هل دخل السودان عصر الميليشيات؟
تاريخ النشر: 15th, March 2025 GMT
هل دخل السودان عصر الميليشيات؟
فيصل محمد صالح
هناك أكثر من سردية لبداية الحرب في السودان، ومن هو صاحب المصلحة في إشعال الحرب، لكن السردية الحكومية الرسمية تقول إن ميليشيا «قوات الدعم السريع» تمردت على سلطة الدولة وحاولت الاستيلاء على السلطة، فاضطر الجيش للتصدي لها. لكن حتى من يقول بتلك السردية يعترف بأن «قوات الدعم السريع» تكونت في عهد حكومة الإنقاذ الإسلامية، وكانت مهمتها هي القيام بالأعمال التي لا يمكن للجيش أن يقوم بها، بخاصة في دارفور التي كانت مشتعلة.
إذا افترضنا حسن النية في كل ما حدث، إن كان ذلك ممكناً، فالطبيعي أن يتعلم الناس من التجربة، ويمتنعوا عن تكرارها، على الأقل في المستقبل القريب، ويتجهوا ناحية تقوية الجيش الرسمي، وإعادة تأهيله وتسليحه وتدريبه ليكون القوة الوحيدة الحاملة للسلاح، ولكن ما حدث عكس ذلك تماماً.
أعلنت الحكومة الاستنفار، وكان المفهوم هو قبول متطوعين من المدنيين للالتحاق بالجيش. وفعلاً بدأ هذا العمل في عدد من الولايات، لكن في الوقت ذاته ظهرت «كتيبة البراء بن مالك» التابعة للحركة الإسلامية، وبدأت من جانبها فتح باب التجنيد وسط الشباب، واتخذت لنفسها شعاراً وراية مختلفين، وأدبيات مستوحاة من تاريخ الحركة الإسلامية وفصائلها المسلحة في العهد الماضي، ثم أعلنت حركات دارفور المتحالفة مع الحكومة تخليها عن الحياد وانضمامها لصفوف الجيش، مع فتح معسكرات للتجنيد والتدريب داخل وخارج السودان، وبالتحديد في دولة إريتريا المجاورة، ثم ظهر نحو خمسة فصائل من شرق السودان فتحت معسكراتها في إريتريا وبدأت تخريج المتطوعين. وكان الملمح الظاهر لكل هذه المجموعات المسلحة، بما فيها حركات دارفور وشرق السودان، هو الطابع القبلي للحشد والتعبئة والتجنيد.
الاختلاف الوحيد ظهر في منطقة البطانة، شرق الجزيرة، وولايتَي سنار والنيل الأزرق، حيث ظهرت مجموعات مسلحة انضمت لـ«الدعم السريع»، بقيادة أبو عاقلة كيكل في منطقة البطانة، والبيشي في منطقة سنار، والعمدة أبو شوتال في النيل الأزرق. وبالطبع كان الطابع القبلي لـ«قوات الدعم السريع» أظهر من أن يتم إخفاؤه؛ فقد اعتمدت بشكل أساسي على القبائل العربية في ولايات دارفور.
كانت التحذيرات تتردد من دوائر كثيرة، ليست فقط بين المجموعات المدنية التي وقفت ضد الحرب، ولكن حتى من بين صفوف السلطة والقوات المسلحة، واتفقت كلها على أن تمرد ميليشيا لا يمكن محاربته بتكوين عشرين ميليشيا أخرى لا تخضع بشكل مباشر لسلطة القوات المسلحة، وإنما لسلطة القبيلة.
بعد الانقلاب الكبير الذي قاده أبو عاقلة كيكل في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، وانضمامه للقوات المسلحة مع قواته المسماة «درع السودان»، شنت «قوات الدعم السريع» حملات انتقامية على مدن وقرى منطقة البطانة وشرق النيل، وقتلت المئات من المدنيين، وشردت مئات الآلاف من قراهم، ونهبت متاجرهم وممتلكاتهم. ورغم السخط الكبير على كيكل باعتبار أنه كان مسؤولاً عن استيلاء «قوات الدعم السريع» على ولاية الجزيرة، فإنه استفاد من التعبئة القبلية في المنطقة وضاعف حجم قواته، واستطاع أن يحقق انتصارات كبيرة ضد «الدعم السريع».
مع تقدم الجيش وتحقيق الانتصارات سرعان ما بدأ صراع الفصائل يظهر على السطح، بخاصة من خلال صفحات «السوشيال ميديا»، بين مجموعات «القوات المشتركة» المكونة أساساً من حركات دارفور المسلحة، وقوات «درع السودان» التي تمددت في منطقتَي شرق وغرب الجزيرة حتى غطت على ما عداها، ومجموعات الكتائب الإسلامية التي أحست بوجود منافسة مبنية على الأساس القبلي والمناطقي تحد من تمددها في المناطق المختلفة. وتحولت الانتقادات إلى اتهامات بالفساد وارتكاب الجرائم والتصفيات، ووصلت لمرحلة تبادل اتهامات الخيانة والعمالة. وتزامن ذلك مع تبني البرهان وأركان الحكومة لما يُعرف بـ«خريطة الطريق» لمرحلة ما بعد الحرب، والتي أعدتها قوى سياسية ومسلحة متحالفة مع البرهان لم تشرك الحركة الإسلامية في إعدادها. وتضمن «الخريطة» للبرهان حكماً مطلقاً خلال فترة انتقالية قادمة، رأت فيها بعض الفصائل إنكاراً لدورها في الحرب.
