عربي21:
2025-03-17@18:07:17 GMT

أحداث الساحل السوري وتداعياتها السياسية

تاريخ النشر: 15th, March 2025 GMT

يختلف منطق التاريخ وسيرورته عن المنطق الأخلاقي وأحكامه المعيارية، فبين الاثنين هوة كبيرة جدا: يخضع الأول إلى دينامية معقدة بتعقد الفعل الإنساني أفرادا وجماعات ودولا، لا يوجد في منطق التاريخ ودينامياته أحكاما إنسانية، بل وصفا وتحليلا للحوادث، بينما يخضع الثاني إلى إضفاء موقف إنساني من أحداث واقعية، وهو بذلك يقدم رؤية فكرية مفارقة للواقع، بمعنى أنها تقدم حكما عقليا وأخلاقيا ذاتيا ليس ناجما عن معطيات إمبريقية مباشرة، إنه منفصل عنها من حيث العلاقة السببية، ولذلك تختلف الأحكام الأخلاقية من فرد إلى آخر.



من خلال هاتين الرؤيتين المتعارضتين يمكن النظر إلى أحداث الساحل السوري الأسبوع الماضي وتداعياتها السياسية داخل سوريا.

المنطق الأخلاقي

وفق المنطق الأخلاقي وأحكامه المعيارية، ما جرى في الساحل السوري من عمليات ثأر أدت إلى مقتل مئات العلويين معظمهم مدنين أبرياء ـ كرد فعل على الكمين الذي قامت به مجموعة من فلول نظام الأسد وأسفر عن مقتل نحو مئة عنصر من الأمن العام ـ هو فعل مرذول ومرفوض، فلا يُعقل أن يُقتل الأشخاص على أساس هُوياتي، وليس على أساس فعل ارتكبوه.

شكلت أحداث الساحل وستشكل، على الرغم من مأساويتها، تحولا مهما في الساحة السياسية السورية، برزت مفاعليها في سلوك الأقليات والأكثرية معا على السواء، وكانت مضامينها ما يُشبه الاتفاق المُضمر: توافق الأقليات على الاندماج في النظام السياسي الجديد مقابل الحصول على ضمانات سياسية وعسكرية وثقافية.ما جرى في الساحل السوري هو جريمة مكتملة الأركان، سواء أكان وراؤها عناصر من الأمن العام، أو فصائل منفلتة، أو أشخاص عاديين غاضبين، يتحينون الفرصة للثأر الشخصي.

من ناحية الأخلاق السياسية، ما جرى يضع إدارة الحكم الجديدة في موضع متساوي مع جرائم نظام الأسد، على الأقل في المخيلة السياسية للعلويين، والمخيال الاجتماعي والسياسي مجال تسوده القناعة وليس مجالا تسوده المعرفة، بمعنى ما جرى في الساحل سيعزز المخيال العلوي تجاه السُنة، وهو المخيال الذي اشتغل عله الأسد الأب والابن معا من خلال غرز سردية في الوعي الجمعي العلوي مفادها أن السُنة ما يتسلموا السلطة سيقضون على الطائفة، ويعيدوها إلى مألوف عيشها قبل قرون حين كانت تعيش فيما يشبه الغيتو اليهودي في أوروبا.

وبهذا المعنى، ساهمت أحداث الساحل في تعزيز الانقسام الهوياتي بين السُنة والعلويين من جهة، والسُنة وباقي الأقليات من جهة أخرى، وهذا ما ليس من مصلحة أحد، خصوصا الإدارة الحاكمة في سوريا، المطالبة بأكثر مما هو مطلوب من باقي مكونات الشعب السوري: أولا لأنها في الحكم، فالمطلوب من الحكام أكثر بكثير مما هو مطلوب من المواطنين افرادا وجماعات، وثانيا لأن الإدارة الحاكمة تنتمي إلى الأغلبية السُنية، والأكثرية أيضا مطالبة في الحالة السورية تحديدا بتقديم خطاب وسلوك جامع لكل السوريين، لا سيما العلويين.

