إسماعيل بن شهاب البلوشي
تتعدد الشعارات العسكرية، وواحد منها يقول "من يتجرأ ينتصر"، وقد اخترت هذا العنوان اليوم كي أتحدث عن رؤية بها شيء من الشمولية حول الوضع الاقتصادي والباحثين عن عمل في وطني العزيز؛ ولأن الجميع يتفق أن الفرص والأسباب لا تعد في الوطن ولا تحصى وبها الكثير الكثير مما يمكن استغلاله وأن يكون اقتصادنا أفضل بكثير.
لدينا خامات قد لا توجد في دولة أخرى وأيضًا لدينا تباين في الطقس قد لا يوجد في كثير من دول العالم، كما إن لدينا إرث ملموس وغير ملموس يمكن أن يسخّر في كثير من الجوانب، وكذلك فإن الركن الأساسي وهو المواطن العُماني، والذي يمتلك القدرة الفذة في جوانب كثيرة وانه يعد من أفضل الشعوب حول العالم؛ حيث إن إرثه التاريخي تشبع بالحضارة والتجربة إضافة إلى الموقع المتميز لعُمان والعلاقات المحيطة وما وراء البحار هي بأفضل حالًا من كثير من الدول، ولذلك وإذا تمت إضافة جرعة كافية من جرأة الطموح والقرار الشجاع والمغامرة المحسوبة يمكن الوصول إلى الأفضل، وأني أريد أن استدل ببعض الدول التي أصبحت من أفضل وأشهر الوجهات السياحية والتجارية الكبيرة جدًا حول العالم؛ حيث إن الفارق سهلًا جدًا لا يتعدى دراسة من جهة عليا يليها قرار وإدخال شركاء لهم وزنهم وتبادل المنفعة، وأخيرًا ستكون عُمانية دون الحاجة الى دفع الكثير من ميزانية الوطن فهل أن بالفعل اليوم هو النقص الحقيقي جرأة قرار ومغامرة محسوبة، فإذا كانت لدينا حسابات ورؤية فكرية عميقة ومقدرة واقعية على العقاب والحساب بكل حزم او تردد من خلال أجندة واضحة كي تحقق طموح الأمة العُمانية العريقة، فإنه وبعد دراسة ما تزخر به السلطنة من قدرات وإمكانيات، فإن علينا أن نقوم بمشاريع عملاقة هذه المشاريع قد لا تدفع فيها الحكومة أي من المبالغ إنما تكون دراستها وافية وأن تفتح المجال لدول العالم بالمشاركة والاستثمار فيها، وأن تنقل السلطنة من الأفكار التي أرى بأنها متواضعة نوعا ما إلى أفكار ورؤية كبيرة جدًا.
أركزُ في الجانب السياحي على تحديدًا، لدينا الجبل الأخضر من يصدق أن هذا الكنز هذا ما يمكن أن يكون عليه فقط. هل قمنا بعمل المدينة التي اقترحتها يومًا وأسميتها بمدينة المليارديرات وبها مطار وبها ما يتناسب وبها من الكثير من المواصفات والتي يمكن أن تكون مقبولة وتجعل من هذا المكان وجهة للسياحة والإقامة بل حتى العلاج التخصصي والنقاهة والاستجمام وأيضًا في الجانب الآخر محافظة ظفار فإن ما يمكن عمله خلال موسم "الخريف"، وهو في الحقيقة المطلقة ربيع جزيرة العرب دونما منافس، فإنه يمكن أن يكون برؤية أبعد بكثير؛ حيث اني اقترحت يومًا أن نفتح آفاقًا أخرى من خلال مصب للمياه وبركة عملاقة وعليها دائرة كبيرة جدا من المعطيات والتفاعلات، وحتى يمكن أن تكون لما بعد الموسم التقليدي أيضا رمزا ومقرًا للمجال السياحي.
