لجريدة عمان:
2025-04-13@13:29:49 GMT

الشمس والظلام وبينهما أفريقيا

تاريخ النشر: 15th, March 2025 GMT

الشمس والظلام وبينهما أفريقيا

تأخذ رواية “اللقالق لا تموت” للكاتب الكونجولي ألان مابانكو القارئ في رحلة عبر التاريخ الإفريقي المثقل بالمآسي والمؤامرات، حيث تتشابك الأحداث السياسية والقصص الشخصية لتعكس واقع القارة الذي لا يزال يعاني من إرث الاستعمار والاستغلال. منذ البداية، تهيمن رمزية الطيور البيضاء المحلقة، المستوحاة من قصيدة “اللقالق المحلقة” لرسول حمزاتوف، التي كتبها أثناء زيارته لساحة السلام في هيروشيما، أمام تمثال الطفلة ساداكو ساساكي، التي صنعت طيور الكركي الورقية قبل وفاتها بسبب آثار القنبلة النووية.

تتحول هذه الصورة إلى استعارة تمتد على صفحات الرواية، حيث يعتقد الكاتب أن أرواح القادة المغتالين والمجاهدين الذين سقطوا دفاعًا عن أوطانهم لا تفنى، بل تظل تحلق في سماء إفريقيا كما تحلق اللقالق فوق روسيا تخليدًا لجنودها.

لكن الرواية لا تكتفي بهذه الرمزية، بل تغوص في عمق التاريخ الإفريقي، مستعرضة سلسلة طويلة من الاغتيالات السياسية التي نفذها الاستعمار الغربي أو دُبرت بأيادٍ إفريقية مأجورة، بدايةً من عام 1947 حين أطلق المجاهد عبد الكريم الخطابي عبارته الشهيرة “ليس في قضية الحرية حل وسط”. في هذا السياق، يظهر القائد الكونجولي ماتسوا الذي خدم في الجيش الفرنسي وتم تكريمه بالسجن والأشغال الشاقة حتى وفاته، في مفارقة تعكس كيف تعامل المستعمر مع من خدمه. عام 1958، اغتيل روبين أم نيوبي في قريته بواسطة جندي أسود يدعى بول أبدولاي، الذي كافأته فرنسا بوسام، ليكون ذلك نموذجًا للأسلوب الذي اعتمدته القوى الاستعمارية في تصفية خصومها. وفي عام 1960، اغتيل فليكس موممبي مسمومًا في سويسرا على يد المخابرات الفرنسية، بينما كان من أبرز دعاة التحرر والاستقلال. في العام نفسه، وقعت واحدة من أكثر الاغتيالات شهرة ووحشية، حين قُتل باتريس لومومبا بأيدٍ إفريقية وبإشراف مباشر من الاستخبارات الأمريكية والبلجيكية، حيث أطلق عليه الرصاص بغزارة حتى لم تُترك منه جثة يمكن التعرف عليها. أما في 1963، فقد شهدت توجو اغتيال أول رئيس منتخب للبلاد، سيلفانوس أولمبيو، ليكون ذلك بمثابة بداية لسلسلة من الاضطرابات التي لم تتوقف. عام 1965، اغتيل المناضل المغربي المهدي بن بركة في عملية تعاونت فيها أجهزة المخابرات الفرنسية والإسرائيلية والمغربية، ولم يُعثر على جثته حتى اليوم، فيما كان أحد المتهمين في قضيته، الجنرال أوفقير، يحاول لاحقًا تبرئة نفسه عبر انقلاب فاشل. ثم في 1973، تم اغتيال أميلكار كابرال، الأب الروحي لاستقلال غينيا بيساو والرأس الأخضر، على يد أعضاء من حزبه بتواطؤ من البرتغال وغينيا كوناكري، حيث أخفى الرئيس أحمد سيكو توري آثار الجريمة. في العام نفسه، اغتيل المعارض التشادي آوتل بونو في باريس، وفي 1977، اغتيل الرئيس الكونجولي ماريان نجوابي، وهو الحدث الذي تشكل حوله الرواية محورًا رئيسيًا لاستكشاف العنف السياسي في القارة.

