في يوليه من العام ١٩٧٦ كُنتُ أحمِلُ رُتبة الملازم بالمباحث الجنائيّه المركزيّه التي كان على رأسِها أحد الأساطين الذينَ انجبَهُم الوطن وأنجبتهُم الشرطه السودانيه ذلكُم هو سعادة القومندان محمد الحسن يوسُف.
بمكتب السجلات كان لدينا شرطي في بداية سُلَّمِ العسكريّه أي انّهُ لم يكُن يحمِلُ أيّ رُتبَةٍ إسمُهُ أحمَد ولَقَبهُ ( احمد عسكري السوق ) ولم أعرف من أين أتت التسميه.
فوجئتُ به ذاتَ صباح وهو يقفُ أمامي ويُقدّم لي ورقة فلسكاب بخط يده الجميل ويستمِرُّ واقِفاً حتى أكملتُ قراءتَها.
في تلك الفتره كان هنالك برنامج إذاعي مشهور إسمُهُ ( الهمباته ) وكان يأتي في مُقَدّمَةٍ جاذِبَه تحوي أشعار طه الضرير وود ضحويه.
كان التقرير الذي رفعه ذلك الشرطي يتحدّثُ عن ضرورة تدخُّل المباحث لإيقافِ بث ذلك البرنامج مستنداً على أنّنا شعبٌ تتحكّمُ فينا القبليه ما زالت وأنّ نسبة الأمّيّه بيننا مازالت مرتفعه وأنّ في تمجيدِ وتزيين أفعال القتل والنهب التي تُشّكّل أساس الهمبته والهمباته ظُلمٌ لهذا المجتمع الذي بدون ذلك يمكن أن يكونَ مجتمعاً متماسكاً آمناً بعيداً عن العصبيات. تجدُرُ الإشاره هُنا لشُرطي دَفَعَهُ حِسُّهُ الأمني ووعيُهُ وسودانيّتُهُ لكتابةِ ورفعِ ذلك التقرير.
وبعدَ خمسين عاماً من تلك الواقِعَه أُحّدّثُكُم عن أرفَع قيادات الدّولّه وعن زُعَماء القبائل والعشائر وأبنائهِم الذين توارثوها كابراً عن كابر وتعلّموا وتعاملوا مع كل المجتمعات المستنيره كُلُّ ذلك لم يمنعهُم ، كشيوخ ( عرب ) ، مِن لجم بني جلدَتِهِم الذين لم يتركوا جريمةً إلّا ارتكبوها في حقّ مدنيين أبرياء فقتلوهُم واغتصبوهُم ونهبوهُم ودمّروا وحرقوا ليس هذا فحسب بل حدثتنا هذه الإدارات ، وهيَ تَشهَرُ سِلاحَها ، عن كيف أنّ هؤلاء ( المجرمين ) خطّاً أحمراً وكيفَ أنّهُم في حمايتِهِم فتعلّقت الدماء والمنهوبات وكُلّ الضَيم والقَهر في رِقابِهِم معاً. أمّا أبناؤهُم فقد تنكّروا لأعوام النعيم التي تَمَرّغوا فيها والتي امتدّت من ١٩٥٦ حتى الآن ووفّروا لهُم معاول الهدم مِن المنابر الدوليه بكل اللُّغات التي وفّرَتها لهُم دولة ٥٦ المُفتَرى عليها فَخَصّوا بها أنفُسَهُم دونَ قبائلَهُم لِيأتوا ويستَمتعوا ( مَعاً ) بصراخ المغتصبات وبُكاءَ اليتامى وقَهرَ الشيوخ وصفّقوا طويلاً ، مَعاً أيضاً ، وهُم ينهضون من جلوسهم ، لتوصيفات تراجي في أرض جومو.
وبينَما نحنُ نبكي ليسَ على ما انسكبَ من لَبن فهوَ قَدَرٌ قد إستدبَرناهُ ونحنُ نقفُ على ( تَلِّها ) أجِدُنا نَبحّثُ في كراسي الحُكم ( الكثيره) وفي إمتداداتِها وتَفَرُّعاتِها عن ( أحمَد .. عسكري السوق ) بِسِحنَتِهِ السودانيةِ تلك .. ( رِ قَ يِّ قْ ) حتى لَكأنّكَ تكادُ تبحَثُ عنهُ بنظَراتِك داخل ملابِسِه وهو يقِفُ أمامَك مَهُولٌ في بساطَةِ طَرحِهِ وعِزّةِ وشُموخِ معانيه .. عسكري نَفَر لم يحمل شريط على كتفِهِ ولا رُتَباً صارت معروضةً في الشوارع.
