عربي21:
2025-03-17@12:20:09 GMT

لذا لزم التنويه: مفتاح العودة ومجلّة ميكي (2-8)

تاريخ النشر: 17th, March 2025 GMT

في سنةٍ بعيدة، أحضروا عشرات المعتقلين في قضيّة فضّ اعتصام رابعة إلى معتقل طرة تحقيق الذي كنت فيه، وكان بينهم محكومون بالإعدام، التقيتُ بعضهم اختلاسا وتحايلا، وتناقشنا بأعجب ما تكون سبل النقاش، كانوا ممنوعين من كلّ حقٍّ تنصّ عليه لوائح السجن وقوانينه -كغالب المعتقلين من كلّ التيارات- كنت أحاول تهريب طعامٍ وملابس وأغطية وأدوية لهم ما استطعت، وحين سألتُ أحدهم عن شيء يحبّ أن يحصل عليه بعيدا عن لوازم الحياة، فقال: مجلّة ميكي.



طلبتها من إدارة السجن فرفضوا، وحاولتُ إدخالها في الزيارات فمنعوها، فدخلتُ إضرابا عن الطعام لأحصل عليها حتى سمحوا بالاشتراك فيها، كما ينصّ قانون السجون، وأصبحت تأتيني كل أسبوع، فأهرّبها لهذا الصديق الذي يمرّرها لرفاقه.

ظلّ يحكي لشهور عن هذا الانتصار وسعادته به، حتى تمّ ترحيلهم من المعتقل إلى غيره.

* * *

مررتُ بأحوال الإيراد كلّها، بدءا من حفلة "الاستقبال" تعذيبا بين صفّينِ من المخبرين بأكفّهم وأرجلهم أو عصيّهم -كما في أحد مشاهد فيلم البريء- إلى معتاد الحال تجريدا ومصادرة لكلّ شيء (ملابس، طعام، كتب، دواء، صور، أدوات نظافة، وحتى كتب وملازم الجامعة المصرّح بها من النيابة العامة) ثم حرقها أمامي في ساحة السجن
لم تعد الأقفالُ موجودة، ولا الأبواب التي كانت عليها، ولا حتى البيوت التي حرستها، لم يعد الوطن على صورته التي كان عليها قبل سبعين عاما أو يزيد، لكنّ الفلسطينيّين ما زالوا يعلّقون مفاتيح دورهم في رقابهم، وعلى صدورهم، وفي صدر كلّ منزلٍ سكنوه -مؤقّتا- إلى أن يعودوا.

ليس إنكارا للهزيمة التي وقعت، والاحتلال الذي استولى والمستوطنات التي قامت، إنّما على عكس ما يبدو للوهلة الأولى، إنّما هو اعترافٌ بها بعد استيعاب حقيقة أثرها وامتداداته، لكنّه في الوقت ذاته مقاومةٌ لها، في ذهن حامل المفتاح وروحه، فقد كلّ شيء، وتوفّرت غالب مبررات السقوط وتمكّن الهزيمة منه، لكنّه تشبّث بهذا المفتاح، الذي سمّاه مفتاح العودة، واستند عليه كي يمنع سقوطه.

* * *

على عتبة المعتقل -ليمان طرة- داخلا لجحيمه الذي سبق وجرّبته، منهكا من إعادة الرحلة السيزيفيّة حاملا صخرة عمري وحلمي إلى القمّة، كانت أولى المعارك، على حِذائي وملابسي (طلبوا مني خلعها والبقاء حافيا، وتمسّكتُ بهما رفضا للإهانة، ومبادلة لهم عمليّة ترسيم الحدود السجنيّة التي تبدأ مع دخول الإيراد، وتجرّد فيها من كل الحقوق بلا استثناء، إلا ما تنتزعه بمعاركك إن استطعت، أو ما يتفضل به عليك سجّانك مقابلا رخيصا لرضوخك واستخدامِك).

وقد مررتُ بأحوال الإيراد كلّها، بدءا من حفلة "الاستقبال" تعذيبا بين صفّينِ من المخبرين بأكفّهم وأرجلهم أو عصيّهم -كما في أحد مشاهد فيلم البريء- إلى معتاد الحال تجريدا ومصادرة لكلّ شيء (ملابس، طعام، كتب، دواء، صور، أدوات نظافة، وحتى كتب وملازم الجامعة المصرّح بها من النيابة العامة) ثم حرقها أمامي في ساحة السجن، وغير ذلك من أحوال وصور دخول السجن في كلّ مرّة، والتي يعانيها المعتقلون كلّهم دون تمييزٍ، إلا قليلٌ منهم.