الخطر الذي يخشاه السودانيون هو تحول هذه الصراعات الإسفيرية إلى صراعات ميليشيات مسلحة على الأرض، وهو ما بدا ظاهراً الآن؛ إذ تحول السودان إلى «كانتونات» تدخل البلاد في دوامة لا يعرف أحد حدودها وخطوط نهايتها.
* نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط
الوسومأبو عاقلة كيكل البراء بن مالك الجزيرة الحرب الخرطوم السودان الشرق الأوسط القوات المسلحة القوات المشتركة دارفور درع البطانة سنار فيصل محمد صالح قوات الدعم السريعالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: أبو عاقلة كيكل البراء بن مالك الجزيرة الحرب الخرطوم السودان الشرق الأوسط القوات المسلحة القوات المشتركة دارفور درع البطانة سنار فيصل محمد صالح قوات الدعم السريع قوات الدعم السریع القوات المسلحة
إقرأ أيضاً:
الأمم المتحدة تعرب عن مخاوفها من مقتل أكثر من 100 شخص في هجمات للدعم السريع في دارفور
الخرطوم - أعربت الأمم المتحدة السبت 13ابريل2025، عن مخاوفها من مقتل أكثر من 100 شخص، بينهم 20 طفلا، في السودان بعد هجمات لقوات الدعم السريع على مدينة الفاشر المحاصرة في دارفور ومخيمين قريبين للنازحين يعانيان من المجاعة.
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إن قوات الدعم السريع التي تخوض حربا ضد الجيش منذ نيسان/أبريل 2023، شنّت "هجمات برية وجوية منسّقة" الجمعة على مدينة الفاشر ومخيمي زمزم وأبو شوك للنازحين.
في الأسابيع الأخيرة، صعّدت الدعم السريع هجماتها على الفاشر، عاصمة الولاية الوحيدة في دارفور التي لا تزال خارج سيطرتها، بعد بسط الجيش كامل سيطرته على العاصمة الخرطوم الشهر الماضي.
وذكرت تقارير أولية من "تنسيقية لجان المقاومة" المحلية أن عدد القتلى الجمعة بلغ 57 شخصا، منهم 32 مدنيا قتلوا في الفاشر و25 في زمزم.
وقال الجيش السبت إن 74 مدنيا قتلوا وأصيب 17 آخرون في الهجوم على الفاشر.
من جهتها، قالت "المنظمة السودانية لحماية المدنيين" إن القتلى بينهم تسعة من العاملين في المجال الإنساني يعملون في مستشفى بمخيم زمزم تديره منظمة "ريليف" غير الحكومية الدولية.
ودانت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان كليمنتين نكويتا سلامي مقتلهم.
وأعلنت في بيان "مقتل زملاء من منظمة غير حكومية دولية أثناء قيامهم بتشغيل أحد المراكز الصحية القليلة المتبقية التي لا تزال تعمل في المخيم".
وأضافت المسؤولة الأممية "يمثل هذا تصعيدا مميتا وغير مقبول في سلسلة من الهجمات الوحشية على النازحين وعمال الإغاثة في السودان منذ اندلاع هذا النزاع قبل نحو عامين".
وتابعت "أحث بشدة أولئك الذين يرتكبون مثل هذه الأعمال على التوقف فورا".
أما قوات الدعم السريع، فنفت في بيان أصدرته السبت صحة مقطع فيديو تداوله نشطاء قالوا إنه يظهر مقتل مدنيين في زمزم.
وقالت إن الفيديو "يظهر مشاهد تمثيلية لانتهاكات مزعومة" و"محاولة يائسة لتجريم قوات الدعم السريع".
وقالت المنسقية العامة لمخيمات النازحين واللاجئين في دارفور إن الهجوم على مخيم زمزم تجدد صباح السبت، حيث سمعت أصوات اشتباكات وإطلاق نار كثيف لساعات.
وكان مخيم زمزم أول منطقة في السودان أعلنت فيها الأمم المتحدة حالة المجاعة العام الماضي.
وبحلول كانون الأول/ديسمبر، امتدت المجاعة إلى مخيمي أبو شوك والسلام القريبين، ومن المتوقع أن تصل إلى مدينة الفاشر نفسها بحلول أيار/مايو.
أسفرت الحرب عن مقتل عشرات آلاف السودانيين ونزوح أكثر من 12 مليونا منذ اندلاعها في نيسان/أبريل 2023. واتُهم طرفا النزاع بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات للقانون الإنساني الدولي.