الذكاء الاصطناعي يُعيد تشكيل القطاعات: من التجزئة والإنشاءات إلى التحليلات والبيانات
تاريخ النشر: 17th, March 2025 GMT
يشهد العالم تحولاً جذرياً مع انتشار تقنيات الذكاء الاصطناعي عبر مختلف القطاعات، حيث تعيد هذه التقنيات تعريف الكفاءة، وتحسين العمليات، وتعزيز القدرة التنافسية للشركات. من التجزئة والتخزين إلى البناء وإدارة البيانات، أصبح الذكاء الاصطناعي محركًا رئيسيًا للابتكار. للوقوف على تأثير هذه التحولات، تحدثنا مع عدد من الخبراء البارزين في مختلف الصناعات، وسلطوا الضوء على الطرق التي يُعيد بها الذكاء الاصطناعي تشكيل أعمالهم، وما يعنيه ذلك لمستقبل هذه القطاعات.
قال ماكس أفتوخوف، الرئيس التنفيذي، يانغو تك للتجزئة
في قطاع التجزئة، تعمل أنظمة إدارة المخزون المدعومة بالذكاء الاصطناعي على تبسيط العمليات من خلال ضمان توافر المنتجات ودقة تسعيرها. على سبيل المثال، توفر كاميرات “Alnventory” المبتكرة من يانغو تك ميزة المراقبة الفورية للأرفف، ومواءمة المنتجات مع مخططات الأسعار مع تقليل الحاجة إلى التدخّل البشري والعمل اليدوي. وفي قطاع التخزين، يتكامل الذكاء الاصطناعي مع الروبوتات لتحسين التنبؤ بالطلب وأتمتة عمليات التوصيل، مما يحسن وقت الاستجابة بشكل عام. تواصل هذه الأنظمة بالتطور، مما يضمن مرونة وكفاءة العمليات حتى في البيئات غير المتوقعة. كما أن انتشار المتاجر المظلمة الرسمية وحلول التوصيل المؤتمتة يعزز لوجستيات الميل الأخير، مما يرتقي بمرونة سلاسل التوريد وفعاليتها من حيث التكلفة مع ضمان مواكبة المتطلبات المتطورة للمستهلكين.
لقد ساهم الذكاء الاصطناعي بتحويل تجارب العملاء بصورة جذرية وذلك بتخصيص هذه التجارب، وهو العامل الرئيسي لرضاهم. من خلال تحليل سلوكيات الشراء وتفضيلات المستهلكين، يُساهم الذكاء الاصطناعي بمساعدة تجار التجزئة على تصميم توصيات مخصصة وعروض ترويجية مناسبة وتجارب تسوق تستهدف كل عميل على حدة.
قال إبراهيم إمام، الرئيس التنفيذي والشريك المؤسس لـ PlanRadar: تواجه مشاريع الإنشاءات التقليدية العديد من التحديات. وفقًا لدراسة، شهد قطاع الإنشاءات نموًا بنسبة 12٪ في الإنتاج الإجمالي في عام 2024، إلا أنه لا يزال يعاني من نقص كبير في الكوادر الماهرة، مما يؤكد الحاجة إلى حلول أكثر كفاءة. يمكن للذكاء الاصطناعي والأتمتة مواجهة هذه التحديات من خلال تحسين إدارة الوثائق، وتعزيز تنسيق المهام، وتقليل الأخطاء البشرية. على سبيل المثال، يمكن لأدوات إدارة المشاريع القائمة على الذكاء الاصطناعي زيادة الإنتاجية بنسبة تصل إلى 40٪ عبر أتمتة المهام الروتينية وتحسين توزيع الموارد. كما تساعد تحليلات البيانات الذكية في التنبؤ بالمخاطر المحتملة، مما يؤدي إلى تقليل التأخيرات بنسبة 25٪ وخفض التكاليف بنسبة 10٪. تمثل المنصات الرقمية نموذجًا لكيفية تحسين التنفيذ، وتحقيق الدقة، وزيادة الكفاءة التشغيلية والشفافية عبر جميع أصحاب المصلحة في المشاريع الإنشائية. تشير التوقعات إلى أن سوق الذكاء الاصطناعي في قطاع الإنشاءات سينمو من 4.86 مليار دولار في 2025 إلى 22.68 مليار دولار بحلول عام 2032، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 24.6٪. يعود هذا النمو إلى قدرة الذكاء الاصطناعي على تحسين توزيع الموارد، وإدارة المخاطر، وتعزيز عملية اتخاذ القرار.