المنطق التاريخي

وفق منطق التاريخ تبدو النتائج مختلفة تماما عن نتائج المنطق الأخلاقي: هنا حيث تخضع سيرورة التاريخ للفاعل الأقوى، بمعنى أن جوهر حركة التاريخ تقوم على معادلة القوي والضعيف.

ما جرى في الساحل السوري من انطلاق فصائل وعناصر منفردة من إدلب وحلب ومحافظات أخرى بشكل منظم وغير منظم، والقيام بهجوم واسع على المناطق الآهلة بإخواننا العلويين في مشهد سوريالي، كان له تأثير سياسي إيجابي كبير جدا.

أولا، على صعيد العلويين، إما أن تؤدي أحداث الساحل إلى توحد العلويين في كتلة متراصة يقودها ضباط من فلول النظام السابق تبدأ بفعل عسكري مضاد، أو يحدث العكس، عبر النأي بالنفس عن المقتلة التي قادها غياث دلا وعناصره بحق عناصر من الأمن العام، وإعلان التبرؤ من هذا الفعل الذي وضع الطائفة في خطر.

ما حدث هو الحالة الثانية، فقد أعلن كثيرون من الطائفة العلوية رفضهم لسلوك عناصر فلول النظام بقدر رفضهم لرد الفعل السني، لكن رد الفعل الأخير أيقظ في الوعي العلوي الحس التاريخي الآني، أي أصبحوا مدفوعين بوعي أو بغير وعي، أو كليهما معا، لتمييز أنفسهم عن نظام الأسد والقبول بالواقع السياسي الجديد، هكذا حمل رامي مخلوف وغيره مسؤولية أحداث الساحل على فلول نظام الأسد، ومحاولتهم توريط الطائفة بأعمال عسكرية.

ثانيا، على صعيد الأكراد، صحيح أن المفاوضات بين إدارة الشرع و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) تجري منذ فترة، وصحيح أن الضغط التركي ما زال قائما مصحوبا بموقف أمريكي مائع، وصحيح أن ثمة توافقات بين "قسد" ودمشق.

لكن الصحيح أيضا أن "قسد" ظلت محتفظة بموقفها المتمثل بإبقائها قوة عسكرية متماسكة وخاضعة لقيادة كردية أولا، ثم الاتفاق على شكل وجوهر النظام السياسي في سوريا قبل الحديث عن عمليات الدمج العسكري ثانيا.

هل هي صدفة أن يُبرم الاتفاق بين "قسد" ودمشق بعد أيام قليلة من أحداث الساحل السوري؟

في تقدير كاتب هذه المقالة أن أحداث الساحل سرعت الاتفاق، فالمشهد الذي رآه كل السوريين، خصوصا الأقليات، كان مرعبا وجعلهم يقومون بعملية إسقاط عقلي، ويطرحون تساؤلا هاما، ماذا لو حدث بالخطأ فعل مشابه للكمين الذي نفذه غياث دلا تجاه الأمن العام؟ كيف سيكون الرد السُني؟

وفي بيئة كردية مختلطة بعشائر سُنية، ومحاطة بغلاف جغرافي سُني، وبقوة عسكرية ضاربة تتحين الفرصة (تركيا)، هيمنت البراغماتية الكردية على التفكير الأقلوي.

ثالثا، على صعيد الدروز، ما حصل مع الأكراد حصل نفسه مع الدروز الذين شاهدوا بعينهم رد الفعل السُني في الساحل، وطرحت التساؤلات نفسها.

ما جرى في الساحل السوري هو جريمة مكتملة الأركان، سواء أكان وراؤها عناصر من الأمن العام، أو فصائل منفلتة، أو أشخاص عاديين غاضبين، يتحينون الفرصة للثأر الشخصي.وعلى الرغم من وجود قوى درزية ما تزال ترفض الاتفاق مع دمشق، وفي مقدمهم شيخ الطائفة حكمت الهجري، إلا أن هناك قوى أخرى تتفاهم مع إدارة الشرع منذ أسابيع عدة، وجاءت أحداث الساحل أيضا لتسرع الاتفاق بين الجانبين، وتطوي إمكانية تكرار تجربة الساحل في السويداء.

