قال الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إن سؤال: "هل دراسة الفلسفة حرام؟" يقتضي الوقوف أولًا على معنى الفلسفة، حتى يتأتى الجواب الصحيح.

مفتي الجمهورية: الإسلاموفوبيا تهديد خطير يستوجب تعاونًا دوليًّا لمواجهتههل يمكن تكرار العمرة في السفر الواحد؟.. مفتي الجمهورية يوضح| فيديو

وأوضح مفتي الجمهورية، خلال حديثه الرمضاني، أن الفلسفة في أبسط معانيها، هي محبة الحكمة، بل يمكن النظر إليها أيضًا على أنها التشبُّه بالأخلاق الإلهية قَدْرَ الطاقة الإنسانية، وبناءً على هذه التعريفات يمكن القول بأن الفلسفة هي عين الحكمة، وهي بذلك لا تتناقض مع الدين ولا تعارضه.

وأضاف أن الحكمة –وهي غاية الفلسفة– تعني الإصابة في القول والعمل، وقد نص القرآن الكريم على هذه الحكمة في غير موضع، منها قول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [الجمعة: 2]، وقوله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269]، وقد فسِّر العلماء الحكمة بالسُّنة، وبعضهم فسَّرها بإصابة القول والعمل.

وأكَّد مفتي الجمهورية أن العلاقة بين الفلسفة وبين العلوم الشرعية علاقة وثيقة، بل يمكن القول إنها علاقة تآخٍ وتعاضد وتكامل، لا تعارض ولا تناقض، موضحًا أن علماء الحضارة الإسلامية في عصورها الزاهرة نظروا إلى الفلسفة على أنها إعمال للعقل، وهو من الأمور التي دعا إليها الدين وحث عليها القرآن الكريم في مواضع كثيرة، كقوله تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ} [الروم: 42].

وتابع: "إذا كانت الفلسفة تسعى إلى الحكمة، وهي غاية نبيلة مشتركة بينها وبين النص الديني، وكانت ناتجة عن إعمال العقل، والعقل مخلوق من مخلوقات الله، فكيف تكون محرمةً؟ بل إن بعض العلماء سعى إلى التوفيق بين الفلسفة والدين من خلال وحدة المصدر، فالدين من عند الله، والعقل من خلق الله أيضًا".

وأشار مفتي الجمهورية إلى أن هناك أيضًا وحدة في الغاية، فكلاهما يسعى إلى الكمال في القول والعمل، وهذه العلاقة أنتجت نوعًا راقيًا من التفكير، ورؤية اجتهادية متكاملة جمعت بين المنهج الفلسفي المنظم والرؤية الشرعية الواسعة.

واستعرض مفتي الجمهورية نماذج من علماء المسلمين الذين جمعوا بين الفقه والفلسفة، ومنهم الإمام الغزالي، الذي وُصف بأنه فقيه وفيلسوف ومتكلم وأصولي، وترك تراثًا علميًّا يعكس هذه المَلَكة الشرعية والهبة العقلية، خاصة في كتابه "المستصفى"، وكذلك ابن رشد الفقيه المالكي والفيلسوف الأندلسي، الذي ألَّف كتاب "بداية المجتهد ونهاية المقتصد"، وجمع فيه بين التحرير الفقهي والرؤية الفلسفية.

ولفت الانتباه إلى أن ابن رشد عبَّر عن هذه العلاقة بقوله إن الحكمة هي الأخت الشقيقة للشريعة، موضحًا أن الشريعة نفسها هي التي دعت إلى التفلسف وأوجبت النظر العقلي، ولكن بشروط، من أهمها: الهبة الفطرية (الذكاء)، والعدل والموضوعية.