قال كارل كراوثر، نائب الرئيس لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا في شركة ألتيريكس: يتمحور المستقبل حول الذكاء المعزز في مشهد واعد يعمل به الذكاء الاصطناعي والخبرات البشرية معاً. من خلال أتمتة المهام المتكررة، سيتوفّر الوقت للمحللين للتركيز على اكتشاف الأنماط والتنبؤ بالاتجاهات وتوجيه القيادة بتوصيات مدعومة بالبيانات، مما يمكّن الشركات اتخاذ قرارات أسرع وأكثر استنارة من خلال تحديد المخاطر وتحسين العمليات والتنبؤ بتحولات السوق بدقة أكبر. لهذا السبب، يرى 82% من قادة الأعمال في الإمارات العربية المتحدة أن الذكاء الاصطناعي يشكّل مستقبل مؤسساتهم وما يمكنها تحقيقه.
في ألتيريكس، نعمل على تسهيل الوصول إلى التحليلات من خلال توفير حلول مبتكرة مستندة على الذكاء الاصطناعي دون الحاجة إلى تشفير أو بمعدل تشفير منخفض جداً، مما يساعد المهنيين على أتمتة سير العمل واستخراج رؤى قيّمة. من خلال برامج التدريب والمبادرات الرائدة مثل ألتيريكس سباركد (Alteryx SparkED)، نعمل على تعزيز المعارف حول منظومة الذكاء الاصطناعي وتمكين الجيل القادم من خبراء البيانات.
محمد الزواري، المدير العام لمنطقة الشرق الأوسط وتركيا وأفريقيا، سنوفليك: تستغل الشركات كميات كبيرة من البيانات غير المنظمة، والتي تشكّل 90% من مجمل البيانات، وفقاً لتقرير سنوفليك حول اتجاهات البيانات. تؤدي الاستفادة من قدرات الذكاء الاصطناعي ومهارات إدارة البيانات إلى تمكين الشركات من الحصول على رؤى قيمة بشرط أن يتواجد في المنظومة المؤسسية أساس قوي للبيانات. وعليه، ينبغي أن توحّد المؤسسات بياناتها داخل منصة مركزية للحوسبة السحابية لتعزيز المرونة والتوسع بكفاءة والحفاظ على قدرتها التنافسية. فضلاً عن أهمية ذلك في أتمتة المهام المتكررة مثل اكتشاف الاحتيال وتقييم المخاطر وخدمة العملاء، ومساعدة الشركات على كسر صوامع البيانات وتسريع جهودها للارتقاء بخدماتها وعملياتها وتبسيط التعاون بين الإدارات المختلفة.
تُعتبر ميزات التشفير والمصادقة متعددة العوامل والتحكم في الوصول إلى البيانات وفقاً للأدوار عناصر مهمة لحماية المعلومات الحساسة، في حين يساهم الامتثال لمعايير الأمان العالمية مثل القانون العام لحماية البيانات الصادر عن الاتحاد الأوروبي واللوائح المحلية مثل مركز دبي للأمن الإلكتروني بتعزيز ثقة المستخدم النهائي في المنصات السحابية. بالإضافة إلى ذلك، ستبرز أهمية دور المساعدين الأمنيين في المشهد الأمني خاصة مع تزايد أدوات الذكاء الاصطناعي، تنوّعها ودقتها. وبالتالي، سيخفف ذلك من النقص الدائم في مشهد القوى العاملة.