رابعا، على صعيد الحكومة السورية، أدت أحداث الساحل إلى إجبار الرئيس السوري أحمد الشرع على الانتقال من حالة الخطابات إلى حالة الفعل الملموس على الأرض، ليس من خلال تشكيل لجنة للتحقيق بما جرى في الساحل فحسب، بل والأهم بضرورة ضبط السلاح بين ظهرانيه، وخصوصا في المناطق الشمالية الغربية من سوريا، حيث الفصائل المسلحة بعيدة عنه.

خاتمة

شكلت أحداث الساحل وستشكل، على الرغم من مأساويتها، تحولا مهما في الساحة السياسية السورية، برزت مفاعليها في سلوك الأقليات والأكثرية معا على السواء، وكانت مضامينها ما يُشبه الاتفاق المُضمر: توافق الأقليات على الاندماج في النظام السياسي الجديد مقابل الحصول على ضمانات سياسية وعسكرية وثقافية.

بهذا المعنى، فالحرب امتداد للسياسة، فما أسيل من دماء في الساحل دفع إلى الانتقال نحو مرحلة سياسية جديدة، لن تستقيم إلا بمشاركة جميع مكونات المجتمع السوري، بما فيهم العلويين من أجل بناء سوريا جديدة تقوم على مبدأ المواطنة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه سوريا سوريا امن رأي تطورات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة صحافة صحافة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة من الأمن العام أحداث الساحل نظام الأسد على صعید عناصر من

إقرأ أيضاً:

هل تورطت روسيا في دعم فلول الأسد بالساحل السوري؟

شهد الساحل السوري خلال الأيام القليلة الماضية أحداثا وصفت بأنها من بين الأعنف منذ سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، واشتدت وتيرة الاشتباكات بين قوات الأمن العام وعناصر وزارة الدفاع التابعة للإدارة السورية الجديدة، وبين فلول النظام السوري السابق.

وقد أثارت هذه المواجهات التي اتسمت بالتزامن والتنسيق تساؤلات عن الأطراف الخفية التي تقف وراءها، خصوصا أنها استهدفت نقاطا وحواجز عسكرية تابعة للأمن العام في توقيت واحد، مما أضفى المزيد من الغموض على المشهد الأمني المتوتر في المنطقة.

وفي الوقت الذي اتهمت فيه الإدارة السورية في دمشق جهات خارجية بالوقوف خلف هذه الأحداث التي خلفت مئات الضحايا، بينهم مدنيون وأطفال، وظهور اتهامات لإيران بدعم التمرد العسكري على لسان مسؤولين سوريين، يبرز تساؤل مهم حول إمكانية أن يكون لروسيا ـالحليف التقليدي لنظام الأسدـ دور فيما جرى بالساحل السوري.

ويدعم هذا التساؤل أن المناطق التي شهدت الهجمات هي نفسها التي توجد فيها قاعدتان روسيتان: الأولى "حميميم الجوية" القريبة من جبلة بريف اللاذقية، والثانية ميناء طرطوس الإستراتيجية.

ضبابية الموقف

كان الموقف الروسي الرسمي ضبابيا وأقل وضوحا تجاه الاشتباكات التي شهدها الساحل السوري، على عكس المواقف الإقليمية والأوروبية التي بدت واضحة من حيث إدانة أعمال العنف والمطالبة بحماية المدنيين، ودعوة الأطراف الخارجية إلى احترام سيادة سوريا ووحدتها وسلامة أراضيها.

إعلان

وقد بدا هذا الموقف واضحا من خلال تصريحات المسؤولين الروس، حيث رفض المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف التعليق على تفاصيل الوضع الميداني في الساحل السوري، وذلك في اليوم الثاني لأحداث السابع من مارس/آذار، واكتفى بالقول "الأمن اللازم لجنودنا متوفر على المستوى المطلوب" مضيفا "بشكل عام، لا أود التعليق على سير هذه العمليات، لأننا لا نعرف التفاصيل".

من ناحيته، وصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الثلاثاء 11 مارس/آذار الجاري الأحداث الأمنية الذي شهدتها منطقة الساحل السوري بأنها "غير مقبولة"، مطالبا السلطات السورية بضمان مشاركة كافة مكونات المجتمع في العملية السياسية.

