باريس"أ ف ب": تدرس الدول الأوروبية إعادة فرض الخدمة العسكرية الإلزامية لتعزيز قدراتها الذاتية في مواجهة أي عدوان روسي، مدفوعة بخشيتها من احتمال فك الولايات المتحدة ارتباطها الدفاعي، وحرب موسكو المستمرة منذ ثلاث سنوات ضد أوكرانيا.

وفاجأ قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين غزو أوكرانيا مطلع عام 2022 أوروبا، وتزايدت المخاوف بشأن متانة حلف شمال الأطلسي (ناتو) في ظل التغييرات الجذرية التي يدخلها الرئيس دونالد ترامب على السياسة الخارجية الأميركية، وتشديده على وجوب أن تهتم أوروبا بأمن القارة.

ويقرّ كل من المحللين العسكريين والحكومات الأوروبية بأن خطر العدوان الروسي حقيقي، بل وأعلى بكثير مما كان عليه ثلاث سنوات.

يقول ألكسندر بوريلكوف، الباحث في معهد العلوم السياسية بجامعة هايدلبرغ، إن "الجيش الروسي اليوم أكبر وأفضل مما كان عليه في 24 فبراير 2022. لدى الروس نوايا عدائية تجاه دول البلطيق والجناح الشرقي للاتحاد الأوروبي".

وتفيد دراسة شارك بوريلكوف في إعدادها لصالح مركز بروغل البحثي ومعهد كيل، بأن أوروبا قد تحتاج إلى 300 ألف جندي إضافي لردع العدوان الروسي، بالإضافة إلى 1,47 مليون عسكري في الخدمة حاليا.

ويوضح الباحث "يجب أن يؤدي التجنيد الإلزامي دورا في (توفير) أعداد كبيرة كهذه من القوات الجديدة".

من باريس إلى وارسو، يسعى القادة إلى زيادة الإنفاق الدفاعي لدولهم في مواجهة التهديدات الأميركية بسحب ضماناتها الأمنية لأوروبا.

لكن العديد من الدول، بما في ذلك فرنسا وبريطانيا، تعاني لتجنيد العديد والاحتفاظ بهم. وقد تكون إعادة فرض شكل من أشكال الخدمة العسكرية، الإلزامية أو الطوعية، أصعب.

وبحسب استطلاع رأي أجرته مؤسسة يوغوف، تؤيد غالبية في فرنسا (68%) وألمانيا (58%) الخدمة العسكرية الإلزامية للشباب. في المقابل، ينقسم الإيطاليون والبريطانيون بشأنها، بينما يعارضها غالبية الإسبان (53%).

لكن الدراسات تظهر أيضا أن العديد من الأوروبيين غير مستعدين للدفاع عن بلدانهم في ساحة المعركة.

وتوضح الخبيرة الفرنسية بينيديكت شيرون التي تدرس الروابط بين المجتمع والقوات المسلحة "في مجتمع ليبرالي، أصبح فرض القيود العسكرية شبه مستحيل".

تضيف "ما دام لا يوجد غزو، فإن تقبّل التكاليف السياسية لمعاقبة الرافضين للاستدعاء، يبدو أمرا لا يمكن تصوّره".

- "حوافز" - وألغت معظم الدول الأوروبية التجنيد الإجباري بعد الحرب الباردة، باستثناء تسع دول لم تعلّقه بتاتا وهي اليونان، قبرص، النمسا، سويسرا، الدنمارك، إستونيا، فنلندا، النروج، وتركيا.

وأعادت ليتوانيا العمل بالتجنيد الإجباري في 2015، بعد عام من ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في جنوب أوكرانيا.

وحذت السويد حذوها عام2017، ولاتفيا عام 2023. ولكن نظرا للتكاليف السياسية والاقتصادية، لا تعتزم معظم الدول الأوروبية الخمس الأكثر إنفاقا في حلف شمال الأطلسي، أي فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة وإيطاليا وبولندا، لجعل الالتحاق بالقوات المسلحة إلزاميا.

