنود اتفاقية سلام 2018 وضعف الالتزام بمقرراتها، وهو ما يؤدي إلى تجدد الصراعات وتعطيل بناء مؤسسات الدولة الموحدة، مهدداً بالعودة إلى مربع الحرب الأهلية التي حصدت ما يزيد على نصف مليون خلال سنوات الاستقلال الأولى.

تداعيات الجوار:

تتأثر الأوضاع في دولة جنوب السودان سلبا وإيجابا بجوارها المباشر، خاصة السودان المجاورة وأوغندا اللتين تلعبان أدوراً واضحة فيها، وقد أشار بعض الخبراء إلى أن الحرب في السودان وتداعياتها تعتبر أحد أسباب التوترات الأخيرة في دولة جنوب السودان، كما أن التدخلات الأوغندية المباشرة تزيد الفجوة بين أطراف الصراع هناك.

(الجزيرة) أوغندا تنشر قوات خاصة في جوبا

قال قائد الجيش الأوغندي موهوزي كاينيرو غابا إن بلاده نشرت قوات خاصة في جوبا لتأمينها، كما صرح الناطق باسم الجيش فيليكس كولايجي بأن نشر القوات جاء بطلب من حكومة جنوب السودان، ولم يذكر عدد القوات ولا فترة البقاء.

إعلان

بينما حاول وزير الإعلام في دولة جنوب السودان أن ينفي نشر القوات الأوغندية، وبرر المتحدث باسم الجيش الأوغندي بأن هدف العملية هو حماية دولة جنوب السودان ضد أي احتمال لتقدم الجيش الأبيض تجاه العاصمة جوبا، باعتبار أن العملية تأتي في سياق حماية اتفاق السلام الذي يُبقي سلفاكير ومشار معاً في حكومة واحدة.

وأكد رئيس الجيش الأوغندي موهوزي كاينروجابا أنهم سيحمون كامل أراضي دولة جنوب السودان كما لو كانت أراضيهم، مؤكدا أن أي تحرك ضد رئيس دولة جنوب السودان سيكون بمثابة إعلان حرب. ويذكر أن الحكومة الأوغندية أطلقت على العملية اسم "الحارث الصامت".

رئيس الجيش الأوغندي كاينروجابا قال إنهم سيحمون كامل أراضي دولة جنوب السودان كما لو كانت أراضيهم (رويترز) جهود بعثة الأمم المتحدة

منذ استقلال جنوب السودان عام 2011، أنشئت بعثة الأمم المتحدة لدعم جهود بناء السلام والتنمية في هذه الدولة الوليدة. ومع اندلاع الحرب الأهلية عام 2013، تحولت مهمتها الأساسية إلى حماية المدنيين، ودعم عملية السلام، بالإضافة إلى بناء القدرات وتعزيز سيادة القانون عبر تدريب الشرطة والقضاء.

ورغم هذه الجهود، تواجه البعثة تحديات كبيرة تعيق تنفيذ مهامها، يتمثل أبرزها في محدودية الموارد المالية والبشرية في بلد يعاني من صراعات واسعة النطاق. كما أن بعض الساسة هناك ينظرون إلى البعثة باعتبارها تدخلاً في الشؤون الداخلية، الأمر الذي يُقابل أحياناً بمواقف مقاومة أو رافضة لعملها، وفقاً لمسؤولين في البعثة.

ولا تتوقف التحديات عند هذا الحد، إذ تواجه قوات حفظ السلام تهديدات أمنية مباشرة، بما في ذلك الهجمات من الجماعات المسلحة. كما أن مماطلة الأطراف المشاركة في عملية السلام في تنفيذ بنود الاتفاقيات تضيف طبقة أخرى من التعقيد، مما يجعل دور البعثة أكثر صعوبة في تحقيق أهدافها.

