لكل أزمة سبب رئيس هو المرتكز الأساس لحدوثها، الحرب في السودان غطّت سماءها سحب الكذب والتضليل، وأضحى السؤال عمّن أطلق رصاصتها الأولى مثل جدل الدجاجة والبيضة، وكادت أن تضيع ملامح بدايات الحرب، وكيف شاهد وسمع الناس أصوات الرصاص بالمدينة الرياضية وطيبة، وبذات الذاكرة السمكية تبخرت من قبل ذكرى خطيئة انقلاب يونيو 1989، وما تبع الانقلاب من تخلق لنظام حكم الحركة الإسلامية، ونسي الناس أن حرب اليوم لم تـندلع فجأة، وتغافلوا عن إرهاصاتها وعلاماتها التي بدأت مع الانقلاب، الذي قاده العميد الركن عمر حسن كادر الحركة بالجيش، وأصاب الكثيرين الزهايمر فأخذوا ينسبون كل الجرائم والموبقات، التي أتى بها نظام حكم الحركة الإسلامية إلى قوات الدعم السريع حديثة التأسيس، ولم يقدم فقهاء دولة (القرآن) شرحاً للناس عن إمارات ساعة انفجار الحرب، البادئة منذ حروب الجنوب وجبال النوبة وجبل مرة، أن تلك المحطات علامات مرور على الصراط الطويل الموصل لقيامة اليوم، فكل مبتدأ له منتهى، ومنتهى الحرب يكون بإنهاء أثر المتسبب الأول، والبادئ الأظلم، فقد اغتصبت الجماعة الباغية السلطة وتمتعت بها، وأساءت استخدامها، وأشعلت نيران الحروب بآلياتها – أجهزتها الأمنية والعسكرية، فلا يوجد حزب ولا جماعة أخرى بالسودان مسؤولة بصورة مباشرة عن هذه النهايات المأساوية غير الحركة الإسلامية.
إنّ جوهر المشكلة هو هذا التنظيم الأخطبوط والسرطان المتجذر في جسد الدولة والمجتمع، وليس شماعة التمرد المزعوم ولا الاستهداف الخارجي والعملاء (قحت، تقدم، صمود، قمم)، أو الغزو الأجنبي (عرب الشتات)، كما يدّعي اعلام التنظيم المضلل ومعاونوه، إنّ آفة البلاد تكمن في الأذى الجسيم والجرم المتسلسل الذي الحقه التنظيم بسكان السودان، التنظيم الحركي الإسلامي الذي يغالب سكرة الموت، في حربه غير محسوبة العواقب التي أقدم عليها، يقاوم خروج الروح بالصعقات الكهربائية الإقليمية ليفيق من السكرة، التي أصابته جراء التفكيك الأمني والعسكري الذي ألحقته به الضربات القاسية من قوات الدعم السريع، فنشط عبر علاقاته الممتدة مع التنظيم العالمي للنهوض مجدداً بسبب ما تعرض له من هزّة، فهو لا يدين لحلفائه في الداخل بفضل، حتى الذين تصالحوا معه من منطلقات جهوية من بعض الشيوعيين والبعثيين والأنصار والاتحاديين والمتمردين السابقين، لن ينالوا ما يصبون إليه من مطامح سياسية، لأن أولويات الحركة الإسلامية تنظيمية إقليمية وعالمية، وضريبتها المستحقة الدفع تجاه الممولين العالميين باهظة، وعندما يحين موعد سداد الفاتورة لن يجد داعموها من أحزاب وحركات الداخل ما يسدون به الرمق، وبناءً على التسريبات فإنّها باعت معادن الأرض مقدماً، ورهنت موانئ البلاد للسادة أصحاب المصلحة – الممولين العالميين، ولا عزاء للمغفلين النافعين.