أما وسط عُمان فإنه يزخر بالجبال والآثار والرمال والكثير من المعالم والأحداث التاريخية على مر العصور والتي يمكن من خلال القلاع والحصون أن يتم صناعة سياحة، أما إذا تحدثنا عن محافظة مسندم أيضاً فبها ميزة البحار الواسعة والجبال الشاهقة التي يمكن أيضا أن تسخّر بطريقة أكثر بُعدًا وتطورًا ملموسًا، ولكن علينا أن نفكر في أمرين مُهمين: إن أردنا لهذا الأمر أن يتحقق أن نبتعد من الفكرة المفردة وأن تكون المصلحة العليا للوطن هي الأساس وكذلك علينا أن نواكب العالم في الجوانب الأمنية الدقيقة التي يمكن أن تكون حافظة لحقوق الناس الزائرين وكذلك المحافظة على حقوق المواطن العُماني بالدرجة الأولى. الأمر الآخر الذي يجب علينا أن نحسب له حسابات أن نكون مستعدين ويمكن أن نفكر فيما يسمى على سبيل المثال: الشرطة السياحية وأن تقوم بدورها ومتابعة كل ما يكون يحافظ على السمة ذات المردود العالمي الذي يجعل من عُمان محطًا للأنظار على مستوى العالم، وأن نراعي الزائر بدءًا من وصوله إلى المطار ثم استقلال سيارة الأجرة.
نحن نرى اليوم في بعض الدول أنها قامت وبطرق تقنية جديدة تتسم بالدقة في هذا المجال وتدعم الكثير من الجوانب التي تخدم السياحية، ولا يمكن أن يكون هنالك أي مجال لاستغلال أو شعور لا يتناسب والسمة العالمية لأن هذا الأمر سيدخل في مجاله غير العُمانيين ويمكن أن ينقل الفكرة والانطباع والشعور الذي لا نتمناه.
نحن اليوم وعندما نسافر إلى دول العالم فإننا نركز على كل شيء ونفضّل سرعة إجراءات وصولنا إلى مكان إقامتنا وكذلك معاملة سائق الأجرة الذي هو على درجة كبيرة جدا فوق تصور الكثير ممن لا يعلم عن السياحة، فهو العامل الأساسي في كثير من الجوانب ولذلك وإذا كنت قد وضعت بعض النقاط البسيطة جدًا، غير إنني متأكد أن هنالك من هم أفضل مني بكثير يمكنهم إعطاء أفكار عملاقة يمكن أن تسير بهذا الوطن إلى مصافِ الدول المتقدمة، وأن لا نركن الى النفط والبحث عن البدائل وبسرعة لأن الدول في سباق محموم وأن الفكرة العامة كما كتبت في حلمي الأول وحلمي الثاني حول مسقط، وليتني أرى شارع الكورنيش يُستبدل وأن يكون نفقا بحريا تمر من خلاله السيارات. أما الكورنيش الحالي فيترك للسياحة وللكثير من الفعاليات التي يمكن أن تنقل مسقط من عالم إلى آخر، مستغلين الكثير من المعطيات، وأن تكون مسقط وبحق وجهة عالمية، وأن تكون إحدى أبرز الواجهات السياحية حول العالم. أما الزائرون إلى قصر العلم العامر، فيمكن استخدام طرق أخرى غير النفق ومن الوجهات السياحية (قلعتي الجلالي والميراني)، وكذلك الأسواق الموجودة مثل "سوق مطرح"، والتي يمكن أن تجسد وتوضح التراث العُماني التجاري والحربي عبر العصور وأن الطموح الحالي هو البدء في التعامل مع شركات عالمية وأن يكون لها نصيب وجزء من هذه الأعمال وتطويرها بالشكل الحضاري العالمي وسيعمل الكثير من أبنائنا على فتح آفاق كبيرة.
وأخيرًا.. فإنِّه علينا وبأسرع ما يمكن أن تكون لدينا الجرأة المناسبة حتى نخوض التجربة وأن نعمل على استغلال الفرص بشتى الطرق حتى نكون قادرين على مواكبة التطورات والتقلبات العالمية وأن نعلم أن ديمومة الحياة واستقرار الدول يحتاج إلى المال وأن المال يأتي من خلال أقصى استغلال لما هو متوفر في الدول وأن نعلم يقينًا أن كنوز عُمان لا حصر لها والحمد لله رب العالمين.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
بين الحذر والجُبن
يقود ترامب ونتنياهو العالم إلى فوضى بدأ الجميع يلمس بوادرها مع التحركات العشوائية والارتجالية التي يتخذها ترامب، والتجاوزات السافرة للقوانين والاتفاقات الدولية التي يشترك فيها مع نتنياهو ضد أبناء الشعب الفلسطيني. صحيح أن النتنياهو أفل شأناً، لكنه يمثل بأفعاله الدموية أحد مظاهر التجاوزات المتعمدة التي يريد منها ترامب إرهاب العالم لإخضاعه لإرادته ورغباته في القفز على الواقع لتحقيق المكاسب لبلاده، بحيث يصير كل ما يقوله رهن التنفيذ عن رضى أو إجبار.
