فتاوى تشغل الأذهان .. ما المقصود بـ جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا | وماذا أفضل من الصلاة والصيام والصدقة؟
تاريخ النشر: 24th, August 2023 GMT
فتاوى تشغل الأذهانما المقصود بـ جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا؟الفهم الصحيح لحديث اتخذوا قبور أنبيائهم مساجدماذا أفضل من الصلاة والصيام والصدقة؟
نشر موقع صدى البلد، خلال الساعات الماضية، عددا من الفتاوى المهمة التي تشغل الأذهان وتهم كل مسلم في حياته اليومية، نرصدها في تقرير عن فتاوى تشغل الأذهان.
في البداية .
وقالت الإفتاء في بيانها قول النبي: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا": مما امتنَّ الله تعالى به على هذه الأمّة: أن جعل لها الأرض مسجدًا وتربتها طهورًا؛ فأيّما مسلم أدركته الصّلاة في أي موضع طاهر فله أن يصلي فيه، بالشروط المعتبرة في صحة الصلاة؛ فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِي الغَنَائِمُ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ» متفقٌ عليه.
قال الإمام الخطابي في "معالم السنن" (1/ 146، ط. المطبعة العلمية): [وإنما جاء قوله: «جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» على مذهب الامتنان على هذه الأمة؛ بأن رخص لها في الطهور بالأرض، والصلاة عليها في بقاعها، وكانت الأمم المتقدمة لا يصلون إلا في كنائسهم وبِيَعِهم] اهـ.
وقال القاضي عياض المالكي في "إكمال المعلم" (2/ 437، ط. دار الوفاء): [وأما كونها مسجدًا: فقيل: إن من كان قبله صلى الله عليه وآله وسلم من الأنبياء كانوا لا يصلون إِلا فيما أيقنوا طهارته من الأرض، وخص نبينا وأمته بجواز الصلاة على الأرض إِلا ما تيقنت نجاسته منها] اهـ.
وقال العلامة القاري في "مرقاة المفاتيح" (9/ 3675، ط. دار الفكر): [صرح بعموم هذا الحكم وفرَّع على ما قبله بقوله: «فَأَيُّمَا رَجُلٍ» أي: شخص «مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ»؛ أي: وجبت عليه ودخل وقتها، في أي موضع «فَلْيُصَلِّ» أي: في ذلك الموضع، بشروطه المعتبرة في صحة الصلاة] اهـ.
وفي بيان الفهم الصحيح لحديث «لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ والنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنبِيائِهم مَسَاجِدَ»، قالت الإفتاء: أما القول بأنَّ في ذلك اتخاذًا للمساجد على القبور، وأن ذلك هو المقصود بحديث عائشة رضي الله عنها في "الصحيحين" أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ والنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنبِيائِهم مَسَاجِدَ»، فهو فهْمٌ غيرُ سديدٍ للحديث الشريف؛ فالمساجد: جمع مَسجِد، والمسجد في اللغة: مصدر ميمي يصلح للدلالة على الزمان والمكان والحدث، ومعنى اتخاذ القبور مساجد: السجود لها على وجه تعظيمها وعبادتها كما يسجد المشركون للأصنام والأوثان، كما فسَّرَته الروايةُ الصحيحة الأخرى للحديث عند ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (2/ 185، ط. العلمية)عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ: «اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا! لَعَنَ اللهُ قَوْمًا اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنبِيَائِهِم مسَاجِدَ»، فجملة «لَعَنَ اللهُ قومًا..» بيانٌ لمعنى جَعلِ القبرِ وثنًا، والمعنى: اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُسجَدُ له ويُعبَد كما سجد قوم لقبور أنبيائهم.
قال الإمام البيضاوي: [لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور أنبيائهم تعظيمًا لشأنهم، ويجعلونها قبلة، ويتوجهون في الصلاة نحوها، واتخذوها أوثانًا، لعنهم اللهُ ومنع المسلمين عن مثل ذلك ونهاهم عنه، أمَّا مَن اتخذ مسجدًا بجوار صالِحٍ أو صلّى في مقبرته وقصد به الاستظهار بروحه ووصولَ أثرٍ من آثار عبادته إليه -لا التعظيم له والتوجه- فلا حَرَجَ عليه؛ ألا ترى أنَّ مدفن إسماعيل في المسجد الحرام ثم الحطيم، ثم إن ذلك المسجد أفضل مكان يتحرى المصلي بصلاته، والنهي عن الصلاة في المقابر مختص بالمنبوشة؛ لِما فيها من النجاسة] اهـ. أنظر: "شرح الزرقاني على الموطأ" (4/ 367، ط. مكتبة الثقافة الدينية-القاهرة).
