منذ الأيام الأولى للإدارة السورية الجديدة، سارع الرئيس أحمد الشرع إلى تحديد 4 أولويات لمستقبل البلاد، وهي: ملء فراغ السلطة، والحفاظ على السلم الأهلي، وإعادة بناء مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية، واستعادة مكانة سوريا وعلاقاتها الدولية.

ولا عجب أن استحوذت العلاقات الخارجية والمكانة الدولية على جلّ اهتمامه منذ اليوم التالي لسقوط نظام بشار الأسد، فلسوريا أهمية جيوسياسية تتجسد في كونها نقطة عبور مفضلة لمشاريع أنابيب الغاز التي تصل بين الخليج العربي وأوروبا، إلى جانب المسائل الأمنية المرتبطة بمنطقة الشام والخليج والعربي ودول حوض المتوسط.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2نداء أوجلان.. توقعات مرتفعة ومسار سياسي ينقصه الوضوحlist 2 of 2كيف أدارت المقاومة "حربا نفسية" تفوقت على السردية الإسرائيلية؟end of list

وحول السياسة الخارجية في منظور الإدارة السورية الجديدة، نشر مركز الجزيرة للدراسات ورقة تحليلية بعنوان "سوريا الجديدة.. تموضعها الإقليمي وعلاقاتها الخارجية"، ناقش فيها الباحث فراس فحام تداعيات موقع سوريا الإقليمي وعلاقات سوريا الخارجية في ظل النظام الجديد.

عودة النشاط الدبلوماسي السوري

أعاد سقوط بشار الأسد لسوريا فرصة التموضع مجددا على المستوى الإقليمي والدولي بعد قرابة عقدين من التماهي مع النفوذين الإيراني والروسي والانقطاع عن المحيط العربي فضلا عن الدولي.

إعلان

وتراجعت العلاقات بين دمشق ومحيطها العربي، وخاصة مع دول الخليج، ووصلت حد القطيعة بعد اندلاع الثورة في 2011 واختيار دمشق التوجه نحو إيران وروسيا للحصول على الدعم العسكري لمواجهة الثورة ومن ثم الفصائل المسلحة.

وقد وفر تغيير النظام الحاكم فرصة للفاعلين الدوليين والإقليميين لإعادة التموضع أو تعزيز النفوذ في سوريا، وشهدت دمشق حراكا دبلوماسيا كثيفا منذ الأسبوع الأول لسقوط الأسد، تمثل بزيارات متكررة لرؤساء أجهزة استخبارات ووزراء خارجية أو زعماء أو مبعوثين دوليين من تركيا وقطر والسعودية وألمانيا وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة.

وسارعت الإدارة الجديدة في دمشق إلى إعادة التموضع إقليميا وإنهاء آثار النفوذ الإيراني في البلاد، وذلك بالتوازي مع إعادة بناء علاقات جديدة مع دول الخليج العربي وتركيا.

وحرصت إدارة الشرع على التقارب مع الدوحة والرياض وأنقرة، وذلك لاعتبارات من بينها وقوف هذه العواصم -وإن بدرجات متفاوتة- مع المعارضة السورية سابقا في مواجهة نظام الأسد والمحور الإيراني، أو لقدرة هذه الدول على الوساطة لرفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا واستعدادها للمساهمة في تعافي الاقتصاد السوري.

فقد أظهرت تركيا دعمها للإدارة الجديدة على الفور، وبادر وزير خارجيتها هاكان فيدان بزيارة دمشق في 22 ديسمبر/كانون الأول 2024، ودعا خلال مؤتمر صحفي مع الشرع إلى رفع العقوبات عن سوريا.

ولتركيا مصلحة مباشرة في دعم جهود سوريا موحدة وتقويض مشروع الإدارة الذاتي المرتبط بحزب العمال الكردستاني، وكذلك عودة اللاجئين ورفع مستوى التنسيق الرسمي مع السلطة الرسمية إلى أفضل مما كان عليه سابقا، كما تسعى أنقرة ليشمل التعاون مع دمشق الجوانب العسكرية والأمنية والاتفاقيات الاقتصادية.