إنّ جميع المليشيات الجهوية وحركات دارفور المسلحة، المقاتلة في صفوف الحركة الإسلامية في نسختها الأخيرة التي يقودها علي كرتي، لن يكون لها علو كعب بين مليشيات التنظيم العقائدية – البراء وغيرها، وقد بدأ التذمر يطفو للسطح بين قائد مليشيا قبيلة الشكرية العميل المزدوج، وكتائب التنظيم المالكة للسلاح الحديث، فمعلوم أن تنظيم الحركة الإسلامية منذ يومه الأول بعد اغتصابه للسلطة، استمرأ صناعة المليشيات، والتي من بعد نفاذ الغرض المصنوعة من أجله يقوم بحرقها وكنسها، في ازدراء وتحقير واستعلاء وغرور، دون حسبان لركن ركين من أركان مقاصد الشريعة الإسلامية - الحفاظ على النفس، فجوهر المشكلة يكمن في وجود هذا التنظيم الذي تلاعب بأرواح المواطنين، وتندر وتهكم على موتهم تحت ركام قصف طيرانه الأجير، بإطلاق وصف "المشاوي" و"الكباب" على جثامين الشهداء الفقراء من المسلمين السودانيين، فهذه الحركة الإسلامية ومنذ سطوتها على السلطة ظلت تعمل على شراء السلاح بموارد السودانيين، لتسفك دمهم بنفس السلاح، فلم يجد المواطنون منها خيراً، وقد أدت كل الأدوار القذرة التي أنكرتها فيما بعد وألصقتها بالآخرين – التآمر (مع إيران وتركيا ومصر ضد السودان)، والارتزاق، والزج بالمليشيات الأجنبية وإشعال الحروب، فجوهر مشكلة السودان يكمن في الحركة الإسلامية – النسخة الأخيرة.
إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحرکة الإسلامیة
إقرأ أيضاً:
هنادي بت الفاشر الطبيبة التي قتلت وهي تدافع عن أهالها بمخيم زمزم
تصدر اسم الطبيبة السودانية هنادي النور داؤود على منصات التواصل الاجتماعي في السودان بعد أن نعتها "تنسيقية لجان المقاومة" في الفاشر التي تشهد قصفا مستمرا منذ أيام من قبل قوات الدعم السريع مما خلف مئات القتلى والجرحى.
ونشرت التنسيقية عبر صفحتها على فيسبوك: "وداعا الطبيبة هنادي التي داوت الجرحى وساندت الأبطال، ثم رحلت شهيدة بشرف. لقد ترجلت اليوم جسدا من ضمن شهداء معسكر زمزم، لكنها بقيت فينا روحا وذكرى لا تنطفئ، رحلت وهي تؤدي واجبها الوطني والإنساني، شهيدةً كما تحب الأحرار أن يُكتب لهم الرحيل".
موجة حزن وتعاطف على مواقع التواصلوجاء هذا النبأ ليُشعل حالة من الحزن على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث بادر المغردون السودانيون إلى سرد قصص ومواقف من وصفوها بالبطلة الطبيبة هنادي النور داؤود، التي أصبحت رمزا للصمود خلال سنوات الاقتتال المستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
الأجساد تفنى لا محال لكن تبقى بعض الشخصيات خالدة للأبد
هي مهيرة بت عبود عصرنا الحالي ستظل للأبد خالده في وجدان الشعب السوداني
وداعاً أيقونة الكفاح الشهيدة هنادي
معسكر زمزم#هنادي_بنت_الفاشر
ربنا يرحمك ويدخلك فسيح جناته ي رب ???????? pic.twitter.com/SX4hIZz20i
— Moh.Zain (@MdzainSaeed) April 13, 2025
إعلانوفي هذا السياق، كتب الناطق الرسمي للحكومة ووزير الثقافة والإعلام السوداني خالد الإعيسر عبر صفحته على "فيسبوك" ناعيا هنادي:
"باسم الحكومة السودانية، وحرائر وأحرار السودان، وبقلوب يعتصرها الألم والحزن، ننعى بكل إكبار وإجلال، المناضلة البطلة، الشهيدة الدكتورة هنادي النور داؤود جمعة "بت الفاشر"، التي سطرت اسمها بأحرف من نور في سجل الشجاعة والكرامة، وجعلت من نفسها رمزا للانتماء، والإباء، والوفاء لوطنها وشعبها".
