بقلم : اللواء الدكتور سعد معن ..

التواضع والتكبر، مفهومان يبدوان على طرفي نقيض، لكنهما في الواقع ليسا سوى انعكاسين لحالة نفسية واحدة، تنبع من إدراك الإنسان لذاته أو من جهله بها. فالتواضع الحقيقي لا يحتاج إلى إعلان، كما أن التكبر ليس سوى محاولة يائسة لملء فراغ داخلي. بينهما تتجلى الطبيعة البشرية بكل تناقضاتها، حيث يخفي البعض هشاشته خلف قناع العظمة، بينما يدرك آخرون أن القوة تكمن في الاعتراف بالحقيقة، لا في محاولة تزويرها.

الإنسان بطبعه كائن اجتماعي، يتفاعل مع محيطه ويتأثر به، غير أن موقعه داخل هذا المحيط يحدد سلوكه. فالذي يعتلي منصبًا يرى نفسه مضطرًا أحيانًا إلى تمثيل شخصية غير شخصيته، كأنما يخشى أن يُرى على حقيقته، فيلجأ إلى مزيج من التصنع والتسلط ليصنع هيبة زائفة. لكن ما لم يدركه هؤلاء أن القوة لا تُفرض، بل تُمنح، وأن الاحترام الحقيقي لا يُشترى بالخوف، بل يُكتسب بالصدق.

في كتابات الدكتور علي الوردي، يظهر هذا التناقض جليًا، إذ يرى أن الإنسان حين يشعر بعدم الأمان، فإنه يبالغ في إثبات ذاته، في حين أن الواثق بنفسه لا يحتاج إلى ذلك. هذا ما يجعل التكبر في حقيقته صرخة خوف، لا إعلان قوة، وما يجعل المتواضع أكثر ثباتًا من ذلك الذي يحاول أن يعلو فوق الجميع.

المفارقة أن المتكبر يظن أن التواضع يقلل من قيمته، بينما الحقيقة أن العظمة تكمن في قدرة الإنسان على النزول من برجه العالي، لا في إصراره على البقاء فيه. في النصوص الدينية، يرتبط التواضع بالرفعة، والتكبر بالسقوط، وكأنما قانون الحياة لا يتغير: كل متكبر يحمل في داخله بذور سقوطه، وكل متواضع يمضي صعودًا دون أن يشعر. قال النبي (ص): “ما تواضع أحد لله إلا رفعه”، وهو ما تؤكده دراسات علم النفس التي ترى أن التواضع ليس مجرد سلوك، بل انعكاس لنضج داخلي يجعل الإنسان في حالة تصالح مع ذاته، لا في صراع مستمر مع الآخرين.

المنصب لا يمنح الإنسان قيمة، بل يكشف حقيقته. فمن كان صغيرًا في داخله لن يزيده المنصب إلا تضخمًا فارغًا، ومن كان كبيرًا بروحه لن يُنقص منه تواضعه شيئًا. وهنا تكمن المعضلة: البعض يظن أن السيطرة تأتي من فرض الذات بالقوة ، الهيبة الحقيقية تأتي من وضوح الروح، لا من تصلب الملامح، ومن صدق التواضع، لا من زيف الاستعلاء.

وفي المحصلة يظل التواضع والتكبر وجهين لصراع داخلي لا ينتهي. التواضع ليس ضعفًا كما يظنه المتكبر، بل هو قمة القوة، والتكبر ليس هيبة كما يتخيله المتسلط، بل هو بداية السقوط. بينهما يقف الإنسان، يختار أحد الطريقين، إما أن يكون صادقًا مع نفسه فيسير مرفوع الرأس بلا حاجة إلى أقنعة، أو أن يعيش في وهم العظمة حتى يكتشف متأخرًا أنه لم يكن سوى انعكاس مشوه لمخاوفه.

د. سعد معن

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات

إقرأ أيضاً:

البديري .. القوة الناعمة أداة استراتيجية للانتقال من التطرف إلى التسامح

شبكة انباء العراق ..

شارك رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة التطرف العنيف المؤدي إلى الإرهاب، السيد علي عبد الله البديري، في ملتقى العلوم الثقافي الذي أقامته كلية العلوم في الجامعة المستنصرية، بالتعاون مع اللجنة الوطنية، تحت شعار: “القوة الناعمة سلاح من الظلام إلى النور.. من التطرف العنيف إلى التسامح”، بحضور عميد الكلية الأستاذ الدكتور ميثاق طالب، وعدد من أعضاء اللجنة الوطنية وفريق القوة الناعمة ونخبة من الأكاديميين والطلبة.

وأكد البديري، خلال كلمته، أن اللجنة الوطنية تعتمد خطة عمل وطنية شاملة تركز على الوقاية والتوعية، وتتبنى تدريب الكوادر المحلية على مهارات الحوار والتواصل الفعال. كما أشار إلى أهمية التعاون مع الجامعات ومراكز البحوث لإنتاج دراسات ميدانية تسهم في رصد جذور التطرف وابتكار سبل معالجته من خلال أدوات الثقافة والوعي المجتمعي.

وتضمن الملتقى إقامة معرض فني نظمته شعبة النشاطات الطلابية، ضم لوحات فنية وخطوطاً عربية وصوراً فوتوغرافية عكست غنى التنوع الحضاري في العراق، إلى جانب فقرات شعرية عبرت عن الانتماء وحب الوطن.

وفي ختام الملتقى، كرّم عميد كلية العلوم الأستاذ الدكتور ميثاق طالب، رئيس اللجنة الوطنية علي عبد الله البديري وأعضاء اللجنة وفريق القوة الناعمة، تثميناً لجهودهم في مكافحة التطرف وتعزيز التماسك المجتمعي.

user

مقالات مشابهة

  • زيارة القوة المشتركة لسجن الهدى تعكس روح الوطنية وتطمئن المواطنين
  • بعد يوم دامٍ.. اتفاق داخلي سوري على حصر السلاح في جرمانا
  • هرتسوغ: (إسرائيل) على شفا انفجار داخلي بسبب الانقسام .. والشاباك فشل في 7 أكتوبر
  • حماس: تصريحات نتنياهو بشأن رفح تعكس جنون الهزيمة ووهم الانتصار
  • نسخة غير أمريكية مقلدة بالكامل من فورد موستانج.. صور
  • وزير البترول: الشباب القوة الدافعة نحو مستقبل مشرق
  • البديري .. القوة الناعمة أداة استراتيجية للانتقال من التطرف إلى التسامح
  • خبراء يحذِّرون: الذكاء الاصطناعي يجعل البشر أغبياء
  • إليك ما نعرفه عن القوة العسكرية والتسليحية لدى الهند وباكستان
  • كندا.. الليبراليون يحتفظون بالسلطة وسط تصاعد التوترات مع ترامب