د. هلال بن عبدالله الهنائي **

 

يشهد القطاع الصناعي في سلطنة عُمان تطورًا مُتسارعًا في ظل الجهود الحكومية الرامية إلى تنويع مصادر الدخل الوطني وتقليل الاعتماد على النفط، انسجامًا مع رؤية "عُمان 2040". وتلعب الصناعة دورًا محوريًا في تحقيق هذه الرؤية من خلال توفير فرص عمل، وتعزيز القيمة المضافة، ودعم الصادرات العُمانية.

وتعمل الهيئة العامة للمناطق الصناعية على توفير بيئة استثمارية جاذبة عبر تطوير المناطق الصناعية والمناطق الحرة، مثل مدائن، خزائن، والمناطق الحرة في صلالة وصحار والمزيونة. وتُوفر هذه المناطق بنية تحتية حديثة، وخدمات لوجستية متقدمة، ومزايا استثمارية تنافسية، مما يجعلها محركًا رئيسيًا لنمو القطاع الصناعي في السلطنة.

 

موقع استراتيجي يعزز الاستثمار

 

تمتلك عُمان موقعًا جغرافيًا فريدًا يربط بين الأسواق الآسيوية والإفريقية والأوروبية، مما يمنحها ميزة تنافسية في مجالي التصنيع والخدمات اللوجستية. ويعزز هذا الموقع من دور السلطنة كمركز تجاري إقليمي، خصوصًا مع وجود موانئ بحرية عالمية مثل ميناء صحار، ميناء الدقم، وميناء صلالة.

 

وتدعم شبكة الموانئ هذه الصناعات التحويلية والصناعات الثقيلة، حيث يتم استيراد المواد الخام بسهولة، وتصنيعها، ثم إعادة تصديرها للأسواق العالمية. ومن خلال مبادرات تطوير البنية التحتية، تسعى الحكومة إلى تحسين الربط بين المناطق الصناعية والموانئ، مما يسهم في خفض تكاليف الإنتاج وتعزيز تنافسية الصناعات العُمانية.

 

المناطق الصناعية في عُمان: محركات التنمية الاقتصادية

 

تُشرف الهيئة العامة للمناطق الصناعية على عدد من المناطق الصناعية والمناطق الحرة، والتي تتميز بتخصصها في قطاعات صناعية محددة وفقًا لمزايا كل منطقة.

• مدينة خزائن الاقتصادية: تُعد واحدة من أهم المشاريع المستقبلية في السلطنة، حيث توفر بنية تحتية متكاملة للصناعات الخفيفة والمتوسطة، بالإضافة إلى منطقة لوجستية متطورة تدعم حركة التجارة الداخلية والخارجية.

• المنطقة الحرة في صحار: تُركز على الصناعات الثقيلة مثل الصناعات المعدنية والبتروكيماوية، مستفيدةً من قربها من ميناء صحار الصناعي.

• المنطقة الحرة في صلالة: تشتهر بصناعات التعبئة والتغليف والصناعات الغذائية، إضافة إلى استثمارات في قطاعات الطاقة المتجددة.

• مدائن: تضم العديد من المناطق الصناعية مثل الرسيل، صحار، ريسوت، نزوى، وسمائل، وتدعم الصناعات التحويلية، والتقنية، والغذائية، إضافةً إلى الصناعات الصغيرة والمتوسطة.

 

دور الصناعة في تعزيز الاقتصاد الوطني

 

شهد القطاع الصناعي نموًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، إذ ارتفع الناتج الإجمالي للصناعات التحويلية بنسبة 10.1% في النصف الأول من عام 2024، ليصل إلى 1.868 مليار ريال عُماني.

 

ومن أبرز القطاعات الصناعية التي حققت تقدمًا كبيرًا:

• الصناعات البتروكيماوية والمعدنية: شهدت زيادة في الإنتاج نتيجة ارتفاع الطلب العالمي على المعادن والمواد الخام المكررة.

• الصناعات الغذائية والدوائية: توسعت بشكل ملحوظ لتلبية الطلب المحلي والعالمي، خصوصًا بعد الجائحة التي سلطت الضوء على أهمية تحقيق الأمن الغذائي والدوائي.

• الصناعات التقنية والإلكترونية: بدأت بعض الشركات العُمانية بالدخول في مجال تصنيع الإلكترونيات والمعدات الذكية، وهو توجه جديد يعزز من مكانة السلطنة في الاقتصاد الرقمي.

 

التحديات التي تواجه الصناعة العُمانية

 

على الرغم من التطورات الكبيرة التي يشهدها القطاع الصناعي، إلا أن هناك تحديات لا تزال بحاجة إلى حلول لضمان تحقيق نمو مستدام وزيادة القدرة التنافسية، ومن أبرزها:

1. ارتفاع تكاليف الإنتاج: تحتاج السلطنة إلى زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، لتقليل تكلفة الطاقة المستخدمة في المصانع.

