فيلم اللّذة القاتلة.. إجازة عائلية تكشف عن أزمة الذات والتصدع الاجتماعي
تاريخ النشر: 16th, March 2025 GMT
ما بين دراما العائلات واستكشاف الأماكن يمكن النظر إلى العديد من الأفلام التي تستعرض تلك اليوميات الخاصة بأفراد العائلة في إطار من الروتين اليومي أو الفعاليات اليومية.
وهنا سوف تتفاوت دراميا الأهداف من وراء تلك الدراما التي سوف تتطور تدريجيا إلى نوع من الرضا والتسامح والتعاطي مع الأمر الواقع، مع أن الواقع يتكشف عن مشكلات وتعقيدات ما تلبث أن تتفجر وتنعكس على الشخصية الدرامية.
هذه المقدمة تنطبق على العديد من الأفلام التي تنتمي إلى هذا النوع، نذكر منها، فيلم "الطريق الذي سلكناه- 2009" وفيلم "السمكة الكبيرة 2003"، وفيلم "دان في حياته الحقيقية -2007"، وفيلم "صخرة العائلة – 2005"، وفيلم "هانا وأخواتها -1986"، وفيلم "بيت من أجل العطلة – 1996"، وفيلم "قابل الوالدين -2000"، وفيلم "راتشيل تتزوج – 2008"، وفيلم "حياة لا نهائية -2005" وغيرها من الأفلام...
واقعيا نحن أمام فيلم "اللذة القاتلة" للمخرجة نيل ستوفين وهو من إنتاج ألماني - فرنسي، وقد افتتح عرضه العالمي الأول في مهرجان برلين السينمائي الدولي الذي اختتم قبل أقل من شهر من الآن، وهو يحاكي إلى حد ما ذلك النوع من أفلام العائلات، كما انه من جهة أخرى يمزج ما بين الفانطازيا والرعب والجريمة في شكل سينمائي، يبني من جانب آخر على ما يمكن أن نسميه اختلاف الثقافات.
وإذا توقفنا عند هذه النقطة الأخيرة قبل أن نغوص عميقا في أحداث الفيلم، فإن سلسلة من الإحالات يمكن التوقف عندها، فالعائلة الألمانية ميسورة الحال قادمة لقضاء إجازتها في منطقة بجنوب فرنسا، وما أن تصل إلى ذلك البلد حتى تجد نفسها وسط موجات من التظاهرات في ذلك الوقت وكلها بالطبع تتعلق بتحسين الأحوال المعيشية.
هذا التمهيد وفيما العائلة محاصرة في داخل السيارة والمصادمات بين المتظاهرين ورجال الشرطة الفرنسية والضرب واستخدام الغازات تجري من حولهم، كلها صور ومشاهد تبدو وكأنها المرة الأولى التي تشاهدها العائلة وهو ما سوف تؤكده مرة أخرى في علاقتها مع طبقة صغار الموظفين التي تنظر إليها من الأعلى حتى تتسلط على العائلة فتاة تدعى تيودورا - الممثلة الإسبانية كارلا دياز التي سوف تتمكن من فرض الأمر الواقع على العائلة وتعيش في وسطهم بصفة مدبرة منزل ومن ثم تبدأ التسلل إلى حياة تلك الأسرة وصولا إلى تداعيات خطيرة لم تكن في الحسبان.
واقعيا نحن أمام قصة درامية تتكشف من خلالها شخصيات نستطيع أن نقول إنها تائهة وشبه منقطعة عن الواقع، فضلا عن تصدعات كانت متوارية وسرعان ما تتكشف تباعا، سواء في طبيعة العلاقة بين الزوجين والتي تتجلى من خلال العديد من المشاهد التي تجمع الزوجين القادمين من تلك الطبقة الموسرة، وهما اللذان يشعران كأن العائلة أصبحت مثل سمكة خارج الماء عندما وجدت نفسها على تماس مع طبقة الخدم ومشاهدة المتظاهرين ولاحقا انضمام تيدورا إلى العائلة من خلال الحادث المدبر الذي لفقته بحجة أنها صدمت بسيارة جون وفقدت وظيفتها بعد ذلك ومن ثم أصبح تسللها إلى العائلة في حكم الأمر الواقع.
يقول الناقد نيل بيثرو الناقد السينمائي في موقع سكرين رانت:" لا شك أن رسالة الفيلم تأتي هنا على شكل رمزية بصرية متميزة وحوارات متقنة، ولكن القصة والشخصيات تصبح تدريجيًا أقل تأثيرا للتعبير عن الفكرة الرئيسية للفيلم، رغم أن رسالته تبقى قوية ومؤثرة طوال الوقت.
