(المحاضرة الرمضانية الرابعة عشر )

استدراك :
ستظل شخصيات الدكتور أحمد ونجليه صلاح ومُنير تتواجد في جزئية محاضرات القصص القرآنية؛ لاتساقها مع موضوع المحاضرة وعدم تشتيت انتباه القارئ.

"الدكتور أحمد أستاذ الفقه المقارن في كلية العلوم الإسلامية بجامعة الجزائر.
أما نَجَلاه صلاح ومُنير، فيدرسان في كلية الطب بالجامعة ذاتها وكذلك حازم ابن شقيقه طالب الهندسة المعمارية وكذلك الدكتور نضال زميل الدكتور احمد وهو استاذ العقائد والاديان في كلية العلوم الاسلامية بذات الجامعة "

كان الخمسة ينتظرون بدء محاضرة الليلة بكل شغف لاستكمال موضوع الهداية كنعمةٍ عظيمة، وحاجةٍ ضرورية، يحتاج إليها الإنسان، وأنها من الله، وأنها مما يربطنا بالله، وأنها ليست من غيره
لم بطل انتظارهم كثيراً فقد انطلقت المحاضرة :-

في سياق الحديث على ضوء الآيات المباركة من (سورة الشعراء)، التي تَقُصّ لنا قصة نبي الله إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، في مقامٍ عظيمٍ من مقاماته في قومه وهو يبلغ رسالة الله إليهم، ويسعى لإنقاذهم من الضلال الكبير الذي هم فيه، والذي في مقدمته: الشرك بالله، يسعى لهدايتهم، ويسعى للسير بهم في طريق الحق، في عبادة الله وحده، وفي نهج الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، يقدِّم لهم البراهين العظيمة، المقنعة، المهمة،

وقَدَّم عرضاً، قدَّمه بشكلٍ شخصي، يعني: يُعبِّر عن نفسه؛ بينما هو لكل إنسان، الحال لكل إنسان هو أنه مفتقرٌ إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" في ذلك كله، في كل ما ذكره نبي الله إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، وكان في بداية ما قال، في هذا العرض الذي يُبَيِّن ارتباط الإنسان بالله، وحاجته إلى الله: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ}[الشعراء:78]، وبدأنا بالحديث عن ذلك في محاضرة الأمس.

- ما يقدمه السيد عبدالملك اشبه بالتذكير بمحاضرة الامس وتوطئث لمحاضرة اليوم ... هكذا تحدث الدكتور نضال .

كما قلنا: الإنسان في وجوده مفتقرٌ إلى الله، هو الذي وهبك الحياة، هو الذي خلقك، هو الذي أنعم عليك بما خلق فيك ولك من أعضائك، وجوارحك، وحواسك، وطاقاتك، وقدراتك، فأنت ملكٌ لله، وهو ولي النعمة عليك، هو الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، ووهبه ما وهبه من النعم، في نفسه ابتداءً، ثم في مقدمة هذه النعم: نعمة الهداية، التي تأتي قبل كل النعم،

في مقدمة ما يحتاجه الإنسان، ومن أهم ما يحتاجه: الهداية، والله هو مصدر الهداية، الهداية وردت في القرآن الكريم في صدارة النعم- كما قلنا بالأمس- في آيات كثيرة ومقامات متعددة، ومنها هنا: في هذه القصة قدَّمها قبل الطعام، وقبل الماء والشراب: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ}[الشعراء:78-79].
حاجة الإنسان إلى الهداية من الله تعالى هي حاجةُ في كل مجالات وشؤون حياته، والإنسان لولا هداية الله له بأنواعها، بأنواع الهداية التي سنتحدث عنها، لكان في وضعٍ صعبٍ جداً، لكان أشبه ما يكون بكتلة لحمٍ حيٍ لا يدرك ماذا يفعل، ولا كيف يتصرف، ولا ماذا يعمل، أو لكان أشبه بكمبيوتر بدون أي برامج تُشَغِّله، وتبيِّن كيف يستفاد منه، لكان لا يعرف أن يتصرف في أي شيء وكيفية التصرف في أي شيء؛ لـذلك هو بحاجة إلى الهداية من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"

- تلاحظ كيف يقدم السيد عبدالملك في بداية حديثه عن الهداية باعتبارها حاجة اساسية لدى الانسان وماهيتها وكيف سيصبح حال الانسان بدونها .

لأنه من خلال هذه الهداية سيتصرف في بقية أموره. فالهداية من الله تعالى للإنسان هي واسعة، ومتنوعة:
في مقدمتها: الهداية الفطرية، بما غرزه الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" في فطرة الإنسان، الهداية الفطرية يحتاجها الإنسان منذ لحظة وجوده، من بعد مولده، قبل أي شيءٍ آخر، وكما شرحنا بالأمس عن الطفل بعد أن يولد وهو بحاجة إلى الغذاء، إلى الرضاعة، كيف يُلهمه الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أن يرضع،

في طفولته المبكرة، يُلْهِمه الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" بهدايته وما غرز في فطرته كيف يصيح؛ للتنبيه على مختلف احتياجاته وأحواله، في وقت جوعه، يعني: في وقت حاجته إلى الرضاعة يصيح، في حالة الألم، إذا شعر بالألم يصيح، في حالة الاحتياج للنظافة يصيح، في مختلف أحواله من حرٍ، أو بردٍ... أو غير ذلك .
الهداية الفطرية، بما غرزه الله في الفطرة، هي تشمل مع الإنسان أيضاً الكائنات الحية، والحيوانات الأخرى، وبحسب دورها ومهامها في الحياة؛ ولـذلك يقول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى": {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى}[الأعلى:2-3]، مع التقدير والخلق الهداية وفق ذلك التقدير، الهداية للكائنات الحية والحيوانات، في سبل معيشتها، وأسباب بقائها، وفي إطار مهامها المرسومة لها في هذه الحياة، {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)}[طه:50]، فهي أساسيةٌ في حياة البشر من جهة، وحياة بقية الكائنات الحية، التي تهتدي لذلك، بما هو مقدرٌ لها من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".

