#صناعة #هبل_الميديا
#شبلي_المناعسة
في عام ١٩٩٨م ، اشتركت في دورة الصاعقة في إحدى المعاهد المختصة بهذا المجال ، قبل أن تدخل سيارة ( الكونتنتال ٥طن ) باب المدرسة العسكرية ، وقع قلبي وكل مشاعر الرعب على قسوة العبارة ،قبل أن تتمتم بها شفتاي ، العبارة تقول : ( أخي الجندي: إذا كنت مترددًا فـ عد إلى وحدتك ) .
منذ بدأنا دورة الموت المؤقت والمؤجل ، كان رضا المدرب غاية لا تدرك ، وكانت ابتسامته محض المستحيلات الثلاث: العنقاء ، وزرقاء اليمامة والخل الوفي ،فجاة ونحن في خضم التعب الشديد والإعياء في وقت التدريب غير المبرمج ، كنا نبحثُ عن أنفاسنا بين كل تلك المشقات التي لا نهاية لها ، فصاح أحد المدربين – بعد أن أمر الدورة بالوقوف – ، فقال : ” تلاميذ ؟” ،فصحنا بصوت يشبه الرعد : ” نعم سيدي ” ، فقال : مين منكم يعرف يعمر طوب ، فجأة رفع يده أحد التلاميذ لا أذكر اسمه فقال : أنا سيدي معمرجي ، وكان يضع يده على ظهره ويعرج لكسب المزيد من الشفقة ،فأخذه المدرب ليعمر بعض الطوب .
في ظهيرة اليوم الثاني ، أيضًا طلب أحد المدربين من يعرف بالكهرباء ، فخرج نفس التلميذ وبنفس الهيئة الاستعطافية ، فقال له المدرب : آه زي طوبات البارح ،الي ما وقع طلع أعوج ، وجبنا معلم يعمرهن من جديد .
لم يكن بد إلا أن يأخذوه هو ، فالبقية حريصون على عدم ادعاء المعرفة لكسب الراحة والشفقة ، وفي اليوم الرابع كان الطلب على مختص هواتف واتصال ، فنادى المدرب : مين يعرف بالتلفونات والأسلاك ؟ ، فقبل أن أرفع يدي كمختص سبقني بها (علاشة وليس عكاشة) ، فقال المدرب له : معلم يا تاع كله ، الغرفة ولعت بسبب كهربتك الغش ، مين اتصالات ، فرفعت يدي وأصلحت العطل .
كان زميلنا يدعي الهبل ، ويتصنع الهبل ،ويصنع الهبل من أجل التهرب من وطأة التدريب الشديدة وهو حتى غير ناضج هبليًا .
تلك القصة تنسحب على أزمة صناعة الهبل التي تجتاح كل وسائل إعلامنا ،وبالأخص في شهر رمضان المبارك ؛أب يمثل شخصية الأب السلبي جدًا ، الابن ينعت والده بالخالص ، واحيانًا يقوم بردعه عن التصرفات بالصوت المرتفع ، على شاشة أخرى وببرنامج آخر : السطو على اللهجة العامية بكل فضاضتها لجعلها مادة للتهريج والضحك والتسلية ، أيضًا في أحد البرامج يتم استضافة ثلاثة شبان من وجوه السوشال ميديا ، وكأنهم رسل المجتمع المكرمين ، لهجة عارية عن طيبة مجتمعنا ، هزل غير معهود ،وهبل مقصود ، وذلك من خلال ادعاء التخلف كفضيلة لردع خطيئة الحداثة المعتدلة على أقل تقدير ،وكسب المزيد من الضحك والتهريج .
في الوحدة الخامسة من كتاب العربية لغتي لطلاب الحادي عشر الأكاديمي ٢٠٠٨ م ، عنوان الوحدة : ( الإعلام و مشرع النهوض باللغة العربية) ، مفاد الدرس ؛ هو بما أن الأشخاص من سن وعي الطفولة وحتى الكبار يتتلمذ على يد وسائل الإعلام ، فعلينا أن نستثمر هذا الوقت الطويل الذي يقضيه الطلبة على مقاعد الدراسة ، أن نقوم من خلال الإعلام بالتأثير والتوجيه فيما يخص فصحنة البرامج ، والانتباه للخطايا الثلاث التي ارتكبت بحق الفصحى وهي : تفشي العامية ،واستخدام مصطلحات أعجمية ، وانتشار اللحن فيما يخص الصرف والنحو .
وأنا أشرح الدرس تبسم أحد الطلبة ساخرًا ، وقال : يا أستاذ انت تحك كثير ممتاز تنظيريًا، شوف برامجنا كيف تبث ، عكس الي مكتوب ومغلب حالك فيه .
الانفصام الذي نعايشه ونتعايشه في أن المشرّع التربوي الوحيد ، وهي وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي وهي المفتي اللغوي الوحيد لكل ما يحدث ، لا تقيم قائمة وتردع كل هذه التجاوزات التي تصل لموروثنا اللغوي وديننا وكتاب الله سبحانه وتعالى.