وختم مفتي الجمهورية حديثه بالتأكيد على أن دراسة الفلسفة من الأمور المباحة، بل هي -في هذا العصر- من أوجب الواجبات، في ظلِّ هذا الانفتاح الفكري وتعدد المذاهب والاتجاهات، مشددًا على أن رد الشبهات، وتقويم الأفكار، والاستفادة من الإيجابيات لا يتأتى إلا بفهم الفلسفة، التي هي لون من ألوان إعمال العقل والاجتهاد

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الدين الفلسفة مفتي الجمهورية الحكمة دراسة الفلسفة المزيد مفتی الجمهوریة على أن

إقرأ أيضاً:

سيرة الفلسفة الوضعية الحلقة (16) الأخيرة

د. أبوبكر الصديق على أحمد مهدي
المرحلة الثالثة - الفلسفة الوضعية
نقد الفلسفة الوضعية
يجد نموذج الفلسفة الوضعية المعارضة الشديدة والرفض التام ويواجه بالنقد من جهات عديدة ومن وجهات نظر مختلفة، ونستطيع تسليط بعض الأضواء على بعض نقاط النقد والمعارضة والرفض في السطور التاليات:
أولاً، فشل (نموذج الفلسفة الوضعية) في تمييز علوم الأفراد والعلوم الاجتماعية عن العلوم الطبيعية ويتعامل مع الانسان والإنسانية مثل أي مادة طبيعية أخرى (Bryman، 2008).
ثانياً، يسعى إلى اختزال المركب إلى أو في بسيط، من خلال تبسيط المتغيرات والتحكم فيها، ولهذا يبدو استخدامه صعباً في البحث التربوي.
ثالثاً، يفترض بأن التعميم مناسب في العلوم الاجتماعية والانسانية. ورغماً عن ذلك، يبدو أنه غير قابل للتطبيق بناءً على الاختلافات في الثقافة وفي المعتقد وفي التجربة الإنسانية.
أخيراً وليس آخراً، قام الوضعيين بتمزيق وتفريغ السياقات من المعاني أثناء تطوير مقاييس كمية للظواهر (جوبا ولينكولن، 1994) ولم يقدموا أي قيمة للبحث. فالبحث يعتبر نشاطاً ذا قيمة مع معناه الساكن في الإطار. لذلك، يمنح سياق الدراسة أهمية للبحث من خلال توضيح وتحديد أدوار المشاركين والمتغيرات المختلفة وتفسير النتائج.
اضافةً الي ذلك، ألقى العديد من العلماء باللوم على النظرية الوضعية. لأنهم يعتبرونها، في حين أن الأساليب الموضوعية والعلمية مناسبة لفحص ودراسة الطبيعة وأشيائها، غير ملائمة وتفشل ولا تنجح عندما يتم تطبيقها على الظواهر الاجتماعية.
إن تعقيد القوانين التي تحكم الأفراد، ومعالجاتها، وارتباطاتهم ببعضهم البعض، ومع المؤسسات والمجتمع، هي في تناقض بسيط وواضح مع النظام والانتظام الذي يحصل عليه المرء في العالم الطبيعي. ويستخدم الافتراض الوضعي طرقاً علمية للظواهر الاجتماعية التي ستوجه إلى اكتشاف القوانين التي تحكمها والتي اعتبرها ريتشاردز (Richards) "ساذجة وممعنة في السذاجة".
ويتقدم ريتشاردز (2003) الي الأمام بعمق أعمق ليقول إن "الفلسفة الوضعية ماتت وشُيعت الي مثواها الأخير، وقد تلاشت وبدأت تفوح منها رائحة الفناء". وهنا يمكننا أن نقرأ بعض النقاط الأخرى لنقد هذه الفلسفة الوضعية:
• يعتبر "كونت" نفسه أباً للفلسفة الوضعية أو المنهج العلمي، لكنه لم يلتزم بها أو بهما.
