100 ألف شخص تحت الحصار .. كارثة كاراباخ تتفاقم بين أذربيجان وأرمينيا بانقطاع الغذاء والدواء | القصة كاملة
تاريخ النشر: 23rd, August 2023 GMT
"أنجبت قتاتين توأم يوم الأحد ولا أستطيع أن أبقيهم على قيد الحياة" .. هكذا تحدثت ماريا موسيليان، وهي سيدة من أرمينيا عن الأوضاع الإنسانية الكارثية التي تعيش بها، هي وجميع سكان مدينتها، في كلمات تعبر عن حجم الوضع المأساوى بتلك المنطقة، ووسط اتهامات لأذربيجان بعرقلة جميع الإمدادات إلى جيب ناجورنو كاراباخ العرقي الأرمني، تتزايد المخاوف بشأن مصير 100 ألف شخص يعيشون هناك.
وتكمل السيدة حديثها قائلا: "كانت هناك أيام أثناء حملي أدركت فيها أنني لم أحصل على ما يكفي من الطعام، والآن لا يتعلق الأمر بالطعام فقط، فلا يوجد ورق تواليت، ولا معجون أسنان، ولا حليب أطفال، ولا ملابس للأطفال"، وهنا ما قصة تلك المنطقة، وكيف يكون لأذربيجان دورا في حصار أرمن في ظل وجود دولة خاصة بهم، وهنا نرصد تفاصيل تلك الأزمة الإنسانية المتأججة.
أرمن محاصرين داخل أذربيجان
ووفقا للتقرير الذين نشرته صحيفة بوليتيكو الأمريكية، فقد خاض أرمن منطقة ناجورنو كاراباخ حربًا ضد أذربيجان في أوائل التسعينيات، وقُتل خلالها مئات الآلاف من الأذربيجانيين أو أُجبروا على الفرار من منازلهم عندما سيطر الأرمن على السلطة وأعلنوا استقلال دولتهم الانفصالية غير المعترف بها - داخل حدود أذربيجان المعترف بها دوليًا، ولكنها ظلت معزولة عن بقية البلاد بسبب الخنادق والتحصينات.
ثم قلبت أذربيجان الطاولة في عام 2020 بهجوم خاطف استعادت أجزاء رئيسية من الجيب، وتوقفت الحرب بوقف إطلاق النار بوساطة روسية، لكن في الأشهر الأخيرة ضيقت أذربيجان الخناق على ممر لاتشين، وهو طريق جبلي يمثل الرابط الوحيد بين ناجورنو كاراباخ وأرمينيا، وهو ما قطع خط الإمدادات الغذائية والإنسانية لتلك المنطقة، وهنا أصبحت أزمة معقدة.
حصار
وبحسب الصحيفة الأمريكية، ففي كورنيدزور، وهي قرية أرمنية على الحدود مع أذربيجان، كان هناك صف من شاحنات المساعدات البيضاء - المحملة بمئات الأطنان من الدقيق وزيت الطهي وغيرها من الإمدادات من الحكومة الأرمينية - عالقة عند نقطة تفتيش تابعة للجيش خلال الشهر الماضي، وترفض أذربيجان السماح لها بالمرور، فيما تحذر منظمات الإغاثة، بما في ذلك اللجنة الدولية للصليب الأحمر، من أنها غير قادرة على إيصال الغذاء والوقود إلى المنطقة الانفصالية وأن أزمة إنسانية تلوح في الأفق.
ويقول سيرجي غازاريان، وزير خارجية حكومة ناجورنو كاراباخ غير المعترف بها: "الوضع يقترب من الكارثة، فلا يوجد مجال في الحياة لا يعاني، فيما تصر أذربيجان على أن هناك حلاً، لكنه ليس حلاً مستساغاً بالنسبة للأرمن في كاراباخ الذين يأملون في الحفاظ على بعض مظاهر الاستقلال، حيث يصر حكمت حاجييف، مستشار الرئيس الأذربيجاني للسياسة الخارجية إلهام علييف، لمجلة بوليتيكو على أن "طريق لاتشين مفتوح" - في حين رفض توضيح سبب عدم قدرة الصليب الأحمر والمنظمات الدولية الأخرى على استخدامه.
