على الرغم من أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتمتّع بمميزّات الجرأة والوضوح، إلّا أن مميّزات الشخصية تثير جدلاً واسعاً، لدى أوساط سياسية ومراقبين؛ نظراً لأن فترته الحالية تنطوي على تداعيات واسعة باعتباره شخصية يصعب التنبؤ بخطواتها بشأن الأوضاع الدولية المضطربة، وحتى بشأن مستقبل الولايات المتحدة والنظام العالمي.
هذه الفترة من وجود ترامب على رأس الإدارة الأميركية تختلف عن فترته الأولى بين العامين 2017-2021.
تتّسم شخصية ترامب بطابع دكتاتوري، فهو ليس فقط دكتاتورياً على الولايات المتحدة وحسب، بل إنه يتصرّف باعتباره دكتاتور العالم. وعلى المستوى الأميركي الداخلي، يحظى بسلطات شبه مطلقة، فهو يهيمن على الإدارة التنفيذية، وحزبه «الجمهوري» يهيمن على الحياة التشريعية، وقد اتّخذ جملة من الإجراءات لاستبدال السلطة القضائية بما ينسجم وسياساته ورغباته.
تمنحه هذه الهيمنة على السلطات الثلاث صلاحيات واسعة، لا رادّ لها في ظل ضعف الحزب الديمقراطي، وغياب الحدّ الأدنى من المعارضة الفاعلة بحيث يستطيع إعادة تكييف السياسات الداخلية بما ينسجم وهدفه المعلن وهو استعادة دور أميركا، وتجديد «عهد النهضة».
«أميركا أوّلاً»، شعاره وهدفه الأثير، جعله يفكر أن بإمكانه أن ينجح في ابتزاز العالم وإخضاعه، لخدمة ذلك الشعار حتى لو أدّى ذلك، إلى اختلالات محدودة ومؤقّتة حسب اعتقادية فيما يتعلق بالأوضاع الداخلية.
لتحقيق ذلك الشعار/ الهدف، يعتمد ترامب سياسة الصفقات التجارية عَبر استخدام القوة الدبلوماسية، وإن لم تنفع فعَبر استخدام القوة العسكرية والاقتصادية الهائلة.
أميركا ينبغي أن تكون الرابحة في كل الصفقات، فهو حين يرفع شعار السلام في أوكرانيا مثلاً، فإنه لا يسعى وراء ذلك من أجل مصلحة أوكرانيا أو روسيا، أو حتى الأوروبيين، بل إنه يسعى لنهب ثروات الأوكرانيين، وإضعاف الأوروبيين من أجل إخضاعهم لمصالحه. لا يمكن بناءً على ذلك، أن تكون أميركا وسيطاً نزيهاً في أيّ صفقة خارجية سواء في أوكرانيا أو الشرق الأوسط أو أيّ مكانٍ آخر.
ومن أجل تحقيق شعاره «أميركا أوّلاً»، يبدي استعداداً لتجاوز كل الأدوات السابقة، التي اشتغلت عليها الإدارات الأميركية، سواء تعلّق الأمر بالأمم المتحدة ومؤسّساتها، أو بـ»الناتو»، أو بأيّ اتفاقيات وعهود سابقة، يرى أنها أضعفت بلاده وجاءت على حساب خزينتها ومكانتها.
يترتّب على الأوروبيين أن يتحمّلوا تكاليف أمنهم، إذ لا يمكنهم الاعتماد على أميركا ودافعي الضرائب الأميركيين حتى لو أنهم ارتضوا خلال عقود بأن يكونوا تابعين للسياسة الأميركية.
لا شيء مقدّساً بالنسبة لترامب بما في ذلك التحالفات الإستراتيجية، والقوانين الدولية، وأيّ قيودٍ أخرى يعتقد ترامب أنها أضعفت بلاده، وساهمت في تراجع مكانتها ودورها.
الحلفاء ينبغي أن يتكيّفوا مع المصالح الأميركية، وفي خدمتها، وإلّا فإنهم يصبحون أعداء، أو أعداء محتملين، وعليهم أن يدفعوا ضريبة سياساتهم المستقلّة.
لا يسعى ترامب إلى بناء شراكات مع أحد، والواهمون فقط من يعتقدون أنّهم يمكن أن يتقاسموا المصالح، حتى بالنسبة لثرواتهم الخاصة.
أميركا لا تقبل الشراكة مع أحد، وعلى الكلّ أن يطيع الأوامر من دون نقاش، يستوي في ذلك القوى العظمى والقوى الثانوية، لا يُستثنى من هذا القانون أحد، وأفضلهم بالنسبة لترامب هو من يقبل أن يكسب رضا الإدارة الأميركية من موقع الإدارة التنفيذية.
