كييف – شكَّل الاجتماع الأوكراني الأميركي في مدينة جدة بالسعودية منعطفا هاما قبل أيام، ففيه "أصغى" الأميركيون لمطالب الأوكرانيين، كمال قالوا، واستأنفت واشنطن بعده دعم كييف بالمال والسلاح، بعد أيام من مشادة حادة وخلافات بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

لكن الأهم من ذلك، كان مقترحا أميركيا يقضي بـ"هدنة مؤقتة"، يتوقف خلالها إطلاق النار بين الروس والأوكرانيين مدة 30 يوما، الأمر الذي لم يطرح له مثيل منذ بداية الحرب في فبراير/شباط 2022.

تشاؤم "مبرر"

وسارع الأوكرانيون للموافقة، وقالوا إنهم "أكثر من يريد وقف الحرب وإحلال السلام"، وإن "فلاديمير بوتين وُضع في زاوية اختبار الجدية"، أو أن "الكرة في ملعب روسيا"، حسب قول الأميركيين.

من جانبها، رحبَّت موسكو بالمقترح -من حيث المبدأ-، لكنها أبدت "تفاؤلا حذرا" بشأن التوصل إلى اتفاق، لاسيما مع وجود "خلافات حول قضايا جوهرية".

ولذا، اعتبر زيلينسكي أن "روسيا تسعى لمواصلة الحرب، وستحاول تعطيل السلام قدر الإمكان"، داعيا الولايات المتحدة لممارسة "ضغط كاف" يجبر بوتين على إنهاء الحرب.

وسرعان ما تبدد ذاك التفاؤل، بعد تصريح زيلينسكي، خاصة وأنه أُتبع بكثير من الآراء ووجهات النظر التحليلية التي برَّر خلالها الخبراء صعوبة تطبيق الهدنة المؤقتة بسهولة.

إعلان

واستعرض خبراء أوكرانيون جملة من الأسباب حول ذلك، أهمها:

مخالفة المصلحة الروسية: يقول الخبير فولوديمير فيسينكو، رئيس مركز الدراسات السياسية التطبيقية "بنتا" إن "اجتماع جدة كان بمصلحة أوكرانيا، لأنه منحها أكثر مما توقع الروس وتوقعنا جميعا في حقيقة الأمر(الإصغاء الأميركي واستئناف الدعم ومقترح الهدنة).

وأضاف فيسينكو للجزيرة نت "موسكو ستعطل الهدنة، لأنها تعتبرها فترة تحتاجها كييف أكثر للراحة وإعادة الحسابات وترتيب الأوراق، ولهذا تشترط أمورا معينة، كوقف عمليات التسليح والتعبئة والتدريب، التي تعني بالضرورة زخما أكبر للعمليات القتالية فيما بعد، وهذا ليس في صالح الروس".

شروط روسية مستحيلة وسلام غير عادل: تحت هذا البند، يعلق الخبير كونستانتين إليسيف، مدير مركز "الحلول الجديدة"، على هذه الشروط، ويقول للجزيرة نت "يريد الكرملين هدنة تحمل طابع الاستسلام بالنسبة للأوكرانيين"، بمعنى "تخلوا عن الاستعداد لاستئناف القتال بينما أفعل أنا ذلك بكل قوة".

ويضيف أن "قبول شروط روسيا يؤسس لتنازلات إستراتيجية أكبر لاحقا، تتعلق بشكل السلام الدائم الذي تريده روسيا، وهو سلام غير عادل، يجردنا من السلاح وحق استرجاع الأراضي وعضوية الناتو".

ويتابع إليسيف أن اجتماع جدة "ربما كان ناجحا إلى حد ما بعد أسبوعين من التوتر مع واشنطن، لكنه لم يحرز أي تقدم فيما يتعلق بالضمانات الأمنية التي تضمن السيادة، ولم يكشف عن صورة السلام النهائية التي يرسمها ترامب".

لا ثقة بترامب والأميركيين: وهذا السبب أساسه ما حملته الأسابيع الماضية من توترات، ويقول عنه السياسي رومان بيزسميرتني، وهو سفير أوكرانيا السابق لدى بيلاروسيا، في حديث لموقع "نوفا فريميا"، إن "الأميركيين غير موثوق بهم اليوم، علينا أن ننسى كلمة إستراتيجية في التعامل مع ترامب".

