عقد الجامع الأزهر، ملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة، الجمعة، وكان موضوع حلقة اليوم: "فلسفة المذهب الأشعري في الاستقرار الفكري والاجتماعي"، وذلك بحضور الدكتور عبد الفتاح العواري، العميد الأسبق لكلية أصول الدين عضو مجمع البحوث الإسلامية، والدكتور حبيب الله حسن، أستاذ العقيدة والفلسفة بكلية الدراسات العربية والإٍسلامية بجامعة الأزهر، وأدار الملتقى الشيخ مصطفى، مدير إدارة الشؤون الدينية بالجامع الأزهر.

في الليلة الخامسة عشر من رمضان.. الجامع الأزهر كامل العدد لأداء صلاتي العشاء والتراويحرئيس جامعة الأزهر: الدنيا دار فناء وما في أيدينا أمانة سنردها

وقال الدكتور عبدالفتاح العواري، إن الساحة الإسلامية تموج بالأفكار المتعددة، ولو كان هذا التعدد بناء ويجلب الوحدة والخير للمجتمع، ويحقق الألفة والمحبة بين أفراده لكان أمرا محمودا، لأن التعدد سنة من سنن الله في الكون، والأزهر بمنهجه الذي عرف به يؤمن بالتعددية الفكرية، والتعددية الفقهية ولا يضيره ذلك في شيء، بدليل أن كل من درس في الأزهر، درس سائر المدارس الفكرية، ودرس سائر المذاهب الفقهية، والأزهر متمثلا في أبنائه وشيوخه يقف من هذه التعددية موقف الشيخ المهيب، يوازن ويقارن ويقارع الحجة بالحجة والبرهان بالبرهان والفكر بالفكر، فإن أمكنه الجمع بين الآراء، ما ابتغى غير الجمع سبيلا، لأنه يؤمن بأن الجمع بين الأدلة إعمال لها جميعا. 

وأضاف أن هذه أسس وقواعد تفهم التعددية في إطارها وعلى ضوئها، أما غير ذلك من تعدد وتنوع يحمل التناقضات التي تجعل الشخص يرى الحق معه دونما نظر إلى الآخر، ومن ثم ينطلق مبدعا ومفسقا بل ومكفرا لمن يحمل رأيا غير رأيه، فهذا شر مستطير، وبلاء عظيم ابتليت به الأمة وامتلأت به الساحة، خاصة بعد ظهور ما يسمى بمواقع التواصل الاجتماعي، وغير ذلك من وسائل التواصل الحديثة التي ألقت بفكر وأفكار تزكم منها الأنوف، وتشمئز منها النفوس السوية.

وبين عميد كلية أصول الدين الأسبق أن منهج الأزهر الذي مضى عليه خمسة وثمانون عاما بعد الألف ارتضى فكر إمام من الأئمة المعتبرين، ذاع صيته واشتهرت علومه في القرن الرابع الهجري، هذا المنهج الذي تبناه الأزهر في العقائد والذي ارتضته الأمة في المشرق والمغرب، لأن صاحبه رجل اجتهد، حيث عاش في زمن وجد فيه تناقضا يفرق ولا يجمع، ويبدع ويفسق، وجد أهل الاعتزال يقدسون العقل ويقدمونه على النقل، ووجد أهل الجمود يقفون عند ظواهر النصوص ولا يعطون للعقل حقه من التأمل والتدبر الذي أراده الله للعقل، لأن التكاليف الشرعية ونصوصها من الكتاب والسنة إنما خاطبت العقل ليعمل ويتدبر ويتأمل، مصداقا لقوله- تعالى-: "كتاب أنزلناه إليك مبارك ليتدبروا آياته"، وقوله: "أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها"، وغير ذلك من الآيات والنصوص التي جعلت العقل له حق التأمل والتدبر، ليقوم بواجبه المنوط به، فكان هذا الإمام، الذي شاءت إرادة الله أن يعيش في كنف الاعتزال مدة من الزمن، حمل معه أدوات ساعدته على الجمع بين المعقول والمنقول، وهذا هو سر استمرارية هذا المذهب، وكان على هَدْيِهِ السواد الأعظم من أمة الإسلام.