2. التكامل بين الصناعات المحلية وسلاسل التوريد العالمية: حيث لا تزال بعض المصانع تعتمد على استيراد المواد الخام، مما يزيد من تكاليف التشغيل.

3. الحاجة إلى المزيد من الابتكار والتكنولوجيا: تعزيز الاستثمار في البحث والتطوير، واستخدام الذكاء الاصطناعي والروبوتات في عمليات التصنيع، سيعزز من تنافسية القطاع.

4. تطوير القدرات البشرية: على الرغم من وجود كوادر عمانية مؤهلة، إلا أن الحاجة إلى مزيد من التدريب والتأهيل المتخصص لا تزال قائمة لمواكبة التطورات الصناعية.

 

الحلول والمبادرات الحكومية لدعم القطاع الصناعي

 

تعمل الحكومة العُمانية على تنفيذ مجموعة من المبادرات لتحفيز القطاع الصناعي، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وزيادة مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي. ومن بين هذه المبادرات:

• الإعفاءات الضريبية والحوافز الاستثمارية: تقدم الحكومة مزايا مثل إعفاءات ضريبية على الشركات الصناعية لفترات تصل إلى 10 سنوات، وتسهيلات تمويلية لدعم المشاريع الناشئة.

• التحول نحو التصنيع الذكي: يتم تشجيع المصانع على تبني تقنيات الثورة الصناعية الرابعة مثل إنترنت الأشياء، والذكاء الاصطناعي، والطباعة ثلاثية الأبعاد.

• برنامج "صُنع في عُمان": الذي يهدف إلى تعزيز الوعي بأهمية دعم المنتجات الوطنية، والترويج لها في الأسواق المحلية والعالمية.

• الاستثمار في الطاقة المتجددة: تعمل الحكومة على إطلاق مشاريع جديدة للطاقة النظيفة، بهدف تزويد المصانع بالكهرباء بأسعار تنافسية، وتقليل الانبعاثات الكربونية.

 

دور الهيئة العامة للمناطق الصناعية في تعزيز النمو الصناعي

 

تضطلع الهيئة العامة للمناطق الصناعية بدور حيوي في دعم الصناعات العُمانية، من خلال توفير بيئة استثمارية متكاملة للمصانع، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتسهيل عمليات الإنتاج والتصدير. ومن بين إنجازاتها:

• إطلاق مبادرات لدعم رواد الأعمال: تقديم حوافز مالية وإدارية لرواد الأعمال والشركات الناشئة في القطاع الصناعي.

• تطوير البنية التحتية الصناعية: من خلال إنشاء مجمعات صناعية حديثة، وتحسين شبكات النقل والاتصالات داخل المناطق الصناعية.

• تعزيز الاستدامة البيئية: عبر تشجيع المصانع على استخدام مصادر الطاقة النظيفة، وتحفيز الشركات على تبني ممارسات صديقة للبيئة.

 

نحو مستقبل صناعي أكثر تنافسية

 

تمثل المناطق الصناعية والموقع الاستراتيجي لعُمان عاملين أساسيين في تعزيز مكانتها كوجهة استثمارية إقليمية، لكن هناك حاجة إلى مزيد من التطوير في مجالات البنية التحتية، والاستدامة، والتكنولوجيا، لضمان تحقيق أقصى استفادة من هذه المزايا التنافسية.

 

ومع تنفيذ رؤية “عُمان 2040”، يُتوقع أن يشهد القطاع الصناعي نموًا متسارعًا، مدعومًا بالإصلاحات الاقتصادية، والاستثمارات الأجنبية، والتوجه نحو الصناعات المتقدمة، مما سيُسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني، وتحقيق التنمية المستدامة، وتوفير فرص عمل جديدة للعُمانيين.

** رئيس مجلس إدارة جمعية الصناعيين العُمانية

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

وزيرة البيئة تشارك في الدورة الخامسة للجنة المشتركة المصرية المجربة للتعاون الاقتصادي

شاركت الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة في اجتماعات الدورة الخامسة للجنة المشتركة المصرية المجربة للتعاون الاقتصادي، برئاسة الدكتورة رانيا المشاط وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي عن الجانب المصري والسيد بيتر سيارتو وزير الخارجية والتجارة من الجانب المجرى، وبحضور السيد الفريق المهندس كامل الوزير نائب رئيس الوزراء للتنمية الصناعية ووزير الصناعة والنقل، والسيد المهندس حسن الخطيب ووزير الإستثمار والتجارة الخارجية، والسيد حسام هيبة رئيس الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، وممثلى وزارات الخارجية الإتصالات والتكنولوجيا المعلومات والموارد المائية والرى والزراعة والإنتاج الحربى.

وقد اكدت د. ياسمين فؤاد فى كلمتها أنها فرصة مهمة لمناقشة واستكشاف سبل تعزيز التعاون الثنائي، في العديد من الـمجالات الحيوية ومنها حماية البيئة، في وقت تحتل فيه القضايا البيئية أولوية على الأجندات السياسية والاقتصادية والثقافية في جميع أنحاء العالم، ويتطلب مواجهة هذه التحديات جهودًا حثيثة وتعاونًا بين كافة الدول.