وحسب بيزسميرتني، فإن ترامب يستخدم في الحياة وفي الأعمال التجارية مبدأ "السرقة والهروب"، ويريد "القفز سريعا من سفينة الحرب"، في إشارة إلى سعي ترامب "لإنهاء الحرب -بأي شكل- حتى لو كان مرفوضا من جميع الأطراف، والخروج منها بعقود تجارية ضخمة لصالح بلاده".

إعلان

استحالة التطبيق على الأرض: وسواء قبل الروس الهدنة أم لم يفعلوا، لأن خطوط المواجهات -وفق الخبير فيسينكو- غير ثابتة، وهي تمتد أكثر من 1200كلم وتتغير كل يوم، ناهيك عن اعتبار روسيا أن معظم تلك الخطوط يقع ضمن أراض أوكرانية احتلتها ثم ضمتها وباتت تعتبرها جزءا من الأراضي الروسية.

سيناريوهات

وأمام ما سبق، استبعد كثيرون تطبيق الهدنة، وإن تمت بشكل أو بآخر، لا يرى فيها آخرون أساسا يُمهِّد لنهاية الحرب.

ويقول الخبير إليسيف "لم يوافق بوتين ولم يرفض، في المعجم الدبلوماسي، عندما تقول (نعم) ثم تقول (لكن)، فإن كل ما يأتي قبل (لكن) لا يهم، مطلقا، الروس لا يريدون وقف إطلاق النار".

ويضيف أن ما يحدث الآن "بداية طريق طويل نحو فكرة وقف إطلاق النار. من الواضح أن لدى الأميركيين أدوات معينة للضغط على بوتين، وهذا ما لمّحوا إليه فعلا".

ويعتقد الخبير إليسيف أن الهدنة قد تكون هشَّة، ولن تكون بداية لنهاية الحرب، وأن "أوكرانيا تقف أمام 3 سيناريوهات، إذا تمت الهدنة فعلا، أولها وأفضلها أن تُدفع روسيا نحو الهدنة والسلام المقبولين بتشديد العقوبات، وأن تُعزَّز أوكرانيا بإمداد ضخم من الأسلحة والصواريخ بعيدة المدى والتمويل، وما إلى ذلك، إذا كانت الهدنة ضعيفة فعلا".

أما السيناريو الأخير، وهو الأسوأ بالنسبة للأوكرانيين وفق مدير مركز "الحلول الجديدة"، فيتمثل بأن تمارس الولايات المتحدة الضغط على أوكرانيا بدلا من روسيا لإرضائها، وبهذا "نُدفع نحن نحو هدنة ونهاية للحرب لا تناسب إلا الروس".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان

إقرأ أيضاً:

معارك في البر والبحر.. هكذا تصعّد بريطانيا المواجهة مع روسيا

لندن- لا يبدو أن سعي الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإقناع حلفائه الغربيين بحرف بوصلة عدائهم لموسكو في اتجاه مزيد من التقارب معها، استطاع أن يؤثر على أحد ثوابت السياسة الخارجية البريطانية التي لا تنظر للروس إلا بمنظار الريبة والتوجس.

فبشكل متسارع توالت خلال الأسابيع الماضية سلسلة مواقف وقرارات بريطانية ترسل جميعها إشارات، في أكثر من اتجاه، على أن العقيدة الأمنية البريطانية التي ترى في روسيا العدو الأول للندن، راسخة، ويصعب أن تتقاطع مع رغبة الإدارة الأميركية الحالية في إرساء علاقات أكثر قربًا معها.

ولم تتردد المملكة المتحدة في تصنيف روسيا مجددا على قائمة الدول المهدِّدة لأمنها القومي، في إطار نظام تسجيل جديد يدخل حيز التنفيذ الصيف المقبل يتعقب النفوذ الأجنبي في البلاد ويحاول الحد من تأثيره على السياسات العامة، وطالبت وزارة الداخلية البريطانية كل الكيانات التي تربطها صلات بموسكو بالإفصاح عنها أو مواجهة عقوبة السجن.

