تبرر إسرائيل وحلفاؤها كل ما قامت وتقوم به من تدمير في الأراضي الفلسطينية بحقها في الدفاع عن نفسها، ولكن بعض الخبراء القانونيين يجادلون بأنها لا تستطيع التذرع بهذا الحق تلقائيا، كما يُفهم في السياق القانوني.

وذكرت نشرة فوكس بأن إسرائيل، منذ دخول الاتفاق بينها وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) حيز التنفيذ، صعّدت غاراتها في الضفة الغربية، مما أدى إلى نزوح أكثر من 40 ألف فلسطيني، وبعد انتهاء المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار الهش أصلا، قطعت الكهرباء ومنعت دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، بعد أكثر من عام من الحرب قتلت فيه أكثر من 61 ألف فلسطيني، ودمرت البنية التحتية للرعاية الصحية في القطاع، وشردت حوالي 90% من السكان.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2إيكونوميست: هذه أوراق بيد أوروبا حال تعمق خلافها مع أميركاlist 2 of 2تايمز: ما قصة الثورة التي يريد ستارمر إطلاق شرارتها في بريطانيا؟end of list

ومع أن لكل دولة حسب القانون الدولي الحق في الدفاع عن النفس -كما تقول النشرة في تقرير بقلم مراسلها عبد الله فياض- فإن لهذا الحق الذي أصبح يتكرر منذ عقود، حدودا تربطه بهجوم مسلح من دولة أخرى، وهو ما ليس متوفرا في حالة إسرائيل التي هاجمتها حماس من أراضٍ تسيطر عليها.

وإذا كان البعض يجادل بأنه لم يكن أمام إسرائيل، من الناحية الأخلاقية، خيار سوى استخدام القوة لمحاسبة حماس على أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فإن هذه الحجج الأخلاقية لا تكفي، لأنه في النهاية لا شيء يمكن أن يُبرر أخلاقيا قتل عشرات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال الأبرياء.

إعلان حجج قانونية مبهمة

ولأن القوانين هي التي تحكم العالم، يمكن لإسرائيل الرد بقوة متناسبة لاستعادة النظام، لكن شن حرب والادعاء القاطع بأنها دفاع عن النفس لا يستند إلى أساس قانوني ظاهريا، وادعاؤها لا يغير جوهريا كيفية تصرفها في قطاع غزة والضفة الغربية، ولن يضفي شرعية على جميع أفعالها خلال هذه الحرب، حسب النشرة.

وأشارت النشرة إلى أن الفهم العميق لمعنى حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها سيساعد في توضيح ما إذا كانت حربها دفاعا عن النفس أو عدوانا، وإذا تبين أنها عدوان، فإن ذلك يجب أن يدفع حلفاءها إلى إعادة النظر في نوع الدعم السياسي الذي يقدمونه لها في مثل هذه الأوقات.

ويعتمد ادعاء إسرائيل بالدفاع عن النفس على حجج قانونية مبهمة، مع أن هناك إطارين قانونيين رئيسيين للنظر في حق الدفاع عن النفس، أولهما ميثاق الأمم المتحدة، وهو معاهدة ملزمة قانونا للدول الأعضاء، وثانيهما، القانون الإنساني الدولي الذي يُرسي قواعد السلوك المتعلقة بالنزاعات المسلحة.

وقالت فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إن حالة إسرائيل لا ينطبق عليها الحق في الدفاع عن النفس، لأنها لم تتعرض لهجوم من دولة أخرى، بل إن الهجوم شنته جماعة مسلحة داخل منطقة تسيطر عليها إسرائيل وتحتلها بشكل غير قانوني، لا يمكنها ادعاء الحق في الدفاع عن النفس.

وفي عام 2004، أصدرت محكمة العدل الدولية رأيا استشاريا بشأن الجدار الذي كانت إسرائيل تبنيه حول الضفة الغربية، واعتبرت أن الحاجز غير قانوني، لأنه سيحمي من التهديدات القادمة من منطقة تسيطر عليها إسرائيل بالفعل، مما يعني أنها لم تكن تتصرف كما زعمت، دفاعا عن النفس. وكتبت محكمة العدل الدولية "لا يمكن لإسرائيل بأي حال من الأحوال الاستناد إلى تلك القرارات لدعم ادعائها بممارسة حق الدفاع عن النفس".

إعلان

وفي سياق هذا الرأي الاستشاري، يُمكن اعتبار أي إجراء يُتخذ لتعزيز أو إدامة قبضة إسرائيل العسكرية على الفلسطينيين امتدادا للاحتلال، وليس دفاعا عن النفس، وقال محامو جنوب أفريقيا إن "ما تفعله إسرائيل في غزة، تفعله في أراض خاضعة لسيطرتها"، واستنتجوا أن أفعالها تُعزز احتلالها، وبالتالي لا ينطبق عليها قانون الدفاع عن النفس بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة".

وقد كتب رئيس محكمة العدل الدولية عند إصداره رأي المحكمة الاستشاري، الذي قضى بعدم قانونية الاحتلال، أن "دولة إسرائيل ملزمة بإنهاء وجودها غير القانوني في الأرض الفلسطينية المحتلة بأسرع وقت ممكن"، ولكن إسرائيل استمرت في بناء المستوطنات غير القانونية على الأراضي المحتلة، وحصار غزة، وفرض حكم عسكري على الفلسطينيين ينتهك حقوقهم الإنسانية.

وهذا -حسب النشرة- ما يجعل إسرائيل معتدية بموجب القانون الدولي، قبل وبعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وما دامت كذلك فلا يحق لها ادعاء حق الدفاع عن النفس، وتقول ألبانيز إن "استمرار احتلال ينتهك بشكل عميق لا رجعة فيه حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، يعد شكلا دائما ومستمرا من أشكال العدوان".

حجة إسرائيل

ورغم ذلك يجادل بعض الخبراء بأن مبرر إسرائيل للحرب يندرج ضمن الإطار القانوني الدولي، وذلك لأن السابع من أكتوبر/تشرين الأول يرقى إلى مستوى "هجوم مسلح"، وهو ما تنص عليه المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، ومن شأنه أن يُفعّل حق الدولة في الدفاع عن نفسها.

وقد أوضح إريك هاينز، أستاذ الدراسات الدولية بجامعة أوكلاهوما، أسباب لجوء إسرائيل إلى الدفاع عن النفس في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بحجة أن حجم الهجوم وعدد الضحايا المدنيين، يُشكل "هجوما مسلحا" ويجعل الرد العسكري مبررا.

بيد أن المسألة لا تقف عند كون السابع من أكتوبر/تشرين الأول كان هجوما مسلحا، إذ يرى أردي إمسيس، أستاذ القانون الدولي بجامعة كوينز، أن ذلك لا يبرر حق الدفاع عن النفس لأن ذلك الحق لا ينطبق داخل الأراضي الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية.

إعلان

وهذا يقود إلى الجزء الثاني من الأساس وراء حجة إسرائيل -كما تقول النشرة- وهي المقولة بأن غزة لم تكن تحت الاحتلال منذ أن سحبت إسرائيل مستوطناتها وجيشها من القطاع عام 2005، ومع ذلك، فإن هذا الوصف مرفوض على نطاق واسع من قبل جماعات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي، وحتى وزارة الخارجية الأميركية تُدرج قطاع غزة في تعريفها للأراضي الفلسطينية المحتلة، إلى جانب الضفة الغربية والقدس الشرقية، كما أكدت محكمة العدل الدولية مجددا أن غزة، من وجهة نظر قانونية، تحت الاحتلال.

وتساءلت النشرة كيف يمكن لإسرائيل الرد قانونيا ما دام الاحتلال لا نهاية له في الأفق؟ لترد بأن هناك العديد من السبل القانونية التي يمكن لإسرائيل اتباعها مع ضرورة الالتزام بقانون الاحتلال، وهو فرع من القانون الإنساني الدولي، يحدد كيفية التعامل مع الهجمات الصادرة من الأراضي المحتلة.

والرد في هذه الحالة -كما تشير النشرة- يكون من خلال إنفاذ القانون، وذلك بالقمع المتناسب الذي تشنه الشرطة على مرتكبي العنف إذا لم ينتهك حقوق الناس، وكقوة احتلال، كان بإمكان إسرائيل استخدام "القوة الضرورية والمتناسبة لصد الهجوم، كما قال إمسيس، موضحا أنه لكي يكون أي استخدام للقوة قانونيا، "يجب أن يكون ضروريا ومتناسبا مقارنة بالقوة المستخدمة ضدها".

نهج انتقائي

ووصلت النشرة إلى أن إسرائيل يصعب عليها الادعاء بأن حربها على غزة كانت دفاعا عن النفس، أو حربا ضد حماس فقط، ناهيك عن كونها ردا مُتناسبا مع أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، لأنها خلال عام، استخدمت التجويع الجماعي كسلاح في الحرب، ودفعت البنية التحتية للرعاية الصحية في غزة إلى الانهيار، وخلقت ظروفا مواتية لانتشار أمراض تمكن الوقاية منها، كما قتلت أكثر من 150 صحفيا.

كل هذا يعني أن إسرائيل، حتى لو استطاعت الادعاء بأنها بدأت الحرب دفاعا عن النفس، فإن أفعالها في الحرب نفسها لا يمكن اعتبارها قانونية، وقال كلايف بالدوين، كبير المستشارين القانونيين في المكتب القانوني والسياسي لمنظمة هيومن رايتس ووتش، "مهما كانت المبررات القانونية المحتملة لاستخدام القوة، يجب على جميع الأطراف دائما الامتثال لقانون النزاع المسلح ومعرفة أن جرائم الحرب لا يمكن تبريرها أبدا".

إعلان

هناك أيضا حقيقة مزعجة لإسرائيل وحلفائها عندما يجادلون بأن مبادئ الدفاع عن النفس تمنح إسرائيل ترخيصا لشن هذا النوع من الحرب في غزة، وهي أن للفلسطينيين، كشعب خاضع للاحتلال، الحق في المقاومة بموجب القانون الدولي، وذلك يشمل المقاومة المسلحة.

وخلصت النشرة إلى أن قبول كون إسرائيل تتصرف دفاعا عن النفس بدلا من كونها قوة احتلال تُوسّع سيطرتها العسكرية، يعني أن حلفاءها على استعداد لانتهاك القانون الدولي كلما كان ذلك مناسبا، وهذا النوع من النفاق نهج انتقائي في تحديد القوانين التي ينبغي تطبيقها على إسرائيل وتلك التي ينبغي تجاهلها، ولا بد أن تكون له عواقب عالمية، لأنه يقوض شرعية النظام القانوني الدولي، ويشجع إسرائيل ودولا أخرى على الاستمرار في انتهاك القوانين دون عقاب.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات ترجمات السابع من أکتوبر تشرین الأول محکمة العدل الدولیة فی الدفاع عن نفسها حق الدفاع عن النفس القانون الدولی دفاعا عن النفس یمکن لإسرائیل أکثر من الحق فی لا یمکن

إقرأ أيضاً:

حفريات في الأدب والنفس

حين يتساءل امرؤ عن الخلود، فإنني أفهمه باعتباره المثول الدائم في الألسن والذاكرة والحياة؛ وكما خص الله أنبياءه باصطفائه لهم، فقد انبرى للتاريخ رجال لا قبيل لهم بالنبوة الإلهية ولا نسب، بل كان خلودهم خلود من اقتبس من الشعلة الإلهية قبسا ظل ينير الدجى رغم تعاقب الأحقاب وتصرّف الدهور. ومتى ذكرنا الخلود -في غير الأنبياء- نجد الشعراء ينبرون حاملين شعلة خلافة الأنبياء، كيف لا! وهم الذين إذا ما أراد امرؤ أن يستشهد بقول بعد قول الأنبياء والكتب السماوية، نجد أقوالهم وأشعارهم تتصدر الذاكرة والمشهد. في الفرح والبهجة والسرور، وفي المصائب والفواجع والنوازل.

وإذا ما ذكر الشعر كموضوع يومي، وحاجة يومية نعيش بها، لن نستطيع أن نذكره دون ذكر المتنبي، سيِّد الشعر والشعراء. وأقول هذا لأنني لم أجد شاعرا يستشهد به الإنسان البسيط والمثقف على السواء في أفراحهم، وفي أتراحهم، وفي تفاؤلهم وتشاؤمهم، وفي سخريتهم حتى!؛ أكثر كما يفعلون مع أبيات المتنبي وقصائده. فقوله:

ما مقامي بأرضِ نخلةَ إلا

كمقامِ المسيحِ بين اليهودِ

يثير الفكاهة والضحك، مع الاعتراف ببراعة التوصيف. ولكنني وفي مشروع بدافع البحث الذاتي والاستكشاف، مستعينا بالأدوات التقنية الحديثة؛ تساءلت عما قد أجده عند المتنبي حين يتعلق الأمر بالعلوم الحديثة كعلم النفس -وهو الذي كتبت حوله مقالة سابقة في جريدة عمان بعنوان بين المتنبي وكارل روجرز!، في العام المنصرم- وقد حاولت حصر الأبيات الشعرية التي تتعلق بعلم النفس بشقيه في الأفعال، الإرادي، واللاإرادي. بعبارة أخرى، تلك الأفعال الظاهرة البيّنة التي نفعله بقصد وعن وعي حر كامل، والأخرى التي نفعلها بغير قصد وإرادة منا، وإنما دوافعها داخلية قد نستطيع رصدها، وقد تتمنع عن الرصد. ومن فائق براعته، أنه جمع الأفعال الإرادية واللإرادية في بيت واحد حيث يقول:

إذا اشتبكت دموعٌ في خدودٍ

تبين من بكى ممن تباكى

فقد جمع بين الفعل اللإرادي السمح وهو البكاء ابتداء ودون تكلّف، ثم يذكر الفعل الإرادي وهو التكلف بالبكاء. وفي ذات الموضوع يقول:

فَإِنَّ دُموعَ العَينِ غُدرٌ بِرَبِّها

إِذا كُنَّ إِثرَ الظاعِنينَ جَوارِيا

فإن المرء يغالب نفسه ويحاول إلجامها عن أن تغدر به وتخون إرادته ومشيئته، ولكنه لا يمسكها وتنفلت منه انفلاتا غير مقصود. وقد قارنت بين نسختين لديوان المتنبي، إحداهما نسخة عبدالرحمن البرقوقي، والأخرى لرهين المحبسين، أبي العلاء المعري وهو شرحه الكبير «مُعجِز أحمد»؛ وقد وجدت له أكثر من ستة آلاف بيت نرصد فيها التشابهات والتقاطعات مع علم النفس الحديث، وربط تلك الأبيات بالمدارس النفسية الحديثة والمشهورة، بل إن عدة الأبيات التي وجدتها تقارب السبعة آلاف بيت في رصد أوليٍّ. فمن علم النفس التحفيزي، إلى علم النفس القيادي، إلى علم النفس الوجودي والسلوكي والاجتماعي، فضلا عن علم النفس الإيجابي الذي تحدثت عنه في مقالتي السابقة في المقارنة بينه وبين كارل روجرز.

إن هذا البحث البسيط، وبأدوات أولية؛ يجعلنا نقارب العلوم العربية وأعلامها ونعيد اكتشافهم واكتشاف آثارهم بعدسة جديدة وغير معتادة. وقد تحدثت غير ما مرة عن كتاب مسكويه «تهذيب الأخلاق» وتلك العبقرية النفسية التي فيه وتلك التوصيفات والعلاجات التي يذهل المرء من عبقرية راصدها في وقت مبكر جدا. ومما يذكرني بكتاب مسكويه -يسميه البعض ابن مسكويه- هو كتاب الشيخ الرئيس ابن سينا. فقد وجدت في كتاب ابن سينا «القانون» في الطب توصيفه لأمراض نفسية حديثة كالاكتئاب الذي يفرد له فصلا في موسوعته البديعة «فصل في المالنخوليا»، ونجد اتفاقه مع مسكويه في بعض الآراء والتوصيفات والعلاجات. وفي العموم، فإن زهد الناس في تراثهم العريق، زهد نابع من إحساس بالنقص ومن جهل متجذر، ولا نجد أمة ارتفعت وعلا شأنها وشأوها إلا برفعها لعلمائها وكبارها والاعتراف بفضلهم ومكانتهم والاهتمام بآثارهم ودراستها مرة تلو مرة؛ فقد تتغير الأسماء وتتبدل التوصيفات، لكن حقيقة الأشياء وجوهرها هي هي، وكأنما هي نظرية العود الأبدي تشير إلى جهلنا بسخرية العارف البصير، وحكمة القديم القدير.

مقالات مشابهة

  • عاجل | واشنطن بوست عن مصادر: إسرائيل تطبق قواعد جديدة صارمة على منظمات الإغاثة التي تساعد الفلسطينيين
  • سلطة الجرجير والفراولة
  • ما الذي سيفعله الرئيس الشرع لمواجهة إسرائيل؟
  • عاجل.. فوكس نيوز: حريق في طائرة لشركة الخطوط الجوية الأميركية في مطار دنفر الدولي لم تتضح أسبابه
  • "عيد تاريخي".. دروز إسرائيل يستعدون لاستقبال دروز من سوريا
  • الجيش: تسلمنا العسكري الذي اختطفته إسرائيل
  • البنك الدولي: دولاً خليجة تبنت حلولاً بديلة لفك الحصار البحري عن “إسرائيل”
  • منظمات دولية: بريطانيا تتجاهل انتهاك إسرائيل القانون الدولي في غزة
  • حفريات في الأدب والنفس