ولفتت وزيرة البيئة إلى اهمية الانتقال الأخضر في عالم يواجه العديد من التحديات، معربة عن فخرها بجهود مصر في استكمال تحقيق أهدافها في ملف تغير المناخ، وأحد القطاعات التي حققت خفضا كبيرا في الانبعاثات قطاع النقل بنسبة ٧٠٪؜، ويتم العمل على تسريع اجراءات التخفيف في هذا القطاع، لذا فهو من القطاعات الواعدة للتعاون المشترك.

واستعرضت وزيرة البيئة عددًا من الفرص الواعدة لاستثمارات القطاع الخاص في مجال التحول الأخضر،ومنها الطبيعة والسياحة البيئية التي نم العمل خلال السنوات الماضية على خلق المناخ الداعم لها ولإشراك القطاع الخاص لتنفيذ الأنشطة في المحميات الطبيعية والشعاب المرجانية وحلول المناطق الساحلية.

واضافت سيادتها ان من المجالات الواعدة للتعاون ايضا بين البلدين هو الاقتصاد الحيوي وعقد الشراكات بين القطاع الخاص في مجال ادارة المخلفات خاصة مع تنفيذ القانون الجديد لتنظيم ادارة المخلفات الذي يركز على الاقتصاد الدائري، وايضا تعظيم استثمارات القطاع الخاص في قطاع الزراعة وخاصة استنباط المحاصيل القادرة على مواجهة آثار تغير المناخ.

وفي سياق متصل، وقعت الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة والسيد بيتر سيارتو وزير الخارجية والتجارة، نيابة عن وزير الطاقة المجرى  ، مذكرة تفاهم بين وزارة البيئة المصرية ووزارة الطاقة المجرية، بشأن التعاون الثنائي في مجال حماية البيئة والتنمية المستدامة، وذلك وفقا للتشريعات الوطنية لكلا البلدين ومبادئ القانون البيئي الدولي ؛ مما يعزز العلاقات الودية بين الطرفين القائمة على تبادل الخبرات والمعلومات والمعرفة والتكنولوجيا.

وأكدت الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة أن مذكرة التفاهم بين الطرفين تدعم أواصر التعاون بينهم فى عدد من المجالات البيئية كإدارة  النفايات، الحد من التلوث الصناعي  وجودة  الهواء والمياة، التدقيق البيئى، إدارة تلوث التربة والمياه الجوفية، رفع  الوعي البيئي.

 وأشارت وزيرة البيئة أنه وفقًا لبنود البروتوكول يتم تنظيم ورش عمل ولقاءات مشتركة يحضرها العلماء والخبراء وصناع القرار وغيرهم من أصحاب المصلحة المعنيين من الجانبين، بالإضافة إلى تبادل  الزيارات والخبراء والوفود، وتشجيع التعاون بين القطاع الخاص في كلا البلدين في مجالات التعاون  المشتركة التى نص عليها البروتوكول.

ولفتت الدكتورة ياسمين فؤاد أنه وفقًا لبنود مذكرة التفاهم سيعمل  الطرفان وفقًا لاختصاصاتهما بما يتوافق مع تشريعاتهما الوطنية المحددة وبالتنسيق مع الوزارات المعنية الأخرى، على تشجيع المنظمات والشركات والبلديات على إقامة وتطوير التعاون مع بعضها البعض في مجال حماية البيئة والتنمية المستدامة.

مقالات مشابهة

  • لمنح المصانع مهلة إضافية لتحديث سجلاتها.. “الصناعة”: تمديد أعمال المسح للمنشآت الصناعية بالمملكة إلى 4 مايو 2025
  • بتكلفة 27 مليار جنيه.. وزير الصناعة يعلن إطلاق مدينتين نسيجيتين في المنيا والفيوم
  • وزير الصناعة يعلن إطلاق مدينتين نسيجيتين متكاملتين في المنيا والفيوم
  • المركز القومي للبحوث يطلق مبادرة بديل المستورد للعام الثاني
  • مدينة صناعية نسيجية جديدة شمال الفيوم باستثمارات تتجاوز 15 مليار جنيه
  • بالشراكة مع القطاع الخاص.. إقامة مدينتي نسيج بالمنيا والفيوم بتكلفة 27 مليار جنيه
  • الوزير: نستهدف جذب 3.5 مليار دولار استثمارات أجنبية ومحلية بالفيوم والمنيا
  • وزيرة البيئة تشارك في الدورة الخامسة للجنة المشتركة المصرية المجربة للتعاون الاقتصادي
  • “منشآت” تنظم لقاء “أربعاء طموح للتحول الصناعي” بالتعاون مع وزارة الصناعة والثروة المعدنية
  • التعليم العالي: الدمج مع القطاع الخاص ضرورة حتمية لمواكبة الثورة الصناعية الرابعة