معركة بَحرية

تعقب أي أثر للروس امتد أيضا إلى جبهات صراع أخرى غير تقليدية، حيث قالت صحيفة صنداي تايمز البريطانية إن الروس ينشرون أجهزة استشعار بَحريّة لمراقبة تحركات الغواصات النووية البريطانية والتشويش عليها، بعد أن اكتشف صيادون محليون وقوات من البحرية الملكية البريطانية -مصادفة- تلك الأجهزة في المياه البريطانية فيما جرفت الأمواج بعضها إلى الساحل الأسكتلندي.

إعلان

لكن ما تعده المملكة المتحدة تهديدا خطيرا لأمنها القومي، لا يراه السفير الروسي في لندن أندريه كيلين إلا تهويلا مبالغا فيه يحاول الساسة البريطانيون تسويقه للرأي العام على حد قوله في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، دون أن ينفي تدبير عمليات تجسس على الغواصات النووية في المياه البريطانية.

وقالت صحيفة "تلغراف" البريطانية إن البحرية الملكية البريطانية تراقب عن كثب "سفن التجسس الروسية" القريبة من المياه الإقليمية، والتي تتهمها بمحاولة رسم خرائط البِنية التحتية الحيوية تحت مياه البحر وتدبير محاولات تخريب واسعة النطاق لكابلات الاتصالات شمال الأطلسي.

وتضيف الصحيفة أن المسؤولين العسكريين يحاولون تطوير أنظمة دفاع تعطل قدرات أجهزة التجسس الروسية وتعمل على تحديد مواقعها، بعد أن شهد بحر البلطيق وبحر الشمال تصاعدا في وتيرة تخريب الكابلات البحرية العابرة للمنطقة منذ الغزو الروسي لأوكرانيا.

ولا يواري المسؤولون البريطانيون خشية متزايدة من أن تصبح البنية التحتية لبلادهم تحت البحر أكثر عرضة لاستهداف روسي محتمل، حيث أطلق الرئيس السابق للاستخبارات الخارجية البريطانية "إم آي 6" أليكس يانغر قبل أيام تحذيرات من عمليات تخريب روسية لأنابيب الطاقة والاتصالات تحت البحر، داعيا بريطانيا إلى الاستعداد للدخول في مواجهة وشيكة مع موسكو.

الاستعداد للمواجهة

في هذا السياق، يرى بول جيبسون المسؤول السابق في وزارة الدفاع البريطانية أنه بالقدر الذي يمكن فيه تفسير التصعيد البريطاني الأخير ضد روسيا على أنه ردة فعل على التحولات الجيوسياسية المتلاحقة في القارة الأوروبية، فإنه في جوهره ليس إلا فصلا آخر من فصول العداوة التقليدية والتاريخية بين الجانبين الممتدة لعقود، وتأكيدا على العقيدة التي شكلت حلف شمال الأطلسي (الناتو) منذ نشأته كحائط صد ضد الاتحاد السوفياتي سابقا.

إعلان

وشدد للجزيرة نت على أن لندن رغم حاجتها لتعزيز قدرات الجيش وزيادة الإنفاق العسكري، تمتلك أيضا إمكانات دفاعية متقدمة تكنولوجيا للحد من تأثير هذه التهديدات الروسية التجسسية على مصالحها.

بَيد أن الخبير العسكري البريطاني يشكك بالمقابل في قدرة بريطانيا على حشد العدد الكافي من القوات العسكرية لمواجهة جيش بحجم الجيش الروسي حال اندلاع أي صدام عسكري، وذلك ما أثار قلق المسؤولين العسكريين والسياسيين الذين لا يستبعدون فتح باب التجنيد الإجباري وهم يعقدون المقارنة مع أعداد الضحايا في الحرب الأوكرانية مع ما يمكن تكبّده بالدخول في أي مواجهة مع موسكو.

لكن المعركة التي تخاض في قاع مياه البحر ليست إلا صدى لمواجهة أكثر حدة قد تندلع في أية لحظة على أرض صلبة، حيث تواصل بريطانيا تقدم صفوف الدول الأوروبية الداعمة لكييف في حربها ضد روسيا.