ولـذلك في الدراسات والأبحاث المعاصرة، التي تعتمد على أجهزة للرصد، والتصوير الدقيق، والرقابة الطويلة، لأنواع من الحيوانات والكائنات؛ تظهر العجائب، التي تبيِّن كم ألهمها الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أن تتصرف بدقة ووفق نظام معيَّن، مثلاً: فيما يتعلق بعالم الطيور، هناك دراسات وأبحاث، البعض منها أيضاً يعتمد على التوثيق بالفيديو، ومنتجٌ الكثير منه، كذلك عن عالم النمل، عن عالم النحل، عن عالم الأسماك، فتظهر العجائب الكثيرة جداً، التي تُبيِّن أنها تتصرف بهداية فطرية، فطرها الله عليها، وألهمها الله بها، فتتصرف بدقة، ووفق نظام معيَّن، وتسعى في سُبل معيشتها وأسباب بقائها، وفي إطار مهامها المرسومة لها في الحياة بشكلٍ عجيب؛ ولـذلك يقول الله عن النحل: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[النحل:68-69]، فالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" يبيَّن أنه أوحى إليها، هذا الوحي هو هذا الإلهام، فيما غرزه الله في فطرتها، هذه الهداية الفطرية، التي منحها الله إياها، وهي تنتج العسل ببراعة فائقة جداً، وهكذا بقيت الحيوانات. بل إن في فطرتها- بالنسبة للكائنات الحية والحيوانات- في فطرتها، وإدراكها في هذه الهداية الفطرية، ما هو أوسع من ذلك، لها مستوى معين من الإدراك، وفي إطار أدوارها ومهامها.

- قدم السيد عبدالملك الهداية الفطرية كاحد انواع الهداية واسهب في الحديث عنها
ولـذلك يقول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى": {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[النحل:78

ومع ذلك أيضاً، جعل الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وبموازاة ذلك، معالم هداية للإنسان يهتدي بها، ويعرف من خلالها، بما يساعده على المعرفة اللازمة لحركة حياته، وفي حركة حياته؛ ولـذلك يأتي عنوان الهداية نفسه في القرآن الكريم مع التذكير بنعم الله في تلك المعالم نفسها، من مثل قول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى": {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}[النحل:15-16]، ويقول الله تعالى: {أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}[النمل:63]، فالهداية واسعة للإنسان، في سُبُلِ معيشته، وأسباب بقائه، في جلب المنافع، في دفع المضار، في حركته الواسعة في الحياة، هدايةٌ في داخل الإنسان، هدايةٌ أيضاً في محيطه في الحياة، في معالم واضحة، وهداية إرشادية، هداية بكتب الله، برسله، بأنبيائه، بالهداية التي تمتد من بعدهم على ضوء الوراثة لكتبه من الهداة من عباده.

- لم استمع في حياتي تقديم بمعنى الهداية كالذي يقدمه السيد عبدالملك في محاضرة الليلة ... هكذا تحدث صلاح .

ولـذلك هناك في داخل الإنسان الهداية الفطرية، ومعها- كما قلنا- ما وهب الله الإنسان من وسائل للإدراك، والتمييز، والتعقُّل، التي تساعده أيضاً على الاستيعاب، وفي نفس الوقت في نفس الهداية الفطرية أُسسٌ وبديهيات ومفاهيم ضرورية، الإنسان يعتمد عليها، كمعلومات ضرورية، مما هو معلومٌ ضرورة لدى الإنسان، ثم تبنى عليها الكثير من التفاصيل المعرفية في حياة الناس، وهذه مسألة مهمة، لها دورٌ كبيرٌ في حياة الإنسان؛ لأنها مشتركةٌ بين البشر، معلومةٌ بالضرورة لهم، بديهياتٌ بالنسبة لهم؛ وبالتـالي لا يمكن إنكارها، إلَّا ويخرج الإنسان عن نطاق العقلاء، ويعتَبر في حالة مكابرة، أو كما يقولون: سفسطة أو عبث.
فيما فطره الله في الإنسان في الهداية الفطرية نفسها، أسس يحتاج إليها أيضاً في الهداية الإرشادية، فالهداية الإرشادية هي تأتي منسجمةً تماماً مع ما قد فطر الله الإنسان عليه، في مقدِّمة ذلك:

الإقرار بربوبية الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، هذا أمرٌ فطري، أنَّ الإنسان عبدٌ لله، وأنَّ الله هو ربه، ورب العالمين، ورب السماوات والأرض، والخالق لكل شيء، هذه مسألة فطرية في الإنسان، غرزها الله في فطرة الإنسان.

ثم تأتي الهداية الإرشادية لتوسِّع معارف الإنسان، ليعرف الله أكثر، ليستفيد من التأمل في مظاهر قدرة الله ورحمته مما يزيده معرفةً.
كذلك مغروز في فطرة الإنسان في الهداية الفطرية، الأسس والمفاهيم الأخلاقية، والفضائل كذلك.

- يعدد لنا السيد عبدالملك اسس الهداية الفطرية ... هكذا تحدث الدكتور احمد .