الحسابات السياسية وراء عدم وصول المساعدات
ووفقا للواقع على الأرض، فإن أن الحسابات السياسية هي العائق الأساسي لعدم وصول المساعدات، حيث تصر أذربيجان على عبور المساعدات من داخل أراضيها، فيما يرفض الأرمن داخل الجيب الجغرافي بحثا عن استقلالية الحدود، وهنا يقول حاجييف إن حكومته تريد تسليم المساعدات، ليس فقط عبر ممر لاتشين من أرمينيا ولكن من مدينة أغدام الأذربيجانية، لأنه يربط تاريخياً كاراباخ بالبر الرئيسي لأذربيجان، وهو طريق أقل تكلفة وأكثر ملاءمة، وتدعم روسيا الفكرة مبدئيا، في حين يقول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إنها ليست بديلا عن لاتشين.
ومن الواضح أن دافع أذربيجان لهذا التحول واضح، ففي حين أن ممر لاتشين يوفر لناجورنو كاراباخ شريان حياة مجاور لأرمينيا، فإن عمليات التسليم عبر أغدام - التي تقع إلى الشرق من الجيب - ستتطلب عبورًا طويلًا ومتكررًا عبر أذربيجان، وعند السؤال "لماذا يرفض الأرمن استخدام طريق أغدام؟"، أجاب حاجييف قائلا: "لأنهم لا يسعون إلى إعادة الإدماج - إنهم ببساطة يسعون إلى الانفصال ويسعون إلى الوحدوية ويرغبون في الحفاظ على نظامهم غير القانوني العميل على أراضي أذربيجان".
الأرمن يتمسك بموقفه والأوضاع تزداد سواء
ولكن للأرمن وجهة نظر مختلفة، فقد حذر غازاريان، وزير خارجية حكومة ناجورنو كاراباخ غير المعترف بها، من أن عرض أذربيجان إدخال المساعدات عبر أغدام هو محاولة لإجبار أرمن كاراباخ على التخلي عن استقلالهم وقبول أن يكونوا جزءًا من أذربيجان، وقال: “إذا قبلنا بفتح طريق أغدام والإمداد من الجانب الأذربيجاني، فإننا نضفي الشرعية على الجريمة التي يرتكبونها”، وأضاف: "في حالة إعادة فتح ممر لاتشين، سنعيد اكتفائنا الذاتي ولن تكون هناك حاجة لاستقبال البضائع من أغدام".
ولكن في الوقت الحالي، ما زال الأرمن صامدين، لكن التكلفة الإنسانية آخذة في الارتفاع، وفي يوليو، قال طبيب أرمني في كاراباخ إن حالات الإجهاض تضاعفت ثلاث مرات نتيجة لسوء التغذية ونقص الرعاية الطبية، في حين ذكرت وسائل الإعلام المحلية أن امرأة فقدت طفلها بعد أن لم تتمكن من الوصول إلى المستشفى بسبب نقص الوقود لسيارة الإسعاف.
وقال مسؤولون محليون إن العمل الزراعي توقف تقريبا دون وقود لتشغيل الآلات الزراعية أو نقل الغذاء من الريف إلى العاصمة الأرمينية كاراباخ، ويزعمون أيضًا أن القوات الأذربيجانية أطلقت النار على المزارعين في حقولهم، مما يجعل من المستحيل تقريبًا زرع المحاصيل وحصد التبن لحيواناتهم، وذلك بحسب ما ذكرته الصحيفة الأمريكية.
البحث عن تدخل دولي
وتدعو قيادة ناجورنو كاراباخ الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وغيرهما إلى فرض عقوبات على أذربيجان والضغط من أجل العودة إلى الوضع الذي كان قائما من قبل لمنع وقوع كارثة، وفي اجتماع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الأسبوع الماضي، اعترفت دول من بينها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وروسيا بالحصار المستمر ودعت إلى السماح بدخول المساعدات، ولكن النقاش سلط الضوء على مدى التباعد بين الجانبين.