صناعة الهبل الذي بات في أدنى مستويات الانحطاط الموضوعس، والفكري والمنهجي والأهداف التي تلقي بنا في مهاب رياح الردى والشوارع ، وجيل حاقد على لغته الفصيحة وما ينجم عنها ، ناهيك عن ضحايا الضحك المعلقة في بيوتها بين إفطارها وتوقيت كل هذا المسخ من الهبل المصنع والمعلب بلا أدنى معايير المراقبة والجودة وحتى تفنيد ما له وما عليه .
حين عبر الله جل وعلا عن كل جوانب حياتنا تشريعاتها ، وسرد القصص ، عبر عنها بلغة غاية في الدقة ، وأجلى في الوضوح ، وأبين في السرد والتكثيف وإيصال المعنى .
اللغة العربية لم تكن وطنًا ينفي أو بيئة طاردة بحجة أننا على حد زعم مصطفي آمين حين قال : ” الناس تقرأء لتفهم ، بينما نحن نفهم لنقرأ” ، وهذا تفرد العربية ، لأنها لغة فهم ، وإدراك المعاني وترابط تراكيبها قبل تقشير الفكرة والكشف عن ستر معناها .
الشبه بين زميلنا الذي كان يدعي معرفة كل شي لتحاشي سطوة التعب ، هو ذاته الذي يمثل هبل الميديا بكل أبعاده وأطيافه ، بأنه بات صنعة من ليس له صنعة .
فكلما ازدادت سطوة تصنيع الهبل والهبلان ؛ صارت لغتنا الابن الذي حرمناه حق العيش بسلام بين أمة وشعوب خلقت للسلام وما رأت يومًا لحضارتها وثقافتها سلامًا !
على أهم مفاصل الدولة التي تريد الردع لهكذا تجاوزات سافرة على لغة الضاد المكون الرئيس لهُويتنا القومية ،وحضارتنا العالمية المتفردة ، بدءًا من مجمع اللغة العربية وحتى معدوا البرامج ، أن يكتبوا على أسوار كل منابرنا الإعلامية :” أخي الإعلامي إذا كنت لا تتقن أبجديات لغتك فعد إلي بيئتك وبيتك ” . مقالات ذات صلة
المصدر: سواليف
إقرأ أيضاً:
في ذكرى رحيله.. محمد رشدي الصوت الذي حاربه العندليب
تحل اليوم، الجمعة 2 مايو، الذكرى التاسعة عشرة لرحيل واحد من أعمدة الأغنية الشعبية المصرية، الفنان الكبير محمد رشدي، الذي شكّل بصوته القوي وإحساسه الصادق حالة فنية فريدة لا تزال حاضرة في الوجدان العربي.
ولد محمد رشدي في 20 يوليو 1928 بمدينة دسوق بمحافظة كفر الشيخ، وبدأ مشواره الفني مبكرًا، لكنه لم يكن مجرد مطرب شعبي يردد الأغاني الموروثة، بل كان مجددًا حقيقيًا أعاد تعريف هذا اللون، وربطه بالواقع المصري المعاش، فصار صوته معبرًا عن البسطاء وأحلامهم، وهمومهم اليومية.
امتلك رشدي خامة صوت فريدة مفعمة بالقوة والعاطفة، وامتاز بقدرته على نقل مشاعر الناس ببساطة وصدق. وبرغم شهرته في الغناء الشعبي، إلا أن مشواره لم يخلُ من الأغاني الوطنية والدينية، فقدّم بصوته أعمالًا ما زالت تخلّد بطولات حرب أكتوبر، إلى جانب مساهمته في إنشاد تترات المسلسلات الدينية مثل “ابن ماجة” في رمضان.
و خلّف رشدي وراءه إرثًا غنائيًا ضخمًا، من أبرز أغانيه:
وكانت أغنية “عدوية” علامة فارقة في هذه الشراكة، حتى أن عبد الحليم حافظ شعر بتهديد حقيقي وقرر الرد عليها بأغنية “توبة” بنفس طاقم العمل، في منافسة شريفة أثبتت تفوق رشدي على الساحة الشعبية وقتها.
رشدي على الشاشة
لم يقتصر عطاء محمد رشدي على الغناء، بل شارك أيضًا في عدد من الأفلام، منها:
عدوية، المارد، حارة السقايين، الزوج العازب، وورد وشوك.
محمد رشدي والعندليب
ورغم النجاح الكبير الذي حققه محمد رشدي، إلا أنه لم يسلم من المناوشات والحروب حسب تأكيده، فصرح لأكثر من مرة بأن الفنان عبد الحليم حافظ كان يغار من نجاحه وزيادة شعبيته، وذلك خلال بداية مشواره الفني وحاول إبعاد الشعراء والملحنين عنه، كما تحدث مع المسئولين في الإذاعة المصرية لوقف أكثر من أغنية له.
وبعد وفاة محمد رشدي ظهر نجله بأحد البرامج التلفزيونية يؤكد بأن والده كان لا ينام بسبب تصرفات العندليب معه.
رحيله
توفي محمد رشدي في 2 مايو 2005، بعد صراع مع المرض، عن عمر ناهز الـ77 عامً.