وسط هذا المشهد الدموي، تأخذ الرواية بُعدًا إنسانيًا عبر شخصية ميشيل، الصبي ذو الثلاثة عشر عامًا، الذي يعيش مع والديه في قرية فونجو، حيث يرصد تفاصيل الحياة اليومية لأبناء القرى الإفريقية البسيطة، بين مسكنهم الفقير، ومأكلهم المتواضع، والعلاقات الاجتماعية التي تعكس تكافلًا يمتزج بالمعاناة. لكن حياة القرية هنا ليست مجرد خلفية للأحداث، بل إسقاط على واقع الكونجو، التي بدورها تصبح مرآة لما تعانيه إفريقيا بأسرها من فقر، وجوع، ومرض، وأمية، وكلها ظواهر لم تأتِ من فراغ، بل كانت نتيجة مباشرة للسياسات الاستعمارية التي استنزفت القارة لعقود طويلة.

على امتداد الرواية، تبرز إشكالية العلاقة بين المستعمر والمستَعمَر، حيث لم يكن الاحتلال مجرد نهب للثروات، بل كان أيضًا غرسًا عميقًا للمهانة والعبودية في نفوس الشعوب الإفريقية، كما زرعوا أشجار التوليب الإفريقي في أرضهم. يتجلى هذا بوضوح في اقتباس من الشاعر فيليس ويتلي، الذي يصور كيف ادعى المستعمرون أنهم أخذوا الأفارقة من الظلام إلى النور، مدعين أنهم علموهم الرحمة والمسيحية، بينما في الحقيقة لم يكن ذلك سوى غطاء لاستعبادهم ونهب خيراتهم. هذه الجدلية بين الظاهر والمضمر، بين ادعاء التحضر وممارسة القمع، تتكرر في أكثر من موضع بالرواية، وكأن الكاتب يؤكد أن تاريخ إفريقيا لم يكن سوى سلسلة من الخيانات، ليس فقط من القوى الاستعمارية، ولكن أيضًا من بعض أبناء القارة الذين تعاونوا معهم ضد بني جلدتهم.

الرواية، رغم أنها تغوص في التاريخ، لا تقدم سردًا تأريخيًا جافًا، بل تطرح رؤية نقدية بأسلوب روائي مشحون بالرمزية والعاطفة، يعكس براعة ألان مابانكو في تحويل الأحداث السياسية إلى مادة أدبية آسرة. بأسلوبه الساخر واللاذع، يعيد طرح الأسئلة الكبرى حول المصير الإفريقي، والتدخلات الخارجية، ودور الأفارقة أنفسهم في واقعهم المؤلم، حيث لم يكن المستعمر دائمًا هو من يطلق الرصاصة، بل كثيرًا ما كانت الأيادي الإفريقية هي التي ضغطت على الزناد. الرواية، بهذا الشكل، لا تكتفي بتقديم مأساة تاريخية، بل تحرض القارئ على التفكير في الحاضر، وربما في المستقبل، حيث لا تزال إفريقيا تئن تحت وطأة ماضٍ لم يُطوَ بعد.

الكاتب ألان مابانكو، المولود عام 1966 في جمهورية الكونجو، يعد من أبرز الأسماء الأدبية الإفريقية المعاصرة، إذ تمكن من تقديم صورة عميقة لإفريقيا، ليس فقط من خلال التاريخ، بل عبر تصوير الواقع الاجتماعي والسياسي بأبعاده المختلفة. بعد أن درس الحقوق في فرنسا، اتجه إلى الأدب ليصبح من أكثر الأصوات الروائية تأثيرًا، حيث تتميز أعماله بأسلوب يجمع بين السخرية اللاذعة والنقد العميق للمجتمعات الإفريقية، سواء في ظل الاستعمار أو بعد الاستقلال. حصل على العديد من الجوائز الأدبية، منها جائزة رينودو المرموقة عن روايته “ذكريات تمساح سيئ الحظ”. ومن أبرز أعماله الأخرى “الأزرق والأبيض والأحمر” و“الليل لا يُفضي إلى النهار”، حيث يتناول في معظم كتاباته قضايا الهوية، والصراعات السياسية، والإرث الاستعماري، مستعينًا بلغة أدبية تمزج بين الواقعية والرمزية، ليعكس من خلالها تجربة القارة الإفريقية بعيون أبنائها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: لم یکن