وأكد -خلال مؤتمر صحفي- أنه لا بد من ضمان مشاركة المجموعات كافة في العملية السياسية في سوريا والسلطات الجديدة تدرك ضرورة ذلك.

هامش للمناورة

يرى مراقبون أن هذا النهج كان مقصودا للحفاظ على هامش مناورة سياسي، إذ لا تريد روسيا أن تظهر وكأنها تتخلى عن حلفائها السابقين في المنطقة، لكنها في الوقت نفسه تتجنب دعمهم بشكل مباشر إذ إن كلفة ذلك ستكون مرتفعة، كما أن الغموض بالتصريحات يمنحها القدرة على تغيير موقفها لاحقا وفقا لمجريات الأحداث.

وبدا هذا التغيير واضحا، بحسب الباحث في الشأن السوري وائل علوان، بعد تمكن الإدارة الجديدة من إفشال مخططات الفلول بالسيطرة على مدن الساحل السوري من جهة، ووصول الحكومة السورية إلى اتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية "قسد" من جهة أخرى.

ويتابع علوان -في حديثه للجزيرة نت- أن هذا الموقف السلبي وغير المتعاون مع الإدارة السورية تجاه أحداث الساحل، قد ينعكس سلبا على روسيا من خلال خسارة المزيد من أوراقها التفاوضية لتأمين مصالحها الإستراتيجية في سوريا.

من ناحية أخرى، يبرز تناقض الموقف الروسي من خلال تصريحات صحفية لبيسكوف نفسه، إذ أوضح في العاشر من مارس/آذار الجاري أن روسيا ترغب برؤية سوريا دولة موحدة ومزدهرة ومتطورة وصديقة، وأضاف أن بلاده تسعى من أجل استقرار سوريا والمنطقة بأسرها.

إعلان

دعم الفلول

وسط هذه الضبابية في الموقف الروسي، إلى جانب انتشار تسجيلات صوتية نُسبت إلى فلول الأسد، يُزعم فيها وجود تنسيق مباشر مع القوات الروسية في قاعدة حميميم، بما في ذلك تزويدهم بالسلاح، زادت الشكوك حول وجود صلة لروسيا بدعم فلول النظام في محاولة منها لإثارة الفوضى، ثم فرض حلول تخدم أهدافها الإستراتيجية.

وفي هذا السياق، ينفي المستشار رامي الشاعر، المقرب من الخارجية الروسية، وجود أي علاقة لروسيا بالأحداث التي شهدتها مدن وقرى الساحل السوري.

ويوضح الشاعر -في حديثه للجزيرة نت- أن هدف هذه الاتهامات هو تشويه سمعة روسيا، التي سعت خلال السنوات الماضية إلى وقف الاقتتال السوري- السوري، وفرض "نظام التهدئة" من خلال التعاون مع تركيا وإيران عبر صيغة أستانا.

وتؤيد روسيا، بحسب الشاعر، الإدارة الجديدة في دمشق، وهي على تواصل معها في كثير من القضايا، وعلى ثقة بأن الإدارة ستسيطر على كل المناطق في الساحل السوري، وستحاسب كل من تورط بالانتهاكات ضد المدنيين.

من جانبه، ينقل الصحفي والخبير بالشأن الروسي، رائد جبر، في حديثه للجزيرة نت عن مصادر دبلوماسية روسية نفيها وجود أي معطيات أو إشارات تدل على تورط روسيا بهذا الموضوع.

وأكدت هذه المصادر، بحسب جبر، أن روسيا لن تسمح لأي أشخاص موجودين ضمن الأراضي الروسية أو خارجها بالتعامل مع فكرة زج روسيا في هذا الموضوع.

وبشأن الدعوة الروسية لعقد اجتماع في مجلس الأمن، يقول جبر إنها موجهة، وفقا للمصدر نفسه، للحفاظ على وحدة وسلامة الأراضي السورية، واتخاذ خطوات لمساعدة سوريا في وضعها الحالي اقتصاديا ومعيشيا كتخفيف العقوبات المفروضة عليها.