• يعتقد البروفيسور تيماشيف (Prof. Timasheff) أن نظريات كونت الاجتماعية ترمز وتدعو إلى قفزة سابقة لأوانها وذلك من مستوى الملاحظة والاستدلالات إلى مستوى النظرية.
• ووفقاً لجون ستيوارت ميل، لا يصمد "دين كونت الجديد" أبداً أمام اختبار العقلانية، لأنه لا يمكن أن يحدث أو يمارس أبداً في الممارسة أو يعمل به عملياً. وكأن هذا الدين الكونتي قد ولد من "تسمم أخلاقي" أو "ثملة الأخلاق".
• تمشيا وتماشياً مع رولين تشامبليس (Rollin Chambliss)، تمنى وحاول "كونت" بناء علم يدرس الظواهر الاجتماعية أو أيجاد علم خاص بالظواهر الاجتماعية. لكنه، وبدلاً من تحقيق وانجاز ذلك، حاول تقديم مشاريعه لإعادة الهيكلة الاجتماعية. وقد أنجز مشروعاً للمدينة الفاضلة "اليتوبيا" بدلاً من تقديم مشروعاً للعلم.
ميلاد فلسفة ما بعد الفلسفة الوضعية
ونتيجة لنقد النموذج الوضعي الفلسفي، تطورت فلسفة ما بعد الفلسفة الوضعية. التي "تمتد وتتمدد على حد سواء بين النماذج الوضعية وتلك التفسيرية" (جريكس-Grix-، 2004، ص 86).
وتعتبر فلسفة ما بعد الفلسفة الوضعية بمثابة محاولة جادة للتخلص من أوجه القصور التي شابت وطرأت على النموذج الوضعي. ويعتبر الموقف الأنطولوجي لفلسفة ما بعد الفلسفة الوضعية هو موقف الواقعية النقدية. إنها ترى الواقعية التي تقدم بشكل مستقل عن المراقب، ولكن لا يمكن فهمها إلا بشكل سيئ بسبب تعقيد الظواهر الاجتماعية؛ كما يعرف أيضاً احتمالية تأثير معتقدات الباحث وقيمه على ما يمكن ملاحظته بالفعل.
ففلسفة ما بعد الوضعية، كما يعرّفها ويليس (Willis) (2007)، هي "شكل أكثر اعتدالًا من الفلسفة الوضعية" وهي تتبع المبادئ المتشابهة التي تتبعها الفلسفة الوضعية، ولكنها تسمح بمزيد من التفاعل بين الباحث والمشاركين في البحث. وتستخدم المزيد من التقنيات مثل البحث الاستقصائي والنهج أو المنهجية النوعية عطفاً على المنهجية الكمية، مثل إجراء المقابلات ومراقبة المشاركين في البحث (2008 (Creswell,.
وقد ألقى المفسرون والمنظرون النقديون اللوم الشديد، وعلى نطاق واسع على نموذج الفلسفة الوضعية. وواحدة من أكثر الانتقادات التي يتم إعادة بنائها عادة هي أن المناهج العلمية، على الرغم من أنها مناسبة لدراسة الظواهر الطبيعية، فإنها تقصر وتظل عاجزة عندما يتم توظيفها لدراسة الأفراد والأحداث الاجتماعية (ريتشاردز، 2003).
وعلى الرغم من أن هذا النقد لا يخلو من الفوائد، ولكن يجب على المرء أن يتذكر أنه في بعض الأحيان وفي احايين كثيرة، قد يمتلك أولئك الذين يزنون هذا النقد في الفلسفة الوضعية وجهات نظر مختلفة للعالم وللوجود.
كما ذكر هيوز وشاروك (Hughes and Sharrock) (1997)، "إن منتقدي العلوم الاجتماعية الوضعية، مثل جميع النقاد يميلون إلى إظهار صورة واضحة ومثالية لجانب المعارضة، ودائماً هي صورة سالبة، وفي بعض الأحايين متحاملة وغير محايدة ولا موضوعية قط، وفي هذه الحالة، يتم عرضها أي الفلسفة الوضعية كما لو أنها ليست مجرد فلسفة سطحية ساذجة ولكنها كذلك بدون أي تمييز وتنوع".
