الحيتان.. عمالقة المحيط وسلاحه ضد تغير المناخ
تاريخ النشر: 16th, March 2025 GMT
تعد الحيتان أكبر الكائنات على الأرض، لكن دورها في النظم البيئية للمحيطات يتجاوز حجمها المهيب، إذ تُسهم بشكل كبير في تنظيم المناخ العالمي والحفاظ على التنوع البيولوجي.
وتؤدي الحيتان بأنواعها دورا حيويا في مكافحة تغير المناخ من خلال تحفيز دورة المغذيات، وتخصيب العوالق النباتية الممتصة للكربون، والعمل كمخازن للكربون عبر أجسامها.
تغوص الحيتان في أعماق المحيط لتتغذى على فرائس غنية بالمغذيات بكميات كبيرة، مثل الحبار والأسماك والكريل (نوع من المفصليات البحرية) وغيرها، وبعد تناولها الطعام، تعود إلى السطح للتنفس، وأحيانا للتكاثر وفي أثناء ذلك، تُطلق المغذيات التي ابتلعتها من فرائسها على شكل أعمدة برازية على سطح المحيط.
ويشكل ذلك طبقة غنية بالمغذيات الأساسية، مثل الحديد والفوسفور، التي تُخصّب العوالق النباتية، مما يُهيئ ظروفا مثالية لنموها السريع، ويؤدي إلى ما يُعرف بـ"ازدهار العوالق النباتية".
والعوالق النباتية (Phytoplankton) كائن ذاتي التغذية ضمن فصيلة النباتات الصغيرة المجهرية التي عادة ما تنجرف في الطبقات العليا من المحيط، وتستهلك العناصر الغذائية والطاقة الضوئية لإنتاج الكتلة الحيوية. وفي بيئة غنية بالمغذيات، قد تزهر العوالق النباتية وتمتد لتشكل مصدرا غذائيا رئيسيا لعديد من الأنواع البحرية الأساسية لكلّ من شبكات الغذاء المحيطية.
إعلانوتعد العوالق النباتية صغيرة الحجم لكنها قوية، وهي البطل المجهول لدورة الكربون على الأرض. وتمتص هذه الكائنات الضوئية الصغيرة حوالي 40% من الكربون الثابت سنويا على مستوى العالم، وتنتج ما يقرب من نصف الأكسجين في العالم، مما يجعلها أساسية لاحتجاز الكربون عالميا، وهي المسؤولة عن معظم عملية التمثيل الضوئي على الأرض، وتلعب دورا حيويا في تنظيم المناخ.
وحتى عندما تموت العوالق النباتية وتغرق في قاع المحيط، فإنها تحتجز الكربون في رواسب أعماق المحيط. وفي نهاية المطاف، تُعد العوالق النباتية أساسية لاحتجاز الكربون وتخزينه طويل الأمد، إذ إن لها دورا حاسما في تنظيم المناخ العالمي.
نظرا لتأثير الحيتان الإيجابي والأساسي على نمو العوالق النباتية، فإن الحفاظ عليها يرتبط ارتباطا مباشرا بالحفاظ على استقرار المناخ، ولا تساعد الحيتان في الحفاظ على إنتاجية المحيطات فحسب، بل إن كتلتها الحيوية الكبيرة وأجسامها الضخمة لها دور مهم في تخزين الكربون.
وتشير الدراسات الإحيائية إلى أن الحيتان تخزن على مدار حياتها ما معدله 33 طنا من الكربون، مقارنة بـ12 طنا تخزنها شجرة بلوط مثلا. ويرجع ذلك إلى حجمها الكبير وأعمارها الطويلة التي تتراوح بين 45 و90 عاما، بينما تشير بعض الدراسات إلى أن الحوت "مقوس الرأس" يتجاوز عمره على الأرجح 200 سنة.
وباعتبارها من الحيوانات المفترسة الرئيسية، تخزن الحيتان الكربون عن طريق استهلاك الفرائس من المستويات الغذائية الدنيا الغنية بالكربون أيضا.
وحتى عندما تموت، تغرق أجسادها في قاع البحر، حيث يُخزن الكربون لقرون أو حتى آلاف السنين. وحتى مع تحلل جثة الحوت يندمج بعض الكربون في رواسب المحيط، مما يؤدي إلى عزله بشكل فعال.