وأوضح الدكتور عبد الفتاح العواري أن الإسلام جامع للجميع، حتى وإن اختلف الآخر معك في مبادئ الإسلام، فإياك أن تخرجه من الملة، لأن الخروج من الملة كما قرر العلماء: "لا يخرجك من الإسلام إلا جحد ما أدخلك به"، فما دمت تقول "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، فحذاري مهما اختلفت معي أن أرميك بالكفر، وقال بعضهم: "لو أن الكلمة احتملت تسعة وتسعين وجها من الكفر، واحتملت وجها واحدا من الإيمان، حملناها على الإيمان"، فكيف نستغرب أن هذا المنهج لا نقبله ولا يتبناه الأزهر ولا يرتضيه، بل الأزهر كتب الله له القبول، والأزهر شرح الله صدور علمائه منذ القدم أن يتبنوا هذا الفكر الوسطي، الذي هو وحده القادر على إنقاذ الأمة من نكباتها وهو طوق نجاة لأمة الإسلام متى تسلحت به ومتى أخذت به.

من جهته، أوضح الدكتور حبيب الله حسن أن الهدف من تناول هذا الموضوع ما هو إلا العمل على تخفيف العصبية التي كانت من وراء ويلات كثيرة في تاريخ الأمة، مزقتها وأضعفتها وأنهكتها، والله تعالى يقول في كتابه الحكيم، عقب آية القتال الذي يحتاج إلى وحدة الصف، ولا يكون جهاد على حقيقته في أمة متفرقة متشرذمة، تقدم نفسها لقمة سائغة لأعدائها، لافتا إلى أن الأزهر في الآونة الأخيرة قد كثف من نشاطه ليدخل كل بقعة وكل بيت في المعمورة، والناس يلحظون ذلك ويدركون معه كل ما حققه الأزهر الشريف من نجاح، وهو ما أوغر صدور المتعصبين تجاهه، والتعصب ليس جديدا في هذه الأمة، وخاصة التعصب باسم الدين، فكثير من الناس لا يعرفون معنى مذهب أشعري ولا مذهب معتزلي ولا غيرها، من أمور لم يكن من ورائها إلا مزيد من الفرقة والتشرذم.

واختتم أستاذ العقيدة والفلسفة بكلية الدراسات العربية والإٍسلامية أن الأمة الإسلامية منيت في تاريخها الطويل بنوعين من الانحراف، انحراف من قبيل الغلو والإفراط باسم الدين وباسم الرجوع إلى الدين وبأسماء كثيرة من هذا اللون، فالناس ليسوا في حاجة لأن يفتش بعضهم في إيمان بعض، لافتا إلى أن الأزهر معني بالبناء طوال تاريخه ولم يكن أبدا مشغول بمثل هذه النوعية من التعصب التي من شأنها أن تثير الأزمات في تاريخ الأمة الإسلامية، فعامة المسلمين لا يعنيه مثل هذا الأمر، لكن المسلم يجد الأمن الفكري والأمن الاجتماعي عندما يخاطبه الإمام أو الواعظ الأزهري، الذي ينتهج أسلوب الأمن الفكري الذي لا يحمل إثارة فتن ولا خلافات، ولا غيرها من مثل هذه الأمور.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: التعصب الديني ملتقى الأزهر المذهب الأشعري الجامع الأزهر المذاهب الدينية المزيد

إقرأ أيضاً:

مشاركة 470 طالبة في "ملتقى السرد القرآني الأول" بجنوب الباطنة

بركاء- خالد بن سالم السيابي

نظّم مركز التعليم والإرشاد النسوي بمحافظة جنوب الباطنة فعالية ملتقى السرد القرآني لمشروع النور، برعاية الدكتورة صابرة بنت سيف الحراصية باحثة شؤون إدارية بمكتب وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية. وأقيمت الفعالية بمجلس جامع علي حسن بولاية بركاء.