ما زالَ حُكّامُنا يصنعون الطواغيت الصّغار وعلى أكتافِهِم ما يشاؤون من الرُّتَب والنياشين و .. دِماءِ الضحايا والمقهورين واليتامى وقهر المُغتَصَبين. حُكّامُنا إحتفلوا بكيكَل .. كانوا قد سلَّموهُ مفتاح وادمدني المدينه وأمروا ( منسوبيهِم ) من المسؤولين بالمُغادَرَه وبَقُوا ، على غِرارِ الإعتصام ، ليُكَمُّموا أفواه المُغتَصَبات.
الآن نحنُ نستعيد كيكل ونحنُ لم نَفرغ بعد من الجنجويد صِناعَةِ يَدِ الحُكّام. نستعيد كيكل ، كالعاده ، مَسنوداً بِكُلّ فِرسان البُطانَه وهُم على جيادِهِم وجِمالِهِم يَسُدُّونَ أُفُق البُطانه والسلاح الذي أمطرَهُم به حُكّامنا مُشْهَراً ليس لِنَجدَة غريب ولا لإكرامِ ضيف ولا لِلَملَمةِ جِراح ولكن ليُخبِرونا ، أيضاً ، أنّ كيكل ( خطاً أحمَراً ) ناسين الأُفُق المُغطّى بالجُثَث في وَدّ النّورَه وأب قوته وود سلمان .. وناسين الأعراض التي كانت محفوظةً كبيضِ النسور والتي انتهكها كيكل وصحبَهُ وناسين الله وتُراث الأجداد وذلك التُراب الطاهر الذي يقفونَ عليه.
سنتان منذ بدايةِ الحرب كانتا كافيتين لفتح المدارس العسكريه والتجنيد على أساسٍ قومي ونبذ العنصريه والقبليه والتأكيد على مناصَرة الإنقاذ بكلّ قُبحِها وتسليم الأمور لثوار ديسمبر بدلا عن إغراقِ البلاد في المزيد من المليشيات.
melsayigh@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
لم نساوم الدولة ولم نشترط أي مكاسب سياسية.. كيكل يحذر مستهدفى درع السودان
متابعات ـ تاق برس لفت قائد قوات درع السودان اللواء أبو عاقلة كيكل إلى انتشار العديد من المغالطات والاتهامات في الآونة الأخيرة، تستهدف قوات درع السودان. واضاف فى بيان له اليوم :”تارة يشككون في قيادتها ومسؤوليتها عن الجرائم التي وقعت في ولاية الجزيرة ومناطق أخرى، في محاولةٍ لإلصاق جرائم الدعم السريع بنا ، تلك القوة التي شهد العالم على جرائمها منذ نشأتها في دارفور وحتى الحرب الدائرة الآن”. وتابع “لسنا هنا بصدد الدفاع عن أنفسنا، فالحقائق ستُكشف عاجلاً أم آجلاً ، لكن الوقت الآن للعمل الجاد، وبنادق الأعداء لا زالت موجهة إلى صدورنا، تستهدف أرواحنا ووجودنا وأرضنا”. واضاف :”عليه فإنه من الضروري التذكير بأن أولوياتنا في قوات درع السودان هي أولويات الدولة وسيادتها وكرامة شعبها، ولهذا السبب التف الشعب السوداني حولنا وساند قضيتنا، التي هي قضيته وقضية قواته المسلحة”. واوضح كيكل فى بيانه :” انخرطنا في معركة الكرامة لم نساوم الدولة ولم نشترط أي مكاسب سياسية، وسنبقى على عهدنا مع الشعب السوداني والقوات المسلحة بحماية البلاد وحراسة السيادة الوطنية والأمن القومي” . وشدد كيكل بانهم يرفضون أي سلوك أو خطاب يهدد وحدة مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية،، وأكد إلتزامهم بدورهم في الدفاع عن الأرض والعرض. واشار،الى ان درع السودان تعمل بتوجيهات قيادة القوات المسلحة، واضاف ان الوقت الآن للمعركة والتحرير، لا للمزايدات السياسية والمناكفات، وإنجازات قوات درع السودان الميدانية تتحدث عن نفسها. ونوه الى ان قواته قدمت “مئات الشهداء والجرحى والمفقودين، وستظل قواتنا على درب الشهداء حتى دحر العدوان الجنجويدي الغاشم عن كل شبر من أرضنا”. وجدد التزامهم الواضح والقاطع بأنهم جزء لا يتجزأ من القوات المسلحة السودانية، و على أهبة الاستعداد لترتيبات الدمج والتسريح وفقًا لقوانين المؤسسة العسكرية السودانية العريقة، متى وأينما طلبت قيادتها ذلك. درع السودانكيكل