وأعلنت بولندا التي ألغت التجنيد الإجباري في عام 2008، مؤخرا عن خطط لتقديم تدريب عسكري لمئة ألف مدني سنويا، بدءا من 2027.

وسيكون هذا البرنامج طوعيا، بينما تخطط السلطات لاعتماد نظام "دوافع وحوافز"، بحسب رئيس الوزراء دونالد توسك.

في ألمانيا، أعرب المستشار العتيد فريدريش ميرتس عن تأييده لإعادة اعتماد سنة إلزامية يمكن للشباب خلالها أداء الخدمة العسكرية أو المجتمعية.

وفي بريطانيا، تم تسريح آخر جنود الخدمة الوطنية عام 1963، ولا تخطط الحكومة للعودة عن ذلك.

وصرح بات ماكفادن، وزير شؤون مجلس الوزراء "لا ندرس التجنيد الإجباري، لكننا أعلنا بالطبع عن زيادة كبيرة في الإنفاق الدفاعي".

في فرنسا، حيث انتهت الخدمة الإلزامية عام 2001، يبحث الرئيس إيمانويل ماكرون عن سبل لتشجيع الشباب على الخدمة العسكرية.

وأكد في تصريحات للصحافيين نشرت السبت أن فرنسا باتت تفتقد "الوسائل اللوجستية" لإعادة فرض الخدمة الإلزامية، لكنه يريد "البحث عن سبل لتعبئة المدنيين"، وسيُصدر إعلانا بهذا الشأن في الأسابيع المقبلة.

ويرى المؤرخ العسكري الفرنسي ميشال غويا أن إعادة فرض الخدمة الوطنية "ستعني تحويل جزء كبير من الجيش إلى مراكز تدريب".

في إيطاليا، استبعد وزير الدفاع غيودو كروسيتو إعادة فرض الخدمة، لكنه أيد فكرة إنشاء قوة احتياط.

ويرى باحثون أن على سياسيي أوروبا الغربية التعلم من دول الشمال الأوروبي ودول البلطيق، وخاصة فنلندا والسويد. وتمتلك فنلندا التي تتشارك حدودا طويلة مع روسيا وغزاها الاتحاد السوفيتي عام 1939، إحدى أكبر قوات الاحتياط في أوروبا.

ويؤكد بوريلكوف "لا يزال الانقسام بين الشرق والغرب مشكلة. قلة من الناس في أوروبا الغربية على استعداد للقتال".

ويعتبر أن إقناع الأوروبيين بالتطوع يتطلب حملات مناصرة.

ويوضح "هناك أيضا علاقة بين ما إذا كان الناس يرون أن الانتصار ممكن في الحرب وما إذا كانوا يرغبون في الخدمة، لذا فإن التحسين الجذري للقدرات العسكرية الأوروبية سيزيد من ثقة الناس بها".

ويؤكد ميشال غويا أن الأوروبيين صُدموا بهشاشتهم وضعفهم دفاعيا.

ويشير الى أن الدعم الأميركي "ينحسر، والعديد من الدول الأوروبية تقرّ بأنها في النهاية، مكشوفة بعض الشيء".

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التجنید الإجباری الدول الأوروبیة الخدمة العسکریة

إقرأ أيضاً:

