أن إشكالية السياسة في السودان هو الدور المتراجع للأحزاب السياسية في السودان، و الذي بدأ التراجع في عدة مراحل تاريخية، كل مرحلة تكون خصما من رصيد الأحزاب بدأ التراجع الكبير في انقلاب 1969م حيث خرجت ثلاث قوى سياسية لمنازلة نظام مايو عسكريا " الجبهة الوطنية" التي كانت تضم " الاتحادي الديمقراطي و الأمة و حركة الإسلامية" و تركوا فراغا كبيرا بينهم و الجماهير، و اعتمدوا على فئتين الطلاب و العمال.
المرحلة الأخرى ذات أهمية؛ هي مرحلة ما بعد المصالحة 1977م ، عندما وقع الصادق المهدي مع النميري "اتفاقية المصالحة" في بورتسودان 1977م، هي مرحلة جديدة شارك فيها حزبان من " الجبهة الوطنية، و دخلا تنظم "الاتحاد الاشتراكي" و ظل الثالث بعيدا عن المصالحة.. هذه المرحلة تراجع فيها التنافس الطلابي السياسي في الجامعات، عندما برز تنظيم الطلاب المستقلين الذي كان له رأي سالب في الأحزاب السياسية.. و في ذات الوقت نجد أن الحركة الإسلامية قد استفادت من "المصالحة" بعد أن كانت تنظيم سياسي للصفوة تحول إلي تنظيم شعبي بدأ ينافس القوى السياسية الأخرى في النقابات العمالية و المهنية و المجالس المحلية و أندية الأحياء و استفاد من المساجد في تنظيم حلقات التلاوة لكسب العضوية و غيرها.. بينما تراجع دور الأحزاب الأخرى..
في انتفاضة إبريل 1985م كانت القيادات الإسلامية في السجون و اعتمدت على الصف الثاني، نجد أن التخطيط من أجل الإنتفاضة وقع عبئه على الاتحادات المهنية و النقابات، و حتى اتحاد طلاب جامعة الخرطوم كان في يد مؤتمر الطلاب المستقلين.. بعد الانتفاضة بثلاثة شهور نجد أن نقسامات الاتحاديين لتيارات متعددة، جاءت بالطائفة لأول مرة في تاريخها أن يكون لها السطوة و القرار في الحزب الاتحادي الديمقراطي،، حيث أصبح دور الحزب يتراجع بصورة كبيرة في الساحة السياسية، و أصبح على هامش العمل السياسي.. حتى عندما كان الميرغني رئيس لتحالف " التجمع الوطني الديمقراطي" كان دوره غائب كانت الحركة الشعبية أحزاب أخرى هي التي تصنع القرارات داخل المنظومة التحالفية.. و دلالة على ذلك عندما أخذ التحالف في اتفاقية "نيفاشا 2005م" 14% من المقاعد الدستورية للمشاركة في السلطة و أخذت الحركة الشعبية 28% و البقية ذهبت للمؤتمر الوطني و حلفائه..
استمرت ثورة ديسمبر قرابة الشهر تخرج الجماهير دون أن يكون وجود للأحزاب السياسية، حيث تدخل تنظيم " تجمع المهنيين" الذي بدأ يقود الثورة من خلال البرمجة.. و حتى إذا كانت هناك قوى سياسية وراء تنظيم المهنيين عدم خروجها بإسمها يؤكد أنها كانت على قناعة أن أسمها سوف يجهض الثورة.. و عندما اشتد الصراع كان لابد من خروج قيادات سياسية حتى ولو بشكل صوري، و هو الذي دفع تجمع المهنيين أن يقدم " إعلان الحرية و التغيير" لكي توقع عليه الأحزاب و التنظيمات الأخرى لكي تتحمل المسؤولية السياسية، و ذهاب الجماهير للقيادات العامة يؤكد على أن الجماهير تراهن على الجيش لكي ينحاز لها، كما حدث في أكتوبر 1964م و في إبريل 1985، و بالفعل استطاع الجيش أن يحسم المعركة لصالح الجماهير..
يعتقد الزملاء في الحزب الشيوعي؛ أن الإسلاميين هم الذين حسموا المعركة بتدخل " اللجنة الأمين" لنظام الإنقاذ.. و هذه المقولة غير صحيحة.. إذا كان الإسلاميون حسموا المعركة و هم وراء المكون العسكري، كانت المعركة السياسية أخذت طريقا أخر، و كان تغير المشهد السياسي.. الزملاء في الحزب الشيوعي عندما يتعاملون مع الحركة الإسلامية يتعاملون معها بذات عقلية الستينات، و ما حدث في معهد المعلمين الذي تسبب في حل الحزب الشيوعي و طرد نوابه من البرلمان.. و لا يتعاملون معها بأنها حركة متغيرة و بتكتسب خبرات بحكم دورها في السلطة، و تجدد في قياداتها و أدواتها.. كانت الحركة الإسلامية سوف ترفض الجلوس مع قوى الحرية و التغيير، و تطالب الجلوس فقط مع القوى الجماهيرية التي قادة الثورة لجان مقاومة شباب الأحياء، بهدف تخلق صراعا داخل قوى الثورة و تصبح هي الحكم الفيصل في الصراع..
