جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-14@22:36:25 GMT

ما الذي تفتقده صحافتنا اليوم؟

تاريخ النشر: 16th, March 2025 GMT

ما الذي تفتقده صحافتنا اليوم؟

 

 

 

د. يوسف الشامسي **

 

لربما يُوحي طرح السؤال بهذه الصيغة أني بصدد تقييم مُفصَّل للموضوع بناءً على تصوُّر معياري حول الصحافة ودورها، وبالتالي يمكن تحديد المفقود بالتعرّض للموجود؛ لكن الاستماع لأصوات الصحفيين والمختصّين بالشأن الإعلامي اليوم قد يجعلني أعيد التساؤل السالف ذكره بتساؤل لا يخلو من مفارقة ساخرة بلسان ذوي الشأن أنفسهم: ما الذي لم تعُد تفتقده صحافتنا اليوم؟!

أزعمُ أنَّ النقاش في هذا السياق لا يستدعي بحثًا وتحليلا معمقًا؛ بل مجرد الاستماع لذوي الاختصاص من جهة ووجود إرادة حقيقية من قبل الجهات المسؤولة من الجهة الأخرى كفيل بإعادة إنعاش هذا القطاع ليتبوأ دوره المؤمل في العلاقة بين المجتمع والسياسة، وسأكتفي باختزال الإجابة في مفقودَيْن اثنيْن جديرَيْنِ بدفع صحافتنا المحلية لمسارها المنشود، وأجزم أن أغلب المهتمين بهذا الحقل يجمعون على هذين المطلبين: مزيدًا من الحماية القانونية والتمكين، ومزيدًا من الدعم المادي والتحفيز.

 

تُعد الصحافة أداة حيوية لتعزيز الحوكمة، والتماسك الاجتماعي، والمشاركة العامة، وتمكين الفئات الأقل حظًا في المجتمع، ولئن كانت مهمة الصحافة وجوهرها "نقل الحقيقة"، فإن ذلك لن يتأتى إلّا عبر بوابة الحرية، في مناخٍ ضامن لأمن الصحفي وأحقيّته في الوصول للمعلومة الصحيحة والتحقق منها، لذلك وقبل كل شيء، صحافتنا بحاجة إلى قوانين تدعم الشفافية والتمكين لاستقصاء المعلومات ومراقبة الجهات المُرتبطة بمصالح المواطنين. وغياب قانون حق الحصول على المعلومات هو حكم على الصحافة بالبقاء تحت وصاية الجهات الرسمية وغير الرسمية لتزويدها بالمعلومة، وبالتالي تضعف جودة التغطية الإعلامية وتغيب التنافسية بين المؤسسات الصحفية، ناهيك عن المخاطر القانونية التي قد تورِّط الصحفي جراء نشره معلومة ما دون إذن من الجهات الرسمية نتيجة لغياب قانون ينظّم له ذلك الحق. ورغم إقرار قانون الإعلام الصادر قبل أشهر- والذي ما يزال يثير تساؤلات المختصين- بهذا الحق في مادته الثالثة، إلّا أنه يظل قاصرًا عن منح الصلاحيات الكاملة للصحفي لينطلق بحرية في ميدانه. ولعلَّه من الجدير أن أشير هنا لجهود مجلس الشورى وطرحه لمقترح مشروع قانون حق الحصول على المعلومات قبل قرابة عقد من الزمن؛ ولكن لا أدري إذا ما سقط المقترح خلال دورته التشريعية آنذاك، أو أنه ما يزال يراوح مكانه في أروقة المجلس.

ولسنا بحاجة للوقوف كثيرًا حول أهمية هذا القانون؛ إذ يكفي أنه يعمل بمبدأ تعزيز الثقة وحُسن الظن في القائم على الرسالة الإعلامية، عكس تلك القوانين التي تحدّه بالعقوبات وتُكرِّس مبدأ سوء الظن في الصحفي، فيقبع يستظهر النصوص القانونية خوفًا من الوقوع في شيء من المحظورات، ويتجنب- من ثمّ- تغطية القضايا التي قد تشغل الرأي العام هروبًا من كل ما قد يأتيه بتبعات ومساءلة.