القصة تأتي ثانوية مقارنةً برمزية الفيلم المتعددة الطبقات، والتي تُكرّر النقاط الواردة في المشهد الافتتاحي بطرق لافتة للنظر ويُعدّ هذا سلاحًا ذا حدين للفيلم. فبينما تُعدّ العناصر البصرية للفيلم مُكمّلًا مثاليًا للتعبير عن سردية الفيلم، إلا أن هذا المستوى نفسه من التفاعل لا يُترجم بشكل واحد من طرف الشخصيات".
أما الناقدة السينمائية كارينا بلوم في موقع ميت كريتيك فتقول: "على الرغم من أن الفيلم يُقدم على أنه دراما إثارة منزلية تقليدية، مدعومة بالمؤامرات، إلا أنه يصمد دراميا رغم بعض الحوارات غير المتقنة في مقابل المهارات الإخراجية التي تفوق النص المكتوب، ويمكن القول إن المخرجة قد نجحت في انتزاع أداء قوي من الممثلين، وإضفاء جو كثيف ومتوتر على القصة التقليدية، على خلفية براعة تصوير فرانك كريب".
لاشك أن تسلل تيدورا كان عبارة عن ثقب اسود كبير بدأت العائلة تدخله بالتدريج عندما استدرجت الزوجة تعبيرا عن سخطها من إخفاق زوجها وانضمامها إلى ثلة تيدورا من الشباب المنطلقين على دراجاتهم النارية ليلهم كنهارهم وخلال ذلك تفصح تيدورا بوضوح أنها تنتمي إلى جيل سوف يعجزون عن السيطرة عليه أو إدراك نواياه، وهو ما تشير من خلاله إلى الدوامة التي سوف يدخل فيها الجميع ولن يخرجوا منها بسلام.
إخراجيا عمدت المخرجة إلى بناء حلول جمالية وتعبيرية من خلال خطوط السرد المتعددة، إذ أتاحت لكل شخصية أن تعبر عن أزماتها الخاصة وحيث الصمت المطبق يخيم على الطفلين لكن شهادة الطفلة لوحدها التي لا تستمع إليها الأم كانت كفيلة بكشف نوايا تيدورا في التسلل إلى حياة العائلة سواء بسرقة هاتف الزوجة أو التفتيش في دولابها.
وهنا يمكننا التوقف عند التداعي المستمر للشخصيات ضمن نطاق السرد الفيلمي القائم على فكرتي الممكن والمتوقع والمبني على رغبات أكثرها يتميز بالأنانية وعدم الانفتاح على الآخر وهي ثغرات مهمة كانت كافية للكشف عن الشخصيات وهي في أشد أزماتها صعوبة حتى إذا انتقلنا إلى الحل الإخراجي وما رسمه السيناريو بأن تيدورا وأصحابها بالإضافة إلى التنسيق فيما بينهم للإيقاع بالضحايا إن هم إلا مجموعة من مصاصي الدماء وهو ما سوف يظهر في المشاهد الأخيرة، وفي الحقيقة إنه تفصيل لم يكن ذا قيمة مهمة على صعيد الدراما الفيلمية.
ومن جهة أخرى وجدنا أن جون وزوجته بما أوتيا من خبرات وتجارب وتاريخ مهني وطبقة أرستقراطية، إلا أنهما بديا شبه مغفلين وبالإمكان خداعهما والتلاعب بهما وخاصة من طرف تيدورا وأصدقائها وهو تضارب ملفت للنظر في بناء الشخصيتين، وربما كانت الطفلة أكثر يقظة من والديها اللذين سوف ينحدران تباعا في اللعبة التي يصنعها أصدقاء تيدورا وهي مفارقة درامية ملفتة للنظر واستثنائية.
لاشك أن الفيلم على بساطة الفكرة التي عالجها على صعيد هذا النوع من الدراما العائلية، إلا أنه امتزج بمعطيات كثيرة وتماهى مع فكرة فيلم الرعب والكوميديا السوداء وأفلام مصاصي الدماء في مزيج درامي جعل مسألة الاهتمام والمتابعة للأحداث مؤكدة ومثيرة للاهتمام لدى المشاهد.
...
سيناريو وإخراج/ نيل ستوفين
تمثيل/ فاليري باشنر في دور إستر، فخري يارديم في دور جون، كارلا دياز في دور تيودورا
مدير التصوير/ فرانك كريب
موسيقى/ فولكر برتيلمان
العرض الأول/ مهرجان برلين السينمائي الدولي - 2025
• اسم الفيلم تم تعديله من طرف نيتفليكس من اللذة إلى اللذة القاتلة.