فيما رد ياشار علييف، الممثل الدائم للبلاد لدى الأمم المتحدة، على الادعاءات الأرمنية من خلال رفع نسخ مطبوعة من منشورات على إنستغرام يُزعم أنها تظهر أرمن كاراباخ وهم يأكلون الطعام ويعيشون الحياة كالمعتاد، وقال: "الناس سعداء، فهم يرقصون في حفل زفافهم".
البحث عن مساعدة
وتتزايد الضغوط على أذربيجان لحملها على التراجع، وقد نشر لويس مورينو أوكامبو، المدعي العام السابق للمحكمة الجنائية الدولية، تقريرا في وقت سابق من هذا الشهر وصف فيه الوضع بأنه "إبادة جماعية مستمرة"، وربما فشل روسيا في ضمان المرور الآمن داخل المنطقة وخارجها، وهو ما تعهدت بالقيام به بموجب شروط وقف إطلاق النار لعام 2020، قد دفع أرمن كاراباخ للتطلع إلى الغرب للحصول على ضمانات أمنية، وقال تيغران غريغوريان، رئيس المركز الإقليمي للديمقراطية والأمن في العاصمة الأرمينية يريفان: "لقد شهدنا اتجاهين رئيسيين منذ بداية الحرب في أوكرانيا، الأول هو أن اهتمام روسيا بالمنطقة يتضاءل وأولوياتها تتغير، عسكرياً ودبلوماسياً وسياسياً، والثاني أنها لم يعد لديهم النفوذ الذي كانوا يتمتعون به في السابق”.
فيما تسعى أذربيجان إلى طمأنة المجتمع الدولي بأن التحذيرات من حملة التطهير العرقي المستمرة مبالغ فيها، وقد عينت المحامي اللندني رودني ديكسون لكتابة رفض تقرير مورينو أوكامبو، وقال ديكسون: "إذا كنت تريد تقديم ادعاء خطير مثل الإبادة الجماعية، فعليك أن تنظر إلى جميع العوامل، وقد يكون هناك العديد من القضايا الأخرى بين الطرفين، ولكن لا يوجد دليل على أن الإبادة الجماعية جارية"، وتابع: "عرض أذربيجان لإعادة توجيه المساعدات عبر أغدام يظهر أنها لا تنوي طرد السكان الأرمن في ناجورنو كاراباخ، ولكن هناك شكوك حول نوايا الحكومة الأذربيجانية على المدى الطويل".
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: المعترف بها ممر لاتشین فی حین
إقرأ أيضاً:
"أسوشيتد برس": الجوع ينتشر في غزة إثر انخفاض كمية الغذاء لأدنى مستوياتها
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أكدت وكالة /أسوشيتد برس/ الأمريكية، انتشار الجوع في قطاع غزة؛ إثر انخفاض كمية الغذاء إلى أدنى مستوياتها، مشيرة إلى حجم المعاناة التي يعيشها سكان غزة بسبب الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ أكتوبر من العام الماضي، حيث يتناول الكثيرون الطعام مرة واحدة فقط في اليوم وسط مشاكل المساعدات وانخفاض كمية الغذاء.
وأشارت الوكالة ـــ في تقرير إخباري نشرته، اليوم/السبت/، إلى السيدة الفلسطينية ياسمين عيد التي تسعل وتغطي وجهها، وتطهو قدرا صغيرا من العدس على نار تغذيها الأغصان وقطع الورق في الخيمة التي تتقاسمها مع زوجها وبناتها الأربع الصغيرات في قطاع غزة، موضحة إن هذا الطعام كان وجبتهم الوحيدة اليوم.
وقالت ياسمين:" تمتص بناتي إبهامهن بسبب جوعهن، وأنا أربت على ظهورهن حتى ينمن"، مشيرة إلى أنه بعد نزوحهم خمس مرات، تقيم عيد في وسط غزة، حيث تتمتع جماعات الإغاثة بقدر أكبر نسبيًا من الوصول مقارنة بالشمال، الذي تم عزله إلى حد كبير وتدميره بشدة منذ بدأت إسرائيل في شن هجوم متجدد ضد حركة حماس.