ولكن، المناهضون للوضعية، وعلى الرغم من نقدهم اللاذع للوضعية، "لم يكونوا قادرين أبداً على رسم خريطة واضحة لمفهوم بديل، يقدم إجابات للأسئلة الأكثر أهمية، تلك التي حاولت الفلسفة الوضعية الاجابة عنها وقتلها بحثاً وتمحيصاً.
وبغض النظر عن وابل التعليقات من مناهضي الوضعية، لم يكن هناك ولم يطرأ أي انخفاض أو انحسار في البحث الإيجابي أو الوضعي في التعليم وانما تقدم الي الأمام بخطوات جريئة وبخطوات حره.
ويمكن التعرف على كاريزما النهج الذي يطارد الدقة والحرص على الدقة وقوة التنبؤ التي تضمنها العلوم الطبيعية. ويمكن أن تكون العلوم الإنسانية فوضوية جداً، والناس غير متأكدين، وقد تؤدي عناصرها إلى أحداث يُصعب توضيحها ويُفشل في شرحها وفي تفسيرها. وتسعى الفلسفة الوضعية للتغلب على هذه الفوضى من خلال اتباع القواعد والقوانين التي تجعل العالم الاجتماعي معروفاً ونوعاً ما واضحاً وشفافاً.
وبغض النظر عن الانتقادات، فإن إصراره على النهج الوضعي الإيجابي والموضوعي والموقف العلمي زاد من تطور العلوم الاجتماعية بشكل عام وبشكل كبير وعظيم.
وقبل أن نختم سلسلتنا ... يهمس أوشو (Osho)، ناصحاً..
لا تكشف عن تجاربك الروحية للناس العاديين..
لست بحاجة إلى إخبار الجميع بأسرارك الأعمق..
شارك أسرارك مع من يفهمها فقط..
عندما يسيء الناس العاديون فهمها، فقد يدمرون شيئاً ما بداخلك...
لأن سوء فهمهم يؤثر عليك...
عليك أن تكون حارس اسرارك...
تماماً مثل الأم التي تكبر طفلاً بداخلها لمدة تسعة أشهر حتى ينضج الطفل ويكون جاهزاً...
سيأتي يوم يفوق فيه قدرتك على إخفائه، لكنه لا يمثل مشكلة بعد ذلك..
لأنه لا يمكن لأحد أن يشوهها...
لكن قبل ذلك، حافظ على هدوئك تماماً..
لا يمكن للمجتمع أن يفهم فرحتك الإلهية والجنون...
قتلوا الحلاج على هذه الجريمة...
تنمو البذرة فقط في العزلة والظلام...
تضعه في أعماق الأرض حيث لا يصل ضوء الشمس...
ذات يوم فجأة رأيت برعماً أخضر...
تأتي لحظة تتفتح فيها تلك الزهرة وتصبح زهرة..
ولا يمكنك إخفاء الإله الذي يرقص في قلبك...
قم بإخفائها بقدر ما تستطيع..
أو عندما يصبح الأمر أكثر من اللازم، اذهب إلى مكان منعزل؛ اصرخ واضرب وغني وكن مجنوناً...
كن مجنوناً...

bakoor501@yahoo.com  

مقالات مشابهة

  • مفتي الجمهورية يؤكد على المكانة المحورية لشمال سيناء
  • شائعات خطيرة متداولة على المنصات الإلكترونية.. مفتي الجمهورية يحذر منها
  • حكم الشرع في شخص أدى فريضة الحج من مال حرام.. الإفتاء يكشف
  • مفتي الجمهورية يزور مصابي غزة بمستشفى العريش العام .. صور
  • مفتي الجمهورية: المنصات الإلكترونية جزء من فوضى الفتاوى والتسيب الأخلاقي
  • مفتي الجمهورية يتفقد مستشفى العريش العام ويطمئن على المصابين الفلسطينيين
  • مفتي القاعدة السابق يتحدث عن موقفه من الديمقراطية والانتخابات
  • تحدث عن فضل العلم..مفتي الهند يحضر مجلس حديث الرحمة
  • سيرة الفلسفة الوضعية الحلقة (16) الأخيرة
  • مسقط.. عاصمة الحكمة والتوازنات الكبرى