في مسألة الفضائل، في مسألة مكارم الأخلاق، في مسألة المفاهيم الأخلاقية، يقول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى": {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}[الشمس:8]، النفس البشرية ملهمة، جزءٌ من هذا الإلهام هو بالهداية الفطرية؛ ولذلك العناوين التي تعبِّر عن الفضائل وعن الأخلاق: عنوان الحق، عنوان الهدى، عنوان العدل، عنوان الصدق، عنوان الإحسان، عنوان الشرف، عنوان العفة، عنوان الوفاء، عنوان الرحمة، عنوان الكرم... وبقية العناوين التي تعبِّر عن مكارم الأخلاق، تعبِّر عن الفضائل، هي عناوين معترفٌ بها عند كلِّ البشر، عند كل البشر، وإن اختلفوا في التفاصيل، لكن من حيث المبدأ هم يعترفون بها، ويعترفون بأنها فضائل، وبأنها صفة كمال للإنسان الذي يتَّصف بها، يثنى عليه بها، يمدح بها، ويتَّفقون أيضاً من حيث المبدأ فيما يتعلَّق بنقائضها أنها سيئة، وأنها تعبِّر عن نقص في من يتصف بها... وغير ذلك.
فمثلاً: الكذب، الكذب مذموم عند كل البشر، لا يعتبر من الفضائل، ونقيصة معروفة عند كل البشر، يذمُّ من يتَّصف به. كذلك الظلم، الرذيلة... مختلف أنواع الجرائم، السرقة مثلاً، فالبشر متَّفقون على هذا، من أين جاء هذا الاتفاق بين البشر؟ لأن الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" بهدايته لهم في فطرتهم، فيما غرزه في فطرتهم، ألهمهم ذلك، وإن اختلفوا في التفاصيل، أو حاول بعضهم في سياق العصيان، أن يقلب الحقائق تجاه هذه العناوين، أن يطلق على ظلمه عدلاً، أو يطلق على أكاذيبه صدقاً... أو غير ذلك، هو من التوظيف والاستغلال الباطل المتعمد، ليس لأن هناك اشتباه فيما تطلق عليه هذه العناوين، لا، المسألة واضحة عند البشر جميعاً في حقيقة الصدق، في حقيقة الكذب، في حقيقة الباطل، في الحق، في العدل، الظلم... إلى آخره، المسألة واضحة.
تحدث السيد عبدالملك عن العناوين التي تعبر عن القيم والفضيلة ونقائضها .

مثلاً: عنوان الهدى، عنوان معظَّم عند البشر، وعنوان الضلال، عنوان سيء عند البشر؛ ولهذا مثلاً حتى أنَّ أهل الضلال بأنفسهم، يحاولون أن يقدِّموا عنوان الهدى أمام الآخرين، فرعون بنفسه قال لقومه: {وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}[غافر:29]، لماذا؟ لأنه يعرف أن الفطرة البشرية تنجذب إلى عنوان الهدى، وترى أنَّ الطريق الصحيح، والموقف الصحيح، هو الذي يعبَّر عنه بالهدى، فهو يحاول أن يستغل هذا العنوان لخداعهم، وليس لأن هناك اشتباه فيما ينطبق عليه هذا العنوان؛ إنما للخداع... وهكذا هو الحال بالنسبة لعنوان الباطل والضلال، أنها عنوان سيئة، نقيضة لعنوان الهدى، لعنوان الحق، ومذمومٌ من يسير عليها، من يتَّبعها، هذه أمور فطرية، لكن من أين؟ من هداية الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، بما غرزه الله في فطرة البشر.
الهداية الفطرية تتعرض في واقع الناس لكثيرٍ من المؤثرات السلبية، فيتنكَّر الإنسان لها، حتى فيما يتعلَّق بالوازع الذي يسميه الناس بـ (الضمير)، أنَّ الإنسان في فطرته ليس فقط يعرف، بل ينسجم، يعظِّم، يشعر في نفسه أنَّ الهدى، أنَّ الحق، أن مكارم الأخلاق هي الشرف، هي شيءٌ عظيم، يقدِّسه، ينجذب إليه، يحس في نفسه بتعظيمه، وأنَّ المذام، ومساوئ الأخلاق، والجرائم، والمفاسد، هي أشياء سيئة، ينفر منها، يخجل منها، يعتبرها مسيئة إلى كرامته، إلى شرفه وغير ذلك، يعني: حتى المشاعر، معرفة مع مشاعر، هذا هو أيضاً يعود إلى ماذا؟ إلى الهداية الإلهية، لكن الإنسان عندما يتمادى في طريق الباطل والضلال؛ تفسد نفسيته، يتغير على مستوى المشاعر ابتداءً، حتى لو بقي له معرفة يميز بها بين أنَّ ذلك حسن، أو ذلك قبيح، لكن استساغت المفاسد، الرذائل، هذه حالة فسدت فيها نفسية الإنسان، ومن خلال ممارساته السيئة في الحياة، وتماديه في الأشياء السيئة؛ تفسد نفسيته، فيبدأ ضميره الإنسان بالتأثر، بالتراجع... وهكذا هو الحال بالنسبة لابتعاده عن القيم العظيمة، يبدأ يتأثر كذلك، ولذلك الإنسان من حيث الجانب التربوي لتزكية النفس، ولتنمية مكارم الأخلاق في نفسه، التي هي فطرية، يحتاج إلى الهدى .

- يواصل السيد عبدالملك مقارنة مقاصد الهداية بطريقة تربوية .. هكذا تحدث الدكتور نضال .

والإنسان في هذه الحياة هو مرتبطٌ بالله، لا يمكن أن ينفصل وأن يبتعد عن الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ثم تكون المسألة عادية، وخلاص له خياره في ذلك وانتهى الأمر، أنت كإنسان عبدٌ لله، في أرض الله، في جزءٍ من مملكة الله الواسعة، هذا العالم بكله هو مملكة الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، فالله رب العالمين، وملك السماوات والأرض؛ ولذلك أنت عبده، أنت في مملكته، هذه الأرض هي حيزٌ صغيرٌ جداً لكن في مملكة الله الواسعة، فالله هو الذي أتى بك إلى الوجود، ووهبك الحياة، ووهبك ما وهبك من طاقات وقدرات، وسخَّر لك ما سخَّر لك ومكَّنك فيه كإنسان، كمجتمع بشري فيما مكَّنهم فيه على هذه الأرض، في إطار دورٍ تقوم به، لا يخرج عن نطاق العبودية لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، أنت عبدٌ لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، فأنت في إطار مسؤولية في هذه الحياة، لست عبثاً، ولم تأتِ في هذا الوجود لمجرد أن تتيه كيفما أردت.
الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" يقول: {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ}[الجاثية:22]، فالإنسان بما وهبه الله في نفسه من: طاقات، وقدرات، ومدارك، وبما سخَّر له في السماوات والأرض، عليه مسؤولية كبيرة، وما وهبه الله هي أمانة كبرى، في كيفية التصرف معها،