اليوم.. ثلاثة أرباع دول العالم تبنَّت قانون الحصول على المعلومات، 50% من هذه الدول أقرّت القانون فقط خلال العشر سنوات الماضية، لذلك لا ينبغي أن نتأخر كثيرًا عن الركب، خصوصًا وأن مثل هذه القوانين ذات تأثير مباشر على الأداء في مختلف المؤشرات الدولية. فليس بغريب أن نجد أغلب دول المنطقة العربية اليوم- وللأسف- مُصنَّفة في مراتب مُتدنية في مؤشرات حرية التعبير والصحافة العالمية، كتقرير "مراسلون بلا حدود"، و"بيت الحرية"، وغيرها. هنالك بالطبع من يُشكِّك في نزاهة هذه المؤشرات ويعيب مثل هذه التقارير الدولية بحُجة أنها ذات نزعة غربية تُحابي دول "المركز" في تقييمها وتُهمِّش "الهامش"، وهذا جزئيًا لا يُمكن إنكاره؛ كما لا يصحّ قبوله بالمُطلق؛ فبعض المؤسسات إذا ما تقدمت في أحد المؤشرات الدولية أذاعت بذلك في كل محفل، وإن تراجعت في التصنيفات انتقدتْ التقارير ورمتها بالتحيز وما شاءت من التّهم!

وللإنصاف، علينا أن نتساءل: هل صحافتنا اليوم أفضل حالًا مما كانت عليه قبل عقدين أو ثلاثة عقود؟ هل فعلًا نستحق ترتيبًا أفضل؟ وهل توجد مؤشرات وطنية أو إقليمية لنعتمدها فيما يخص حرية الصحافة في بلداننا؟ هل تقدّمنا فيها؟ وهل يعتدّ بها لدى المكتب الوطني للتنافسية؟ هذه التساؤلات ضرورية قبل انتقاد التقارير "الغربية" خاصة بعدما أضحت هذه المؤشرات الدولية شريطًا متريًا بخارطة مستقبل عمان لقياس مدى تقدمنا في مستهدفات رؤية "عُمان 2040".

وتفتقد المؤسسات الصحفية اليوم للدعم المادي، وهذا ما ليس يخفى على المهتمين، فضلًا عن العاملين بهذا القطاع، فأغلب المؤسسات الصحفية قائمة على الدعم الحكومي والإعلانات، واليوم وفق تعبير رئيس جمعية الصحفيين العُمانية، فإن أغلب الصحف الخاصة "تحتضر"، وبالتالي سيفقد المجال العام منابر ضرورية وُضِعَت لتُسهم في تحريك المناخ الثقافي والسياسي وذلك بخلق تعدُّدية في الآراء عند معالجة قضايا الشأن العام.

هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإنَّ الكثير من العاملين في هذا القطاع يشكون ضعف المُحفِّزات المادية للبقاء فيه، ناهيك عن غياب النظرة التكاملية بين المُخرجات وسوق العمل. وعلى المعنيين بسياسات هذا القطاع دراسة هذه القضية بشفافية والتساؤل: ما تأثير غياب الدعم المادي المُستدام على جودة المحتوى الصحفي واستقلاليته؟ وإلى أي مدى يعكس سوق العمل احتياجاته الفعلية في عدد الخريجين الجدد من كليات الإعلام والصحافة بالسلطنة؟ وما السياسات التي يُمكن أن تُعتمد للحد من الفجوة بين المخرجات الإعلامية وسوق العمل؟ أيضًا كيف يمكن مُعالجة الفجوة بين الجنسين في فرص العمل داخل المؤسسات الصحفية؟ وأخيرًا هل هناك تجارب ناجحة في دول أخرى يمكن الاستفادة منها لدعم المؤسسات الصحفية الخاصة؟

هذه التحديات لربما باتت مصيرية وستتطلب إصلاحات جذرية إن تأخرنا في مُعالجتها؛ فبدون بيئة قانونية داعمة، وتمكين اقتصادي يحفظ للمؤسسات الصحفية استقلالها واستدامتها، سيظل هذا القطاع يُعاني من التراجع والقيود.

إنَّ تعزيز حرية الوصول إلى المعلومات، وزيادة التحفيز والدعم للمؤسسات الصحفية الخاصة، أصبحا من الضرورات لضمان دور الصحافة في تحقيق أهداف التنمية وتعزيز الحوكمة. فهل سنشهد تحركًا جادًا لإعادة إنعاش هذا القطاع وتمكينه، أم ستظل هذه المطالب مجرد أصوات في مهب الريح؟

** أكاديمي بقسم الاتصال الجماهيري- جامعة التقنية والعلوم التطبيقية في نزوى

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

عبدالمحسن سلامة يلتقي أعضاء اللجنة النقابية لصحفيي الشرقية.. صور

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

استقبلت اللجنة النقابية للصحفيين بالشرقية برئاسة الدكتورة روح الفؤاد محمد، الكاتب الصحفي عبد المحسن سلامة، نقيب الصحفيين الأسبق والمرشح على منصب نقيب الصحفيين بنادي الشرقية الرياضي بالزقازيق، والذي أكد علي أنه يسعى من خلال ترشحه إلى تحقيق مصلحة المهنة والجماعة الصحفية، بعيدا عن الشعارات، مشددا على رفضه أن يتحول الاستحقاق الانتخابي إلى مشاجرة.