تصر بريطانيا على قيادة جهود حشد الدعم العسكري والسياسي لأوكرانيا في مواجهة الروس، ومنحتها الأسبوع الماضي دعما إضافيا يقدر بـ450 مليون جنيه إسترليني (1 جنيه إسترليني يساوي 1.32 دولار)، فيما أعلن رئيس الوزراء كير ستارمر قبل أسابيع عن قرض بقيمة 2.2 مليار جنيه إسترليني لتقديم المزيد من المساعدات العسكرية يتم سداده من الأصول الروسية المجمدة في لندن.

يأتي ذلك في وقت لا تهدأ فيه منذ أسابيع لقاءات مسؤولي الدفاع الأوروبيين لبحث إنشاء ما أطلق عليه ستارمر "تحالف الراغبين"، الذي تؤكد لندن أنه ضرورة حيوية لتأمين أوكرانيا إن تم التوقيع على أي اتفاق سلام بين الروس والأميركيين.

عقيدة ثابتة

دفع انحياز ترامب لروسيا ضد أوروبا عددا من القادة الأوروبيين وبريطانيا للتأكيد على رسوخ عقيدتهم الأمنية التي تصنف موسكو خطرا أولَ يهدد الأمن الجماعي للقارة، في إصرارهم على رفض رفع العقوبات عليها.

وردد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في أكثر من مناسبة، أن العقيدة الأمنية الفرنسية ثابتة ولا ترى في روسيا إلا الخطر الأول الذي يهدد أمن الفرنسي والأوروبي القومي.

إعلان

من جانبه، يشير مثنى العبد الله، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة لندن، إلى أن البريطانيين ومعهم الأوروبيون يستشعرون التهديد الذي يشكله التقارب الروسي الأميركي على أمنهم القومي، ومحاولات ترامب إحلال الصداقة محل العداء مع الروس، مما يفسر حدة اللهجة والقرارات المتخذة في الأسابيع الأخيرة ضد موسكو.

ويضيف للجزيرة نت أن روسيا تحاول في المقابل حشر بريطانيا في زاوية بعيدة عن حليفها الأميركي وتصوب لها التهم بالتأثير السلبي على المبادرات الأميركية لإنهاء الحرب في أوكرانيا عبر حشدها الدعم العسكري والمالي لكييف، في وقت لا تخفي فيه إدارة ترامب انزعاجها من أي طرف دولي يحاول التشويش على مسار التقارب مع الروس.

وبينما يرى المتحدث أن تدبير الأوروبيين ومن ضمنهم لندن لعلاقاتهم مع موسكو طبعته تمايُزات واختلافات بينهم في الحدة والتقدير على مدى عقود، فإن المتغيرات الدولية وعدم وضوح الأفق الذي ستنتهي عنده الحرب الأوكرانية دفع بريطانيا لإبرام "حلف ضرورة" مع الأوروبيين ومحاولة رص الصفوف في مواجهة الموقف الأميركي الذي بات من الصعب التنبؤ به.

 

مقالات مشابهة

  • ترامب يحمّل شخصين مسؤولية اندلاع الحرب فى أوكرانيا
  • كالاس: يجب ممارسة أقصى الضغوط على روسيا لإنهاء حرب أوكرانيا
  • ترامب يحمّل شخصين مسؤولية اندلاع الحرب في أوكرانيا
  • روسيا تحذر من التصعيد في أوكرانيا.. ما قصة صواريخ "تاوروس"؟
  • معارك في البر والبحر.. هكذا تصعّد بريطانيا المواجهة مع روسيا
  • ترامب: حرب روسيا وأوكرانيا ليست حربي
  • الاتحاد الأوروبي: الطريقة الوحيدة لإنهاء الحرب في أوكرانيا استمرار الضغوط على روسيا
  • الاتحاد الأوروبي: لإنهاء الحرب في أوكرانيا يجب استمرار الضغط على روسيا
  • ترامب: الضربة على أوكرانيا أمر فظيع
  • روسيا: ترامب يفهم صراع أوكرانيا أكثر من أي زعيم أوروبي