• الفيلم ليس للمشاهدة العائلية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: إلا أن
إقرأ أيضاً:
جامعة القناة تعزز القيم الأسرية ببرنامج تدريبي بعنوان "تجديد الاهتمام والحفاظ على بر الوالدين في العصر الحالي"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أطلقت جامعة قناة السويس برنامجا تدريبيا توعويا بعنوان "تجديد الاهتمام والحفاظ على بر الوالدين في العصر الحالي"، بالتعاون بين إدارة تدريب أفراد المجتمع، وبيت العائلة المصرية فرع الإسماعيلية، ومركز الجامعة لذوي الهمم، وذلك بمقر المركز.
جاء ذلك تحت رعاية الدكتور ناصر مندور رئيس جامعة قناة السويس، وفي إطار التعاون الفعّال بين قطاع خدمة المجتمع وتنمية البيئة بإشراف الدكتور دينا أبو المعاطي نائب رئيس الجامعة لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، وقطاع شئون التعليم والطلاب بإشراف عام الدكتور محمد عبد النعيم نائب رئيس الجامعة لشئون التعليم والطلاب بجامعة قناة السويس.
طلاب وأولياء أموراستهدف البرنامج ثلاثين طالبًا وطالبة وعددًا من أولياء الأمور، وشارك في تقديمه نخبة من الرموز الدينية والفكرية، حيث ألقى فضيلة الشيخ محمد عبد الرؤوف، عضو بيت العائلة المصرية، كلمة نيابة عن فضيلة الشيخ أشرف محمد السعيد، مدير بيت العائلة المصرية فرع الإسماعيلية ومدير منطقة الوعظ، تحدث فيها عن أهمية بر الوالدين في الإسلام، وكيفية الحفاظ عليه في مختلف مراحل الحياة، مؤكدًا أن البر لا ينتهي بوفاة الوالدين، بل يستمر بالدعاء لهما والاستغفار، وإنفاذ عهدهما، وصلة الأرحام المرتبطة بهما، وإكرام أصدقائهما.
كما قدّم القمص بنيامين مزيد بساده، كاهن بمطرانية الأقباط الأرثوذكس بالإسماعيلية وعضو بيت العائلة المصرية، رؤية من المنظور المسيحي حول مكانة الوالدين، مستشهدًا بالوصايا العشر في العهد القديم، حيث تأتي الوصية الخامسة بالتأكيد على ضرورة إكرام الأب والأم، وأن من لا يعتني بأهل بيته يُعد من أشر الناس بحسب تعاليم العهد الجديد، مؤكدًا أن الحفاظ على بر الوالدين يجلب البركة في الحياة.
جاءت الفعالية بإشراف الدكتور محمود الضبع عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية وشارك بها الدكتور سامح عباس، مدير مركز ذوي الهمم بجامعة قناة السويس، والدكتور أحمد جاد، نائب مدير المركز، والأستاذ الدكتور عبد المعبود عبد الرسول، رئيس قسم الدراسات السكانية.
هذا واصطحب الدكتور سامح عباس المحاضرين في جولة تفقدية داخل المركز، تم خلالها التعريف بغرف المحاضرات، والمكتبة التي تحتوي على مجموعة كبيرة من الكتب المطبوعة بطريقة برايل، وحجرة الحاسب الآلي المجهزة ببرنامج خاص لتحويل ملفات الوورد إلى صيغة مقروءة بطريقة برايل، بما يعكس اهتمام الجامعة بتوفير بيئة تعليمية دامجة لذوي الهمم.
ترسخ بر الوالدينتناول البرنامج التدريبي عددًا من المحاور التي ترسخ مفاهيم بر الوالدين، منها كيفية الإحسان إليهما في الحياة وبعد الوفاة، والتعبير عن الاحترام لهما بالاهتمام والرعاية، وتقديم الهدايا، وإظهار المحبة واللطف، والحرص على احترام آرائهما وخفض الصوت أثناء الحديث معهما. كما تم التطرق إلى أساليب تقديم النصح لهما برفق، والاستعانة بمصادر دعوية هادئة للتأثير الإيجابي، مع التأكيد على أهمية الدعاء والاستعانة بالله في توجيههما للخير.
نظم للبرنامج التدريبي المهندسة وفاء إمام مدير عام الإدارة العامة للمشروعات البيئة والأستاذ أحمد رمضان مدير إدارة تدريب أفراد المجتمع.
يأتي تنفيذ هذا البرنامج في سياق رؤية جامعة قناة السويس لنشر القيم الأخلاقية والروحية وتعزيز التماسك الأسري في ظل التحديات المجتمعية المعاصرة، تأكيدًا على دور الجامعة كمؤسسة تعليمية ومسؤوليتها الاجتماعية في بناء الوعي وتعميق الانتماء للأسرة والمجتمع.