لطالما سخر سجّانون ورفاق من معارك حول حقوق رئيسة (كالراديو والتلفاز والصور والملابس وإطالة الشعر، مثلا) أو حقوق أخرى (كفنجان القهوة أو مجلّة ميكي)؛ خضتُ لأجلها ذات المعارك حتى نهايتها، بما في ذلك الإضراب عن الطعام، وتلقّيتُ العقوبات ضربا ونقلا لعنبر التأديب أو تجريدا أو منعا من الزيارة والتريّض وغيرها من العقوبات السجنيّة.

ولطالما استمرّ خوضي هذا النوع من المعارك، حتى يوم خروجي من المعتقل بعد عشر سنين، لم أرَ الأمر نضالا في مواجهة السجّان، وإن كان كذلك في حقيقته وإن لم يُقصد، ولا أردتُ منه إلهام أحد أو حتى تقديم صورة تحريضيّة، إنّما فقط أردتُ أن أستند إلى شيءٍ يمنع سقوطي، بعد أن أفقدني السجّان بإلحاح وحسم واستدامة محشوّين بالانتقام والجنون والسيطرة على كلّ شيءٍ في حياتي ومحيطي وحتى جسدي.

إذا كانت المعارك الكبرى غير متوقّعٍ كسبها وأنت مقيّد -حتى هذه ليست قاعدة؛ جرّبتُ خوضها مرارا، وكسبتُ شيئا منها- مع الوقت ستشعر بفقد السيطرة مطلقا، وسينهارُ ذهنك دفعة واحدة، وستسقط معه حتما (جسدا أو نفسا، وسلوكا)
السجن صراع سيطرة، لا على حركتك وأثرك وحدهما، إنّما على توازنك وأفكارك وهواجسك وأحلامك وكوابيسك، وعلى ذهنك قبل كلّ شيء، ولكلِّ صراع طرفين، السجّان هنا أحدهما (حامل مفتاح الزنزانة وحامل مفتاح القصر وطابور السجّانين بينهما)، ولا قواعد حاكمة، لا قانون ولا عُرف ولا ضمير ولا رقابة ومحاسبة، لا يبقى في الداخل سوى تضامن الصّحبِ، وذاتك؛ وعليك أن تنخرطَ في الصراع الذي قُسرتَ عليه، أو الاستسلام فيه، إذ لا فرصة لتجنّبه أو تجاهله أو الانسحاب منه.

وإذا كانت المعارك الكبرى غير متوقّعٍ كسبها وأنت مقيّد -حتى هذه ليست قاعدة؛ جرّبتُ خوضها مرارا، وكسبتُ شيئا منها- مع الوقت ستشعر بفقد السيطرة مطلقا، وسينهارُ ذهنك دفعة واحدة، وستسقط معه حتما (جسدا أو نفسا، وسلوكا)، ولعلّ واحدة من سبل المقاومة المجرّبة في هذا السياق التشبّث بالمعارك "الصغيرة" -إن صحّت التسمية- وبالتالي انتصاراتها الصغيرة التي ستمنحك شيئا من السيطرة على ذاتك، وهو ما لا استغناء عنه حتى تستطيع استكمال الطريق والدخول في جولات أخرى من المعارك الكبرى، وقبلها البقاء على قيد الحياة أصلا.

في لحظة الهزيمة وتبعاتها يحدث أن تبحث عن تجلٍّ آخر، غير أحلامك الكبرى، أكثر ماديّة -ربّما- وقابليّة للتحقق لتتشبّث به وتستند عليه استنادة ما قبل السقوط، وستجده حتما حولك، قريبا منك، أو حتى في ذاتك. ثق في ذلك تماما.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المعتقلين السجن مصر سجن معتقلين مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة صحافة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

الكشف عن دور سعودي خفي ضد الحوثيين قد يكون مفتاح الحل

رئيس وفد صنعاء ووزير الدفاع السعودي (وكالات)

أكد تقرير موقع "aurora israel" الناطق بالإسبانية أن إسرائيل والتحالف الدولي فشلا على مدار العامين الماضيين في مواجهة التهديد المستمر من الحوثيين، وذلك رغم الجهود المبذولة من قبلهم لفرض توازن ردع مع الجماعة اليمنية.

وقد كشف التقرير عن تصاعد التوترات في المنطقة، مشيرًا إلى أن الحوثيين لا يزالون يمثلون تهديدًا حيويًا لأمن إسرائيل ولبقية الأطراف في الصراع.

اقرأ أيضاً الريال اليمني ينهي تعاملات الأسبوع بسعر مفاجئ أمام الدولار والسعودي.. آخر تحديث 14 مارس، 2025 مفاجأة صادمة: أميركا وإسرائيل تتفقان على ترحيل سكان غزة إلى دول إفريقية 14 مارس، 2025

في تقريره، قال الموقع العبري إن الحوثيين، الذين كانوا قد أوقفوا هجماتهم على السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر بعد دخول وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ، أعلنوا مؤخرًا عن استعدادهم لاستئناف هجماتهم على السفن الإسرائيلية في حال استأنفت إسرائيل حملتها العسكرية في غزة.