الاتحاد الأوروبية يحذّر من تداعيات الرسوم الجمركية

حذر فادليس دومبروفسكيس المفوض الاقتصادي للاتحاد الأوروبي، اليوم الجمعة، من التبعات الاقتصادية طويلة المدى على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إذا طبقت واشنطن الرسوم الجمركية المعلّقة على صادرات التكتل.
وقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أمس الأول الأربعاء، إن واشنطن ستعلّق رسوما خاصة على وارداتها من معظم الشركاء التجاريين، ومن بينهم الاتحاد الأوروبي، لمدة 90 يوما؛ للسماح بإجراء مزيد من المحادثات مما دفع التكتل لتعليق الرسوم المضادة المخطط لها.
وقال دومبروفسكيس "وفقا لأحدث نموذج محاكاة لدينا لتأثير رسوم الولايات المتحدة، يمكن أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي الأميركي بنسبة تتراوح ما بين 0,8 % و1,4 % حتى عام 2027".
وأضاف أن "التأثير السلبي على الاتحاد الأوروبي سيكون أقل منه في الولايات المتحدة، ويصل لحوالي 0,2% من الناتج المحلي الإجمالي" إذا طبقت الرسوم الأميركية بنسبة 20%.
وأوضح المفوض الأوروبي أنه "نظرا لعدم اليقين الاستثنائي وقرارات الرسوم التي تتغير كثيرا، لا يمكن أن تكون نماذج المحاكاة لدينا دقيقة تماما، لكنها تظهر أن الاتجاه العام أن الرسوم تضر بالرخاء".
يأمل الاتحاد الأوروبي التوصل لحل عن طريق التفاوض أثناء تعليق زيادات الرسوم على الوارادت.
وذكرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، في مقابلة مع صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، أنها تدرس فرض رسوم جمركية على شركات التكنولوجيا الأميركية العملاقة مثل "ميتا" أو "جوجل".
وقالت فون دير لاين للصحيفة إنه إذا لم تنجح المفاوضات في التوصل إلى اتفاق، فهناك مجموعة واسعة من الإجراءات المضادة المتاحة للاتحاد الأوروبي. ونقتل عن فون دير لاين قولها "على سبيل المثال، يمكن فرض ضريبة على عائدات الإعلانات الخاصة بالخدمات الرقمية".
وكانت فون دير لاين قد أعلنت، أمس الخميس، أن الاتحاد الأوروبي سيعلق فرض الرسوم الجمركية الانتقامية على الواردات الأميركية لمدة 90 يوما ردا على خطوة مماثلة أعلنتها الولايات المتحدة.
وقالت فون دير لاين "نريد أن نعطي المفاوضات فرصة". وأضافت "إذا لم تكن المفاوضات مرضية، سنقوم بتفعيل تدابيرنا المضادة".
وأكدت رئيسة المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، أن "العمل التحضيري لاتخاذ تدابير مضادة إضافية لا يزال مستمرا. وكما قلت سابقا، فإن جميع الخيارات لا تزال مطروحة على الطاولة".
كانت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قد وافقت، أمس الأول الأربعاء، على فرض رسوم جمركية انتقامية تتراوح بين 10% و25% على الواردات الأميركية، والتي كان من المقرر تطبيقها اعتبارا من الأسبوع المقبل، ردا على الرسوم الجمركية الأميركية على واردات الصلب والألومنيوم التي فرضها الرئيس ترامب منذ نحو شهر.

أخبار ذات صلة هل نجحت خطة الرسوم الجمركية؟ ترامب يجيب مجلس الشيوخ الأميركي يصادق على تعيين رئيس لهيئة الأركان المشتركة المصدر: د ب أ

مقالات مشابهة

  • أوروبا تعد مواطنيها للحرب.. إرشادات تخزين وإخلاء وملاجئ للاحتماء من أي هجوم
  • عودة العملاق.. لماذا تخاف أميركا وأوروبا من إعادة تسليح ألمانيا؟
  • 3 انسحابات من المنظمة الفرنكفونية.. خطوة جديدة للقطيعة مع فرنسا
  • لأول مرة.. البورد العربي يُعتمد في أوروبا برئاسة عراقية
  • صحة الوادي الجديد تبحث ضوابط التعاقدات من صندوق تحسين الخدمة
  • ما قد لا تعلمه: أوروبا تُهيء مواطنيها للحرب
  • قواعد جديدة تُشدد الرقابة على سلامة الألعاب في الأسواق الأوروبية
  • الإمارات تفوز برئاسة لجنة الحوكمة الدائمة في «الإنتربول»
  • الاتحاد الأوروبية يحذّر من تداعيات الرسوم الجمركية
  • دورتموند يفكر في إعادة مدافعه المخضرم من أجل مونديال الأندية