جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-13@13:51:02 GMT

مفتاح البقاء في عالم مُتغير

تاريخ النشر: 16th, March 2025 GMT

مفتاح البقاء في عالم مُتغير

 

 

د. أحمد بن موسى البلوشي

الابتكار، ذلك المفهوم السحري الذي يحمل في طياته مفاتيح التقدم والتطور، وهو ليس مجرد فكرة عابرة أو ومضة إبداعية أو كلمة نتداولها، بل هو عملية مستمرة ومنهجية تهدف إلى تحويل الأفكار الجديدة إلى واقع ملموس يحقق قيمة مضافة، وفي عالم يتسارع فيه التقدم وتتغير فيه المعطيات بشكل مستمر، لم يعد الابتكار خيارًا ترفيًّا، بل أصبح ضرورة حتمية لمواكبة التغيرات المتسارعة في مختلف جوانب الحياة، وهو لا يقتصر على مجال معين، بل يشمل جميع جوانب الحياة ومجالاتها؛ فأغلب الدول والمؤسسات التي تتبنى الابتكار وتستثمر فيه تتمتع بميزة تنافسية، وتحقق نموًا اقتصاديًا مستدامًا، والأفراد الذين لا يسعون إلى تطوير أفكار جديدة لحياتهم وتعاملاتهم وحلول مبتكرة للتحديات التي يواجهونها، يواجهون خطر التخلف عن الركب أمام موجة التقدم.

لطالما كان الابتكار محركًا رئيسيًا للنجاح، فالتاريخ يشهد أن الحضارات التي تفوقت كانت تلك التي احتضنت الإبداع وسعت إلى التطوير المستمر، والتفكير خارج الصندوق، والأهم من ذلك، يتطلب الابتكار ثقافة مجتمعية تقدر الإبداع وتحترمه. اليوم، نرى كيف أن الدول التي تستثمر في البحث والتطوير تحقق تقدمًا اقتصاديًا واجتماعيًا ملحوظًا، في حين تتراجع الدول التي تفتقر إلى بيئة مشجعة للابتكار.

الابتكار يتجلى في صور وأشكال متعددة، فقد يكون ابتكارًا في المنتجات أو الخدمات، أو ابتكارًا في العمليات والأساليب، أو حتى ابتكارًا في نماذج الأعمال، أو حتى في أساليب العيش والحياة، والهدف الأساسي منه  هو إيجاد حلول جديدة ومبتكرة للتحديات، وتحسين جودة الحياة، وتحقيق النمو المستدام. فمثلًا الشركات التي تقاعست عن التطوير والابتكار لما وصل له العالم من تقدم خرجت من السوق، مثل ما حدث مع شركة "نوكيا" و"كوداك"، والأمر لا يقتصر على الشركات فقط، فحتى الدول التي لا تستثمر في الابتكار تجد نفسها تعاني من تراجع اقتصادي وتدهور في مستويات المعيشة، وكذلك الإنسان إذا لم يجد طرقاً مبتكرة لطريقة حياته يصبح أسيرًا للروتين والتكرار، ويفقد شغفه بالحياة. الابتكار في طريقة العيش لا يعني فقط الإبداع في العمل أو المشاريع، بل يشمل أسلوب التفكير، والتعامل مع التحديات، وحتى العادات اليومية. كلما اكتشف الإنسان طرقًا جديدة للنظر إلى الأشياء، زادت قدرته على التطور والتأقلم، مما يجعل حياته أكثر متعة ومعنى.

ويُعد ترسيخ ثقافة الابتكار أمرًا بالغ الأهمية لضمان التطور المستدام، ويمكن تحقيق ذلك من خلال تشجيع البحث والتطوير عبر توفير بيئات محفزة تدعم الإبداع على مستوى الأفراد والمؤسسات، إلى جانب تعزيز التعليم القائم على الإبداع بحيث يركز على تنمية مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات. كما أن دعم رواد الأعمال والمبتكرين من خلال تقديم التسهيلات والتمويلات للمشاريع الناشئة يعد عنصرًا أساسيًا في بناء بيئة ابتكارية ناجحة. وأخيرًا، فإن تبني المرونة والاستعداد للتكيف مع المتغيرات يُعد ضروريًا لضمان القدرة على التطور والاستمرار في عالم سريع التغير.

إنَّ الاختيار بين الابتكار والاندثار ليس مجرد قرار؛ بل هو مسار يحدد مستقبل الأفراد والمجتمعات، وفي عالم اليوم، من لا يبتكر، يندثر. لذا، لا بُد أن يكون الابتكار ثقافة ونهج حياة، لضمان الاستمرارية والتقدم.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

تعرف على الشخص المسؤول عن ابتكار مايكروسوفت الكمومي الجديد

تسارعت وتيرة الأحداث في عالم الحواسيب الكمومية خلال السنوات الماضية، وذلك بعد أن دخلت العديد من الشركات إلى أرض السباق لمنافسة عمالة التقنية الساعين إلى تطوير حاسوب كمي ذي استخدام تجاري ويمكن إنتاجه بشكل واسع.

