الجزيرة:
2025-05-03@02:07:04 GMT

هل تفتح أوروبا الآن أبوابها لتركيا؟

تاريخ النشر: 16th, March 2025 GMT

هل تفتح أوروبا الآن أبوابها لتركيا؟

يعيش حلف شمال الأطلسي (الناتو) حالة من الضبابية لم تمر عليه منذ تأسيسه في أبريل/ نيسان 1949، في ظل حديث لا ينقطع عن نية الولايات المتحدة الانسحاب من الحلف، الذي تأسس لمواجهة خطر الاتحاد السوفياتي آنذاك، والمفارقة أن أوروبا تواجه اليوم أخطارًا أمنية متزايدة من روسيا، وريثة الإمبراطورية الشيوعية البائدة.

هذه الضبابية التي يعيشها الحلف على وقع تصريحات متفرّقة من الرئيس الأميركي، دونالد ترامب ومن معاونيه، دفعت القارة الأوروبية إلى البحث عن تأسيس منظومة جديدة للأمن والدفاع، بعيدًا عن المظلة الأميركية التي أظلت أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الآن.

لكن قرار الاعتماد على النفس، ليس بالقرار السهل للأوروبيين، إذ يتعلق الأمر بزيادة النفقات العسكرية، ودعم الصناعات الدفاعية، وإعداد تصور إستراتيجي لمستقبل القارة العسكري، بحسب ما أقرته السياسة الدفاعية الجديدة التي اعتمدها المجلس الأوروبي خلال قمته الاستثنائية في بروكسل الشهر الجاري.

من هنا كان قرار الاتحاد الاستعانة بأعضاء من خارجه للمساهمة في تدعيم المشروع الأمني الجديد، حيث وقع الاختيار على بريطانيا وتركيا.

تحركات أوروبية

منذ مطلع مارس/ آذار الجاري، كان واضحًا أن التحركات الأوروبية لدعم أوكرانيا، وبحث المنظومة الدفاعية في القارة العجوز، حرصت على جذب تركيا إلى الدوائر النقاشية.

إعلان

حيث استضافت بريطانيا قمة أوروبية استثنائية، بمشاركة 10 قادة أوروبيين، إضافة إلى كندا وتركيا، التي مثلها وزير الخارجية، هاكان فيدان، إضافة إلى ممثلين عن الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.

وبعدها بأيام قليلة شاركت تركيا في اجتماع "الدول ذات التفكير المماثل" الذي نظمه الاتحاد الأوروبي، حيث شارك فيه زعماء أوروبيون، ورئيس وزراء كندا، إضافة إلى الرئيس التركي.

حيث أكد أردوغان في كلمته التي ألقاها عبر الإنترنت، أن "التحديات الراهنة كشفت مرة أخرى مدى أهمية العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي بالنسبة للأمن الاقتصادي والدفاعي لأوروبا".

كما أشار إلى قدرة بلاده على لعب دور مؤثر في الصراع الروسي الأوكراني، بما في ذلك استضافة مفاوضات سلام بين الطرفين، خاصة أن تركيا تمتلك خبرة في هذا الجانب ونجحت عام 2022 في الوساطة بين الطرفين والتوصل إلى اتفاق، تم إفشاله سريعًا بواسطة رئيس الوزراء البريطاني السابق، بوريس جونسون.

لكن الملاحظ أن الرئيس التركي لم يعرض خدمات مجانية للأوروبيين، فقد أعلن في المقابل تمسك بلاده بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وإلغاء استبعاد تركيا من برامج إمدادات المنتجات الدفاعية للاتحاد الأوروبي وإعادة الإعمار في أوكرانيا.

وأضاف أردوغان "أنه من مصلحة الطرفين التصرف بمنظور إستراتيجي طويل الأمد في العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي".

إذن هناك قناعة لدى أنقرة أنه لا يمكن لأوروبا تأسيس منظومة أمنية جديدة بدونها، وبحسب تعبير الوزير هاكان فيدان فإنه: "لا يُمكن بناء هيكل أمني مستدام ورادع للاتحاد الأوروبي إلا بمشاركة تركيا".

توسك في أنقرة

يقول المثل البولندي القديم: " إذا لم تشرب الخيول التركية من مياه نهر فيستولا، فلن يتم إنقاذ بولندا"، هذا المثل يعكس عمق الروابط التي تجمع شعبَي البلدين منذ عهد الدولة العثمانية.