فلتتدبّر أوروبا أمورها بنفسها، ولكن ليس من دون أن تدفع الضريبة وبأثر رجعي، وعلى كندا، والمكسيك، وبنما، والدنمارك، أن تخضع لرغبات ترامب، تحت ضغط العقوبات والرسوم والجمارك، وإن لم تنفع هذه الوسائل فهو لا يتورّع عن استخدام القوّة.
لا يمكن استثناء الشرق الأوسط من هذه المعادلة، إذ يترتّب على كل ما يتحرّك في إطاره، أن يفهم الدرس مبكّراً وإلّا.
بهذا المعنى، تتغيّر طريقة التعامل مع الدولة العبرية، التي نجحت خلال العقود السابقة في أن تجيّر القدرات والدعم الأميركي لصالح سياساتها وأهدافها، ما أمكنها من أن تلعب دوراً شبه مستقل، الأمر الذي جعل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير وحتى بنيامين نتنياهو يتبجحون خلال وقت سابق بأنهم دولة مستقلة وليست، النجمة الـ(51) في العلم الأميركي. صمتت هذه الأصوات بعد دخول ترامب إلى البيت الأبيض، وأصاب أصحابها قلق عميق من أن يدخلوا في تحديات لإدارة الأخير.
لاحظ الجميع أن السياسة الإسرائيلية في الأسابيع الأخيرة تأخذ بعين الاعتبار الاقتراحات التي يتقدم بها الوسيط الأميركي ستيف ويتكوف بشأن صفقة التبادل.
عبّر الإسرائيليون عن قلقهم وامتعاضهم من اللقاءات المباشرة التي أجراها المبعوث الأميركي آدم بولر مع حركة «حماس»، لكنهم آثروا الصمت حتى من دون عتاب.
دولة الاحتلال لم تعد قادرة على استخدام اللوبي الصهيوني في أميركا لكبح جماح الإدارة الأميركية كما فعلوا ذلك دائماً خلال فترات سابقة، ذلك أن ترامب الدكتاتور، مطلق الصلاحيات، لا يقبل بأيّ محاولة من الداخل والخارج للتأثير على قراراته وسياساته.
ترامب داعية السلام المزعوم، يستخدم القوّة المميتة ويهدّد بجهنّم لجماعة أنصار الله (الحوثيين) اليمنية، ولا يتورّع عن شنّ أكثر من أربعين غارة على اليمن، حتى لو أدّى ذلك إلى سقوط عشرات المدنيين.
وإزاء الشرق الأوسط، فعين ترامب على الثروات والأموال العربية، والخليجية على نحو الخصوص، ويستعجل الذهاب إلى إنجاز «التطبيع»، ولأجل ذلك يمكن أن يتجاوز رغبات وقرارات وسياسات نتنياهو.
ولأن ترامب غير متوقّع، وقد يتراجع عن قرارات أو إعلانات، بشأن تهجير الفلسطينيين، فإنه قد يفاجئ العالم، والشرق الأوسط، بمبادرات وسياسات يستبعدها الكثيرون، خصوصاً ما يتعلّق بالقضية الفلسطينية، و»اليوم التالي» لحرب الإبادة الجماعية والتجويع.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه ترامب البيت الأبيض امريكا البيت الأبيض الرئاسة ترامب مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة اقتصاد رياضة صحافة صحافة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
انخفاض مؤشر داو جونز بأكثر من 500 نقطة بعد انكماش الاقتصاد الأميركي
الاقتصاد نيوز - متابعة
انخفضت مؤشرات الأسهم الأميركية خلال تعاملات جلسة يوم الأربعاء، مما أفسد انتعاش سوق الأسهم خلال الفترة الأخيرة من الشهر الذي ينتهي اليوم.
وتأتي تلك التراجعات بعد أن أظهرت البيانات انكماش الاقتصاد الأميركي في الربع الأول من العام الجاري، مما أثار مخاوف من انزلاقه إلى ركود اقتصادي تحت وطأة سلسلة من الإجراءات التي اتخذها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وخاصةً في مجال التجارة.
وانخفض مؤشر Dow Jones الصناعي 581 نقطة، أو بنسبة 1.4%. وتراجع مؤشر S&P 500 بنسبة 1.7%، كما هبط مؤشر Nasdaq المركب بنسبة 2.2%.