تركيا حريصة على ضمان استقرار سوريا ووحدتها لتقويض مشروع الإدارة الذاتية الكردية (الفرنسية)

أما قطر، فقد كان أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أول زعيم عربي يزور دمشق بعد تنصيب الشرع رئيسا انتقاليا للبلاد في 29 يناير/كانون الثاني 2025، وقد حمل معه رمزية أول اعتراف دولي بهذا التنصيب، وهو تتويج لتمسك الدوحة بعدم التطبيع مع الأسد إلى حين سقوطه.

إعلان

وتفاعلت الرياض بشكل واضح مع التطورات في سوريا، وأرسلت وفدا أمنيا إلى دمشق تلاه وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في ديسمبر/كانون الأول 2025، ثم زيارة وزيري الخارجية والدفاع السوريين إلى الرياض للتمهيد لزيارة الرئيس السوري.

وتنبع تصريحات مسؤولي الإدارة الجديدة تجاه الرياض من رغبتهم في إقامة علاقات متينة معها والاستفادة من رؤية السعودية 2030، وذلك ما قابلته السعودية برغبة في ملء الفراغ الإيراني واستعادة الدور العربي في سوريا.

وتطورت العلاقات مع الأردن بشكل ملحوظ بما يتسق مع التموضع الإقليمي الجديد لدمشق، الذي أرادت عمان استغلاله للتقليل من التسيب الأمني الذي شهدته حدودها، وتهريب المخدرات وانتشار المليشيات على الحدود.

وفي مطلع العام الحالي، أبرم الأردن تفاهما أمنيا مع الإدارة السورية الجديدة خلال زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، نص على تشكيل لجنة أمنية مشتركة لتأمين الحدود ومكافحة المخدرات وتهريب الأسلحة.

من جانبه، حرص الشرع على أن يبدأ زياراته الخارجية بزيارة إلى الرياض التقى خلالها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ثم تبعها بأخرى إلى أنقرة للقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومن ثم زيارة إلى عمّان التقى خلالها الملك عبد الله الثاني.

لقاء الملك الأردني عبد الله الثاني بالشرع ناقش جملة ملفات من بينها تأمين الحدود ومكافحة تهريب المخدرات والأسلحة (رويترز) توجس وتريث

وبينما تتريث الإمارات العربية المتحدة ودول أخرى من التحرك باتجاه تطبيع العلاقات مع سوريا، فإن إسرائيل غير مرتاحة بالأساس للتغيير في سوريا ويعكف مسؤولوها على مهاجمة الإدارة الجديدة والتحذير منها.

ولم يسهم التموضع الجديد لسوريا في تراجع القلق الإسرائيلي من تحول البلاد إلى منصة للهجوم عليها، وصنفت المؤسسات الأمنية الإسرائيلية الإدارة السورية الجديدة على أنها خطر قد يصبح في المستقبل أكبر مما كان يشكله النفوذ الإيراني.

إعلان

ومن المتوقع في ظل هذه التطورات أن تتراجع قدرة إيران إلى حد بعيد في استثمار الساحة السورية وتوظيفها لحساب طهران أو أمنها القومي، أو أن تكون سوريا ساحة صراع بين طهران وتل أبيب.

دوليا، سارعت دول أوروبية إلى إرسال وزراء خارجيتها إلى دمشق بعد أسابيع من هروب الأسد إلى موسكو، ورغم اختلاف أهدافها فإن بعضها يسعى لإحداث تغيير على الوضع الراهن، ليصبح أكثر ملاءمة للوضع الدولي، على غرار ألمانيا التي أعربت عن تحفظها على "الخلفية الإسلامية" للإدارة السورية الجديدة، في حين وجدت دول أخرى في التغيير فرصة لإنهاء النفوذ الروسي في سوريا.

أما روسيا فلم تتأخر أيضا، وأوفدت ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية إلى دمشق في 29 يناير/كانون الثاني 2025 حيث بحث مع الإدارة الجديدة إعادة ترتيب العلاقات.