والله رسم لك في مسيرة حياتك أقوم طريقة لتعيش فيها أحسن حياة؛ لأن الإنسان إذا اتَّجه الاتجاه الخاطئ، وانحرف عن دوره في هذه الحياة، يترتب على ذلك أضرار ومفاسد كبيرة جداً، فالإنسان في مقام مسؤولية أمام الله؛ ولهذا يعبِّر القرآن عن حجم هذه المسؤولية بقول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى": {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}[الأحزاب:72]، الإنسان إذا اتَّجه الاتجاه الخاطئ في هذه الحياة، في مقابل ما وهبه الله من طاقات، وقدرات، ومدارك، ، وعظيم ما سخَّر له من النعم، إذا اتَّجه الاتجاه الخاطئ يترتب على ذلك مفاسد كبيرة، مظالم كبيرة، أعمال الإنسان في دائرة الخير والشر ذات تأثير كبير في الحياة، ليس كغيره من الحيوانات ذات الدور المحدود، التي حتى لو حصل منها شيءٌ ما، يكون تأثيره محدوداً، الله يقول: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}[الروم:41]، ولذلك الأهمية دور الإنسان، وحجم ...
مسؤوليته، ارتبط بذلك جزاء كبير، جزاء عظيم، جزاء على الخير: ما وعد الله به من رضوانه وجنته، النعيم العظيم الأبدي الخالص، وجزاء رهيب جداً: غضب الله وسخطه، والعذاب في النار للأبد، لمن ينحرف عن نهج الله ورسالة الله، ويتَّجه في اتجاه الشر، عِظَم الجزاء وكبره يدل على حجم هذه المسؤولية للإنسان في هذه الحياة؛ ولذلك هو بحاجة إلى هدى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وإلى تعليمات من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وهداية من الله "جَلَّ شَأنُهُ"؛ لأن انحرافه خطير جداً عليه، على حياته، ويترتب عليه مفاسد كبير جداً، وعواقب خطيرة جداً.
فلذلك نأتي إلى الحديث عن الهداية الإرشادية والتشريعية من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، نستكملها- إن شاء الله- في محاضرة الغد.

- انتهت المحاضرة وجميعهم يبتسمون بكل امتنان لطرح السيد عبدالملك ومتلهفين لمحاضرة الغد بإذن الله .

المصدر: ٢٦ سبتمبر نت

كلمات دلالية: السید عبدالملک مکارم الأخلاق فی هذه الحیاة الإنسان فی فی الحیاة یقول الله هکذا تحدث س ب ح ان ه ت ع ال ى فی نفسه من الله الله فی الله ال هو الذی فی إطار ى الله عند کل لله فی التی ت ه الله الذی ی

إقرأ أيضاً:

(نص + فيديو) المحاضرة الرمضانية الثانية عشرة للسيد القائد 1446هـ

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.

أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:

السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

نتحدث في البدايـــة، عن إعلان قواتنا المسلحة اليمنية، لقرار حظر ملاحة السفن الإسرائيلية، عبر البحر الأحمر، وباب المندب، وخليج عدن، والبحر العربي، حتى يتم إدخال المساعدات إلى قطاع غزَّة، وهذا القرار قد دخل حيِّز التنفيذ، حيث سيتم استهداف أي سفينة إسرائيلية تَعْبُر في منطقة العمليات المعلنة، وهذا هو خطوةٌ عمليةٌ، وموقفٌ ضروري، في مقابل الخطوة العدوانية التصعيدية، التي أقدم عليها العدو الإسرائيلي، ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة.

ما قام به العدو الإسرائيلي، من منع دخول المساعدات إلى الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، وأيضاً من إغلاق المعابر، ومنع دخول أي مواد غذائية في إطار حركة التُّجَّار، وبأي شكلٍ من الأشكالٍ، يعني: الإقفال الكامل، والحصار التام، هو يهدف إلى التجويع للشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، إلى التجويع لمليوني فلسطيني في قطاع غزَّة، وهذه جريمةٌ كبرى، توصَّف بكل أوصاف الجرائم الكبرى: هي جريمة حرب، هي جريمة ضد الإنسانية، هي خطوةٌ تصعيديةٌ كبيرة، ليست مجرد إجراء عادي يمكن التغاضي عنه، أو التجاهل له.

ولـذلك يعتبر الصمت والجمود في الحالة العربية، ومن قبل الأنظمة العربية، وفي العالم الإسلامي، تجاه هذه الخطوة التصعيدية، التي تهدف إلى تجويع الشعب الفلسطيني، وهذا سعيٌ لإبادته، أو فرض التهجير القسري عليه، يعتبر الجمود القائم تجاه هذه الخطوة التصعيدية ذنباً من قبل العرب والمسلمين بشكلٍ عام، وخطيئةً كبيرة، وتنصلاً عن مسؤوليةٍ كبرى على هذه الأمة، في أن تقف مع الشعب الفلسطيني، الذي هو شعبٌ مظلومٌ، جزءٌ من هذه الأمة.

ومن الواضح أن الأنظمة العربية، مهما أقدم عليه العدو الإسرائيلي من خطوات عدوانية، وتصعيدية، وظالمة، وإجرامية، فسقف موقفها واضحٌ للعدو الإسرائيلي ومعه الأمريكي؛ لأن الأمريكي هو شريكه في كل ما يقوم به من جرائم، السقف للموقف العربي، ومن خلفه الموقف الإسلامي في أغلبه، هو: إصدار بيانات- حتى في صياغتها- يراعون فيها ألَّا تكون شديدة اللهجة، وتتضمن تلك البيانات في العادة التعبير عن أُمْنِيَّات، وعن دعوات، وعن مطالبات من الآخرين.