قال رامي يونس، المدير العام لشركة سويس لوج ميدل إيست
أدى ازدياد الاعتماد على الروبوتات في التخزين إلى تحويل العمليات من خلال أتمتة المهام المتكررة مثل الانتقاء والتعبئة وإدارة المخزون، مما أدى بدوره إلى زيادة عاملي السرعة والدقة، فبحلول عام 2025، من المتوقع أن تتعامل الروبوتات المستقلة مع 50 % من جميع طلبات التجارة الإلكترونية، وهذا الأمر من شأنه أن يؤدي إلى تقليل الأخطاء البشرية وتحسين تكاليف العمالة، كما أنّ التحليلات التنبؤية القائمة على الذكاء الاصطناعي من شأنها أيضًا أن تعمل على إحداث ثورة في سلاسل التوريد، وتمكين الشركات من التنبؤ بالطلبات، وإدارة المخزون بشكل استباقي، والتخفيف من الأعطال وتوقف العمل. وهناك شركات مثل شركة سويس لوج تقوم بدمج التعلم الآلي في إدارة المستودعات، مما يتيح للأنظمة القيام بعملية التحسين الذاتي في الوقت الآني. ويبقى قطاع الخدمات اللوجستية في طليعة القطاعات المتطورة بخطوات سريعة في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث يحتل المرتبة الأولى من بين أفضل 11 دولة على مؤشر أداء الخدمات اللوجستية للبنك الدولي، مما يشير إلى توفُّر بنية تحتية قوية ونمو عاملي الابتكار والاستثمار في الكفاءات التي تقودها الأتمتة.
مع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي وتكامل الحلول الرقمية المتقدمة، تتحول القطاعات التقليدية نحو نماذج أعمال أكثر كفاءة ومرونة واستدامة. من التجزئة والإنشاءات إلى تحليلات البيانات، يبرز الذكاء الاصطناعي كمحفز رئيسي لتسريع العمليات وتحسين تجربة العملاء وتعزيز تنافسية الشركات. المستقبل الرقمي بات أقرب مما نتصور، حيث يفرض الذكاء الاصطناعي نفسه كلاعب أساسي في تشكيل المشهد الاقتصادي والتجاري للسنوات القادمة.
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی من خلال
إقرأ أيضاً:
محاكمة أشباح الذكاء الاصطناعي
لا يمكن إنكار إيجابيات التقدم التكنولوجي الكثيرة، كما لا يمكن تجاهل سلبياتها المتمثلة في تعطيل الكثير من المهارات والكفاءات البشرية، فحين ظهرت الآلات الحاسبة ازداد اعتماد الإنسان عليها متجاوزا تنمية مهارات الحساب وحل المعادلات الرياضية، وحين تطورت أجهزة الهاتف المحمولة استغنى كثير من الناس عن الساعات والمذكرات اليومية والتقويم، بل حتى الاستدلال الجغرافي المكاني وتحديد المواقع توقفا اعتمادا على التطبيقات الذكية لتحديد ومسح المواقع جغرافيا، كما استعاض الإنسان بذاكرة الأجهزة المحمولة عن ذاكرته الواقعية الحيّة.
ويأتي الذكاء الاصطناعي ليحمل عنا عبء الكثير من المسؤوليات توفيرا للجهد والمال، وليسرق منا -في ذات الوقت-كثيرا من المهارات الحياتية والكفاءات المعرفية، تنسيق الكتابة والتدقيق والتصحيح الإملائي، مراجعة وتلخيص الكتب الموسوعية والمصادر المعرفية، الترجمة والعروض المصوّرة للأفكار والتصورات البحثية والمشاريع، كتابة الرسائل وصياغة الخطب، جدولة الأعمال وتنسيقها والتذكير بأوقاتها وفقا لأولوية كل منها، كل هذه الأشكال من الراحة الرقمية أسلمت الإنسان إلى الدعة مستعيضا بالآلة عن ذاته، وعن ذاته تحديدا بذات رقمية ظن بها القدرة على تمثيله خير تمثيل في أي معرض بأي زمان ومكان.