وأضاف الإعيسر: "لقد كانت الشهيدة مثالا للمرأة الحرة الرافضة للخنوع أمام وحوش الإجرام والعدوان، فاختارت السير في طريق المقاومة كتفا بكتف مع رفاقها المقاتلين، وتقدمت الصفوف لإنقاذ الجرحى والأسرى في معارك الكرامة".
بطلة تخطت أدوارها الإنسانيةوكتب أحد المغردين تعليقا على مقتل الطبيبة قائلا إن الدكتورة هنادي، "الطبيبة والمقاتلة والإنسانة"، لم تكتف بعلاج الجرحى بل قامت بطبخ الطعام للأطفال، ضمدت الجراح، ثم حملت السلاح لتدافع عن الأرض والعرض. أُصيبت بالأمس في هجوم مليشيا الدعم السريع".
وأضاف آخر: "استشهاد رمز النضال والصمود النسائي في السودان، الطبيبة هنادي، بنت الفاشر، انتقلت إلى الدار الآخرة إثر إصابتها وهي تؤدي واجبها الوطني وتدافع عن الوطن. كانت مثالًا للنبل والشجاعة، ورمزًا لصمود المرأة السودانية في وجه المحن".
بكل الحزن والفخر…
ترجلت اليوم مقاتلة في ثوب طبيبة، وودّعت الدنيا مقبلة غير مدبرة… الشهيدة (الكنداكة) هنادي، بت الفاشر.
سقطت شهيدة في ميدان الشرف، متقدمة الصفوف، لا تحمل سوى شجاعتها وسلاحها وإيمانها بعدالة القضية، تدافع عن مدينة الفاشر بشمال دارفور، بشرف لا يعرف التراجع.… pic.twitter.com/cJzOwqBpGy
— Abdelmagid Kibir (@abdelmagidkibir) April 14, 2025
كما وصف مغردون الطبيبة هنادي بأنها أيقونة للأمل والمقاومة في السودان، إذ كتبوا:
إعلان"الطبيبة #هنادي_بنت_الفاشر ترجلت، لكن بسالتها ستبقى قنديلا ينير صفحات المجد والتاريخ في السودان. استُشهدت بعد ملحمة من الصمود الأسطوري، وهي تقف كالطود الأشم تدافع عن الأطفال والنساء والشيوخ في مخيم زمزم للنازحين".
رحلت الطبيبة هنادي..????
لكنها لم تذهب وحدها..
اصطحبت معها معنى الشجاعة ، ووشمته على جبين التاريخ! لم تكن مجرد طبيبة…كانت وطنًا يُضمد الجراح وقلبًا يطهو الحياة في جحيم الموت، وبندقيةً تنحاز للحق حين خان العالم معسكر زمزم! #انا لله و أنا اليه راجعون! ألف رحمه و نور!! pic.twitter.com/IIcr0ivNvQ
— Ricky (@MubRicky) April 13, 2025
وأشار آخرون إلى أن "التاريخ سيخلدها في سجل الأبطال، وسيسطع اسمها كالشمس في كبد السماء. وسيظل الأحرار يروون سيرتها كما تروى الأساطير، ويتناقلون صمودها شعلة تُلهب قلوب الأجيال القادمة".
وجاء مقتل الطبيبة هنادي في سياق الهجمات العنيفة التي شنتها قوات الدعم السريع يومي الجمعة والسبت الماضيين على مدينة الفاشر شمال دارفور، حيث أسفرت هذه الهجمات عن تدمير منازل ومرافق صحية في المدينة ومخيمات النازحين المحيطة بها.
الدكتورة هنادي النور داؤود جمعة #بت_الفاشر التي سطرت اسمها بأحرف من نور في سجل الشجاعة والكرامة، وجعلت من نفسها رمزاً للانتماء تقبلك الله ان شاء الله يابت السودان pic.twitter.com/aBZrNzNpOO
— الانصرافى (@alainsrafa) April 14, 2025