مجلس الأمن

وشهد مجلس الأمن توافقا روسيا-أميركيا للمرة الأولى منذ سنوات على الدعوة لعقد جلسة مشاورات مغلقة وعاجلة في مجلس الأمن الدولي، عنوانها بهدف إصدار بيان حول "أحداث الساحل السوري".

إعلان

وشهدت، بحسب وكالات، انتقادات روسية للحكام السوريين الجدد وألقت عليهم باللوم في الانتهاكات التي لحقت المدنيين، ومن المتوقع إصدار بيان رئاسي يدين أحداث العنف ويدعو الحكومة السورية لحماية المدنيين.

من ناحيته، يرى الباحث علوان أن من الصعب الجزم بصحة الأخبار والتسجيلات المتداولة حول تورط روسيا في دعم تمرد مسلح في الساحل السوري، وقد يكون من مصلحة قادة الفلول الذين نظموا الحراك أن يوهموا "الشارع العلوي" بوجود دعم روسي مباشر، بهدف إشراك أكبر عدد ممكن من الناس في تمردهم المسلح.

استغلال روسي

خلافا لما سبق، يرى كثير من المتابعين للشأن الروسي أن روسيا قد تستفيد من أحداث الساحل على المدى الطويل، من خلال استغلالها بما يخدم مصالحها الجيوسياسية في سوريا التي تعتبر حجر الزاوية بالنسبة لوجودها ومصالحها في الشرق الأوسط.

وعن الخسارة التي يمكن أن تلحق روسيا في حال ثبت تورطها بدعم التمرد العسكري في الساحل السوري، يرى الباحث السياسي، نادر الخليل، أن هذا الموضوع إن تم فهو يشير إلى خطأ إستراتيجي في تقدير الموقف من قبل المسؤولين الروس.

وقد يكون هذا الخطأ، بحسب حديث الخليل للجزيرة نت، نابعا من عاملين:

مراهنة روسيا على ضعف الأمن المحلي والعدد غير الكافي لأفراد الأمن العام لتغطية المساحات الشاسعة في الساحل السوري. استخدام الفوضى كوسيلة ضغط في المفاوضات الجارية، خاصة فيما يتعلق باستمرارية وجودها العسكري والاقتصادي في سوريا.

ويشار إلى أن المتابع لتغطية وسائل الإعلام الروسية لمجريات الأحداث في الساحل يلاحظ تبني سردية متماشية إلى حدٍ كبير مع رواية فلول النظام، ومن ذلك موقع "لينتا" الإلكتروني الروسي واسع الانتشار، الذي عنون نصه عن الأحداث في الثامن من مارس/آذار الجاري بالقول "المسيحيون والمسلمون الشيعة يثورون ضد السلطات السورية الجديدة. لقد جاؤوا إلى القاعدة العسكرية الروسية طلبا لحمايتهم من الإبادة الجماعية". وأرفقه بعنوان ثانوي "السلطات السورية ترتكب مجازر بحق العلويين والمسيحيين في شرق وجنوب سوريا".

إعلان

ووكالة "نوفوستي" الرسمية عنونت نصها في السابع من الشهر الحالي بالقول "خبير يصف أحداث اللاذقية بأنها بداية صراع أكثر خطورة في سوريا"، إلى جانب تساؤل كبرى صحف الأعمال الروسية "فيدوموستي" في عنوان نص نشرته في العاشر من الشهر الجاري "هل تؤدي الانتفاضة السورية إلى مزيد من إراقة الدماء؟".

وتعليقا على هذه التغطية، لا يعتقد الخبير الروسي رائد جبر أن ذلك يعكس موقفا حكوميا رسميا داعما للتمرد في الساحل السوري، ويضرب جبر مثالا على ذلك الموقف من القضية الفلسطينية، التي كانت تشهد تفاوتا بين اللهجة الدبلوماسية الروسية التي تتخذ مواقف مناصرة للفلسطينيين، بينما كانت الصحافة ميالة لإسرائيل.

