لشهر رمضان الكريم مزايا في الدين والتاريخ، فقد بعث الله فيه محمدًا -صلى الله عليه وآله وسلم- بدين الإسلام المتدفق بعقيدة التوحيد القوية التي تخلص البشرية من الذلة والهوان والخضوع لوساوس الشيطان، وفيه أنزل الله القرآن دستوراً للإسلام، ومنبعاً لعلومه، وحارساً لشريعته: (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ).


لقد أنزل الله فيه قواعد أحكامه الذي تهدي الحيران، وترد الشارد الولهان، وتضيء آفاق الحياة، ولا تزال كذلك في مستقبل الدهور والأزمان حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
فالإسلام جاء ليبقى ظاهراً ظافراً منتصراً، دل على ذلك: (هُوَ الَّذِي أرسل رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّـهِ شَهِيدًا) كما في سورة الفتح، وقوله: (هُوَ الَّذِي أرسل رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) كما في سورة الصف.
إن المستقبل للإسلام، وأن العالم كله مدين لهذا الدين الذي جاء به محمد (ص) بأمر من عند الله رحمة للعالمين، وجاء بالخُلِق العظيم، منصوراً مَن نصره، عِزَتُه دائمة، ودولته ظافرة قادمة، مبشر بها على لسان سيد المرسلين، “ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلَّا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أَو بذل ذليل، عزاً يعز به الإسلام وذلاً يذل به الكفر” وهي بشارة ممن لا ينطق عن الهوى.
ورمضان رمز تقريب القلوب، وتأليف الشعوب، فيه تفيض القلوب بالمحبة بين الخالق والمخلوق، والرب والمربوب، فحينما ينهض المسلم لينصر مظلوماً يستغيث به يكون له العزة والنصر.
إن نصرة المظلوم يستبشر بها المسلمون، فلو أن المسلمين تحَرّكوا في هذا الشهر الكريم لانتصروا كما انتصر نبيهم وأسلافهم لخزاعة الذي جاء عمرو بن سالم الخزاعي يستنصر رسول الله قائلاً:
يا رب إني ناشدٌ محمدا
حلفَ أبينا وأبيه الأتلدا
إن قريشاً أخلفوك الموعدا
فانصر هداك الله نصراً أبدا
وادعو عباد الله يأتوا مددا
فيهم رسول الله قد تجردا
هم بيتونا بالوتير هجدا
وقتلونا ركعاً وسجدا
فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- نصرت يا عمرو بن سالم، فجاء فتح مكة وعز الإسلام الذي استبشر به أهل السماء، وضربت أطناب عزه على مناكب الجوزاء، ودخل الناس؛ بسَببِه في دين الله أفواجاً، وأشرقت به وجه الأرض ضياء وابتهاجاً، وأنزل الله فيه قرآناً يتلى (إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّـهِ وَالْفَتْحُ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّـهِ أَفْواجًا).
إن العرب والمسلمين كافة لو انتصروا لمظلومية غزة وفلسطين لكان لهم الفتح والنصر والظفر المبين، ولم يكن بينهم وبين العز والشرف الكبير الذي ربما عم الأرض كلها إلا نصر دينهم وإخوانهم في فلسطين (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).
العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، والخزي والهزيمة للكافرين والمنافقين، ولا نامت أعين الجبناء.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

العاشر من رمضان.. النصر الذي هزم المستحيل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

في ذلك اليوم المشهود عبّر المصريون عن معاني التضحية والفداء وسطروا بدمائهم الطاهرة ملحمة لا يزال صداها يتردد في جنبات التاريخ. كان العاشر من رمضان الموافق للسادس من أكتوبر 1973 هو اليوم الذي تبددت فيه غيوم الهزيمة التي خيمت على الأمة منذ نكسة يونيو 1967 وهو اليوم الذي شهد ميلاد أمة جديدة لا تعرف المستحيل ولا تركع للهزيمة ولا تقبل الانكسار.

لم يكن الطريق إلى هذا اليوم سهلًا ولم يكن العبور مجرد عبور للأجساد فوق مياه القناة بل كان عبورًا لإرادة أمة بأكملها من اليأس إلى الأمل.. من الانكسار إلى الانتصار. كان المصريون قبل هذا اليوم يعيشون تحت وطأة الاحتلال الصهيوني لأرض سيناء يشعرون أن أرضهم مستباحة وأن عزتهم منقوصة وأن شرفهم قد تعرض لطعنة غادرة في نكسة 1967 ولم يكن أمام الجيش المصري سوى طريق واحد طريق الثأر واستعادة الأرض وإعادة الاعتبار للعسكرية المصرية التي لم تعرف الهزيمة إلا كعثرة عابرة في طريق طويل من المجد والانتصارات.

بدأت التحضيرات لهذه الملحمة منذ أن أعلن الرئيس جمال عبد الناصر بعد النكسة أن "ما أخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة".. كانت هذه الكلمات بمثابة المبدأ الذي بنيت عليه كل الاستعدادات للحرب بعد النكسة  ولم يكن ذلك مجرد شعار سياسي بل كان قاعدة انطلقت منها عملية إعادة بناء الجيش المصري من جديد. وعهد الرئيس عبد الناصر بهذه المهمة إلى الفريق أول محمد فوزي وكذلك مهمة بناء حائط الصواريخ المصرية ضد إسرائيل والذي استُعمل بكفاءة في إيقاع خسائر جسيمة في صفوف العدو الإسرائيلي طوال حرب الاستنزاف.. فمنذ عام 1968 بدأت حرب الاستنزاف التي كانت تمهيدًا لا غنى عنه للعبور العظيم تعلم خلالها المصريون كيف يواجهون العدو ويستنزفونه وكيف يستخدمون كل مواردهم لتحقيق الهدف الأكبر وهو التحرير.