ورغم تعدد المشاركين بهذا السباق الكمومي، تقف "مايكروسوفت" في مكانة مختلفة عن بقية المنافسين تنبع من عراقة الشركة واستثمارها في التقنية الكمومية، منذ أكثر من 19 عامًا، فضلًا عن فلسفة مختلفة في بناء رقائق الحواسيب الكمومية، التي آتت ثمارها بعد إعلان الشركة الأخير عن رقاقة "ماجورانا 1" (Majorna 1) التي تمثل باكورة إنتاجها بهذا القطاع والخطوة الأولى على طريق المليون رقاقة كمومية.

وخلف هذا النجاح، يقف إيمان "مايكروسوفت" بأحد الأشخاص الذي ضمته الشركة لفريقها عام 2005 مع بداية رحلتها في هذا القطاع، وهو الدكتور تشيتان ناياك ذو الـ53 ربيعًا حيث يرأس قسم "ستيشن كيو" (Station Q) والمسؤول عن الأبحاث الكمومية.

من هو تشيتان ناياك؟

ولد عام 1971 في نيويورك حيث ترعرع حتى تخرج من مدرسة ستايفسانت الثانوية، وهناك بدأ شغفه بالفيزياء الكمومية بعد أن أهداه أحدهم نسخة من محاضرات عملاق الفيزياء ريتشارد فاينمان، لتبدأ بعد ذلك رحلته الحقيقية في عالم الفيزياء الكمومية ورحلة الوصول إلى الحاسوب الكمومي التجاري.

إعلان

وتخرج ناياك عام 1992 من هارفارد، ثم حصل على الدكتوراه من جامعة برنستون عام 1996، وبعد ذلك أكمل دراسته في جامعة سانتا باربرا ضمن قسم الفيزياء النظرية من عام 1996 حتى 1997 لينضم بعد ذلك إلى جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس أستاذا للفيزياء حتى عام 2006، وبعد ذلك أستاذا شرفيا للفيزياء من عام 2007 في جامعة سانتا باربرا تزامنًا مع عمله في "مايكروسوفت".

وحاز في رحلته الدراسية على العديد من الجوائز والمناصب الشرفية، بدءًا من جائزة الفيزيائي الشاب المتميز من الفرع الأميركي للجمعية الهندية للفيزياء، وحتى منصب زمالة الجمعية الفيزيائية الأميركية فضلًا عن زمالة مؤسسة الفريد ب. سلون، وجائزة المؤسسة الوطنية للعلوم "إن إس إف" (NSF) للوظائف المبكرة، وهو الآن يشغل منصب مدير الأبحاث الرئيسي في "مايكروسوفت ستيشن كيو" المسؤول عن شريحة "ماجورانا 1" منذ عام 2014.

ويتخصص ناياك في دراسة المواد الطوبولوجية ذات الطبيعة الفائقة فضلًا عن حالات التوصيل الفائقة في درجات الحرارة المرتفعة، إلى جانب دراسة المعادن الغريبة والتأثيرات المختلفة التي تملكها على السلوك الإلكتروني فضلًا عن العديد من المواضيع الدقيقة المتعلقة بالفيزياء الكمومية، وهو التخصص الذي مكنه من بناء تسخير جزيئات "ماجورانا" واكتشاف الحالة الجديدة للمواد.

ويتكون الفريق الذي يرأسه ناياك من مئات العلماء والمهندسين وخبراء الرياضيات، وهم جميعًا يعملون لبناء الحاسوب الكمومي منذ أكثر من 20 عامًا. وعلى غرار أسلوب "غوغل" في تطوير الرقائق الكمومية بشكل مألوف، فإن فريق ناياك اختار أسلوبًا أكثر خطورة وأقل قبولًا في المجتمع العلمي، مما جعل إنجازه في هذا القطاع أكثر تميزًا.

"مايكروسوفت" تستثمر في "سيكشن كيو" وقطاع الحواسيب الكمومية لمدة تناهز 20 عامًا (غيتي) تراكم الاكتشافات الصغيرة

تشير التقارير إلى أن ساتيا ناديلا المدير التنفيذي لشركة "مايكروسوفت" كاد أن يغلق قسم "سيكشن كيو" تمامًا منذ 7 سنوات، وذلك وسط الأزمة المالية التي كانت تمر بها الشركة ونتيجةً لغياب الابتكارات التجارية القادمة من القسم، إذ كان يرى أن جهود تطوير الحواسيب الكمومية لن تكون ذات نتيجة تجارية مثل جهود الذكاء الاصطناعي. والآن، خرج ناديلا ذاته عبر حساب "إكس" الرسمي متغنيًا بنجاح الفريق في اكتشاف حالة جديدة للمادة واقترابهم من تطوير الحواسيب الكمومية.