بعثة الأمم المتحدة في دولة جنوب السودان تواجه تحديات كبيرة تعيق تنفيذ مهامها (رويترز) منظمة الإيغاد

بذلت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية "إيغاد" جهودا كبيرة من أجل تخفيف حدة التوترات بين طرفي الصراع في دولة جنوب السودان منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 2013، وأنشأت مكتب اتصال لتسهيل مهام المنظمة.

إعلان

ومع اشتداد وتصاعد الصراع، أنشأت ما عُرف بـ"إيغاد بلس" وذلك بانضمام الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والصين والولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والنرويج ومنتدى شركاء إيغاد.

وبعد الاشتباكات التي تجددت مؤخراً، أصدرت الإيغاد بيانا أعربت فيه عن قلقها إزاء تصاعد التوترات والاشتباكات المسلحة في مقاطعة ناصر بدولة جنوب السودان.

ودعا الأمين التنفيذي للإيغاد ورقنه جبيو جميع الأطراف إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، وإعادة تأكيد التزامها ببنود الاتفاقية المنشطة لحل النزاع في جمهورية جنوب السودان، وإعطاء الأولوية للحوار والمصالحة باعتبارهما السبيل الوحيد المستدام للسلام.

وقال ورقنه جبيو إنهم سيرسلون وفدا رفيعا لتقييم الوضع على الأرض والتواصل مع حكومة الوحدة الوطنية بشأن تدابير استعادة الهدوء، والمضي قدما في عملية السلام.

الأمين التنفيذي للإيغاد دعا جميع الأطراف إلى إعادة تأكيد التزامها ببنود الاتفاقية المنشطة لحل النزاع في جنوب السودان (الفرنسية) تحذيرات من حرب وشيكة

حذرت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في دولة جنوب السودان -على لسان رئيستها ياسمين سوكا- من التراجع المقلق في الالتزام باتفاقية السلام، وأثارت مخاوف من أن تصاعد العنف والتوترات واستمرار عدم الاستقرار سيضيع المكاسب التي تحققت بشق الأنفس.

وأشارت إلى أن أطراف الاتفاق -منذ تأسيس حكومة الوحدة الوطنية- لم يعملا معاً في تنفيذ بنود الاتفاقية، لأن التعيينات والإقالات يجب أن تكون باتفاق الطرفين، ودعت اللجنة إلى خفض التصعيد لضمان الانتقال السلس، ومنع الانزلاق نحو حرب أهلية واسعة.

وعلى أية حال، يظل التوتر في أعلى درجاته سيد الموقف في جوبا، خاصة بعد التدخل الأوغندي بإرسال فرق من القوات الخاصة لحماية الرئيس، ولذلك تظل الحاجة إلى إنقاذ الاتفاق بتدخل المؤسسات الإقليمية والقارية أمراً ضروريا لمنع اندلاع حرب أهلية واسعة تعصف بما تحقق منذ 2011، ويهدد كيان الدولة الوليدة.

إعلان

مقالات مشابهة

  • محمد مندي: فرصة كبيرة لزيادة صادرات الأثاث المصرية واستعادة الأسواق الخارجية بعد غلاء المنتج التركي
  • غرفة صناعة الأخشاب: فرصة كبيرة لزيادة صادرات الأثاث المصرية بعد غلاء المنتج التركي
  • معالم في طريق استقرار الحكم في السودان
  • صراع القوة يهدد مستقبل دولة جنوب السودان
  • مد أجل الحكم على متهمي داعش سوهاج لجلسة 14 يونيو
  • كيكل: الوحدة التي حدثت بسبب هذه الحرب لن تندثر – فيديو
  • اليوم.. الحكم علي متهمي "داعش سوهاج"
  • عاجل . البنك المركزي اليمني يكشف عن نقل مراكز البنوك التي كانت بصنعاء الى إلى عدن. ضربة موجعة للمليشيا الحوثية
  • وزير الخارجية التركي: لا تنازلات بشأن الحكم الذاتي في سوريا