كما هددوا بشن هجمات مباشرة على إسرائيل إذا استمرت العمليات العسكرية في القطاع الفلسطيني.

 

فشل الردع وعودة التصعيد:

وأشار الموقع إلى أن الفشل في تحقيق توازن الردع ضد الحوثيين خلال العامين الماضيين كان واضحًا، رغم التحركات العسكرية والسياسية التي قامت بها إسرائيل والتحالف الدولي.

وبحسب التقرير، فإن الجماعة اليمنية لا تزال بعيدًا عن التحييد، ولا يشعر قادتها بالإحباط بل بالعكس، فإنهم يشعرون بالثقة بعد تصعيد المواجهات مع الولايات المتحدة وإسرائيل.

وقد وصف التقرير الحوثيين بأنهم يعتبرون أنفسهم "قادة محور المقاومة"، مستعدين لتقديم الدعم الكامل لحركة حماس في غزة، مما يعكس عمق العلاقة بينهم وبين المجموعات التي تحارب إسرائيل في المنطقة. وأكد الموقع أن هذا الواقع يتطلب من إسرائيل والولايات المتحدة إعادة النظر في استراتيجياتهما تجاه الحوثيين، حيث فشلت التدابير الاقتصادية والعسكرية المتخذة حتى الآن في إضعاف هذه الجماعة.

 

الدور السعودي: ضرورة الدعم من وراء الكواليس:

بالرغم من الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها إدارة الرئيس الأمريكي ترامب ضد الحوثيين، مثل إعادة تصنيفهم كمنظمة إرهابية، إلا أن هناك شكوكًا جدية حول تأثير هذه الإجراءات.

وأشار التقرير إلى أنه من الضروري أن تتبنى الولايات المتحدة استراتيجية جديدة تتضمن عمليات هجومية مستمرة ضد الحوثيين، بدلًا من الهجمات المتقطعة على بنيتهم التحتية.

ويُستدعى هنا دور المملكة العربية السعودية، حيث يشير التقرير إلى أنه من الضروري أن تضغط الولايات المتحدة على الرياض للانضمام إلى التحالف الدولي ضد الحوثيين، حتى وإن كان ذلك من خلف الكواليس.

الدعم السعودي، سواء كان علنيًا أو غير مباشر، يعتبر جزءًا أساسيًا من الاستراتيجية المطلوبة للحد من هذا التهديد المتزايد، إذ أن المملكة تعد لاعبًا رئيسيًا في المنطقة ولها تأثير كبير في محيطها الخليجي والعربي.

 

التحدي المستمر في البحر الأحمر:

ما زال الحوثيون يشكلون تهديدًا خطيرًا في البحر الأحمر، حيث يواصلون استهداف السفن التجارية والدولية، مما يعكر صفو التجارة الدولية ويزيد من تعقيد الوضع الأمني في المنطقة.

وقد أعرب خبراء الأمن عن ضرورة إيجاد حلول طويلة الأمد لمواجهة هذا التهديد، بما في ذلك استهداف قدرات الحوثيين في إطلاق الصواريخ والقيادة المركزية.

في الختام، أكد الموقع أن التحديات التي تفرضها جماعة الحوثيين تستدعي تبني استراتيجية جديدة وشاملة. إذا كانت إسرائيل والتحالف الدولي يرغبان في تحقيق نجاح حقيقي، فإنه لا بد من تحديث استراتيجياتهم الحالية، مع إشراك المملكة العربية السعودية في دعم هذه الجهود من وراء الكواليس.

مقالات مشابهة

  • هل الحنين إلى الماضي مفتاح لتحسين الصحة؟
  • الفنان المغربي محمد مفتاح: دور بدر بمسلسل صقر قريش الأقرب لي وسبب أزمة
  • مفتاح البقاء في عالم مُتغير
  • المفصولون من فتح.. ما الذي أجبر عباس على العودة خطوة للوراء؟
  • شاهد.. فيديو نادر لقائد الدعم السريع “حميدتي” يظهر من خلاله وهو يقود المعارك بنفسه في الأيام الأولى للحرب ويستعد لدخول القصر لإذاعة بيان إستلامه السلطة
  • أمّ المعارك البلدية في المتن الشمالي
  • الكشف عن دور سعودي خفي ضد الحوثيين قد يكون مفتاح الحل
  • فيلادلفيا.. محور الموت الذي يمنع أهالي رفح من العودة
  • لا ينكر سهم المشتركة وبطولاتها في المعارك إلا مغرض، ولا ينكر ما فعله كيكل (..)