وهذا ليس هو الموقف الصحيح لأمة- أمة الملياري مسلم- ليس هو الموقف الصحيح لأمة لديها كل هذه القدرات والإمكانات، بلدان بأكملها، هو موقف قد يستحسن لمدرسة ابتدائية، أو لجمعية خيرية، أو لمؤسسة ثقافية؛ أمَّا لدول، لبلدان، لأمة، فليس هو الموقف الصحيح أبداً، ولا يرقى إطلاقاً إلى مستوى المسؤولية الإنسانية، والدينية، والأخلاقية، على هذه الأمة، تجاه هذه القضية، وتجاه مظلومية شعبٍ هو جزءٌ منها، هي معنيةٌ به.

فالعدو الإسرائيلي يُقْدم على ما يُقْدم عليه، من خطوات عدوانية، إجرامية، ظالمة، بدعمٍ أمريكي، وتخاذلٍ عربيٍ إسلامي، هناك عاملان مشجعان أساسيان: دعم أمريكي وشراكة أمريكية، وطاقم العمل في الإدارة الجديدة لـ[ترامب]، هم أكثر صهيونيةً، ووقاحةً، وجرأةً، في وضوح عدائهم الشديد للشعب الفلسطيني، وللمسلمين عموماً، ولهذه الأمة، وفي حرصهم على أن يكونوا متميزين بخطوات أكثر عدوانية مما قدمته إدارة [بايدن] قبلهم، وهذا شيءٌ واضحٌ، وحتى في تصريحاتهم، وعباراتهم، وقراراتهم، ومواقفهم؛ فالعدو الإسرائيلي يعتبر أن الظروف مهيأة، في إطار التخاذل العربي، والدعم الأمريكي المفتوح بخطوات كبيرة؛ ولذلك هو يتشجع على الإقدام على هذه الخطوات العدوانية.

ولكن في الساحة العربية، هذه الحالة من التخاذل، وهي مؤثِّرة حتى على الموقف في بقية البلدان الإسلامية، أنا كثيراً ما كررت التأكيد على هذه الحقيقة: أن التخاذل العربي مؤثِّر على التخاذل من كثيرٍ من البلدان الإسلامية، وإلَّا لكانت في مواقفها أقوى مما هي عليه، لكنها تصطدم بالموقف العربي؛ لأن الأنظمة العربية الكبرى، التي وصل بها الحال إلى أن تكون متواطئةً مع الأمريكي والإسرائيلي، تلعب في الساحة العربية والإسلامية لُعبة احتواء الموقف، وتوجيهه؛ ليبقى دائماً تحت ذلك السقف الذي قلناه: سقف البيانات فقط لا غير، ومنع أي خطوات عملية جادّة، تخدم الموقف الفلسطيني وتسانده بالفعل.

وهذا شيءٌ واضح، هذا شيءٌ واضح، تُعقد القمم، وتخرج دائماً ببيانات فيها- كما قلنا- صياغة ليست شديدة اللهجة، مخففة حتى في اللهجة والتعبير، ثم لا تكون مرفقةً ولا مرتبطة بأي خطوات عملية مهما كانت بسيطة، لا على المستوى السياسي، ولا على المستوى المقاطعة الدبلوماسية، ولا على المستوى الاقتصادي... ولا بأي شكلٍ من الأشكال، ولا في أن تكون إيجابية أكثر تجاه الشعب الفلسطيني، تجاه مجاهدي فلسطين، لم تتغير المواقف السلبية تجاه إخوتنا المجاهدين في فلسطين من الأنظمة العربية، لم تُغَيِّر لوائحها في تصنيفهم بالإرهاب.

بل أسوأ من كل ذلك، أن ما أعلنه البنك الدولي، عن قيام بعض الأنظمة العربية بفتح مسارٍ بريٍ، للالتفاف على الحصار اليمني ضد العدو الإسرائيلي، وفتح مسار يتم عبره نقل البضائع الإسرائيلية إلى الإسرائيليين من البر، هذا أعلن عنه البنك الدولي، وتحدث بشكلٍ صريح، وتحديد واضح لأنظمة عربية، وتحدث عن هذا المسار: كيف يتم، ومن أين إلى أين، وعن حجم نشاطه. هل ستجيب تلك الأنظمة على ما أعلنه البنك الدولي؟ هل ستنكر؟ هل ستنفي؟ هل سَتُقدِّم الشواهد على بطلان دعواه؟ أم أنها- فعلاً- هي متورطةٌ في ذلك؟ وهذا هو الأقرب إلى الحقيقة.

في المراحل الماضية، وفي مرحلة العدوان الشامل على قطاع غزَّة من قبل العدو الإسرائيلي، كانت تنشر حتى فيديوهات، للشاحنات والقاطرات المحملة بالبضائع، التي ينقلها العرب إلى العدو الإسرائيلي، ويتفرجون على الشعب الفلسطيني يتضوّر جوعاً.

فنحن أمام واقعٍ واضح، في هذه الساحة العربية والإسلامية، أن العدو الإسرائيلي مهما أقدم عليه من خطوات عدوانية تصعيدية، لو اتَّخذ قراراً بإبادة كل الشعب الفلسطيني، لما تجاوز الموقف العربي ذلك السقف: إصدار بيانات، وتتضمن بعض الأُمْنِيَّات، وبعض الدعوات للآخرين، أن يحاولوا أن يقنعوا الإسرائيلي ليكف عن ذلك؛ لو قَرَّر العدو الإسرائيلي هدم المسجد الأقصى، لكان الموقف الرسمي العربي بذلك السقف؛ لو اتَّخذ العدو الإسرائيلي قراراً بتهجير الشعب الفلسطيني بالكامل، وطرده من فلسطين، لكان السقف نفسه (السقف العربي) هو ذلك السقف: بيانات تُنَدِّد، تشجب، تطالب، تتمنى، تأسف!