ويعاني كل شخص تقريبًا من الجوع هذه الأيام وخاصة بعد قول الخبراء إن شمال غزة يعاني حاليا من المجاعة بشكل كامل.
وفي يوم الخميس الماضي، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف جالانت، متهمة إياهما باستخدام "التجويع كوسيلة حرب".
وفي دير البلح، تعيش ياسمين عيد بين مئات الآلاف الذين يحتمون في مخيمات خيام بائسة بعدما أغلقت المخابز المحلية لمدة خمسة أيام هذا الأسبوع. وارتفع سعر كيس الخبز إلى أكثر من 13 دولارًا بحلول يوم الأربعاء الماضي، حيث اختفى الخبز والدقيق من الأرفف قبل وصول المزيد من الإمدادات.
وحذر مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية من "زيادة حادة" في عدد الأسر التي تعاني من الجوع الشديد في وسط وجنوب غزة بعدما انخفضت كمية الطعام التي سمحت إسرائيل بدخولها إلى غزة خلال الأسابيع السبعة الماضية، وهي الآن عند أدنى مستوياتها تقريبًا خلال الحرب بأكملها.
وتقول جماعات الإغاثة والأمم المتحدة إن أقل من ذلك يصل إلى 2.3 مليون فلسطيني في المنطقة بسبب العديد من العقبات التي تعترض التوزيع - بما في ذلك القيود المفروضة على الحركة من قبل الجيش الإسرائيلي، والقتال المستمر، والأضرار التي لحقت بالطرق.
ولأشهر، ذهبت ياسمين وعائلتها إلى الفراش جائعين، قائلة:" لقد ارتفع سعر كل شيء، ولا يمكننا شراء أي شيء نذهب دائمًا إلى النوم دون تناول العشاء".
وأضافت أنها تفتقد القهوة وتفتقد الكثير من المواد الغذائية بعدما وصلت أسعار السلع إلى أرقام خيالية إذا كانت متوفرة، مشيرة إلى اختفاء اللحوم والدجاج تقريبًا من الأسواق منذ أشهر، لكن لا تزال هناك بعض الخضروات المحلية.
ونقلت الوكالة، عن هاني المدهون، المؤسس المشارك لمطبخ غزة للحساء قوله، إن فريقه لا يستطيع تقديم سوى أطباق صغيرة من الأرز أو المكرونة مرة واحدة في اليوم.
وأضاف أنهم يمكنهم الذهاب إلى السوق في يوم واحد وشراء شيء مقابل 5 دولارات، ثم العودة في فترة ما بعد الظهر ليجدوا أن سعره قد تضاعف أو تضاعف ثلاث مرات".
وكان مطبخه في بلدة زويدة بوسط غزة يعمل بميزانية يومية تبلغ حوالي 500 دولار لمعظم الحرب وعندما انخفضت كمية المساعدات التي تدخل غزة في أكتوبر الماضي، ارتفعت تكاليفه إلى حوالي 1300 دولار في اليوم ويمكنه إطعام حوالي نصف العائلات التي تصطف في طابور كل يوم.
وفي المقابل، تقول إسرائيل إنها لا تضع أي قيود على كمية المساعدات التي تدخل غزة وأعلنت عن عدد من التدابير التي تقول إنها تهدف إلى زيادة التدفق في الأسابيع الأخيرة، بما في ذلك فتح معبر جديد، لكن أرقام الجيش الإسرائيلي نفسه تظهر أن كمية المساعدات التي تدخل غزة انخفضت إلى حوالي 1800 شاحنة في أكتوبر الماضي.
وتقول الأمم المتحدة إنها لا تستطيع في كثير من الأحيان الوصول إلى الحدود لالتقاط شحنات المساعدات لأن الجيش الإسرائيلي يرفض طلبات الحركة وبسبب القتال المستمر وانهيار القانون والنظام.