أعلنت وزارة التجارة الأميركية، يوم الأربعاء، أن الناتج المحلي الإجمالي انخفض في الربع الأول بنسبة 0.3%، وهو تراجع سريع عن زيادة بنسبة 2.4% في الربع الأخير من العام الماضي. وارتفعت الواردات بنسبة 41% في الربع الأول، مما قلل من الناتج المحلي الإجمالي، حيث سعت الشركات إلى استباق معركة ترامب التجارية العالمية.
وأظهر التقرير أيضاً تباطؤاً كبيراً في إنفاق المستهلكين وانخفاضاً في الإنفاق الحكومي في ظل تخفيضات وزارة كفاءة الحكومة برئاسة إيلون ماسك.
وأشار تقرير منفصل صادر عن ADP أيضاً إلى تباطؤ اقتصادي، حيث تباطأ نمو الوظائف في القطاع الخاص خلال شهر نيسان إلى 62 ألف وظيفة فقط خلال الشهر، وهو ما جاء أقل بكثير من تقديرات Dow Jones التي توقعها الاقتصاديون والبالغة 120 ألف وظيفة.
وأعاقت البيانات السلبية للناتج المحلي الإجمالي الأميركي ما كان يُعتبر انتعاشاً ملحوظاً في أسواق الأسهم خلال أبريل. أدى إعلان ترامب الشامل عن الرسوم الجمركية "المتبادلة" في الثاني من أبريل/ نيسان إلى هبوط حاد في سوق الأسهم، حيث انخفض مؤشر S&P 500 بأكثر من 11% في مرحلة ما من الشهر، وانخفض بنحو 20% عن رقمه القياسي في فبراير/ شباط.
تلا ذلك انتعاش في المؤشرات مع تراجع ترامب عن الرسوم الجمركية الأكثر صرامة، وقبل تعاملات الأربعاء قلص مؤشر S&P 500 انخفاضه خلال الشهر إلى نحو 1% فقط.
وأنهت المؤشرات الرئيسية تداولات الثلاثاء على ارتفاع بعد أن قال وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك لشبكة CNBC إن البيت الأبيض على وشك الإعلان عن صفقة تجارية، لكنه لم يعلن عن اسم الدولة المفترض عقد الصفقة معها.
في وقت لاحق من يوم الثلاثاء، قال ترامب إن مفاوضات التعرفات الجمركية مع الهند "تسير على ما يُرام"، وأن الولايات المتحدة قد تُبرم قريباً اتفاقية مع نيودلهي.
لكن عمليات البيع عادت يوم الأربعاء، مع إثارة تقرير الناتج المحلي الإجمالي الضعيف مخاوف من أن الفوضى الناجمة عن موجة سياسات ترامب ربما تكون قد دفعت الاقتصاد بالفعل نحو الركود قبل إبرام أي صفقات تجارية جوهرية.
وفي منشور على منصة Truth Social للتواصل الاجتماعي التابعة له، ألقى ترامب باللوم على "تأثير بايدن" بعد الأرقام الضعيفة، داعياً الناس إلى "الصبر!!!" وأن سياساته "ستستغرق بعض الوقت" لتؤتي ثمارها.
وقال رئيس استراتيجية الاستثمار في Global X، سكوت هيلفشتاين: "أدى التسلسل المستمر للانعكاسات السياسية إلى مستويات عالية جداً من عدم اليقين لدى الشركات والمستثمرين".
وأضاف: "كان من المفترض أن يكون هذا التقرير بمثابة إنذار مبكر للإدارة الجديدة، لكن ربما تم التقليل من شأن استعدادها لتحمل الألم الاقتصادي في سبيل تحقيق أهدافها طويلة المدى".
انخفضت أسهم شركة فيرست سولار First Solar بأكثر من 10% بعد أن قال الرئيس التنفيذي للشركة، مارك ويدمار، إن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب تُشكل "عاصفة اقتصادية كبيرة" على منشآت التصنيع التابعة لشركة تكنولوجيا الطاقة الشمسية، مُخفضةً بذلك توقعاتها للعام بأكمله. كما خفّضت شركة جنرال إلكتريك للرعاية الصحية GE Healthcare توقعاتها للعام لمراعاة تأثير الرسوم الجمركية.
في غضون ذلك، انخفضت أسهم شركة إنفيديا Nvidia، الرائدة في مجال رقائق الذكاء الاصطناعي، بنسبة تقارب 3%، متزامنةً مع انخفاض أسهم شركة سوبر مايكرو كمبيوتر Super Micro Computer، المُصنّعة للخوادم، بأكثر من 16% بعد إعلان وكانت نتائج أولية ضعيفة للربع المالي الثالث.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام