زيلينسكي وبزشكيان..دولتان ومصيران
تاريخ النشر: 15th, March 2025 GMT
تعرض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للتوبيخ في البيت الأبيض. كان أشبه بتلميذ لا يعترف بخطئه أمام المعلم دونالد ترامب. غير أنه لم يستفد من تلك الفضيحة بطريقة تضر به وببلاده. ففي جدة في السعودية حيث عُقدت مفاوضات أمريكية أوكرانية، وافقت أوكرانيا على اقتراح أمريكي بوقف مؤقت وفوري لإطلاق النار لمدة 30 يوما.
في تعليقه على تلك الموافقة قال زيلينسكي: “يبقى على الولايات المتحدة أن تقنع موسكو بالموافقة على ذلك المقترح.” الموافقة الأوكرانية وتعليق زيلينسكي ينطويان على حنكة سياسية وسيكون لهما أبلغ الأثر على مستقبل أوكرانيا التي زُج بها في حرب ليست ضرورية وضد جار قوي لطالما كان بمثابة الأخ الأكبر. بعد حفلة التوبيخ لم يدر زيلينسكي ظهره للولايات المتحدة ويرفع يديه ملوّحا لأوروبا التي بدت كما لو أنها كانت منزعجة من إمكانية انتهاء الحرب.
لم يقل زيلينسكي للرئيس الأمريكي: “افعل ما تريد.” تلك الجملة التي قالها الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان موجها كلامه إلى دونالد ترامب ليس من الحكمة أن يقولها رجل تئن بلاده تحت وطأة العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الدولة التي يترأسها ترامب. بل إن جزءاً من تلك العقوبات يقف وراءه ترامب شخصيا. أما مناسبة الجملة التي قالها بزشكيان فهي الدعوة التي حث ترامب من خلالها إيران على العودة إلى مائدة التفاوض. طبعا بزشكيان يعرف أن كلامه لا يقدم ولا يؤخر فهو على مستوى القرار الأخير لا يمثل شيئا. ليس الرجل سوى واجهة لإيران، الديمقراطية، التي لا سلطة لها، أما السلطة الحقيقية فإنها بيد المرشد الأعلى الذي يمكنه أن ينسف كل ما يقوله الآخرون. بزشكيان ليس المسؤول الإيراني الوحيد الذي إذا قال كلاما فإن ذلك الكلام لن يكون ملزما لأحد. الدولة في مكان ورجالها في مكان آخر.
المسافة بين زيلينسكي وبزشكيان هي نفسها المسافة التي تفصل بين أوكرانيا وإيران. إيران دولة دينية وهي تبعا لذلك دولة عقائدية وهي أيضا مقيدة بالأفكار التي يحملها ويؤمن بها الزعيم الديني الذي لا يمسه الخطأ ولا يخترقه ولا يدانيه. أما أوكرانيا فهي على العكس تماما، دولة مدنية علمانية ليست عقائدية وإن قضت دهرا بين أحضان الشيوعية ولها رئيس منتخب هو في الأساس ممثل فكاهي. الفرق أيضا يكمن في أن زيلينسكي رئيس حقيقي أما بزشكيان فهو مجرد واجهة. لقد ترأس الجمهورية الإسلامية عدد من الرؤساء لم يترك أحد منهم أثره على سياستها التي كان يميلها المرشد الأعلى وتنفذها الدولة. سيترك زيلينسكي أثره السيء على التاريخ الأوكراني. ذلك ما سيُذكر به. ولكن ما الذي يُذكر في إيران بأبي الحسن بني صدر ومحمد خاتمي وهاشمي رفنسجاني وسواهم من رؤساء إيران؟ لا شيء.
بعد حفلة التوبيخ التي رأتها المليارات من البشر لم يذهب زيلينسكي إلى التحدي في محاولة لاستعادة كرامته الشخصية. لقد فكر الرجل بمصير بلاده وشعبه وإن كان قد أخطأ في أوقات سابقة في تقديراته في حقهما. على الأقل أنه عرف أن الثقل الحقيقي يقع في الولايات المتحدة وليس في أوروبا. أوروبا التي دعّمته في الحرب لم تتراجع عن التضحية ببلاده فيما تراجعت الولايات المتحدة خطوتين إلى الوراء لتفتح ممرا للسلام الذي سيمكن أوكرانيا من استعادة أنفاسها بعد أن خنقتها الحرب التي بدت كما لو أنها لن تنتهي. أما حين يقول ترامب بأنه سيدعو زيلينسكي لزيارة أخرى إلى البيت الأبيض فإن تلك الزيارة بالتأكيد ستكون بمثابة اعتذار عما جرى في اللقاء الأول بين الرجلين. هذه هي السياسة. السياسة ليست دينا. ذلك ما يعرفه الإيرانيون جيدا. غير أنهم لا يلجؤون إلى تصريفه على أرض الواقع إلا إذا شعروا بالخطر.
بغض النظر عن موقفنا من الرئيس الأوكراني فإنه اختار أن يوقف الحرب بناء على تقديرات سياسية حكيمة. ستتخلى القوة الأعظم عنه. ولأنه يعرف أن أوروبا برمّتها غير قادرة على إنقاذ بلاده من الهلاك الذي يمكن أن يقود إليه استمرار الحرب فقد قرر المضي وراء الموقف الأميركي بغض النظر عن انزعاجه الشخصي من الرئيس ترامب. لم يقل “افعل ما تشاء” أما بالنسبة إلى بزشكيان فلأنه يعرف أن الرئيس الأميركي لا يقرأ تصريحاته ولن يبلغه بها أحد فقد قال جملته بكل أريحية ليذهب بعدها إلى النوم وهو مطمئن إلى أن المنشآت النووية لن تتعرض لضربة أميركية أو إسرائيلية بسبب تصريحاته.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: اتحاد سات وقف الأب رمضان 2025 عام المجتمع اتفاق غزة إيران وإسرائيل يوم زايد للعمل الإنساني يوم الطفل الإماراتي غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية
إقرأ أيضاً:
ترامب: بوتين كان سيرغب بالسيطرة على أوكرانيا بالكامل لولا وجودي
شدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على أن نظيره الروسي فلاديمير بوتين كان سيرغب بالسيطرة على أوكرانيا بأكملها لولا وجوده، موضحا في الوقت ذاته بأنه يعتقد أن الأخير يريد إنهاء الحرب المتواصلة للعام الثالث على التوالي.
وقال ترامب في رده على سؤال ضمن لقاء مع شبكة "إيه بي سي"، مساء الثلاثاء، بشأن ما إذا كان يثق بالرئيس الروسي: "أنا لا أثق بالعديد من الناس".
وأضاف الرئيس الأمريكي، الذي احتفل بمرور 100 يوم على عودته إلى البيت الأبيض، بعدما سئل ما إذا كان يعتقد أن سيد الكرملين يريد إنهاء الحرب في أوكرانيا: "أعتقد ذلك".
وتابع قائلا: "لولا وجودي، أعتقد أنه (بوتين) سيرغب في السيطرة على البلاد بأكملها".
ورفض الرئيس الأمريكي الإجابة على سؤال بشأن ما إذا كانت واشنطن ستتوجه نحو وقف المساعدات العسكرية لأوكرانيا إذا انسحبت واشنطن من المحادثات.
وتعمل الولايات المتحدة على التوصل إلى اتفاق يضمن وقف إطلاق النار في الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، وقد عقدت الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب مفاوضات مع موسكو بهدف بحث سبل إنهاء الحرب وترميم العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
والجمعة، أعلن ترامب أن روسيا وأوكرانيا "قريبتان جدا" من التوصل إلى اتفاق، حاضا إياهما على الاجتماع لوضع اللمسات الأخيرة عليه.
لكن الرئيس الأمريكي عاد وأعرب عن شكوكه بشأن استعداد الرئيس الروسي للتوصل إلى اتفاق ينهي الحرب المتواصلة، بسبب قصف روسي مكثف تسبب بسقوط ضحايا في أوكرانيا.
وقال ترامب في تدوينة عبر حسابه على منصة التواصل الاجتماعي "تروف سوشيل"، "لم يكن هناك أدنى سبب لبوتين لإطلاق صواريخ على مناطق مدنية ومدن وقرى في الأيام الأخيرة".
وأضاف أن "هذا يجعلني أعتقد أنه ربما لا يريد وقف الحرب ويماطل ... عندها يجب التعامل معه بشكل مختلف"، حسب تعبيره.
وفي وقت سابق الأربعاء، قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، إن "الرئيس (بوتين) لا يزال منفتحا على السبل السياسية والدبلوماسية لحل هذا الصراع".
وأضاف في حديثه للصحفيين، أن أهداف روسيا يجب أن تتحقق وإن موسكو تفضل تحقيق تلك الأهداف سلميا، لافتا إلى أن الرئيس الروسي أعرب عن استعداده لإجراء محادثات مباشرة مع أوكرانيا لكن كييف لم ترد على ذلك حتى الآن.