وكان من نتائج تلك الزيارة اتصال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيره السوري أحمد الشرع وتأكيده استعداد بلاده للمساعدة في تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي في سوريا، ونتج عنه وصول شحنة من الأموال السورية التي طبعتها روسيا، وتسريبات حول إمكانية احتفاظ روسيا بوجود عسكري منخفض في سوريا.

وقد انعكست حركة تنشيط العلاقات الدولية السورية في حضور وزير خارجيتها أسعد الشيباني في مؤتمرات دافوس وباريس ومنتدى ميونخ للأمن، وذلك ما قد يوحي بقبول غربي مبدئي بالإدارة السورية الجديدة.

الضمانات الدولية لمستقبل سوريا

يعتمد مستقبل نظام الحكم الحالي في سوريا على كيفية تعاطي الإدارة السورية مع المرحلة الانتقالية وإدارة عملية التحول السياسي، بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي الذي يتأثر سلبا باستمرار العقوبات على سوريا ويؤثر في تعاطي الدولة مع الملفات الأمنية والعسكرية.

وبينما أبدت بعض الدول الغربية ارتياحها للإدارة الجديدة، امتنعت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن التوقيع على مخرجات مؤتمر باريس قبل "إنهاء النفوذ الروسي والإيراني بالكامل وعدم السماح لأن تتحول سوريا منصة للهجمات الإرهابية ضد واشنطن وحلفائها".

إعلان

ومن جانبها، أعلنت الإدارة السورية في منتصف فبراير/شباط 2025 عن لجنة الحوار الوطني وشرعت بالفعل في إدارة جلسات حوارية في المحافظات السورية، سعيا للاستجابة للمعايير الدولية في الانتقال السياسي.

ويبقى مستقبل الإدارة السورية مرهونا بمدى قدرتها على التوازن في علاقاتها مع الدول الإقليمية التي يمكن لها أن تسهم في فك عزلة سوريا وإقناع الأطراف الدولية برفع العقوبات عنها، في وقت تتوجس فيه إسرائيل من توجهات الإدارة الجديدة وتموضعها في المنطقة، وبالأخص مع وجود ترامب في البيت الأبيض.

كما تدعم إسرائيل كيانات غير موالية للإدارة السورية مثل قوات "قسد"، وتعمل على إقناع إدارة ترامب بعدم الانسحاب من شمال شرقي سوريا، وتتدخل في الشأن السوري الداخلي بادعاء الحرص على الدروز في سوريا والمنطقة.

وأبلغ تعبير عملي عن موقف إسرائيل، قيامها بحملة قصف جوي وتوغل بري في الجنوب السوري بعد ساعات فقط من إعلان مخرجات مؤتمر الحوار الوطني السوري الذي أكد وحدة الأراضي السورية وضرورة احتكار الدولة للسلاح، فضلًا عن تنديده بالاعتداء الإسرائيلي.

وكذلك، ولعله الأهم حاليا، الحوار الداخلي وما ستتخذه الإدارة السورية من إجراءات بخصوص الداخل، فهو مما سيقرر مستقبل الإدارة الجديدة، من ذلك تطبيق المخرجات الخاصة بتشكيل مجلس تشريعي مؤقت يعتمد على خبراء، وإعلان دستوري، ثم استكمال المسار بتشكيل لجنة دستورية متخصصة، وسنّ قوانين واضحة تمهد الأرضية لإجراء انتخابات. أما إذا اعتبرت الإدارة الجديدة مخرجات الحوار الوطني تفويض سلطة ومنح صلاحيات فقط، فإنها ستواجه موجة من الاضطرابات الداخلية وستنعكس سلبيا في مواقف الدول من سوريا.

[يمكنكم قراءة الورقة التحليلية كاملة من خلال هذا الرابط]

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان دراسات الإدارة السوریة الجدیدة الإدارة الجدیدة فی سوریا

إقرأ أيضاً:

عراقجي لترامب: ليس لأميركا الحق في إملاء سياسة إيران الخارجية

قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إن "الولايات المتحدة ليس لديها أي سلطة في إملاء السياسة الخارجية الإيرانية وإن ذلك العصر انتهى منذ عام 1979".

