دستور سوريا المؤقت الجديد.. خطوة واعدة أم تركيز للسلطة؟.. معظم الصلاحيات فى يد الشرع رغم الإعلان عن مبدأ الفصل بين السلطات
تاريخ النشر: 16th, March 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
وقّع الرئيس السورى المؤقت، أحمد الشرع، دستورًا مؤقتًا يَعِدُ بإصلاحات جوهرية، ويُرسّخ فى الوقت نفسه جزءًا كبيرًا من سلطة قيادة البلاد فى يد الرئيس، حسبما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" فى تقرير شامل لها، فيما أكدت عدة صحف أمريكية وفرنسية أن الأكراد أعلنوا تحفظهم على هذا الدستور المؤقت واعتبروه متنافيًا مع تنوع مكونات سوريا.
وبحسب "نيويورك تايمز"، تُمثّل هذه الوثيقة الجديدة لحظةً حاسمةً فى مسيرة التحول السياسى الطويل فى سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد. وبينما يضمن الإعلان الحريات الفردية، ويتضمن وعودًا بحكومة شاملة، ينقسم النقاد والخبراء حول ما إذا كان يُتيح تحررًا سياسيًا حقيقيًا، أم أنه مجرد استبدال شكل من أشكال الاستبداد بآخر.
تساؤلات مشروعة
يمنح الدستور الجديد، الذى وُضع بعد حل الدستور السورى السابق فى عهد نظام الأسد، الرئيس المؤقت الشرع صلاحياتٍ واسعة. فلا يُمنح الرئيس سلطة إعلان حالة الطوارئ فحسب، بل يمتلك أيضًا سلطة تعيين ثلث أعضاء المجلس التشريعى خلال الفترة الانتقالية. تُثير هذه الصلاحيات التنفيذية الواسعة مخاوف بشأن إمكانية استمرار السيطرة المركزية فى نظامٍ اتسم بعقودٍ من الدكتاتورية.
وقد صاغ الشرع هذا الدستور المؤقت على أنه قطيعة مع الماضي، واعدًا بتاريخٍ جديدٍ لسوريا. ومع ذلك، ورغم ضمانات الحريات، بما فى ذلك حرية التعبير والصحافة، يشكك بعض الخبراء فى النطاق الحقيقى لهذه "الحرية" عمليًا، نظرًا لسيطرة السلطة التنفيذية على القضاء وغياب الضوابط على التعيينات الرئاسية.
دافع عبد الحميد العواك، عضو لجنة صياغة الدستور، عن الوثيقة، مُدّعيًا أنها تضمن فصل السلطات - وهو تناقضٌ صارخ مع تركيز السلطة فى يد الشرع. لكن استمرار هيمنة السلطة الرئاسية يُثير مخاوف من أن التغيير السياسى الحقيقى قد يكون سطحيًا أكثر منه جوهريًا.
مرحلة انتقالية
وحدد الإعلان الدستورى "المرحلة الانتقالية بخمس سنوات" على أن يتم "إحداث هيئة لتحقيق العدالة الانتقالية" بهدف "تحديد سبل المساءلة ومعرفة الحقائق وتحقيق العدالة لـ"الضحايا والناجين" فى النزاع المدمر الذى اندلع اعتبارًا من عام ٢٠١١.
ومن بين البنود التى تضمنها الإعلان الدستورى أيضا، "ضرورة تشكيل لجنة لكتابة دستور دائم"، إلا أنه لا يتيح إمكانية عزل رئيس الجمهورية. وردًا على سؤال صحفي، قال عضو لجنة صياغة الإعلان عبد الحميد العواك إن "القضية الأساسية تكمن فى أنه لا يستطيع رئيس الجمهورية أن يعزل نائبًا، ولا مجلس الشعب يعزل الرئيس، لأنه نظام رئاسي، هكذا هو نظامه، ومطبق فى أمريكا وفى تركيا والعديد من الدول".