هذه مسألة خطيرة جدًّا، تُشَجِّع العدو الإسرائيلي في مساره التصعيدي، الذي هو مسار متدرِّج، ولكنه ضمن برنامج واضح، واضح ما هي خواتيمه، ما هي غاياته، ما هي أهدافه، ماذا يريد أن يصل إليه.

ولـذلك ينبغي أولاً لشعوب أُمَّتنا، وللأحرار من أُمَّتنا، أن يدركوا أنه لا يجوز إطلاقاً ربط مواقفهم بمستوى ذلك السقف، الذي لدى الأنظمة العربية، لا يجوز إطلاقاً؛ لأنه سقف يعبِّر عن حالة التخاذل، والتنصل عن المسؤولية، ولأنه تماهٍ مع من؟ مع المتواطئين مع الأمريكي والإسرائيلي، الذين يعملون دائماً وفق الموجهات الأمريكية، والأولويات الأمريكية.

كان الموقف في مسألة ألَّا يعطوا هم أراضي لتهجير الشعب الفلسطيني إليها، وامتناعهم عن ذلك، هذا موقفٌ جيد، لكنه-فعلاً- في مستوى متدنٍ جدًّا، مقارنةً بما يجب عليهم أن يعملوا، يعني: هم يدركون أن هذه الخطوة لو أقدموا عليها ستكون خطوة عدوانية، ليست فقط أن يدعموا الإسرائيلي بشكلٍ مباشر بالدعم الاقتصادي، والسياسي، والتشجيع، والتحريض، وليست فقط في مستوى احتواء مواقف الأُمَّة، حتى لا يكون هناك تحرُّك جادّ لنصرة الشعب الفلسطيني وإسناده، لكن كانت سَتُمَثِّل- بنفسها- اعتداءً حقيقياً على الشعب الفلسطيني؛ لأنها ستكون هي الخطوة الأساسية في التهجير للشعب الفلسطيني، ومعنى ذلك: أن يكونوا هم- بأنفسهم- من ارتكبوا تلك الجريمة ضد الشعب الفلسطيني، لتهجيره من فلسطين إلى أراضٍ يحدِّدونها هم، ويقدِّمونها هم، يعني: لتحولوا إلى معتدين بشكلٍ مباشر على الشعب الفلسطيني، وليس فقط متخاذلين، متآمرين، متواطئين مع العدو، فهم امتنعوا عن هذا المقدار؛ لكن الخطوات التي يقوم بها العدو الإسرائيلي يجب أن يكون في مقابلها خطوات عملية.

ولـذلك عندما اتَّجهنا في بلدنا، في يمن الإيمان والحكمة، يمن الجهاد، لإعلان خطوة عملية وموقف عملي، هي: قرار حظر ملاحة السفن الإسرائيلية، عبر البحر الأحمر، وباب المندب، وخليج عدن، والبحر العربي، من واقع إدراكنا- ومن واقع واضح للناس جميعاً- أنه لابدّ من خطوات عملية، التَّعنُّت الإسرائيلي، والصلف الإسرائيلي، والوحشية التي يُبديها العدو الإسرائيلي، والدعم الأمريكي، والتشجيع الأمريكي، يجعل العدو الإسرائيلي يُقْدِم على خطوات عدوانية كبيرة، لا يمكن أن يتوقف عنها إلَّا بالردع، إلَّا بخطوات قوية، إلَّا بمواقف عملية.

ولهذا نؤكِّد أن هذا ليس هو سقف موقفنا؛ إنما هو الخطوة الأولى في موقفنا؛ ولـذلك إذا استمر العدو الإسرائيلي في تجويع الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، ولم يَكُفّ عمَّا يقوم به الآن من منع دخول المساعدات، ومن منع دخول البضائع إلى قطاع غزَّة، نحن سنتَّجه أيضاً إلى خطوات تصعيدية أخرى، وسقفنا عالٍ، والخيارات كلها مطروحةٌ على الطاولة كما يقولون، مطروحة في الخيارات العملية، وهذا ما نريد أن نؤكِّد عليه.

ونؤكِّد أيضاً على أهمية هذه المواقف، وضرورة المواقف العملية؛ لأن الواقع بالنسبة للأنظمة العربية أنهم:

إمَّا- مع تخاذلهم- إمَّا أنهم يعادون من يتَّخذ مواقف عملية جادَّة، في مقابل الخطوات التصعيدية، العدوانية، الإجرامية، من قِبَل العدو الإسرائيلي، وهذا يحصل، هناك من الأنظمة العربية من يعادينا أشد العداء، لماذا؟ لأننا نقف مثل هذه المواقف المساندة للشعب الفلسطيني، والمواقف التحررية، التي لا نقبل فيها بالخنوع لأمريكا مع الخانعين والخاضعين. وإمَّا أنهم يلومونه، يوجهون إليه اللوم، والبعض من الأنظمة العربية، حتى المتعاطفة معنا، ترى في موقفنا هذا حماقة، وترى فيه تهوراً، وترى فيه تصرفاً غير مناسب، والكثير يوجّه إلينا اللوم.

لكننا ندرك أننا في هذه المرحلة التاريخية المهمة، في العصر الذي يكثر فيه اللوم لمن يقف موقف الحق، يكثر فيه اللائمون، يلومونه، ينتقدونه بكل أشكال اللوم: من يُصَنِّف موقفه بأنه موقف لا ينسجم مع المصالح العامة، والمكاسب السياسية، والمصالح الاقتصادية، ومنهم من يُصنِّف باعتبارات أخرى، ومنهم من يشكك... كما قلنا: العدو الإسرائيلي له نفير واسع، وأصوات كُثر تقف معه.