قاعدة حميميم قد فتحت أبوابها لاستقبال عناصر من فلول النظام السابق (صور الأقمار الصناعية) حماية المدنيين

ومع إعلان الحكومة السورية عن وجود "دول وجهات خارجية" تدعم العمل المسلح ضد الدولة، تداول جمهور منصات التواصل الاجتماعي معلومات غير مؤكدة تدعي أن الروس قاموا بتشجيع أهالي الساحل، وخاصة من الطائفة العلوية، على اللجوء إلى قاعدة حميميم تحت ذريعة "الحماية".

ووفقا لما تم تداوله، فقد طُلب منهم هناك التوقيع على بيان يطالب بتدخل دولي لحمايتهم. وقد رأى مدونون سوريون في هذا السيناريو محاولة روسية للتمهيد لتدخل مباشر تحت غطاء دولي وربما بمباركة من الأمم المتحدة.

وكانت قاعدة حميميم قد فتحت أبوابها لاستقبال عناصر من فلول النظام السابق وعوائلهم الهاربين من مطاردة الحكومة السورية، وقامت بتجهيز مخيمات بكل ما يلزم من مأوى وإمدادات غذائية وطبية.

ولم تقتصر الإجراءات الروسية في قاعدة حميميم على الجانب الإنساني فقط، بل شملت أيضا استعراضات جوية ومناورات دفاعية، من ذلك ما أفادت مواقع محلية أن مقاتلة روسية أقلعت من القاعدة في اليوم الأول للاشتباكات، وحلقت فوق المروحيات التابعة لوزارة الدفاع السورية، وحذرتها من مغبة استمرار القصف على مناطق ريف جبلة وأجبرتها على العودة إلى قواعدها.

إعلان

وتعليقا على حركة الطيران النشطة التي شهدتها القاعدة، يذكر الخبير جبر أن هذه الحركة تأتي ضمن المهمات الخاصة للطيران في القاعدة، وأنه لا يمكن لروسيا التدخل بأي شأن سوري داخلي إلا بعد التنسيق مع الإدارة الجديدة في دمشق.

وبالنسبة لحماية المدنيين، يقول جبر إن روسيا ليست هي المبادرة لطرح هذه الفكرة، وإنما هناك بعض الفئات في الساحل السوري قدمت عرائض إلى الروس من أجل الحماية.

من ناحيته، يستبعد المستشار الشاعر أن تقدم روسيا، التي تتواصل مع العديد من الجهات الدولية لرفع العقوبات عن الشعب السوري، على خطوة من قبيل حماية المدنيين تحت وصاية دولية، لأنها ستكون خطوة سلبية في مفاوضاتها مع دمشق من أجل الإبقاء على القواعد الروسية وتعزيز الوجود الروسي، وربما فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين.

وكانت وفود من منطقة جبلة وإدارة الأمن العام قد وصلت إلى قاعدة حميميم الجوية بمحافظة اللاذقية يوم السبت الثامن من مارس/آذار، لطمأنة الأهالي الموجودين فيها وإعادتهم لقراهم، وذلك بحسب ما أفادت به وكالة الأنباء السورية (سانا)، إلا أن الأهالي لم يستجيبوا على الفور لنداءات المسؤولين بالعودة.

مقالات مشابهة

  • قوات الإدارة الموالية لتركيا تقطع الإنترنت والاتصالات عن مناطق الساحل السوري
  • حمود الحناوي: على الشرع الاتفاق مع مشايخ العقل الثلاث بالسويداء (شاهد)
  • لجنة تقصي الحقائق في أحداث الساحل تجتمع بمحافظ اللاذقية
  • عودة تدريجية للعلويين إلى قراهم في الساحل السوري
  • بمناسبة أحداث الساحل السوري.. بطريرك صربيا يرسل برقية تضامن لبطريرك أنطاكيا
  • هل تورطت روسيا في دعم فلول الأسد بالساحل السوري؟
  • المرصد السوري: حملات تحريضية لتهجير العلويين من دمشق
  • ماذا بعد اتفاق الرئيس السوري وقائد قسد؟
  • اللجنة الوطنية المستقلة للتحقيق والتقصي في أحداث الساحل تجتمع مع محافظ اللاذقية