إعلان

وظلت "مايكروسوفت" تستثمر في "سيكشن كيو" وقطاع الحواسيب الكمومية دون ملل أو كلل، لمدة تناهز 20 عامًا، إذ كانت الشركة تنفق ما يوازي 300 مليون دولار سنويًا على هذا القطاع، أي أكثر من 6 مليارات دولار في المجمل خلال السنوات الماضية. وبحسب وصف ناياك نفسه، فإن عمله في "سيكشن كيو" يعتمد على تراكم الاكتشافات الصغيرة حتى تصل إلى لحظة الكشف الكبير، ثم يعاود الفريق العمل على الاكتشافات الصغيرة ليصل إلى لحظة اكتشاف كبيرة أخرى.

وما اكتشفته "مايكروسوفت" لن يجعل الحواسيب الكمومية تظهر بشكل تجاري بدءًا من الغد، إذ مازال الطريق طويلًا أمام الوصول إلى الحالة التجارية الناجحة لهذه الحواسيب، ولكنه بكل تأكيد بداية الطريق. وإن صحت ادعاءات "مايكروسوفت" فستتمكن رقائق "ماجورانا 1" من التغلب على كافة مشاكل الثبات واستقرار الأداء التي تعاني منها الرقائق الكمومية المعتادة.

شكوك وسط المجتمع العلمي

كشفت "مايكروسوفت" عن رقاقة "ماجورانا 1" بالتزامن مع طرحها بحثًا يوضح النظرية والإثبات العلمي وراء هذه الرقاقة، وقد نشر البحث في المجلة العلمية "نيتشر" (Nature) وهو الأمر الذي جعل العديد من علماء الفيزياء حول العالم ينتقدون البحث ويتربصون به.

يقول سيرجي فرولوف الباحث في مجال الكم بجامعة بيتسبرغ "يدير ناياك مشروعًا احتياليًا داخل مايكروسوفت" وذلك بعد أن أشار إلى مجموعة من التناقضات داخل البحث المنشور التي من شأنها تغيير النتيجة النهائية للبحث بشكل كامل.

ولكن موقف "مايكروسوفت" لم يهتز على الإطلاق، إذ أكد جيسون زاندر المشرف على "سيكشن كيو" وأعماله أن الشركة تلتزم بأعلى المعايير العلمية والأخلاقية، لذا يؤمن بنتيجة أبحاث ناياك وأنها صحيحة للغاية. ولهذا، فإن الشركة تنوي نشر بحثين متتابعين في مجلة "نيتشر" لمراجعة بحث ناياك وتأكيد النظريات المذكورة به.

إعلان

وتجدر الإشارة إلى أن "مايكروسوفت" قامت بتمويل بحثين منفصلين عام 2021 حول جزيئات "ماجورانا" قبل إزالتهم من مجلة "نيتشر" عندما برزت بعض التساؤلات حول جودة البحث ودقته، ولكن هذه الأبحاث تمت في معمل هولندي منفصل عن "مايكروسوفت" و"سيكشن كيو".

الخطوة التالية

قال ناياك في إحدى المقابلات إنه لا ينوي العمل على الحواسيب الكمومية لدى "مايكروسوفت" حتى يبلغ سن الـ70، في إشارة لنيته التقاعد مستقبلًا والتوقف عن العمل، ولكن هذا لن يمنعه عن إتمام عمله الوقت الحالي.

وتتمثل الخطوة التالية أمام ناياك و"سيكشن كيو" في جعل الشرائح أكثر استقرارًا مع تخزين المزيد من الـ"كيوبت" داخل الشريحة حتى تصبح أكثر اعتمادية وأقرب للاستخدام التجاري، ويظل السؤال: هل ينجح ناياك في مسعاه قبل التقاعد؟

مقالات مشابهة

  • منتخبا القدم واليد يسطران الإبداع في دورة الألعاب الشاطئية الخليجية
  • الشعاب: حكومة واحدة هي مفتاح الحل في ليبيا
  • بين الحذر والجُبن
  • أين تقع القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط وأكبرها في دولة عربية ؟ وما هي التعزيزات التي أرسلها ترامب
  • محمود حامد يكتب: معًا.. نفتح شبابيك الأمل
  • روسيا.. ابتكار نموذج قلب لعلاج الرجفان الأذيني
  • تعرف على الشخص المسؤول عن ابتكار مايكروسوفت الكمومي الجديد
  • ولي عهد البحرين يؤكد أهمية اقتران الإبداع بأي مشروع
  • البيت الأبيض: الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على الصين تبلغ 145%
  • القصة الكاملة لأب قتل طليقته وإبنته ذبحا بمدينة مفتاح