الهوية الوطنية والهوية العربية: جدلية التداخل ومسارات المشروع الثقافي الأردني
تاريخ النشر: 16th, March 2025 GMT
#سواليف
#الهوية_الوطنية و #الهوية_العربية: جدلية التداخل ومسارات #المشروع_الثقافي_الأردني
الشاعر #أحمد_طناش_شطناوي
رئيس فرع رابطة الكتاب الأردنيين/ إربد
لطالما كانت الهوية الوطنية والهوية العربية في علاقة جدلية قائمة على التداخل والتكامل، فلا يمكن تصور هوية وطنية مغلقة دون امتدادها العربي، كما لا يمكن للهوية العربية أن تحقق حضورها دون انصهار مكوناتها الوطنية في مشروع ثقافي جامع، وفي السياق الأردني تتجلى هذه العلاقة بوضوح، حيث لم يكن الأردن يومًا منعزلًا عن قضايا الأمة، بل كان حاضرًا فكريًا وثقافيًا وسياسيًا في مشهدها، وخاصة في القضية الفلسطينية التي شكلت جزءًا من الوجدان الجمعي الأردني، وأسهمت في صياغة مسار الثقافة الوطنية.
وعليه، فإن أي سعي لبناء مشروع ثقافي وطني أردني لا يمكن أن يكون بمنأى عن الفضاء العربي، بل يجب أن يكون امتدادًا له في إطار الخصوصية المحلية، بحيث تتكامل الهوية الأردنية مع الهوية العربية في مشروع ثقافي يعيد الاعتبار للمشتركات الفكرية والتاريخية، ويواجه تحديات العصر بأدوات حديثة تضمن استمرارية الثقافة وتأثيرها في المجال العام.
فقد شكّل الأردن عبر تاريخه نقطة تفاعل بين حضارات متعددة، ما جعله بيئة خصبة للإنتاج الفكري والتبادل الثقافي، فمنذ نشأة الإمارة لعب الأردن دورًا محوريًا في المشهد الثقافي العربي، سواء من خلال حراكه الأدبي، أو عبر مواقفه السياسية والثقافية التي كرّست التزامه بقضايا الأمة، وقد أسهمت مؤسساته الثقافية، مثل وزارة الثقافة ورابطة الكتاب الأردنيين، في دعم الفعل الثقافي، إلا أن هذا الدور لا يزال بحاجة إلى مشروع متكامل يواكب التحديات الراهنة.
وهنا يبرز السؤال المحوري: كيف يمكن تحويل هذه الهوية الثقافية إلى مشروع استراتيجي يحقق حضورًا وتأثيرًا في المشهد العربي؟
للإجابة عن هذا السؤال فإننا بحاجة إلى محاور أساسية للبدء في مشروع ثقافي متكامل، وذلك من خلال:
أولًا: تعزيز الإنتاج الثقافي المرتبط بالهوية الجامعة
إذ لا يمكن الحديث عن مشروع ثقافي دون توفير بيئة حاضنة للإبداع، تدعم الأدباء والمفكرين، وتربط الإنتاج الثقافي بالهوية الجامعة، بحيث لا يكون مجرد انعكاس لحالة محلية معزولة، بل رافدًا للمشروع الثقافي العربي ككل، وهنا لا بد من تطوير سياسات ثقافية تحفّز الإنتاج الأدبي والفني، وتضمن له الانتشار والتأثير في المجالين المحلي والعربي.
ثانيًا: ربط الثقافة بالسياسات العامة لتعزيز الوحدة الوطنية
إن الثقافة ليست مجرد نشاط فكري أو فني، بل عنصر رئيس في تشكيل السياسات العامة، سواء من خلال تعزيز الانتماء الوطني، أو دعم الاستقرار الاجتماعي، أو المساهمة في الدبلوماسية الثقافية، لذا فإن بناء مشروع ثقافي وطني يتطلب رؤية حكومية تدرك دور الثقافة في التنمية، عبر دمجها في المناهج التعليمية، ودعم الصناعات الثقافية، وتوسيع دائرة التفاعل بين المثقف وصانع القرار.