و لا استطيع أن أنفي؛ أن الحركة الإسلامية كانت وراء إجهاض الفترة الانتقالية، و لكن ليس لأنها وراء الجيش، بل لأنها حركة سياسية قادرة على أن تدير معركتها و بصورة مباشرة مع خصومها.. و كان على القوى السياسية في تحالف " الحرية و التغيير" أن تدرك أنها تدير معركة مع قوى سياسية مدربة 30 سنة في السلطة على إدارة الأزمات، لكن هؤلاء كانت تنقصهم الخبرة، و قيادة حزب الزملاء لم تستطيع أن تقدر الموقف بالصورة الصحيحة، و تعاملت معها بصورة سطحية.. و لذلك ليس غريبا أن تلجأ قوى الحرية و التغيير للقوى الخارجية لكي تشكل لها سندا في إدارة معركتها السياسية، هذا المسعى جعلها في النهاية بدل أن تكون قوى سياسية لها أجندتها أصبحت أداة لتنفيذ أجندات خارجية..
كان الدكتور حيدر الصافي وحده المدرك لطبيعة الصراع، لذلك كان يقول أن تعدد المواثيق سوف يفتح أفاق جديدة للعملية السياسية، و في نفس الوقت سوف يسهل لحوار وطني تشارك فيه كل المكونات السياسية حتى يصل الناس لتوافق وطني.. هذه المقولات جعلت الكل يتخذ منه موقفا.. في الجانب الأخر نجد الحزب الأتحادي فقد دوره الرياي، و أصبح يتوسل للمشاركة في السلطة، حزب الأمة غاب الإمام ذهبت أغلبية قياداته مع ميليشيا الدعم، حزب البعث فقد البوصلة تماما اعتمد على شخص واحد يردد كلاما ليس له أثرا على العملية السياسية. الشيوعين منتظرين وقف الحرب للعودة للثورة... نسأل الله حسن البصيرة..
zainsalih@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحرکة الإسلامیة الحریة و التغییر الحزب الشیوعی قوى سیاسیة فی السلطة فی الحزب
إقرأ أيضاً:
سكاف في ذكرى 14 آذار: تغيرت المعادلة وسقط النظام الأسدي
كتب النائب غسان سكاف، عبر حسابه على منصة "أكس":"14 آذار 2005 كان يوماً مجيداً في تاريخ لبنان، أعاد إحياء الأمل في نفوس اللبنانيين. ولن يتكرر بسهولة. 14 آذار لم يكن مجرد ذكرى إنما تحول إلى حالة مستمرة أوصلت لبنان اليوم إلى عهد جديد متحرر من الوصايات. بعد عقدين من الزمن وفي الذكرى العشرين لانتفاضة الاستقلال، تغيرت المعادلة وسقط النظام الاسدي نتيجة سنين من النضال. في 14 آذار 2005 أصبح قسَم جبران تويني وعداً لا يموت ونشيداً تتردد فيه الدعوة إلى وحدة اللبنانيين دفاعاً عن لبنان العظيم. 14 آذار 2005 تحول إلى محطة مضيئة ومفصلية من تاريخ لبنان". مواضيع ذات صلة كم بلغ عدد المشاركين باحتفال "ذكرى 14 شباط"؟ Lebanon 24 كم بلغ عدد المشاركين باحتفال "ذكرى 14 شباط"؟ 14/03/2025 22:59:36 14/03/2025 22:59:36 Lebanon 24 Lebanon 24 تمام سلام في ذكرى استشهاد الرئيس الحريري: نتطلع إلى أن تبقى ذكراه حافزاً للوحدة Lebanon 24 تمام سلام في ذكرى استشهاد الرئيس الحريري: نتطلع إلى أن تبقى ذكراه حافزاً للوحدة 14/03/2025 22:59:36 14/03/2025 22:59:36 Lebanon 24 Lebanon 24 باسيل في ذكرى استشهاد الحريري: تعالوا نجعل من الذكرى العشرين مناسبة وطنية للتفاهم حول مستقبل لبنان Lebanon 24 باسيل في ذكرى استشهاد الحريري: تعالوا نجعل من الذكرى العشرين مناسبة وطنية للتفاهم حول مستقبل لبنان 14/03/2025 22:59:36 14/03/2025 22:59:36 Lebanon 24 Lebanon 24 سكاف: الأسباب الأمنية لعدم عودة النازحين السوريين إلى بلدهم قد انتفت بعد سقوط النظام السوري السابق Lebanon 24 سكاف: الأسباب الأمنية لعدم عودة النازحين السوريين إلى بلدهم قد انتفت بعد سقوط النظام السوري السابق 14/03/2025 22:59:36 14/03/2025 22:59:36 Lebanon 24 Lebanon 24 قد يعجبك أيضاً "جيروزاليم بوست": كواليس جديدة عن "تفجيرات البيجر".. مفاجأة في إتصال Lebanon 24 "جيروزاليم بوست": كواليس جديدة عن "تفجيرات البيجر".. مفاجأة في إتصال 16:46 | 2025-03-14 14/03/2025 04:46:06 