ويأتي هذا الملتقى تتويجًا لمسيرة مشروع "النور" الذي انطلق في عام 2021 بإشراف وتخطيط من قبل إدارة المشروع، ليكون من المشاريع القرآنية الابتكارية التي تهدف إلى تعزيز العلاقة مع كتاب الله تعالى من خلال منهجية "السرد القرآني" حيث تقوم الطالبة بسرد محفوظها كاملاً في جلسة واحدة وفق مستويات محددة مما يعكس تمكنها من الحفظ، ورسوخ الآيات، وتعزيز إتقانها لكتاب الله.

وقد شهد الملتقى تفاعلًا مميزًا وحضورًا واسعًا بمشاركة بلغت 470 طالبة، من بينهن 303 طالبات قمن بسرد أجزاء متفاوتة من كتاب الله العزيز بالإضافة إلى مستويات أخرى متفاوتة أظهرت الطالبات فيها إتقاناً ملحوظاً عبر سرد قرآني للمحفوظ ، و تخريج 19 خاتمة لكتاب الله الكريم غيباً عاكسا عمق الأثر الذي أحدثه المشروع في نفوس الطالبات، وحجم الجهود التي تبذل في ميدان التحفيظ والتعليم لكتاب الله تعالى.

وقد عبّرت إدارة الأوقاف والشؤون الدينية بمحافظة جنوب الباطنة عن اعتزازها الكبير بما تحقق من نجاحات وإنجازات مشيدةً بالمستوى الرفيع الذي قدمته الطالبات، والدور الفاعل للكوادر التدريسية والتوجيهية والإدارية التابعة لمركز التعليم والإرشاد النسوي، كما نوّهت بالدور الحيوي لأولياء الأمور في دعم مسيرة أبنائهم في هذا المشروع القرآني المبارك ، مثمنين جهود مدارس التكوين الخاصة على دعمها السخي للبرنامج، ولإدارة جامع علي حسن بولاية بركاء على دعمها الكبير واحتضانها لهذا المشروع الرائد، ولشركة محسن حيدر درويش على دعمها للمشروع والذي يُعد من المشاريع الابتكارية المعتمدة ضمن خطط الوزارة لعام 2024م، لما له من دور فاعل في تطوير أساليب التحفيظ، ورفع كفاءة التعليم القرآني وفق منهجية علمية وخطط مدروسة.

وقال الدكتور عبدالرحمن بن محمد السيابي مدير إدارة الأوقاف والشؤون الدينية بمحافظة جنوب الباطنة: "يأتي هذا البرنامج ضمن أولويات رؤية عمان 2040 أولوية التعليم والتعلم والبحث العلمي والقدرات الوطنية ضمن مستهدفات خطة الوزارة بزيادة نسبة متعلمي وحفظة القرآن الكريم حيث تسعى إدارةُ الأوقاف والشُّؤون الدِّينيَّة بمحافظة جنوب الباطنة بكوادرها الإداريَّة والدِّينيَّة لتحقيق مستهدفات خطَّة الوزارة لتعليم و تدريس البرامج الدينية الهادفة في كافة قرى ومناطق ولايات المحافظة، وهذا المشروع يعنى بتعليم وتحفيظ القرآن الكريم لكافة الفئات العمرية لفئة الإناث".





 

 

مقالات مشابهة

  • حكم قطع صلة الرحم مع الأقارب الذين يكثرون من الإساءة إلي ولأسرتي؟.. الأزهر يجيب
  • من النبي الوحيد الذي يعيش قومه بيننا حتى الآن؟ علي جمعة يكشف عنه
  • حكم الزواج بدون دفع المهر.. اعرف رأي الشرع
  • ماذا يعني هذا في اليمن ؟
  • ملتقى الأزهر: بيت المقدس أرض المحشر والمنشر وموضع البعث يوم القيامة
  • علي جمعة يكشف عن اسم الله الأعظم الذي إذا دعى به أجاب
  • مذيع بالتناصح: تنظيف بيوت الله من “المداخلة” صار واجباً شرعياً
  • مشاركة 470 طالبة في "ملتقى السرد القرآني الأول" بجنوب الباطنة
  • من هو عبد الله البلوشي الذي شكره محمد بن راشد على حسن وداعه لمسافرة
  • ما حكم من حلف بالله كذبًا على أمر فعله أنه لم يفعله؟.. الأزهر يجيب