بينما يجب أن يتوجَّه كل اللوم، كل الاحتجاج، كل الانتقاد، كل الضغط، على العدو الإسرائيلي؛ لأنه يريد أن يُجَوِّع الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، يريد أن يمارس أسلوب الإبادة بالتجويع، فهو الذي كان ينبغي للجميع أن يتوجَّهوا إليه باللوم، والانتقاد، والاحتجاج، والحملات الإعلامية، والهجوم بكل أشكاله، والضغط السياسي، وكان من واجب الجميع أن يساندوا أي موقفٍ داعمٍ للشعب الفلسطيني، حينما يكون موقفاً فعلياً، عملياً، يُمثِّل خطوةً عمليةً ضاغطةً على العدو الإسرائيلي، ولكن الاعوجاج الكبير في واقع الأمة، هو بالشكل الذي دائماً يوجّه اللوم ضد الموقف الحق، ويسكت، ويتجاهل، ويتغاضى عن الموقف الباطل، عن الموقف الظالم.

أمريكا تقف مع العدو الإسرائيلي بشراكة تامة في كل خطواته التصعيدية والعدوانية، وتشارك حتى في التهديد والوعيد للشعب الفلسطيني، والغرب كذلك علاقته، دعمه، مساندته للعدو الإسرائيلي واضح، في المقابل ما هو الموقف العربي العملي؟ ما هي الخطوات الفعلية؟

تأتي الحقائق لتفضح تواطؤ كبار الأنظمة العربية، بتعاونها الفعلي مع العدو الإسرائيلي، تُعطي للفلسطينيين بيان في ورقة مكتوب، ليس وراءه أي خطوات عملية، وتفتح مساراتٍ برية للدعم الاقتصادي للعدو الإسرائيلي، وتُحَرِّض في السر العدو الإسرائيلي على خطواته العدوانية ضد الشعب الفلسطيني، هذا هو الشيء المؤسف!

عندما نتأمل- مثلاً- هذه الأيام ما تفعله أوروبا، الدول الأوروبية والأنظمة الأوروبية، مع أوكرانيا، تفعل معها كل شيء، تُقدِّم لها الدعم المالي بالمليارات، تُعلن عن ذلك، مليارات الدولارات دعماً لها ليس فقط في الشق الإنساني، أو في الشق الاقتصادي، بل حتى عسكرياً، وتُقَدِّم لها مع المال السلاح بكل أنواعه، وتُقدِّم لها الدعم السياسي، وتقاطع روسيا اقتصادياً، سياسياً، تتَّخذ قرارات بالعقوبات ضدها، تشتغل شغل واضح، يعني: ما تشتغله أي أُمَّة لديها توجُّه جادّ وصادق لدعم قضية مهمة، مع أن الفارق الكبير جدًّا ما بين قضية أوكرانيا وقضية فلسطين:

أوكرانيا، ورَّطها الغرب لتدخل في مشكلة مع روسيا؛ خدمةً للغرب. أمَّا القضية الفلسطينية، فهي قضية حق واضح، ومظلومية بيِّنة.

ومع ذلك لتتضح الحالة بالنسبة للعرب، ومن خلفهم البلدان الإسلامية التي تأثَّرت بموقفهم في أغلبها، فليقارن أي متابع عربي بين ما يفعله الأوروبيون مع أوكرانيا، وما يفعله العرب مع فلسطين؛ نجد الفارق الكبير جدًّا، نجد- فعلاً- أن الحالة العربية هي حالة تخاذل في معظمها، وتواطؤ في بعضها، وتعاون مع العدو الإسرائيلي في بعضها، واحتواء للمواقف.

 ومع ذلك اتَّجه بعض العرب الآن- مشغولون جدًّا- اتَّجهوا للاهتمام بأوكرانيا، كذلك يعني مشغولين مع الغرب، ليسوا فاضيين للانشغال بالقضية الفلسطينية، والهموم العربية، وهموم أُمَّتنا الإسلامية، هم لديهم انشغال هناك بعيد؛ لأنهم أصبحوا عباقرة، اهتماماتهم هناك بعيدة، هذه من الحالة الغريبة جدًّا في الساحة العربية والواقع العربي!

عموماً، نحن نؤكِّد على أن هذه الخطوة، التي أعلنتها قواتنا المسلحة، هي الخطوة الأولى، وأن سقفنا عالٍ جدًّا، وأن كل الخيارات مطروحة في الاستعداد العملي للتنفيذ، إن لم يتوقف العدو الإسرائيلي عن الحصار للشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، والتجويع له، ومنع المساعدات من الدخول إلى القطاع، ومنع حركة البضائع.

نعـــود إلى درسنـــا.

وكُنَّا بالأمس تحدثنـا أولاً: عن ما كان قد تحقق لنبي الله إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَامُ" في مقامه الأول بين قومه، وأنه عرض لهم من البراهين ما تصل بهم إلى الحقيقة، في مبدأ التوحيد لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، والإيمان به، وإبطال الشرك ونسفه، وترسيخ مبدأ الكمال المطلق، الذي ليس إلِّا لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وأنهم بُهِتُوا تجاه ما عرض عليهم من البراهين؛ لأنه ليس لهم أي حُجَّة لإبطالها، في مقابل أنه أتى هو بالحُجَّة النَّيِّرة، المفحمة، المقنعة، والتي لم يكن لهم في مقابلها أي مستند للتشبُّث بما هم عليه من الباطل.

لكن لشدة ما قد أدمنوا عليه من العبادة للأصنام، وارتباطهم بها، وتَرَسُّخ هذا الباطل في نفوسهم، وتجذره في واقعهم الاجتماعي؛ لممارستهم له على مدى أجيال، كان لابدَّ من مقامات أخرى، فاتَّجه أيضاً لمقامٍ آخر، وبدأنا في الحديث عن المقام الآخر، وكيف دعاهم بشكلٍ جماعي في تجمعٍ لهم في هذا المقام- كذلك- إلى عبادة الله، ولكن بدأ أسلوبه معهم مستخدماً طريقة الأسئلة، والاستنطاق للحقيقة، والإلجاء لهم إلى الاعتراف بالحقيقة.

ثم في إطار هذه الأسئلة التي وجهها لهم، كذلك كان يصل بهم إلى الاعتراف الضمني بعجز تلك الأصنام بشكلٍ تام: أنَّها لا تملك لا ضراً، ولا نفعاً، ولا قُدرةً، ولا حياةً، أنَّها حتى لا تسمعهم حينما يدعونها، وهم يتوجَّهون إليها بالعبادة، وأنَّهم استندوا فقط- في ما استندوا إليه هم- إلى أنَّهم ورثوا هذا المعتقد الباطل من آبائهم: {قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}[الشعراء:74].