تولى الرئيس أنور السادات قيادة البلاد في لحظة تاريخية شديدة الحساسية ورغم كل التحديات التي أحاطت به لم يكن لديه خيار سوى اتخاذ القرار الذي ينتظره الجميع قرار الحرب. لم يكن السادات يتحدث كثيرًا لكنه كان يُخطط بعبقرية وهدوء رجل يعرف أن المستقبل مرهون بقدرته على اتخاذ القرار الحاسم في الوقت المناسب ومعه كانت قيادة عسكرية عظيمة يقف على رأسها المشير أحمد إسماعيل الذي تولى قيادة هيئة العمليات في الحرب والفريق سعد الدين الشاذلي الذي خطط للعبور بحرفية عسكرية أذهلت العالم.

عندما دقت ساعة الصفر في الثانية ظهرًا يوم العاشر من رمضان انطلقت الطائرات المصرية لتدك حصون العدو في سيناء وتفتح الطريق أمام الموجات الأولى من قوات المشاة التي اندفعت بقوة نحو الضفة الشرقية للقناة. لم يكن المشهد عاديًا ولم يكن مجرد معركة بين جيشين بل كان حدثًا أسطوريًا تجسدت فيه كل معاني الإصرار والإيمان والبطولة.. رجال عبروا القناة تحت نيران العدو.. رجال حملوا أرواحهم على أكفهم ودكوا أقوى خط دفاعي عرفه التاريخ الحديث خط بارليف الذي كان الصهاينة يروجون لاستحالته لم يصمد هذا الحصن سوى ساعات قليلة أمام الجسارة المصرية.. أمام إرادة رجال لم ترهبهم النار ولم يوقفهم الرصاص ولم تمنعهم التحصينات.

على الضفة الأخرى من القناة كانت دماء الشهداء تروي أرض سيناء وتمتزج برمالها لتعلن للعالم أن هذه الأرض مصرية كانت وستظل كذلك إلى الأبد.. كان مشهد الجندي المصري الذي يحمل العلم ويرفعه فوق التلال في سيناء صورة خالدة تختصر كل معاني البطولة والفداء.. كانت صيحات التكبير تهز القلوب وكانت الدموع تنهمر فرحًا وزهوًا بهذا النصر العظيم.

لم يكن هذا النصر مجرد انتصار عسكري بل كان انتصارًا سياسيًا واستراتيجيًا غير موازين القوى في المنطقة وأعاد الاعتبار للعرب بعد سنوات من الإحباط والهزائم.. كان انتصار العاشر من رمضان هو البداية الحقيقية لاستعادة الكرامة العربية لقد كان هذا اليوم بمثابة إعلان رسمي بأن الأمة العربية ليست أمة ضعيفة بل تستطيع أن تنهض من كبوتها وتستعيد مجدها متى ما توفرت الإرادة والتخطيط والإيمان بالحق.

اليوم ونحن نحتفل بهذه الذكرى الخالدة لا بد أن نتوقف أمام تضحيات الشهداء الذين رووا الأرض بدمائهم وكتبوا التاريخ ببطولاتهم لا بد أن نتذكر كل جندي ضحى من أجل أن تظل مصر حرة عزيزة، كل ضابط قاد قواته في أصعب الظروف ولم يتراجع، كل مواطن ساهم في دعم المجهود الحربي وتحمل المعاناة بصبر وإيمان.. اليوم نعيد قراءة الدروس المستفادة من هذه الحرب كيف استطاعت مصر أن تهزم المستحيل كيف استطاعت أن تبني جيشًا قادرًا على الانتصار في فترة زمنية قصيرة كيف تمكنت من توظيف كل مواردها وإمكاناتها لتحقيق الهدف الأكبر.

العاشر من رمضان سيظل يومًا خالدًا في وجدان الأمة، يوم العبور الذي لم يكن مجرد عبور للأجساد، بل كان عبورًا إلى مستقبل جديد ملؤه العزة والكرامة سيظل هذا اليوم رمزًا للإرادة المصرية التي لا تنكسر ودليلًا على أن الشعوب الحية لا تقبل الهزيمة ولا تعرف المستحيل اليوم نرفع رؤوسنا عاليًا ونردد بفخر أننا أبناء هؤلاء الأبطال أبناء العاشر من رمضان أبناء الذين عبروا وانتصروا.

مقالات مشابهة

  • السوداني يعلن قتل الإرهابي عبد الله مكي الذي يشغل منصب والي العراق وسوريا
  • الشيخ كمال الخطيب يكتب .. أنا السجّان الذي عذّبك
  • نص المحاضرة الرمضانية الـ 13 للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي 1446هـ
  • الكاتب الصحفي صلاح الدين عووضه يروي تفاصيل مثيرة .. ونجوت من الموت!!
  • «80 باكو» دراما رمضانية بتفاصيل مختلفة
  • العاشر من رمضان.. النصر الذي هزم المستحيل
  • نصر عبده: العاشر من رمضان ذكرى عظيمة.. والنصر تحقق بتلاحم الشعب مع القوات المسلحة
  • مفتي الجمهورية: تنوع مصادر الدين يضمن المرونة والتيسير على المسلمين
  • جمعية خزامى تشارك في مبادرة رمضانية لتوزيع حصص غذائية بحماة