وجاء ذلك بعد ساعات من دعوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب طهران إلى وقف دعم جماعة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن "فورا".

وكتب عراقجي على منصة إكس "الحكومة الأميركية ليس لديها سلطة ولا حق في إملاء سياسة إيران الخارجية"، داعيا إلى "وقف قتل الشعب اليمني".

وأضاف عراقجي أن الرئيس الأميركي السابق جو بايدن انخدع العام الماضي بتسليم مبلغ 23 مليار دولار لنظام إبادة جماعية قتل أكثر من 60 ألف فلسطيني في قطاع غزة، والعالم يحمّل أميركا المسؤولية الكاملة.

وطالب الوزير الإيراني الولايات المتحدة بوقف دعمها للإبادة الجماعية والإرهاب الإسرائيلي ووقف قتل الشعب اليمني، حسب تعبيره.

هجوم أميركي

وقبل ساعات، شن الجيش الأميركي بأمر من ترامب، ضربات في اليمن تستهدف الحوثيين المدعومين من طهران، والذين يسيطرون على مناطق واسعة في البلاد بينها صنعاء. وأسفرت الضربات عن مقتل 31 شخصا وإصابة أكثر من 100 آخرين.

وقال ترامب إن "واشنطن أطلقت عملا عسكريا حاسما وقويا ضد الحوثيين"، متوعدا باستخدام "القوة المميتة الساحقة حتى تحقق هدفنا". كما طالب إيران بأن "توقف فورا" دعمها "للإرهابيين الحوثيين".

إعلان

ومساء الأربعاء الماضي، أعلنت جماعة الحوثي استئناف عملياتها في البحر الأحمر وخليج عدن لحظر حركة الملاحة الإسرائيلية بسبب عدم إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة.

و"تضامنا مع غزة" بمواجهة هذه حرب الإبادة الإسرائيلية، باشرت جماعة الحوثي منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023 استهداف سفن شحن إسرائيلية أو مرتبطة بها في البحر الأحمر أو في أي مكان تطاله بصواريخ ومسيّرات.

كما شن الحوثيون من حين إلى آخر هجمات بصواريخ ومسيّرات على إسرائيل، بعضها استهدف مدينة تل أبيب (وسط)، قبل أن توقفها مع دخول وقف إطلاق النار بغزة حيز التنفيذ.

ومنذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني، أعاد ترامب العمل بسياسة "الضغوط القصوى" التي اعتمدها حيال إيران خلال ولايته الأولى، لكنه تحدث في الوقت ذاته عن السعي لاتفاق جديد بشأن برنامجها النووي، بدلا من اتفاق 2015 الذي سحب بلاده منه بشكل أحادي في 2018.

وأكد مسؤولون إيرانيون أن طهران لن تفاوض واشنطن في ظل "الضغوط القصوى".

مقالات مشابهة

  • عراقجي لترامب: ليس لأميركا الحق في إملاء سياسة إيران الخارجية
  • الخطة الإيرانية الثلاثية تجاه سوريا الجديدة
  • للمرة الأولى بعد سقوط الأسد.. احتفالات في أنحاء سوريا بالذكرى الـ14 لانطلاق "الثورة السورية"
  • في ذكراها الـ14.. هذه محطات الثورة السورية من الشرارة الأولى إلى دخول دمشق
  • حرب الساحل وأبعادها الإقليمية.. هل تنجو سوريا الجديدة من الفخ؟
  • (تسلسل زمني) أبرز محطات الثورة السورية من انطلاقها حتى إعلان الدستور
  • عاجل | الخارجية السورية: قرار مشاركتنا في مؤتمر بروكسل بشأن سوريا غير محسوم
  • حسين: الاستقرار في سوريا يهمنا فهو يؤثر مباشرة على الوضع في العراق ونتمنى للحكومة السورية الجديدة التوفيق والنجاح
  • وزير الخارجية السوري يبدأ زيارة رسمية للعراق