كما قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن قد اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن تختلف آراء الناس في صغير الأمور وكبيرها ، وذلك لأنه عز وجل خلقهم مختلفين في العلم والفهم ، وفي الأمزجة والميول والرغبات والتوجهات.
وأوضح «جمعة» عبر صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، في تحديده ماذا أفضل من الصلاة والصيام والصدقة ؟، أنه غالبا ما يؤدي اختلاف الناس إلى حدوث الخصام والنزاع بين أفراد المجتمع أو بين جماعاته بجميع فئاتهم ، وهذا أمر طبيعي وسنة إلهية مشاهدة ، قال تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ(119) من سورة هود.
وأضاف أن أسباب هذا الخلاف والنزاع كثيرة لا حصر لها ، ولكن غالبا ما تكون هذه الخلافات في بداياتها اختلافات سهلة يسيرة يمكن تلافيها لو أحسن الناس التصرف وراعوا حق إخوانهم واتبعوا أوامر الله سبحانه ، ولكن الشيطان والنفس الأمارة بالسوء والهوى المتبع وأهل الإفساد والشر والنميمة.
وأشار إلى أن كل هذا يكون له كبير الأثر في إيقاع البغضاء بين الناس وإذكاء نار العداوة حتى تتحول الشرارة إلى فتنة عظيمة وشر مستطير له عواقبه الوخيمة ، فيقع الإثم وتحل القطيعة ويتفرق الشمل ، بل تهتك الأعراض وتسفك الدماء وتنتهك الحرمات ، وتفسد ذات البين وتقع الحالقة التي تحلق الدين.
واستشهد بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟» قالوا بلي. قال: «إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة ، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين» (سنن الترمذي 4/663)، ولم يترك الله تعالى الناس هملا يتمادون في هذه النزاعات .
وتابع: بل شرع لهم طريقا إلى منعها ، وهو اتباع سبيل إصلاح ذات البين ، يقول الله عز وجل: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء:114] وقال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الحجرات:10].
وأفاد أن إصلاح ذات البين هو السعي والتوسط بين المتخاصمين لأجل رفع الخصومة والاختلاف عن طريق التراضي والمسالمة تجنبا لحدوث البغضاء والتشاحن وإيراث الضغائن ، ويكون السعي بين الناس بغرض الإصلاح بأن ينمي الساعي خيرا ويقول خيرا.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: فتاوى تشغل الأذهان دار الإفتاء الصلاة الصيام الصدقة إصلاح ذات البين صلى الله علیه وآله وسلم ذات البین أفضل من
إقرأ أيضاً:
خطبتا الجمعة بالحرمين: الخضوع لسلطان العادات بعيدًا عن أنوار الوحيَين يضيّع أجور الأعمال.. وحب الله يستلزم طاعته وطاعة رسوله
ألقى الشيخ الدكتور أسامة بن عبدالله خياط خطبة الجمعة اليوم في المسجد الحرام، وافتتحها بتوصية المسلمين بتقوى الله وعبادته، والتقرب إليه بطاعته بما يرضيه وتجنب مساخطه ومناهيه.
وقال فضيلته: حين تستحكم الآفات، وتستشري العِلَل، وتكثر الأدواء، تضطرب عند ذلك الألباب، وتلتاث العقول، وتحار الأفهام، فتنأى بالمرء عن سلوك الجادة، وتحيد به عن الصراط، وتحدث في نظام الحياة فسادًا عريضًا، حيث يشيع الخلل، ويفشو العوج، وتختل الموازين، وتنعكس الأمور، فيقدَّم المؤخر، ويؤخر المقدَّم، وتصغَّر العظائم، وتعظَّم الصغائر، وتحفظ الفروع، وتضيَّع الأصول.