تحدثنا أيضاً بالأمس، على أن الاستناد إلى ما عليه الآباء والأجداد ليس بمفرده حُجَّة، لا يمكن أن يكون هو لوحده حُجَّة، ولا برهاناً، ولا دليلاً؛ إنما المعتبر الحق- يعني- إن كان الآباء والأجداد على الحق، ويتَّبعون رموز الهدى، فحينئذٍ يمكن الانتماء، والاعتزاز بالانتماء إلى ما هم عليه، وما كانوا عليه؛ أمَّا إن كانوا على غير طريق الهدى، ولم يكونوا مرتبطين برموز الهداية، فلا يمكن الاستناد إلى ما كانوا عليه، وذكرنا في سياق الفارق أمثلة:

مثلاً: في قصة نبي الله يوسف "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، حينما ذكر الله عنه أنه قال: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ}[يوسف:38]. وكذلك في قول الله تعالى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ}[الحج:78].

هؤلاء الآباء، الذين هم أنبياء ورسل، وعلى خط التوحيد، وخط الإيمان بالله، خط الحق، وطريق الحق، والصراط المستقيم، كان الانتماء إليهم، والاعتزاز بالانتماء إليهم، شيئاً جيداً، ليس معيباً، ولا خطأً، بل هو صحيح.

أمَّا حال المشركين، الذين ورثوا الشرك من أسلافهم، وحال من ورثوا الباطل من أسلافهم، ويتعصَّبون له، ويتشبَّثون به، فليس لهم في ذلك مستندٌ ولا حُجَّة، ذكرنا قول الله: "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى": {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ}[البقرة:170]، لأنهم ليسوا مهتدين؛ فلا ينبغي التشبُّث بما كانوا عليه.

ولـذلك- كما ذكرنا بالأمس- أن مطاوعة التكفيريين عادةً ما كانوا يحاولون، في مساعيهم لإضلال شعبنا العزيز (يمن الإيمان والحكمة)، الذي له امتداده الإيماني الأصيل عبر الأجيال، إلى عهد رسول الله "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ"، ولكنهم يأتون ليقولوا لشعبنا: [كُنتم على ضلال وباطل في كل ما أنتم عليه، ويجب أن تُسْلِموا من جديد، وأن تعتقدوا أن كل الأجيال من قبلكم كانوا كفاراً وكافرين، وعلى غير الإسلام؛ لأنهم ليسوا على الاتِّجاه التكفيري]، فإذا قال أحدٌ ما: [لا، نحن على ما كان عليه الآباء والأجداد]، قالوا: [هااااه، أنتم تقولون مثل مقولة الكافرين: {بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا}[البقرة:170]]، فيحاولون أن يُشَبِّهوا بهذا الأسلوب على البعض من الناس، أن يثيروا مثل هذه الشُّبَه.

لكننا- تحدثنا بالأمس- أن مسار شعبنا العزيز هو كما قال عنه رسول الله "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ": ((الْإِيْمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَّةٌ))، كان يأتي البعض من حركة أهل الدعوة من الهند، في السنوات الماضية، إلى اليمن، ليدعوا اليمنيين إلى أن يسلموا، من الهند، يطلب من اليمنيين أن يسلموا، وهو آتٍ من الهند، وَالْإِيْمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَّةٌ! الامتداد الأصيل، والرموز الهداة العظماء ليمن الإيمان والحكمة من رموز الإسلام والإيمان، من نجوم الهداية، المضيئة في سماء الهداية؛ ولـذلك ينبغي أن يكون لدى الناس وعي وبصيرة، وأن يكون لديهم انتباه تجاه أي شُبه.

تحدثنا عن مسألة الموروث الفكري والثقافي للأُمَّة، وعن المعيار لما هو صحيح، المعيار هو: الحق، والامتداد لنهج الحق وطريق الحق؛ أمَّا ما هو باطل فلا ينبغي التعصُّب له أبداً، بالاستناد إلى من كانوا في طريق الباطل، أو زاغوا عن طريق الحق في تاريخ الأمة، وهذه المسألة مهمة جدًّا.

ننتهي من هذه النقطة، وننتقل إلى كلام نبي الله إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَامُ" فيما رد به عليهم: {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:75-77]، وهنا يعلن موقفه الحاسم (البراءة) بصيغة صريحة وواضحة جدًّا، بالعداء، الذي هو قمة البراءة يعني، {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:77]، فهو يتَّخذ موقفاً حاسماً من شركهم، ومن معبوداتهم الزائفة.

في الحديث عن هذه المسألة، وما فيها من تفاصيل، نتركه لمحاضرة الغد إن شاء الله؛ لأننا اليوم تركنا مساحة للحديث عن الموقف، وحتى لا نطيل، نكتفي بهذا المقدار.

نَسْألُ اللَّهَ "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.

وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

مقالات مشابهة

  • (نص + فيديو) المحاضرة الرمضانية الرابعة عشرة للسيد القائد 1446هـ
  • نص المحاضرة الرمضانية الـ14 للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 1446هـ
  • نص المحاضرة الرمضانية الـ 13 للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي 1446هـ
  • المحاضرة الرمضانية الـ13 للسيد القائد (نص + فيديو)
  • (نص) المحاضرة الرمضانية الثالثة عشرة للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي 13 رمضان 1446هـ 13 مارس 2025م
  • (نص + فيديو) المحاضرة الرمضانية الثانية عشرة للسيد القائد 1446هـ
  • مرايا الوحي: المحاضرة الرمضانية (12) للسيد القائد 1446
  • المحاضرة الرمضانية الثانية عشرة للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي (فيديو)
  • نص المحاضرة الرمضانية الـ 11 للسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي 1446هـ