ثالثًا: إعادة الاعتبار للموروث الثقافي المشترك بأساليب حديثة
إن الثقافة العربية ليست مجرد تراث جامد، بل مشروع متجدد يجب إعادة قراءته وتقديمه بأساليب حديثة، ويشمل ذلك الاهتمام بترجمة الأعمال الفكرية العربية إلى لغات أجنبية، وتطوير الدراما والسينما والمسرح لتعكس القيم الثقافية العربية، واستثمار التقنيات الحديثة في تقديم التراث بصيغة معاصرة تجعل منه عنصرًا جاذبًا للأجيال الجديدة.
رابعًا: استثمار الإعلام والتكنولوجيا في نشر الثقافة
لم يعد بالإمكان الحديث عن مشروع ثقافي ناجح دون استثمار الإعلام الرقمي والتكنولوجيا الحديثة، إذ يمكن للأردن أن يكون مركزًا لإنتاج محتوى ثقافي عربي قادر على الوصول إلى شرائح أوسع، سواء عبر المنصات الرقمية، أو من خلال المبادرات الثقافية التفاعلية التي تربط الثقافة بجيل الشباب.
خامسًا: تعزيز الحوارات الثقافية العربية عبر منصات تفاعلية
إن المشروع الثقافي لا يمكن أن يكتمل دون خلق فضاءات للحوار بين المثقفين العرب، تتيح تبادل الأفكار والخبرات، وتساعد في بلورة رؤية ثقافية جامعة، وهنا يمكن للأردن أن يلعب دورًا رياديًا في إطلاق مبادرات ثقافية عربية مشتركة، وإنشاء منتديات ومنصات حوارية تجمع المفكرين والمثقفين في نقاشات معمقة حول قضايا الهوية والتحديث والتحديات الثقافية.
وعلى الرغم من أهمية المشروع الثقافي، إلا أنه يواجه تحديات كبرى تتطلب معالجتها، ومن أبرزها:
ضعف التمويل الثقافي: حيث تعاني المؤسسات الثقافية من نقص الدعم المالي، مما يؤثر على قدرتها في تنفيذ مشاريعها.
تهميش الثقافة لصالح الأولويات السياسية والاقتصادية: حيث لا تزال الثقافة في العديد من الدول العربية تُعامل كعنصر ثانوي في التخطيط الاستراتيجي.
تراجع القراءة والتفاعل مع الإنتاج الثقافي: بسبب انتشار الوسائط الرقمية والترفيه السريع الذي يزاحم المحتوى الثقافي العميق.
التحديات السياسية: حيث تواجه الثقافة العربية ضغوطًا سياسية تحدّ من حرية التعبير وتعيق المبادرات الثقافية المستقلة.