إعلان

ومن هنا كانت مبادرة، رئيس الوزراء البولندي، دونالد توسك، بزيارة أنقرة في 12 مارس/ آذار الجاري، لبحث الترتيبات الأمنية الأوروبية مع أردوغان، خاصة أن توسك كان رئيسًا للمجلس الأوروبي، عندما تفاوض مع تركيا بشأن اتفاق عام 2016 للحد من تدفق اللاجئين إلى أوروبا.

توسك كان صريحًا وواضحًا وهو يطلب من أردوغان "أن يتحمل أكبر قدر ممكن من المسؤولية عن استقرار المنطقة"، مؤكدًا أن "تخطيط أوروبا لكافة الخطوات المتعلقة بأمن القارة بالتعاون مع تركيا سيكون في مصلحة الجانبين".

لكنه كان من الذكاء بمكان بحيث لم يتجاهل المطلب الرئيس لتركيا حيث قال: "نريد أن تصبح تركيا عضوًا في الاتحاد الأوروبي".

هذا الإلحاح الأوروبي على جذب الأتراك إلى منظومتهم الأمنية المرتقبة يثير تساؤلًا عما يمكن أن تقدمه تركيا لأمن القارة الأوروبية.

تركيا والأمن الأوروبي

منذ قمة الاتحاد الأوروبي في هلسنكي، ديسمبر/ كانون الأول 1999 وتركيا تحمل صفة "دولة مرشحة" للانضمام للاتحاد، ولكن منذ ذلك الحين لم يحرز الملف تقدمًا ملحوظًا.

لكن من جهة أخرى، فإن من الخطأ اختزال علاقة تركيا بأوروبا في ملف الانضمام للاتحاد، إذ يرتبط الجانبان بعلاقات جغرافية وأمنية وسياسية لا يمكن تجاوزها.

فرغم أن كثيرين يصنفون تركيا دولة آسيوية، باعتبار أن الجزء الأكبر من أراضيها (الأناضول) يقع في الجانب الآسيوي، فإنه لا يمكن إنكار أنه لا يمكن الفصل طبيعيًا بين آسيا وأوروبا، إذ تعتمد عوامل الفصل على محددات ثقافية وسياسية واقتصادية أكثر منها جغرافية.

كما تتداخل جغرافية تركيا مع نظيرتها الأوروبية باعتبارات عدة، حيث تضم تركيا منطقة شرق تراقيا ما يجعلها تصنف دولة بلقانية، كما أن إطلالتها على بحر إيجه وشرق المتوسط تجعل منها دولة جنوب أوروبية.

وعلى المستويين؛ السياسي والأمني تعد تركيا دولة مؤسسة للعديد من الهياكل الأوروبية ذات الأهمية، مثل منظمة الأمن والتعاون الأوروبي، التي يتولى أمانتها العامة الآن الدبلوماسي التركي، فريدون سينيرلي أوغلو.

إعلان

كما ساهمت تركيا في تعزيز الأمن في دول أوروبا الغربية، خلال سنوات الحرب الباردة، عبر عضويتها المبكرة والفعالة في حلف شمال الأطلسي.

لكن السنوات التي أعقبت انتهاء الحرب الباردة، وانهيار الاتحاد السوفياتي، وحلف وارسو، قادت إلى تهميش الأهمية التركية لحلف الناتو والأمن الأوروبي، بتراجع أهمية الحدود الجنوبية للحلف وأوروبا.

أما اليوم فتتجدد الحاجة لتركيا، للمساهمة في حفظ أمن القارة الأوروبية، فهي تمتلك ثاني أكبر قوات برية في الناتو بتعداد يتجاوز 750 ألف جندي عامل واحتياطي.

لكن الأهم من العدد، كما يقول فيدان، أنّ هذا الجيش"يمتلك عناصر ومعدات قتالية تم اختبارها في ساحة المعركة. فكم عدد الجيوش التي يمكن تكوينها في أوروبا وتتمتع بهذه الخبرة؟" والتساؤل هنا للوزير التركي.

كما أنّه بحسب موقع جلوبال فاير باور، يحتل الجيش التركي المركز التاسع ضمن أفضل عشر قوى عسكرية عالمية لعام 2025.