إعلانوبالإضافة إلى ذلك، تتغذى كائنات أعماق البحار على الجثة، حيث تعيد تدوير جزء من الكربون من خلال النظام البيئي بدلا من إطلاقه مرة أخرى في الغلاف الجوي على شكل ثاني أكسيد الكربون.
ويقدر علماء الأحياء أن هناك ما يزيد قليلا على 1.3 مليون حوت في المحيطات، أي ربع عددها سابقا والذي كان يتراوح ما بين 4 إلى 5 ملايين، وهناك نحو 90 نوعا من الحيتان المختلفة الأحجام.
ويعد الحوت الأزرق أكبر حيوان على وجه الأرض. ويمكن أن يصل طوله إلى 30 مترا ويتراوح وزنه ما بين 100 و150 طنا، أي ما يعادل 340 فيلا بالغا، بينما قد يصل وزن قلبه إلى 600 كيلوغرام، أي وزن سيارة صغيرة.
وعلى الرغم من دورها الحيوي في الحد من آثار تغير المناخ وصحة النظام البيئي، تواجه الحيتان تحديات غير مسبوقة من أجل البقاء، وجراء الأنشطة البشرية غالبا تتعرّض أعداد الحيتان للخطر، بدءا من ابتلاع البلاستيك وصولًا إلى التلوث الضوضائي وتغير المناخ والصيد الجائر.
ويعد التلوث البلاستيكي نفسه عدوا للحيتان، فكثيرا ما تبتلع الحيتان قطع البلاستيك، مما يؤدي إلى انسداد هضمي، وتعرضها لمواد كيميائية سامة، ومشاكل صحية خطيرة أخرى. بالإضافة إلى ذلك، عندما تستهلك الكائنات البحرية الصغيرة البلاستيك، فتتراكم السموم في السلسلة الغذائية وتؤثر على الحيتان بكميات مركزة.
من جهة أخرى، تعتمد الحيتان على أنظمتها السمعية في الملاحة والتواصل والبحث عن الطعام والتكاثر. ولذلك، يُشكل التلوث الضوضائي الناتج عن أنشطة بشرية، مثل النقل البحري وأجهزة السونار والاختبارات الزلزالية، تهديدا كبيرا قد يؤدي إلى نفوق الحيتان. وقد ثبت أن التلوث الضوضائي يُعطّل تواصل الحيتان ويؤثر على أنماط هجرتها وسلوكيات تكاثرها.
إعلانكما يُسبب ذلك ضغوطا نفسية طويلة الأمد، وفي بعض الحالات، قد يُؤدي إلى نزيف في الدماغ، وقد ارتبط ذلك أيضا بجنوح الحيتان. ويُشكل تغير المناخ السريع تحديا إضافيا لبقاء هذه الحيتان من خلال تغيير مسارات هجرتها، وتدهور موائلها، وزيادة مخاطر الإصابة بالأمراض.
في عام 1986 حظرت "اللجنة الدولية لصيد الحيتان" صيد الحيتان لأغراض تجارية، لكن بعض الدول والشركات واصلت عمليات الصيد، إذ تشير التقارير إلى قتل أكثر من 40 ألف حوت، مما قوّض جهود التعافي.
ويلقي انخفاض أعداد الحيتان بتأثيراتٍ واسعة النطاق في جميع أنحاء النظم البيئية البحرية، ويُسرّع من تغيّر المناخ. فمع تناقص أعداد الحيتان، تتضاءل دورة المغذيات، مما يُؤدي إلى انخفاض نمو العوالق النباتية. لذلك، فإن حمايتها لا تتعلق فقط بالحفاظ على الأنواع، بل تعد خطوة حاسمة في مكافحة تغير المناخ واستعادة الاستقرار على الكوكب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان بيئي تغیر المناخ
إقرأ أيضاً:
مايكروسوفت.. نماذج صغيرة تنافس عمالقة الذكاء الاصطناعي
في سباق متسارع في مشهد الذكاء الاصطناعي، أعلنت مايكروسوفت عن مجموعة جديدة من نماذج الذكاء الاصطناعي تحت اسم Phi 4، والتي تتميز بحجمها الصغير وأدائها القوي، لتنافس نماذج أكبر وأكثر شهرة مثل o3-mini من OpenAI.وفق موقع "تك كرانش" التقني.