وعلى الرغم من ذلك، فإن بناء مشروع ثقافي وطني أردني قادر على تحقيق تأثير في المشهد العربي يتطلب إجراءات ملموسة، تتلخص في بعض المقترحات العملية التي يمكن لها ان تتجاوز هذه التحديات إلى حد بعيد:
إنشاء مركز أبحاث ثقافي أردني بالتعاون من الجامعات، يعنى بدراسة التحولات الثقافية العربية، ويقدم توصيات لصانعي القرار حول سياسات الثقافة ودورها في التنمية الوطنية والإقليمية. إطلاق منصات رقمية تفاعلية تهدف إلى تعزيز التفاعل بين المثقفين والجمهور، وتقديم محتوى ثقافي معاصر قادر على جذب الأجيال الجديد، من خلال استثمار المؤثرين وتأهيلهم ليكونوا رافدا أساسيا للمشروع الوطني. إعادة هيكلة الدعم الثقافي من خلال تخصيص ميزانيات أكبر للقطاع الثقافي، وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في الصناعات الثقافية. دعم مشاريع الترجمة والتبادل الثقافي بين الدول العربية، مما يسهم في تعزيز التواصل الثقافي وتبادل الخبرات بين المثقفين العرب. تنظيم مهرجانات ومنتديات ثقافية عربية في الأردن تستقطب المفكرين والكتاب من مختلف الدول العربية، لتعزيز الحوار الثقافي وتقديم الأردن كنموذج لدمج الهوية الوطنية بالهوية العربية في مشروع ثقافي متكامل.إن الأردن بحكم موقعه الجغرافي وتاريخه الثقافي، مؤهل ليكون نموذجًا لاندماج الهوية الوطنية في الإطار العربي، بحيث يتحول مشروعه الثقافي من مجرد استجابة للمتغيرات إلى رؤية استباقية تصنع المستقبل، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال تكامل الجهود بين المؤسسات الثقافية، وصانعي القرار، والمثقفين، والجمهور، في إطار استراتيجية واضحة تستثمر في الثقافة كقوة ناعمة قادرة على إحداث تغيير حقيقي في المجتمع.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف الهوية العربية المشروع الثقافی الهویة الوطنیة الهویة العربیة فی مشروع ثقافی لا یمکن من خلال
إقرأ أيضاً:
صندوق الوطن يختتم فعاليات “الخلوة الشبابية لرواد الهوية الوطنية”
اختتمت أمس فعاليات “الخلوة الشبابية لرواد الهوية الوطنية”، التي نظمها صندوق الوطن بالتعاون مع مجلس الإمارات للتنمية المتوازنة، ومؤسسة إرث زايد وبالشراكة مع 48 مؤسسة اتحادية ومحلية وخاصة، وبحضور حوالي 100 طالب وطالبة إماراتية ينتمون إلى 10 جامعات في منطقة مصفوت بإمارة عجمان.
وأظهر المشاركون بالخلوة قدرات كبيرة على الإبداع والإنجاز وتحمل المسؤولية خلال تأهيلهم ليكونوا قادة لأندية رواد الهوية الوطنية بالمدارس والجامعات خلال المرحلة المقبلة، حيث ركزت الخلوة على تعزيز مفهوم الهوية الوطنية لديهم، وترسيخ قيم الولاء والانتماء في نفوس الأجيال القادمة.
وقال سعادة ياسر القرقاوي مدير عام صندوق الوطن، إن تنظيم هذه الخلوة جاء بتوجيه معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح والتعايش رئيس مجلس إدارة صندوق الوطن، لتأهيل وتمكين أبناء وبنات الإمارات وتفعيل دورهم في مسيرة التنمية الشاملة ولاسيما ما يتعلق بالهوية الوطنية، حيث وفرت الخلوة منصة تفاعلية مكنت المشاركين من بحث ومناقشة كافة الموضوعات القضايا المتعلقة بالهوية الوطنية، وتبادلوا التجارب والخبرات حول كيفية تعزيز الهوية الوطنية في بيئاتهم التعليمية والمجتمعية بمشاركة عدد كبير من الخبراء والمتخصصين وأساتذة الجامعات.
وثمن الدور الكبير الذي بذله مجلس الإمارات للتنمية المتوازنة ومؤسسة إرث زايد وأكثر من 48 مؤسسة اتحادية ومحلية وخاصة من جهود مقدرة لنجاح هذا الحدث الذي اشتمل على الخلوة الشبابية لرواد الهوية الوطنية، وقوافل الهوية الوطنية بمصفوت، مؤكدا أن النجاح الذي تحقق هو حصيلة جهود الجميع دون استثناء، بما في ذلك المشرفون وطلاب الجامعات المشاركون بهذا الحدث المهم الذي امتد على مدار 4 أيام متواصلة، وتضمن برنامجاً حافلاً بالأنشطة المتنوعة، وشمل ورش عمل تفاعلية حول قيم الهوية الوطنية الإماراتية وعناصرها الرئيسية، وجلسات حوارية شبابية بمشاركة متحدثين ملهمين من الخبراء ورواد العمل الوطني والاجتماعي، وجلسات للعصف الذهني، لتطوير مبادرات شبابية تعزز الهوية الوطنية، إضافة إلى جولات ثقافية في منطقة مصفوت، للتعرف على الإرث التراثي المحلي وتعميق التواصل مع البيئة الإماراتية الأصيلة.