الصحافة تواجه العديد من التحديات

وقال سلامة خلال لقائه بصحفيي الشرقية، إن مهنة الصحافة تواجه العديد من التحديات التي يصل بعضها لأن تكون وجودية، وإنه على الجماعة الصحفية أن تتوحد خلف قيادة تستطيع مواجهة تلك التحديات، وحل مشكلات الصحافة والصحفيين، لافتا إلى أنه يضع على قمة أولوياته استعادة هيبة مهنة الصحافة والتيسير على الصحفيين في ممارسة عملهم وتعظيم علاقاتهم بمصادرهم والمسئولين على مختلف مستوياتهم وقطاعاتهم.

وأكد سلامة أن لديه برنامج انتخابي قوي سيعمل على تنفيذه، وفي القلب منه الجانب الاقتصادي يتضمن طرح أراض ووحدات سكنية للصحفيين، وزيادة بدل التكنولوجيا لأعضاء النقابة بصورة ستكون غير مسبوقة، وإنشاء مستشفى للصحفيين، بجانب تطوير مشروع العلاج وزيادة الحد الأقصى إلى 50 ألف جنيه وللحالات الطارئة إلى 60 ألف جنيه، مشددا على أنه مرشح لكل الصحفيين وليس لتيار أو "شلة"، وأن بابه مفتوح لجميع الزملاء دون استثناء. 

لائحة قيد منضبطة وعادلة

أشار سلامة إلى أهمية وجود لائحة قيد منضبطة وعادلة وشفافة وصارمة بشكل عاجل، لافتا إلى أن قانون النقابة يحتاج إلى تعديل على أن يكون ذلك من خلال الجمعية العمومية. 

الصحفيين المؤقتين العاملين في الصحف القومية لهم كل الحق في التعيين

قال عبد المحسن سلامة إن الصحفيين المؤقتين العاملين في الصحف القومية لهم كل الحق في التعيين، وإن هذا الملف سيكون ضمن أولوياته، وإنه في حال وفقه الله في الانتخابات المقبلة، فلن يخرج صحفي على المعاش نقابيا طالما كان على قيد الحياة، حتى لا يفقد الصحفي بدل التكنولوجيا، مشددا على أنه يرفض تسييس النقابة لأنها بيت كل الصحفيين.

فطير مشلتت وعسل وجبنه

وفي ختام اللقاء، أقام صحفيو الشرقية مأدبة إفطار (فطير مشلتت وعسل وجبن) ترحيبا بضيفهم المرشح على منصب النقيب.

محافظ الشرقية يلتقي عبدالمحسن سلامة 

وكان محافظ الشرقية المهندس حازم الأشموني، استقبل بمكتبه الكاتب الصحفي عبد المحسن سلامة، في مستهل زيارته للمحافظة.

وأكد المحافظ احترامه وتقديره للصحافة والصحفيين ودورهم الوطني الهام، وتكاملهم مع الجهاز التنفيذي.

كما التقى عبد المحسن سلامة بالدكتور حمدي مرزوق رئيس مجلس إدارة نادي الشرقية الرياضي، الذي أكد أهمية الصحافة في دعم الرياضة والأندية وتحقيق البطولات، كما أهدى سلامة درع النادي.

1000864256 1000864258 1000864261 1000864260 1000864255 1000864254 1000863902 1000863908 1000863890 1000863926 1000864078 1000864113 1000863969

مقالات مشابهة

  • اليوم.. "مشروعات النواب" تبحث خطة عمل وزارة الإسكان في دعم القطاع
  • جيش الاحتلال: رصدنا صاروخين من اليمن وحاولنا اعتراضهما
  • ما هو "أحد السعف" الذي يحتفل به الأقباط الأرثوذكس اليوم؟
  • إقرار مشروع قانون لإصلاح القطاع المصرفي بلبنان
  • لبنان.. إقرار مشروع قانون لإصلاح القطاع المصرفي
  • عبد المحسن سلامة: أسعى لمصلحة المهنة والجماعة الصحفية بعيدًا عن الشعارات
  • عبدالمحسن سلامة يلتقي أعضاء اللجنة النقابية لصحفيي الشرقية.. صور
  • اليوم.. الفصل في دستورية شروط طرد المستأجر في قانون الإيجار القديم
  • اليوم.. الحكم فى دعوى عدم دستورية قانون الإيجار تجاريا أو صناعيا
  • جلسة حكومية ثالثة اليوم لبحث مشروع قانون الإصلاح المصرفي