إقرأ أيضاً:

لجنة الصداقة البرلمانية الإماراتية الإفريقية تبحث التعاون البرلماني مع سيشل

دبي/ وام
التقت لجنة الصداقة البرلمانية الإماراتية مع برلمانات الدول الإفريقية في المجلس الوطني الاتحادي برئاسة سعيد راشد العابدي رئيس اللجنة، في مقر الأمانة العامة للمجلس بدبي، وافين ويليم رئيس لجنة الصداقة البرلمانية في الجمعية الوطنية في جمهورية سيشل.
وحضر اللقاء، أعضاء لجنة الصداقة البرلمانية الإماراتية الإفريقية، كل من منى خليفة حماد نائبة رئيس اللجنة، وعائشة إبراهيم المري، وفاطمة علي المهيري، أعضاء المجلس الوطني الاتحادي.
وجرى خلال اللقاء بحث سبل تعزيز علاقات التعاون البرلماني بين المجلس الوطني الاتحادي والجمعية الوطنية، بما يواكب ما تشهده العلاقات الثنائية من نمو بين دولة الإمارات وجمهورية سيشل.
وقال سعيد العابدي، إن العلاقات بين البلدين تجسد نموذجاً راسخاً للصداقة والتعاون المثمر، لافتاً إلى أن هذه العلاقات شهدت نمواً في مختلف المجالات، بما يسهم في دفع عجلة التنمية والازدهار المشترك، ويعكس هذا التعاون الدعم المتواصل من قيادتي البلدين، والرغبة الصادقة من الجانبين في تعزيز العلاقات الثنائية لآفاق أوسع.
وأكد حرص دولة الإمارات على تعزيز التعاون مع سيشل في شتى المجالات، لاسيما في مجالات الاستثمار، والسياحة، والمناخ، والطاقة المتجددة، وبرامج التنمية المستدامة.
وأكد الجانبان الدور الحيوي للجنة الصداقة في مجال توطيد العلاقة بين البلدين والشعبين الصديقين، ودعم مسارات التعاون والتنسيق المشتركة، ومواصلة استكشاف الفرص، لاسيما في المجالات الاستثمارية والاقتصادية والتنموية، بما يخدم المصالح المشتركة.
وأكدا أهمية تعزيز العمل البرلماني والتنسيق في المحافل البرلمانية الدولية، خاصة في الاتحاد البرلماني الدولي، حيث يشمل ذلك الترشيحات للمناصب، والتشاور والاتفاق حيال مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك.

مقالات مشابهة

  • في غياب زيزو.. الزمالك يستهدف مداواة جراحه الإفريقية أمام حرس الحدود
  • تحقيق جديد لواشنطن بوست ينسف الرواية الإسرائيلية عن مذبحة مسعفي رفح
  • مشاركة واسعة في البطولة الإفريقية للموي تاي المقامة بطرابلس
  • جامعة أفريقيا العالمية.. جسر السودان الذي مزقته الحرب
  • خاص.. ملاعب الدفاع الجوي والكلية الحربية وهيئة قناة السويس جاهزة لاستضافة كأس الأمم الإفريقية تحت 20 سنة
  • في أنطاليا.. مصر تمدّ جسور الدبلوماسية مع أفريقيا وتدعم "العناني" لليونسكو
  • قلق إسرائيلي من انتشار وتبني الرواية الفلسطينية في الأمم المتحدة
  • لجنة الصداقة البرلمانية الإماراتية الإفريقية تبحث التعاون البرلماني مع سيشل
  • خبير سياسي: الانقسام الداخلي في إسرائيل يكشف زيف الرواية الصهيونية
  • إيلون ماسك يوسع شبكة ستارلينك في أفريقيا