وأضاف الشيخ أسامة: إن في دنيا الواقع من صور حفظ الفروع وتضييع الأصول ما لا يكاد يُحصى من الصور، فترى في الناس مَن يجتهد في ألوان القربات ليله ونهاره، ليزدلف بها إلى مولاه، ويحظى عنده بالدرجات العُلا والنعيم المقيم، لكنه يقرن ذلك بما يفسد عليه جده ونصبه، ويحبط عمله واجتهاده، حين يشرك بالله غيره، بدعاء أو باستعانة أو باستغاثة أو بذبح أو بنذر أو بصرف أي نوع من أنواع العبادة التي هي حق خالص لله، لا يجوز صرف شيء منها لغيره سبحانه. وحين يأتي كاهنًا أو عرَّافًا فيسأله ويصدِّقه، وحين يعلِّق تميمة أو ودعة يستدفع -بزعمه- الضرَّ عن نفسه أو أهله وولده، مع أن الله تعالى قد بيَّن لعباده في كتابه بواضح البيان، أن عاقبة ما كان من هذا الإشراك شركًا أكبر هو حبوط العمل وفساده، وعدم انتفاع عامله به في الآخرة، وتحريم الجنة عليه وجعل مأواه النار، فقال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.
وأشار إمام وخطيب المسجد الحرام إلى أنه مِنَ الناس مَن يُعنى بإقامة حروف القرآن وتجويدها، وتحسين الصوت بالتلاوة، ويضيع حدوده، ويهمل العمل بما أنزل الله فيه، ويغمض الأجفان عن تدبر معانيه، والتأثر بعظاته، والاعتبار بقصصه وأمثاله.. ومِنَ الناس مَن يحترز من رشاش النجاسات أن يصيب ثيابه شيء منها، لكنه لا يتوقَّى من غيبة أو نميمة أو قول زور.. ومَن يكثر من الصدقات، لكنه لا يتورَّع عن مال حرام. ومِنَ الناس مَن يصلي بالليل ويصوم النهار، لكنه يؤذي جيرانه ويتعدّى على حقوقهم، ويستطيل في أعراضهم، حتى تكون جيرته عليهم همًّا ثقيلاً، وشرًّا مستطيرًا، وبلاءً عظيمًا.. ومِنَ الناس مَن يَبَرُّ معارفه وعشراءه بإقامة أوثق العلائق معهم، لكنه يعق والديه وإخوانه، ويقطع رحِمه، ويتبرأ من قرابته وأهل بيته.. ومِنَ الناس مَن يجود على الفقير البعيد، لكنه يدع أهل بيته عالة يتكففون الناس، أو يضيق عليهم في النفقة الواجبة، فلا يعطيهم ما يكفيهم بالمعروف.. ومِنَ الناس مَن يصون لباسه ومركبه وفراشه عن الأدناس والأقذار، لكنه لا يحفظ سمعه وبصره عن التلوث بأرجاس الحرام.. ومِنَ الناس مَن يطيع في صغار الأمور دون كبارها، وفيما تخف عليه مؤونته دون ما عليه فيه مشقة.
وأكد الدكتور أسامة أنه لا ريب أن مبعث هذا الانحراف، ومصدر هذا العِوَج، في تضييع الأصول وحفظ الفروع، إنما هو الخضوع لسلطان العادات، والإذعان لهيمنة الأعراف، بعيدًا عن أنوار الوحيَين، قصيًّا عن ضوابط التنزيلَين، وكذا اتباع الهوى بغير هدى من الله، وفصول جهل بدين الله، وقلة الناصح وندرة المعين..
ألا وإن المخرج من كل أولئك لا يكون إلا بدواء العلم والعمل. أما العلم فلأنه يقف صاحبه به على القواعد والأصول والأسس التي تُبتنى عليها الفروع، وتقوم عليها الجزئيات، وينشئ له فكرًا منظَّمًا منضبطًا يضع الأشياء في مواضعها، ويعرف للأعمال مراتبها ومنازلها. وأما العمل فلأنه يقع صحيحًا موافقًا لما شرعه الله، ماضيًا على نهج رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، سعيدًا بالقَبول، مُبلِّغًا كل مأمول.
وبيّن فضيلته أن مخالفة الهوى، والاجتهاد في ضبط الأعراف والعادات بضوابط الشرع، مما يرجى أن يستصلح به هذا الانحراف، ويُقام به هذا العِوَج، ويثوب به المسلم إلى طريق دينه القويم.
وذكر الشيخ أسامة أن عِظَم الخسارة التي يُمنى بها مَن يحفظ فروعًا ويضيِّع أصولاً، ولاسيَّما إذا كانت هذه الأصول توحيدًا وإيمانًا، خليق بأن يحمل أولي الألباب على كمال العناية بهذا الأمر، وشدة الحذر من التردِّي في وهْدَته، وتمام الحرص على التجافي عن كل سبيل يفضي إليه، وكل حامل يحمل عليه.. وأي خسارة وأعظم من أن يحبط عمل العامل، أو يُنتقص من أجره، أو يُضاعف في وزره.