Lebanon 24 Lebanon 24 عن إعادة الإعمار ودعم لبنان.. هذا ما كشفه الوفد النيابي العائد من قطر Lebanon 24 عن إعادة الإعمار ودعم لبنان.. هذا ما كشفه الوفد النيابي العائد من قطر 16:28 | 2025-03-14 14/03/2025 04:28:54 Lebanon 24 Lebanon 24 تقرير يكشف: مواقع بين لبنان وإسرائيل "غير مطروحة للتفاوض" Lebanon 24 تقرير يكشف: مواقع بين لبنان وإسرائيل "غير مطروحة للتفاوض" 16:12 | 2025-03-14 14/03/2025 04:12:07 Lebanon 24 Lebanon 24 عبدالله: عثمان واللواء عبدالله خير خلف لخير سلف Lebanon 24 عبدالله: عثمان واللواء عبدالله خير خلف لخير سلف 16:05 | 2025-03-14 14/03/2025 04:05:13 Lebanon 24 Lebanon 24 هذا ما طلبه ترامب بشأن لبنان.. تقريرٌ إسرائيليّ يكشف Lebanon 24 هذا ما طلبه ترامب بشأن لبنان.. تقريرٌ إسرائيليّ يكشف 15:50 | 2025-03-14 14/03/2025 03:50:53 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة "الله يعين مرتو".. مُعجبة تُعانق راغب علامة وتُقبل يده وهكذا كانت ردة فعله (فيديو) Lebanon 24 "الله يعين مرتو".. مُعجبة تُعانق راغب علامة وتُقبل يده وهكذا كانت ردة فعله (فيديو) 05:15 | 2025-03-14 14/03/2025 05:15:39 Lebanon 24 Lebanon 24 بلوك جديد.. مذيعة أخبار "الجديد" تُفاجئ الجميع بإطلالتها الأخيرة (فيديو) Lebanon 24 بلوك جديد.. مذيعة أخبار "الجديد" تُفاجئ الجميع بإطلالتها الأخيرة (فيديو) 02:24 | 2025-03-14 14/03/2025 02:24:33 Lebanon 24 Lebanon 24 شقيق فنانة شهيرة يُهدد نيكول سابا ويطالبها بمغادرة مصر (صورة) Lebanon 24 شقيق فنانة شهيرة يُهدد نيكول سابا ويطالبها بمغادرة مصر (صورة) 02:46 | 2025-03-14 14/03/2025 02:46:22 Lebanon 24 Lebanon 24 آخر خبر.. هذا ما ستشهده الكهرباء قريباً Lebanon 24 آخر خبر.. هذا ما ستشهده الكهرباء قريباً 15:15 | 2025-03-14 14/03/2025 03:15:40 Lebanon 24 Lebanon 24 تأجير الأرحام في لبنان ينتشر سرا.. تجارة تؤمن الملايين والسوق "يتوسع"! Lebanon 24 تأجير الأرحام في لبنان ينتشر سرا.. تجارة تؤمن الملايين والسوق "يتوسع"! 05:30 | 2025-03-14 14/03/2025 05:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك أيضاً في لبنان 16:46 | 2025-03-14 "جيروزاليم بوست": كواليس جديدة عن "تفجيرات البيجر".. مفاجأة في إتصال 16:28 | 2025-03-14 عن إعادة الإعمار ودعم لبنان.. هذا ما كشفه الوفد النيابي العائد من قطر 16:12 | 2025-03-14 تقرير يكشف: مواقع بين لبنان وإسرائيل "غير مطروحة للتفاوض" 16:05 | 2025-03-14 عبدالله: عثمان واللواء عبدالله خير خلف لخير سلف 15:50 | 2025-03-14 هذا ما طلبه ترامب بشأن لبنان.. تقريرٌ إسرائيليّ يكشف 15:45 | 2025-03-14 بعد زيارة الوفد السوري.. الرئيس الروحي لدروز إسرائيل يعلق ويرد على جنبلاط فيديو بث مباشر لحدث فلكي نادر.. إليكم مشاهد خسوف القمر Lebanon 24 بث مباشر لحدث فلكي نادر.. إليكم مشاهد خسوف القمر 04:22 | 2025-03-14 14/03/2025 22:59:36 Lebanon 24 Lebanon 24 "أحب شعبها".. ترامب يشرح "لماذا لا ينبغي لكندا أن تبقى دولة" (فيديو) Lebanon 24 "أحب شعبها".. ترامب يشرح "لماذا لا ينبغي لكندا أن تبقى دولة" (فيديو) 02:26 | 2025-03-14 14/03/2025 22:59:36 Lebanon 24 Lebanon 24 صور مذهلة ومثيرة.. اكتشاف كائنات بحرية غير معروفة في حملة استكشافية عالمية Lebanon 24 صور مذهلة ومثيرة.. اكتشاف كائنات بحرية غير معروفة في حملة استكشافية عالمية 05:00 | 2025-03-12 14/03/2025 22:59:36 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان خاص إقتصاد رمضانيات عربي-دولي فنون ومشاهير متفرقات Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24