وأوضح القرقاوي، أن المشاركين في الخلوة قدموا العديد من المقترحات والتوصيات المهمة والمبادرات أبرزها، رؤية شبابية لتطوير مبادرة “رواد الهوية الوطنية” في المدارس والجامعات على مستوى الكم والكيف، وإنتاج محتوى رقمي شبابي يُعبّر عن الهوية الإماراتية بطرق مبتكرة، وتنظيم زيارات ميدانية إلى المناطق التراثية لتعزيز الارتباط بالبيئة والثقافة المحلية، وإنشاء منصة إلكترونية لربط الشباب بمبادرة وطنية تطوعية مجتمعية.
وقال “نحن في صندوق الوطن نؤمن أن الهوية الوطنية ليست مجرد شعارات، بل هي ممارسة يومية وروح حية تنبض في تفاصيل حياتنا، وقد لمسنا من خلال هذه الخلوة حجم الحماسة والالتزام من شبابنا في حمل هذه الرسالة والسير بها نحو المستقبل، هذا اللقاء كان أكثر من مجرد فعالية، بل هو مساحة لصناعة الأثر، ولغرس الثقة والانتماء لدى الأجيال الجديدة من أبناء وبنات الإمارات.
وأضاف، سيعمل الصندوق دائما على تعزيز مفهوم الهويّة الوطنية لدى الجميع، من خلال كافة أنشطته وبرامجه، وفق شعار “هوية وطنية قوية ومستدامة دعائمها (التمكين، الإنتاجية، المسؤولية)، ومن هنا ركزت جميع برامج صندوق الوطن على كل ما تعلق بخصائص الهوية الوطنية في الإمارات، بحيث تتحول هذه الأفكار والممارسات المتعلقة بالهوية الوطنية إلى نمط وثقافة وأسلوب حياة، يجسد الهوية الإماراتية، وهذا ما حرصت عليه الخلوة الشبابية لرواد الهوية الوطنية”.
وأعرب المشاركون في الخلوة من طلبة الجامعات عن فخرهم وامتنانهم بالمشاركة في هذا الحدث الوطني المهم، مؤكدين أن الأيام الأربعة التي قضوها في مصفوت كانت تجربة استثنائية عمّقتها النقاشات المفتوحة، والأنشطة التفاعلية، والتواصل الحقيقي بين شباب الإمارات من مختلف الخلفيات.
واوضحوا أن الخلوة مثلت لهم فرصة لاكتشاف قدراتهم، وإعادة تعريف علاقتهم بالهوية الوطنية بمعناها العملي والوجداني، مشيرين إلى أن ما تم إنجازه خلال الأيام الأربعة شكل نقطة تحول في وعيهم بأهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه الشباب في حماية القيم الوطنية ونقلها للأجيال القادمة، مؤكدين أن الخلوة لم تكن مجرد جلسات وحلقات نقاشية، بل كانت تجربة معيشة للهوية الإماراتية بكل تفاصيلها، وخرجوا منها أكثر إيماناً بأن المستقبل يبدأ بجهودهم، وبأن الوطن يحتاج لأفكارهم، وشغفهم، وإصرارهم على العمل والانجاز والابتكار وفق الرؤية الحكيمة لقيادتنا الرشيدة، مثمنين جهود صندوق الوطن ومعالي الشيخ نهيان بن مبارك لتمكين أبناء وبنات الإمارات، والتي كان لها أبلغ الأثر في نجاح هذا الحدث المهم في تحقيق أهدافه.وام