من خلال Phi 4، تضع مايكروسوفت نفسها في موقع المنافسة المباشرة مع عمالقة القطاع، مقدمة نماذج مفتوحة المصدر يمكنها التعامل مع مهام معقدة كحل المسائل الرياضية، البرمجة، وتحليل البيانات، وكل ذلك بكفاءة تضاهي نماذج أضخم وأكثر تعقيدًا.
اقرأ أيضاً.. مايكروسوفت".. قصة نجاح من الحوسبة إلى الذكاء الاصطناعي والسحابة
أكدت مايكروسوفت أنها اعتمدت في تطوير هذه النماذج الجديدة على أساليب تدريب عصرية وتقنيات متطورة مثل "التعلم المعزز" و"التقطير المعرفي"، لضمان الحصول على أداء قوي بالرغم من الحجم الصغير نسبيًا. وأوضحت الشركة أن هدفها الأساسي هو توفير ذكاء اصطناعي قوي حتى للأجهزة التي لا تتمتع بمواصفات تقنية عالية، ما يسمح باستخدامه في بيئات تحتاج إلى رد فعل سريع، مثل الأجهزة المحمولة وتطبيقات إنترنت الأشياء (IoT).
3 نماذج رئيسية:
Phi 4 reasoning plus وPhi 4 reasonin و Phi 4 mini reasonin ..جميع هذه النماذج مصنفة ضمن نماذج "الاستدلال" (Reasoning)، والتي تركز على التحقق الدقيق من صحة الحلول للمسائل المعقدة، وهو ما يجعلها مثالية لمهام تتعلق بالرياضيات، العلوم، والبرمجة.
أخبار ذات صلة
تم تدريب Phi 4 mini reasoning كمساعد تعليمي ذكي على مليون مسألة رياضية اصطناعية باستخدام نموذج R1 من شركة DeepSeek الصينية.. ويقدم أدوات تعليمية مثل التدريس التفاعلي على أجهزة خفيفة الوزن، ويتميز بأداء عالي رغم الحجم الصغير.
Phi 4 reasoning: النموذج الثاني في السلسلة يضم 14 مليار معلمة، وتم تدريبه على بيانات ويب عالية الجودة إلى جانب عروض مختارة من نموذج o3-mini. يقدم حلولاً في مسائل الرياضيات، البرمجة، والعلوم كما يتميز بأداء متفوق في المجالات التقنية المعقدة.
Phi 4 reasoning plus: نموذج يتميز بدقة تضاهي النماذج العملاقة هذا النموذج هو نسخة مطورة من Phi-4 الأصلي، مُهيأ ليحقق دقة أعلى في مهام محددة. يُقارب أداء نموذج R1 (رغم أن الأخير يحتوي على 671 مليار معلمة).في الاختبارات: تساوى تقريبًا مع o3-mini في اختبار OmniMath ويمتاز بقوة أداء هائلة مقابل حجم أصغر.
لماذا هذه النماذج مهمة؟
عائلة Phi تقدم لمطوري التطبيقات أدوات ذكاء اصطناعي قوية بحجم صغير، مناسبة لتطبيقات الحوسبة على الحافة (Edge AI) — أي التطبيقات التي تعمل على الأجهزة مباشرة من دون الحاجة لخوادم ضخمة.
تهدف مايكروسوفت، من خلال هذه النماذج إلى تمكين المطورين من بناء تطبيقات أسرع، وأخف، وأكثر ذكاءً.
مع إطلاق نماذج Phi 4 الجديدة، تثبت مايكروسوفت أنها ماضية بقوة نحو إعادة تشكيل مشهد الذكاء الاصطناعي، ليس فقط من حيث الأداء، بل من خلال تقديم حلول عملية تناسب احتياجات المطورين والتطبيقات الحديثة.
وبينما يواصل الذكاء الاصطناعي التوليدي لعب دور أكبر في التعليم، البرمجة، والأعمال، فمن المتوقع أن تصبح نماذج مثل Phi 4 جزءًا أساسيًا من الأدوات المستخدمة لتطوير تطبيقات ذكية تعمل بكفاءة وسرعة على الأجهزة الطرفية. هذه الخطوة قد تفتح الباب أمام موجة جديدة من الابتكار.
ومع توافر هذه النماذج عبر منصة Hugging Face، فإن الطريق أصبح ممهدًا أمام مجتمع المطورين لاستكشاف إمكانياتها، وتوظيفها لبناء الجيل القادم من التطبيقات الذكية.
لمياء الصديق (أبوظبي)