الشريعة الإسلامية
يحتفظ الدستور الجديد ببندٍ رئيسى من سابقه: الشريعة الإسلامية لا تزال الأساس القانونى للنظام القانونى السوري. تؤكد الوثيقة على أن الشريعة الإسلامية ستكون المصدر الرئيسى للتشريع، مع ضمان "حرية المعتقد". ومع ذلك، يسمح هذا البند بتقييدات محتملة للحقوق، لا سيما عندما يكون الأمن القومى أو النظام العام على المحك.
إن خلفية الشرع كقائد للقوى الإسلامية خلال الحرب الأهلية السورية تُغذى الشكوك حول مدى التزامه بحكومة ليبرالية أو بإطار قانونى شامل حقًا. ولا يزال ارتباطه السابق بجماعات متطرفة مثل القاعدة، على الرغم من قطعه منذ سنوات، عالقًا فى أذهان الكثيرين، مما يُلقى بظلال من الشك على ما إذا كان حكمه سيعكس حقًا وعود التسامح الدينى والثقافي.
وضع الأقليات
تتألف سوريا من مجموعات عرقية ودينية متنوعة، ويَعِد الدستور الجديد بحماية حقوق جميع المواطنين. ومع ذلك، لا تزال الشكوك قائمة، لا سيما بين الأقليات. فقد أعرب السكان الأكراد، الذين يسيطرون على شمال شرق سوريا، عن مخاوفهم من أن الدستور الجديد يعكس الإطار الاستبدادى لعهد الأسد، مع بقاء السلطات التنفيذية المطلقة ثابتة.
فقد جاء أول رد فعل من الداخل حيث انتقدت الإدارة الذاتية الكردية هذا الإعلان الدستوري، معتبرة أنه "يتنافى" مع تنوع سوريا ويضم بنودًا تتشابه مع حقبة حكم حزب البعث.
وفى بيان، اعتبرت الإدارة الكردية أن الإعلان الدستورى "يتنافى من جديد مع حقيقة سوريا وحالة التنوع الموجود فيها، ويخلو من مكوناتها المختلفة من أكراد وعرب بما فى ذلك السريان والآشوريين وباقى المكونات الوطنية السورية". وأشارت إلى أنه "يضم بنودًا ونمطًا تقليديًا يتشابه مع المعايير والمقاييس المتبعة من حكومة البعث" الذى حكم البلاد لعقود. وتابع البيان قائلًا إن الإعلان الدستورى "لا يمثل تطلعات شعبنا ولا يدرك حقيقة هويته الأصيلة فى سوريا وهو بمثابة شكل وإطار يقوض جهود تحقيق الديمقراطية الحقيقية فى سوريا". وأضاف البيان "نأمل ألا تعود بنا بعض الممارسات والأفكار الضيقة إلى مربع الصفر لأن ذلك سيجعل الجرح السورى منزوفًا من جديد".
علاوة على ذلك، اندلع العنف الطائفى عقب الإعلان الدستوري، مما أبرز الانقسامات العميقة داخل البلاد. فى الأسبوع الماضي، نصب موالون للأسد كمينًا للقوات الحكومية، مما أدى إلى حملات قمع عنيفة استهدفت الأقلية العلوية، وهى فرع من الشيعة. تُبرز هذه الأحداث هشاشة سيطرة الشرع على البلاد واستمرار التقلبات فى السياسة السورية.
فى حين أعربت الأمم المتحدة عن أملها فى أن يُعزز الدستور الجديد عملية انتقالية شاملة، إلا أن الواقع على الأرض لا يزال غامضًا. تردد المجتمع الدولي، بما فى ذلك الولايات المتحدة والدول الأوروبية، فى رفع العقوبات عن سوريا، وحثّ الحكومة الجديدة على إظهار التزام حقيقى بعملية سياسية شاملة وحماية حقوق الأقليات.