وفي مجال الصناعات الدفاعية، حسب تقرير لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، فقد ارتفعت حصة الشركات التركية في الصادرات العالمية للأسلحة من 0.8% خلال الفترة بين 2015 و2019 إلى 1.7% بين 2020 و2024، ما جعلها تحتل اليوم المرتبة الحادية عشرة في صادرات الدفاع العالمية بحسب إعلان أردوغان.

وفي الملف الأوكراني، رغم سياسة الحياد التي انتهجتها أنقرة منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، فإن ذلك لم يحُل دون تزويدها كييف بالطائرات المسيرة والقذائف.

كما أغلقت تركيا مضائقها وأجواءها، أمام السفن والطائرات العسكرية الروسية، وقادت بالاشتراك مع رومانيا وبلغاريا، قوة لكشف الألغام في البحر الأسود دون السماح بمشاركة أي قوى خارجية.

كذلك أعلنت تركيا استعدادها المساهمة في أي قوة دولية لحفظ السلام في أوكرانيا، خلال المرحلة المقبلة.

إعلان

وعلى الصعيد الإنساني نجحت تركيا في التوصل إلى اتفاقية تصدير الحبوب من روسيا وأوكرانيا عام 2022، تحت رعاية الأمم المتحدة.

إذن فتركيا تمتلك فعليًا ما يمكن أن تقدمه للقارة العجوز في ملفَّي الأمن ودعم أوكرانيا، فما الذي يمكن أن تقدمه أوروبا لتركيا؟

ماذا لدى الاتحاد الأوروبي؟

تقديري أن قبول عضوية كاملة لتركيا في الاتحاد الأوروبي أمر بالغ الصعوبة حاليًا، فبعيدًا عن الأسباب الجيوثقافية، فلا تزال هناك ملفات عالقة تحول دون ذلك الآن، وأهمها ملف العلاقات التركية اليونانية، التي يصعب تطبيعها الآن؛ بسبب ملفَّي جزر بحر إيجه، والتنقيب عن الغاز والثروات المعدنية شرق البحر المتوسط.

أيضًا تلعب الأزمة القبرصية دورًا ضاغطًا في عدم إنجاز الانضمام، إذ تملك كل من اليونان وإدارة قبرص الجنوبية حق الاعتراض داخل الاتحاد، وتعطيل انضمام تركيا.

لكن مع ذلك، فالاتحاد الأوروبي يمكنه منح تركيا بعض الامتيازات والفرص، مثل إنهاء جميع العقوبات السالبة المتعلقة بتصدير الصناعات الدفاعية إليها، وإنهاء استبعادها من الشراكات الأمنية بين الاتحاد وحلف الناتو، كذلك إدراجها ضمن الدول المشاركة في التعاون الهيكلي الدائم المعروف باسم PESCO، وهو تجمع يهدف إلى تعميق التعاون الدفاعي بين دول الاتحاد الأوروبي.

على المستوى الاقتصادى، فإنه يمكن للاتحاد الاستجابة لطلب تركيا المُلح والمتكرر، بتحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي.

أيضًا فإن تركيا تحتاج اليوم إلى إنهاء أزمة تأشيرات منطقة "شنغن" والتي كانت مدرجة ضمن اتفاقية اللاجئين الموقعة بين الطرفين، لكن لم يفِ بها الاتحاد حتى اليوم، وتفاقمت الأزمة في ظل الرفض المتزايد لمنح التأشيرة للمواطنين الأتراك.

وأخيرًا فإن التوافقات التركية الأوروبية بشأن الأمن والدفاع، لن تكون نهاية المطاف، فلربما تضع أنقرة أمام تحديات جديدة في مواجهة الولايات المتحدة وروسيا على حد سواء.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان الاتحاد الأوروبی ترکیا فی لا یمکن

إقرأ أيضاً:

بولتيكو: قرار «تيك توك» يفجّر أزمة جديدة في علاقات الاتحاد الأوروبي مع الصين

رأت مجلة بولتيكو الأوروبية، أن الحكم الصادر ضد «تيك توك» من قبل هيئة حماية البيانات الأيرلندية يمثل تحولًا جذريًا في نهج الاتحاد الأوروبي تجاه الصين، إذ إنها المرة الأولى التي تُترجم فيها المخاوف الأوروبية من قوانين المراقبة الصينية إلى إجراء قانوني صارم، ما ينذر بتوتر متصاعد في العلاقات بين بروكسل وبكين.