وهذه الصورة ليست محض صورة ذهنية نمطية متخيلة لما يمكن أن يفعل الذكاء الاصطناعي ببعض عشاقه ومريديه، بل هي واقع صرنا نعايشه في كثير من المواقف ومنها ما حدث حاليا حينما استشاطت قاضية في محكمة استئناف بولاية نيويورك غضبًا بعد محاولة أحد المُدّعين استخدام مقطع رمزي مُصمم بواسطة الذكاء الاصطناعي للدفاع عن قضيته، متسببا بحالة من البلبلة داخل قاعة المحكمة ظنا من القضاة بأنه يقدم حجته شخصيا أو عن طريق محاميه، لكن الرجل ويدعى جيروم دي وال لديه محامٍ، كان يأمل أن تُقدم الصورة الرمزية حُجة مُحكمة، معتذرا لاحقًا كتابيًا للمحكمة، قائلاً إنه لم يقصد أي ضرر، وفقًا لوكالة أسوشيتد برس، إنما حاول جاهدا إنشاء نسخة رقمية طبق الأصل تشبهه، لكنه لم يتمكن من القيام بذلك قبل جلسة الاستماع، وقال إنه يأمل أن يقدم نموذج الذكاء الاصطناعي حججًا أكثر دقة دون التلعثم في الكلمات أو التذمر مما قد يصدر عن الإنسان الطبيعي!
إن غضب القاضية وصدمة الحضور بذلك انعكاس لصدمة الجميع من تسارع التطور في عالم الذكاء الاصطناعي، ذلك التطور الذي قد تتعطل معه الكثير من القدرات والمهارات البشرية التي لا يمكن للآلة تعويضها بأي حال من الأحوال مهما تطورت برمجياتها وحُدِّثت مُدخلاتها المعرفية، كما أنها صدمة القلق القادم من قدرة الذكاء الاصطناعي على التضليل بصنع النسخ المطابقة للواقع في مجالات مختلفة، لكن مبلغ الصدمة أن تتمثل إنسانا كاملا بمشاعره ومخاوفه، وتبريراته ومنطقه، في قدرتها (إن حصلت) على الربط والتحليل والاستنتاج والجدل وحتى التقاضي، ثم إن كانت قاعدة البيانات لكل هذه البرمجيات موجهة بشريا فكيف يمكن توافر ضمانات لاعتماد برمجيات عادلة غير منحازة ولا مؤدلجة؟ ثم خطورة ورعب الوجه الآخر لهذه التقنيات حين تكون مدفوعة بسلطة مادية أو نفوذ سياسي يحركها وفقا للمستهدف من مساع ومصالح.
هل سيكون هذه المشهد من المحكمة واستخدام الناطق البديل بالذكاء الاصطناعي -بعد تغذيته بالمعلومات والحجج- مشهدا طبيعيا بعد أمد؟ وهل يمكن للتقاضي ذاته بكل أطرافه أن يشهد هذه الرقمنة الصادمة في حديّتِها وعدم استيعابها للحضور البشري الواقعي؟ هل نتحول مع عالم البرمجيات والشفرات البرمجية إلى مجرد أرقام تعبث بها الآلات وتحركها المصالح الاقتصادية؟
ختاما: يقينا ليست هذه التساؤلات أول المطروح في عالم التقنية الحديثة والذكاء الاصطناعي والثورة الرقمية، ولن تكون الأخيرة بالضرورة، لكنها نافذة نحاول من خلالها تلمس الثابت والمتحول في هذه اللعبة المعاصرة الآخذة بأعطاف المستقبل إلى عالم مجهول نترقبه، ولا ندرك كنه تفاصيله بعد، لكننا نتمنى استبقاء الثابت القيمي والأخلاقي في هذه المعادلة الرقمية معقدة الأطراف.
حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية