لجريدة عمان:
2025-03-15@19:30:49 GMT

من حفرة السؤال السوري

تاريخ النشر: 15th, March 2025 GMT

«أختي في جبال العلويين، هلع أنْ يكسر بابك في الليل وحش ضاحك لا يحبُّ من أسماء الله إلا المنتقم»، كتب الشاعر السوري جولان حاجي.

ترددتُ طويلًا في الكتابة عن الشأن السوري بعد تلك الليلة (المريبة) التي خلعتْ فيها جدرانُ دمشق صورةَ الزعيم التاسع عشر في تاريخها منذ الاستقلال، وأعلنتْ نهاية «الأبد»... إلى الأبد؟! الحيرة المتلعثمة بين البشرى والحذر أفضتْ بي إلى قناعة مؤقتة بأن أفضل ما يمكن أن نمنحه للسوريين، نحن الواقفين خارج إطار معاناتهم، هو صمتنا الذي لا نمن به على أحد.

ربما هي المرة الأولى التي لا يكون فيها الصمت عبئًا على الضمير، بل على العكس. فلندع أصدقاءنا السوريين يجربون لحظتهم التاريخية الجديدة وحدهم، كما كانوا وحدهم دائمًا، وأن نكفَّ عن الاعتقاد -كما يحدث كل مرة- بأننا مدعوون للمشاركة بتعليقاتنا وآرائنا في حفلة التنظير على رؤوس الضحايا/ الناجين. يكفي الانتظار على حدود الصمت حتى انقشاع الضباب عن المشهد لنعرف هوية سوريا الجديدة، سوريا ما بعد الثامن من ديسمبر ٢٠٢٤.

لكن الانتظار لم يدم طويلًا حتى شهدنا الجريمة المروعة التي لحقت بالمدنيين في الساحل خلال الأيام الماضية، الجريمة التي أعادت توزيع الملف السوري من جديد على مائدة الرأي العام العربي، ليس من أجل تقديم الإدانة الأخلاقية ضد المجزرة ومرتكبيها من العصابات التكفيرية فقط، ولا من أجل إعلان التعاطف البارد مع ضحاياها فحسب، بل لتأكيد ما أكدته طبيعة المجزرة ودوافعها وحمولاتها بأن سوريا لا تزال منذ مارس 2011 امتحانًا عربيًا لا مفرَّ منه.

نكتب ونفكر بسوريا لأن معنى وجودنا واستمرارنا عربًا في التاريخ عالق في حفرة السؤال السوري، في هذا «الفوات الحضاري» الطويل. يكفي أن نحلل المعجم الطائفي العفن الذي تلفظ به القتلة مصورين جريمتهم لندرك في أي درك حضاري يقع العرب اليوم، ولندرك أن «الدعشنة» ليست مجرد ظاهرة إرهابية في شكل فصيل مسلَّح، بل أيديولوجيا كامنة تحت الجلد وخلف اللغة، وتظهر تجلياتها بوضوح في العنف اللغوي الذي يصبغ صفحات الكلام على مواقع التواصل الاجتماعي.

مذبحة العلويين المصورة في الساحل السوري، قبل أيام من إعلان الدستور، أدخلت المشهد الكارثي في تعقيد سياسي واجتماعي مضاعف، إذ لم يكد حجر المأساة السورية يجف حتى سُفك فوقه دم جديد باسم الله وتحت صيحات «الله أكبر».

سؤال فلسفي قديم ويتجدد: من أين يأتي كل هذا العنف الشبِق؟ وكيف يصبح الغباء طاقة شريرةً إلى هذا الحد؟ إنه سؤال لا يخص السوريين وحدهم في هذه المرحلة، لكنه يجعل من تاريخهم المعاصر منجمًا مثيرًا لدراسات العنف وأصوله، حتى لو بدا من السهل تفسير ذلك المنزع الانتقامي تفسيرًا نفسيًا كتعبير عن «ميول عدوانية مقموعة».

خلال السنوات الأخيرة شهد السوريون في بلادهم تقريبًا كل صنوف العنف والعسف وأشكال هتك السيادة التي يمكن لبلد ما أن يتعرض لها في تاريخه: استبداد سياسي دموي بنزعة إبادية سرعان ما حوَّل الثورة عليه إلى حرب أهلية تسللت إليها جماعات سلفية جهادية وعززتها تدخلات أجنبية حولت بدورها الجغرافيا السورية إلى ساحة صراع دولي وإقليمي مفتوح، وصولًا إلى التطور الأخطر المتجاهل إعلاميًا، المتمثل في احتلال إسرائيلي جديد يتمدد شيئًا فشيئًا نحو عاصمتها، عاصمتها «الأموية». زلزال من العنف، أو هو الطوفان في بلاد البعث، كما تنبأ به المخرج السوري الراحل عُمر أميرلاي، الطوفان الذي قلَّب تربة المجتمع السوري على مدى 14 عامًا، تاركًا صدوعًا هائلة يتطلب علاجها عقودًا من الزمن في المسار الطبيعي لأي مجتمع يتعافى.

يبقى سؤال العدالة المشفوعة بالصفح هو سؤال المرحلة الأصعب في سوريا الجديدة. حتى لو كان الصفح نفسه «معضلة وقيمة» في آن معًا كما كتب المفكر السوري ياسين الحاج صالح: «معضلة لأننا نحتاج إلى طاقة وقوة نفس لا يَسهُلُ استجماعهما كي نصفح بِرضا ودون شعور بالغبن؛ وقيمة لأنه إذا استطعنا استجماعَ طاقاتنا النفسية كي نصفح بإخلاص فإننا نُسطِّرُ مثالاً يُحتذى. القيمُ تَصنعُها الأقاصي، هي كلها أقاصٍ في واقع الأمر، مُثُلٌ عُلْيا، وليست متوسطات حسابية أو معدلات إحصائية. ولذلك القيم كلها صعبة، والصفحُ من أشدها صعوبة».

الحقيقة أن ياسين الحاج صالح، هذا المثقف المناضل الذي سرق النظام الأسدي 16 عامًا من شابه في السجن، قبل أن تختطف الحرب منه زوجته سميرة وأصدقاءه رزان ووائل وناظم، الذين يكتب عنهم ولهم باستمرار، يجسد في تجربته الشخصية مثالًا يُحتذى لمعنى الصفح كقيمة قصوى مناقضة تمامًا لمبدأ الثأر، بما يجعل من ذاكرة الظلم والقهر فضيلةً تحمي ضحية الأمس من إغراء الانتقام الذي قد يجعل من السجين تلميذًا آخر للسجان.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

حدَّد فترة المرحلة الانتقالية بـ5 سنوات.. أبرز بنود الإعلان الدستوري الذي وقعه الرئيس السوري

المناطق_متابعات

وقَّع الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، اليوم (الخميس)، مُسوَّدة الإعلان الدستوري الذي حدَّد المرحلةَ الانتقاليةَ في البلاد بـ5 سنوات، مشيداً بما وصفه بـ«تاريخ جديد» في البلاد.

أعلنت لجنة صياغة الإعلان الدستوري السوري أنه تقرَّر حصر السلطة التنفيذية بيد رئيس الجمهورية في المرحلة الانتقالية؛ لضمان سرعة التحرك، ومواجهة أي أحداث في تلك المرحلة.

أخبار قد تهمك الرئاسة السورية: اتفاق باندماج قسد ضمن مؤسسات الدولة 10 مارس 2025 - 9:22 مساءً أحمد الشرع: موالون للأسد ودولة أجنبية وراء هجمات الساحل 10 مارس 2025 - 7:57 مساءً

وأضافت اللجنة، في مؤتمر صحافي، أنه تقرَّر الفصلُ المطلقُ بين السلطات، ومنح الرئيس سلطة استثنائية واحدة هي «إعلان حالة الطوارئ».

وفقا للشرق الوسط : أضافت اللجنة أنه تقرَّر ترك أمر عزل الرئيس أو فصله أو تقليص سلطاته لمجلس الشعب، مشيرة إلى حل المحكمة الدستورية، ومنح رئيس الجمهورية حق تعيين محكمة دستورية جديدة تمارس مهامها وفق القانون السابق ريثما يصدر قانون جديد.

ونصَّ الإعلان الدستوري المؤلف من 4 أبواب، على «الفصل المطلق» بين السلطات، في بلد اختزلَ فيه موقعُ الرئاسة خلال الحقبات السابقة مجملَ الصلاحيات. وأكد على جملةٍ من الحقوق والحريات الأساسية في البلاد، بينها «حرية الرأي والتعبير» و«حق المرأة في المشارَكة».

وبعد تلاوة عضو لجنة الصياغة، عبد الحميد العواك، أبرز بنود المُسوَّدة خلال مؤتمر صحافي في القصر الرئاسي، وقَّع الشرع الإعلان الدستوري. وقال: «هذا تاريخ جديد لسوريا، نستبدل فيه العدل بالظلم… ونستبدل فيه أيضاً الرحمة بالعذاب»، آملاً في أن يكون «فاتحة خير للأمة السورية على طريق البناء والتطور».

وحدّد الإعلان الدستوري، وفق البنود التي تلاها العواك، «المرحلة الانتقالية بـ5 سنوات» على أن يتم «إحداث هيئة لتحقيق العدالة الانتقالية» بهدف «تحديد سبل المساءلة ومعرفة الحقائق وإنصاف الضحايا والناجين».

وفيما يتعلق بعمل السلطات، جاء في الإعلان الدستوري «لأن مبدأ الفصل ما بين السلطات كان غائباً عن النظم السياسية، تعمَّدنا اللجوء إلى الفصل المطلق بين السلطات» بعدما عانى السوريون «سابقاً من تغوّل رئيس الجمهورية على باقي السلطات».

وبحسب الإعلان الدستوري، يعود للرئيس الانتقالي «تعيين ثلث» أعضاء مجلس الشعب الذي يتولّى «العملية التشريعية كاملة وبشكل منفرد».

وقال العواك إنه سيصار في المرحلة المقبلة إلى تشكيل هيئة عليا للانتخابات، ستتولى الإشراف على انتخابات أعضاء مجلس الشعب.

ويتولّى رئيس الجمهورية السلطةَ التنفيذيةَ، على أن يساعده الوزراء في مهامه، في خطوة قال العواك إنها تُشكَّل «خياراً مناسباً مبنياً على ضرورة سرعة التحرك لمواجهة أي صعاب أو أحداث في المرحلة الانتقالية».

وأكد على «استقلالية» السلطة القضائية و«منع إنشاء المحاكم الاستثنائية» التي عانى منها السوريون كثيراً في الحقبات الماضية. وفيما يتعلق بالحريات والحقوق، نصَّ الإعلان الدستوري، وفق العواك، «على مجموعة كبيرة من الحقوق والحريات منها حرية الرأي والتعبير والإعلام والنشر والصحافة». كما نصَّ على «حق المرأة في المشارَكة بالعمل والعلم» وكفل لها «الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية».

ومن بين البنود التي تضمَّنها الإعلان الدستوري، «ضرورة تشكيل لجنة لكتابة دستور دائم».

وأمل العواك أن يُشكِّل الإعلان الدستوري «رافعاً ومعيناً للدولة السورية، أرضاً وقيادةً وشعباً، في هذه المرحلة الانتقالية الممهِّدة لمزيد من الاستقرار».

ويصبح الإعلان الدستوري ساري المفعول بمجرد نشره رسمياً.

وأطاحت فصائل معارضة تقودها «هيئة تحرير الشام»، التي تزعَّمها الشرع، حكم بشار الأسد مع دخولها دمشق في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) إثر هجوم بدأته من معقلها في شمال غربي البلاد في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني).

وأعلنت السلطات الجديدة حينها تعيين حكومة تصريف أعمال لمدة 3 أشهر، أي حتى مطلع مارس (آذار)، إلا أنه لم يصار بعد إلى تشكيل حكومة انتقالية.

مقالات مشابهة

  • لماذا هناك خطان على المنشفة؟.. سؤال يشعل ضجة وسط تكهنات بمواقع التواصل الاجتماعي
  • المرصد السوري: حملات تحريضية لتهجير العلويين من دمشق
  • مجلس الأمن يصدر بياناً حول أحداث الساحل السوري
  • مجلس الأمن يدين أعمال العنف في الساحل السوري: تصدوا للمقاتلين الأجانب
  • وزراء خارجية الدول السبع تندد باحداث العنف في الساحل السوري
  • مجلس الأمن يندد بأعمال العنف في الساحل السوري
  • ما أبرز بنود الإعلان الدستوري الذي وقعه الرئيس السوري؟
  • حدَّد فترة المرحلة الانتقالية بـ5 سنوات.. أبرز بنود الإعلان الدستوري الذي وقعه الرئيس السوري
  • منها تفخيخ طرق بالساحل السوري.. مقداد فتيحة يهدد بمزيد من العنف