وحذر من تضييع الأصول، وقال: واعرفوا لكل شيء قدره، وانزلوه منزلته، تستقم أموركم، وتَطِب حياتكم، وتحظَوا برضوان ربكم.
* وفي المسجد النبوي الشريف، ألقى الشيخ الدكتور أحمد الحذيفي خطبة الجمعة اليوم، وافتتحها بتوصية المسلمين بتقوى الله عز وجل، فهي ميزان الكرامة وسر الاستقامة، مستشهدًا بقوله جل وعلا {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّه أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّه عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.
وقال الشيخ الدكتور أحمد الحذيفي: إن الحبّ الصدق الذي يغمُرُ القلوبَ الشفيفة من أرَقّ المشاعر الإنسانية وأرْقاها، وأصدقها وأنقاها، ولَكَمْ عبَّر البلغاء وحبَّر الفصحاء فيه من بدائع القولِ ومحاسنِ الكَلِم ما يحرِّك سواكنَ العاطفة ويستثير كوامن الشعور، إلا أن هنالك نوعًا من الحبّ يتسنَّم مراتبَه ويعتلي منازلَه، لأنه يتسامى عن قيود المادّيّات والدنيويات، ويتعالى عن حدود الشهوات الدَّنِيّات، ولأنه يُفِيضُ ذلك الحبَّ المنهمرَ من القلب إلى مُبْدِع ذلك القلبِ وخالقِه، إنه حبّ الله تعالى وتقدّس.
وأضاف: إن محبة الله تعالى هي روح العبادة وحقيقتُها وسرُّها، فإنه لا يستحقّ أحد كمالَ ذلك الشعورِ وبذلَ منتهاه إلا أن يكون محبوبًا لذاته ومحبوبًا من كل وجه، وليس شيءٌ يُحَبّ لذاته ومن كل وجه إلا الله -جل وعز- وحده، فلذلك لا يستحق أحد العبودية ولا كمالَ المحبة سواه.
وأوضح فضيلته أن الله تعالى هو الـمُسدي للنِّعَم على الحقيقة، والفاتح لأبوابها، والـمُوصِل لأسبابها، مشيرًا إلى أن النفوس الكريمة مجبولة على حبّ مَن أحسن إليها، فكيف إذا كان هو الذي منه كلُّ إنعامٍ وإحسان، مستشهدًا بقوله تعالى {هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ}.
وذكر أمام وخطيب المسجد النبوي أن نبينا ـ عليه الصلاة والسلام ـ أعلمَ الخلق بالله، وأكملَهم عبودية لمولاه، كان أكثرَهم له استغفارًا وتوبة وإنابة، قال أبو هريرة: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: “والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة”. هذا وقد غفر له ربّه ما تقدم من ذنبه وما تأخر. مبينًا أنها المحبة الصادقة التي تترجم تلك العبودية الكاملة من ذلك النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه.
وأبان فضيلته أن المؤمن حين يتفكر في جليل صفات الله وجزيلِ مِنَنِه عليه يتعاظم في قلبه حبّه، حتى يكونَ الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، مستشهدًا بقوله ـ عليه الصلاة والسلام: “ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، ومن أحبَّ عبدًا لا يحبه إلا لله عز وجل، ومن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار”.
وتابع الشيخ الحذيفي بقوله: إن الحب الصادق لله يستلزم طاعة الله، وطاعة الله لا تكون إلا باتباع رسوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ فإذا اتبع المؤمن المحبّ لربه حبيبَ ربه ـ عليه الصلاة والسلام ـ فقد بشّره الله في كتابه ببشارتين: بمحبتِه سبحانه له، ومغفرتِه لذنوبه، مستشهدًا بقوله جل شأنه {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّه فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّه وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّه غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
وختم فضيلته الخطبة مبينًا أن هذا اليوم تُندب فيه كثرة الصلاة والسلام على خير الخلق وسيد الأنام، موصيًا المسلمين بالإكثار من الصلاة والسلام عليه، لتكون لكم قربة إلى الله وزلفى لديه، مستشهدًا بقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ: “إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي”.