حرية التعبير بحدود
يكفل الدستور الحريات الأساسية، بما فى ذلك الحق فى حرية التعبير والمعلومات والصحافة. ومع ذلك، تأتى هذه الحريات مع محاذير، مثل القيود المفروضة على التعبير الذى يُمجّد نظام الأسد. ويجادل النقاد بأن هذه القيود قد تُخنق المعارضة وتمنع ظهور مساحة ديمقراطية حقيقية للنقاش العام.
من الجوانب الأكثر تقدمية فى الدستور الجديد التزامه الصريح بحقوق المرأة، وضمان حصولها على التعليم والعمل، وتمتعها بكامل حقوقها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وقد بدا الشرع حريصًا على تصوير نفسه كمصلح فى هذا المجال، إذ اعتمد لغةً تراعى الفوارق بين الجنسين فى خطاباته، وأقرّ بالدور المحورى الذى لعبته المرأة فى الثورة. ومع ذلك، وفى ظل السياق السياسى الأوسع، لا تزال هناك تساؤلات حول كيفية صون هذه الحقوق عمليًا.
* عن التايمز
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: تحديات كبيرة دستور سوريا الشرع الرئيس السوري الدستور الجدید بما فى ذلک ومع ذلک
إقرأ أيضاً:
رئيس الوزراء اللبناني يتوجه إلى سوريا للقاء مع الشرع.. ما محاور المباحثات؟
توجه رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام، الاثنين، على رأس وفد رفيع المستوى إلى العاصمة السورية دمشق، في أول زيارة من نوعها منذ تشكيل حكومته.
وتهدف زيارة نواف سلام إلى لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع لبحث العلاقات الثنائية بين البلدين الجارين، حسب بيان صادر عن مكتب رئيس الحكومة اللبنانية.
ويترأس سلام في زيارته إلى دمشق وفدا رفيع المستوى يضم وزراء الدفاع ميشال منسى والخارجية يوسف رجي والداخلية أحمد الحجار.
وهذه أول زيارة يجريها سلام إلى دمشق منذ تشكيل حكومته في 8 شباط /فبراير الماضي، وهي ثاني زيارة يجريها رئيس وزراء لبنان منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول /ديسمبر عام 2024.
ومن المتوقع أن يتطرق الوفد اللبناني إلى العديد من الملفات بما في ذلك المختفون اللبنانيون في السجون السورية خلال عهد النظام السابق، بالإضافة إلى تأمين الحدود بين الجانبين، والتي شهدت سلسلة من التوترات الأمنية والاشتباكات في أعقاب سقوط الأسد.
وفي آذار/ مارس، وقع وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة ونظيره اللبناني ميشال منسي على اتفاق بشأن ترسيم الحدود بين البلدين، عقب اجتماع استضافته مدينة جدة في المملكة العربية السعودية.
وأفادت وكالة الأنباء السعودية "واس"، أن المملكة استضافت اجتماعا بين وزيري الدفاع اللبناني والسوري بحضور نظيرهما السعودي خالد بن سلمان، بهدف تعزيز التعاون في القضايا الأمنية والعسكرية بين دمشق وبيروت.
وأكد الجانبان على "تفعيل آليات التنسيق بين الجانبين للتعامل مع التحديات الأمنية والعسكرية وبخاصة في ما قد يطرأ على الحدود بينهما"، بالإضافة إلى الاتفاق على عقد اجتماع متابعة في السعودية خلال الفترة القادمة.
وتسعى الإدارة السورية إلى ضبط الأوضاع الأمنية في البلاد، وتعزيز قبضتها على الحدود مع دول الجوار ومنها لبنان، بما يشمل ملاحقة مهربي المخدرات وفلول النظام السابق الذين يثيرون قلاقل أمنية، بحسب وكالة الأناضول.
وتتسم الحدود اللبنانية السورية بتداخلها الجغرافي، إذ إنها تتكون من جبال وأودية وسهول دون علامات أو إشارات تدل على الحد الفاصل بين البلدين، اللذين يرتبطان بـستة معابر حدودية برية على طول نحو 375 كلم.