ما يتخذه ترامب من إجراءات لا تخضع لأي تقييم قبلها، وتراه كالطفل المدلل إذا حدد أمرا فإنه يريده واقعا أمامه كيف ما كان، وبغض النظر عن أي تداعيات محتملة، لذلك ولأنها التي تأتي من شخص بهذه الصفات إلى جانب جهله السياسي بشكل حرفي، فالأكيد أنها تحتمل مآلين:
الأول أن تُصيب في تحقيق شيء من مقاصده، وتبرز في هذا المآل الدول الهزيلة التي تقوقعت في مساحة «الحذر ولا الشجاعة» فعممت هذا القول أو المَثَل على كل تفاصيل حياتها، حتى اعتادت أن تكون سلبية في التعامل مع أي مخاطر، وارتضت البقاء رهينة الحسابات غير المضمونة. فتراها تتجنب حتى التعليق بشأن التهورات الأمريكية التي تبلغ ذروتها في عهد ترامب، وتحاول بأقصى طاقتها البقاء بعيدا، ورغم أن الواقع يحدثنا بأن الخطر محدق بالجميع وإن كانوا في الراهن يظنون انهم بعيدين إلا انهم أنما ابتعدوا عن قراءة الواقع بصورة عقلانية لأنهم يدركون بأنهم مشاريع مؤجلة، لذلك لا يريدون مواجهة هذه الحقائق.
المآل الثاني الذي يمكن أن تنتهي إليه «التصانيف» الترامبية أن ترتد على أمريكا عكسيا، فتبدأ في الانحدار، وربما وصولا إلى تفكك ولاياتها المتحدة، ولعل مؤشرات ذلك قد بدأت بالفعل تظهر للعيان، فالعُمر القصير جدا لوجود ترامب في البيت الأبيض في رئاسته الثانية تشبّع بشكل واضح بكل أسباب الصراعات، وارتفع بمنسوب التوترات في كل العالم فضلا عن حالة التشنج التي تقف بالدول على قدم واحدة تحسبا لوصول المد الترامبي العبثي إليها.
على مستوى الاتجاهات الأربعة للكرة الأرضية، الجميع متأثر، لذلك تبدو أمريكا اليوم منبوذة أكثر من أي وقت مضى. الجهل السياسي لترامب أعاقه عن حساب مثل هذا الواقع، وإذا شعر بأي خطر فانه يكتفي بالتهوين من إجراء أو قرار اتخذه أو تصريح قاله بكل بساطة بلا أي اعتبار لأحد.
العجيب ورغم ما تعيشه أمريكا من كراهية تحاصرها من كل الاتجاهات، لا تجد هناك أي توجه للاستفادة واستثمار هذا التوافق الدولي للوقوف أمام هذا العبث الذي قد يُغرق العالم في فوضى لن ينجو منها ببساطة، وقد تكون بمثابة حرب عالمية جديدة ولو لم تكن بالسلاح، العالم في مواجهة أمريكا.
ظروف هذه الدولة المارقة وسلوكها غير المسؤول يحفز لمثل هذا التحرك، وكل اتجاهات الأرض عانت من قبل بشكل أو بآخر من جرائم أمريكا، وكل الدول تقريب لها ثأر مع أمريكا، فخلال تاريخها الدموي هناك مسار طويل من الاستهدافات التي طالت معظم الدول سواء بالهجمات النارية المباشرة أو بالاستعمار أو بالتدخلات المباشرة وغير المباشرة في شئون كثير من الدول. لذلك كان عهد الصدارة الأمريكية للعالم، الأسوأ في التاريخ الإنساني، ما يجعل امر التحرك للانتفاض على هذا الواقع امر طبيعي وضروري، زد عليه أن الإجراءات الترامبية تنذر أصلا بفوضى عالمية حقيقة لا تحتمل البقاء في مساحة «الحذر ولا الشجاعة»، فما بين الحذر والجُبن خيط رفيع.