وذكرت المجلة الأوروبية في تقرير اليوم الجمعة، أن الغرامة القياسية البالغة 530 مليون يورو التي فرضتها هيئة حماية البيانات في أيرلندا على تيك توك تجاوزت كونها مجرد عقوبة تقنية، لتتحول إلى رسالة سياسية حازمة: قوانين المراقبة الصينية تتعارض جوهريًا مع قيم الاتحاد الأوروبي في حماية بيانات مواطنيه.

ويضع هذا التطور العلاقات الرقمية بين الاتحاد الأوروبي والصين على مفترق طرق، ويهدد مستقبل الأعمال التي تعتمد على نقل البيانات بين الجانبين. وللمرة الأولى، بات الاتحاد يطبق قواعده الصارمة لحماية الخصوصية خارج الإطار الأميركي، موجّهًا أنظاره إلى بكين بدل واشنطن.

وقالت الهيئة الأيرلندية إن تيك توك خالفت اللائحة العامة لحماية البيانات من خلال إرسال بيانات مستخدمين أوروبيين إلى الصين دون ضمانات كافية تحميهم من تدخل الحكومة الصينية.

وأشارت إلى أن الصين لا تقدم ضمانات تتماشى مع المبادئ الأساسية للاتحاد، مثل كرامة الإنسان وسيادة القانون.

ورغم أن القرار لا يعني حظر تيك توك، إلا أنه يمكّن السلطات من فرض رقابة موسعة على عملياتها، ويزيد الضغوط على الشركات الأوروبية لإعادة النظر في تعاملاتها مع الصين، في ظل القوانين الصينية التي تسمح لأجهزة الأمن بالوصول إلى أي بيانات بحوزة شركات محلية.

وردّت الشركة الصينية بغضب، معتبرة أن القرار يهدد القدرة التنافسية للاتحاد الأوروبي وأنه يفتح الباب أمام سابقة خطيرة قد تمس آلاف الشركات الأخرى التي تستخدم نفس الآليات القانونية لنقل البيانات.

وأشارت كريستين جراهن، مديرة السياسات العامة لـ تيك توك في أوروبا، إلى أن مشروع Project Clover، الذي استثمرت فيه الشركة 12 مليار يورو لإنشاء مراكز بيانات أوروبية تحت رقابة مستقلة، لم يكن كافيًا لإرضاء المنظمين.

وتساءلت: إذا لم تكن هذه الإجراءات كافية، فما هو المقبول إذًا؟.

ويرى محللون أن هذا القرار لا يستهدف تيك توك فقط، بل هو تحذير ضمني لكل شركة تنقل البيانات إلى الصين.. ويقول تيم رويجليج، كبير محللي الشأن الصيني في معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية، إن القوانين الصينية تضع الشركات أمام معضلة قانونية: لا يمكن لشركة صينية أن ترفض طلبًا من جهاز أمن بحجة أن البيانات مخزنة في الخارج.

ويُرجّح أن تتبع قرارات مماثلة قريبًا، مما قد يؤدي إلى إعادة هيكلة شاملة لتدفق البيانات بين الاتحاد الأوروبي والصين، في وقت تتصاعد فيه التوترات الجيوسياسية والقلق من النفوذ الرقمي لبكين.

مقالات مشابهة

  • بولتيكو: قرار «تيك توك» يفجّر أزمة جديدة في علاقات الاتحاد الأوروبي مع الصين
  • «المجد الأوروبي» يدفع مدرب مانشستر يونايتد إلى «المخاطرة»!
  • السلامة في العمل: ما هي دول الاتحاد الأوروبي التي تشهد أكبر عدد من الوفيات والإصابات في مكان العمل؟
  • فولودين: الدول الأوروبية تتحول إلى أنظمة شمولية
  • سفيرة الاتحاد الأوروبي لدى مصر تعلن سلسلة فعاليات بمناسبة يوم أوروبا
  • المفوضية الأوروبية: 16 دولة في الاتحاد تسعى للحصول على إعفاءات من قواعد الدين العام
  • الصين ترفع العقوبات عن نواب الاتحاد الأوروبي
  • تركيا تعلن أسماء الشركات التي ستقدّم خصومات للشباب المقبلين على الزواج! القائمة تضم 20 علامة تجارية
  • برلماني: دعم قبرص لمصر بمنحها 4 مليارات يورو يعكس ثقة الدول الأوروبية في البلد
  • هل تتأثر تركيا بانقطاعات الكهرباء في أوروبا